انا لست محررا، المحررين لاوجود لهم، فالشعوب هي من تحرر نفسها!
مقولة رائعة و خالدة للرجل المبدئي الخالد ارنستو تشي جيفارا، أطلقها وهو في غمرة کفاحه و نضاله المستميت من أجل الافکار و المبادئ التي کان يؤمن بها بصورة يندر أن نجد لها مثيلا في عالمنا هذا!
جيفارا، ذلك الرجل الارجنتيني الاصل و العالمي الانتماء بحق و حقيقة، رغم انه نشأ في عائلة ارجنتينية ميسورة الحال، لکنه مع ذلك لم ينجرف في حياة الترف و الملذات وانما صرف همه الاکبر في جانب آخر وهو قضية الانسان و الکادحين و الجياع في العالم و سعى بکل جهده لکي يکون واحدا من اولئك الذين يحملون قضية الانسان و يدافعون عنها ليس بمواقفهم النظرية البحتة وانما حتى بدمائهم.
قفز جيفارا الى ذهني على أثر مقاطع في غاية الروعة بعثتها لي الصديقة العزيزة فاتن نور بخصوص هذا الثائر العظيم حيث قامت بجمعها و تبويبها و اخراجها بنفسها، هذا الرجل الذي نال شهرة عالمية هو جدير بها بحق، وعلى الرغم من مضي سنوات طويلة على قتله من قبل المخابرات المرکزية الامريکية عام 1967، فإنه مازال قدوة و مثل أعلى في العالم کله وليس هنالك من جهة او طرف او إتجاه فکري او سياسي في العالم برمته لايذکر هذا القاتل الثوري العنيد بخير و يسعى لکي يقطف شيئا من شجرة نضاله الوارفة الضلال. عندما تتذکر جيفارا، فإن الثورة و الموقف الثوري، هو اول مايتبادر لذهن المرء و حتى يمکن أن واحدة من الاسباب التي عمقت من مشاعر الکراهية للولايات المتحدة الامريکية، هي إقدامها على تلك الخطة الخبيثة التي اوقعت بهذا المناضل الکبير اسيرا في يديها و قامت بقتله، وهي جريمة ليس من السهل على الانسانية تجاهلها او نسيانها وکلما حانت ذکرى تلك الواقعة المؤلمة تسلط الاضواء مجددا على تلك الجريمة و تسرد مرة أخرى الذکرى العطرة الخالدة لهذا المقاتل الثائر الذي وهب روحه و جسده للعالم.
جيفارا، الذي طارت ذکراه في کافة أرجاء العالم، سعى الکثير من الزعماء و القادة السياسيين للإقتداء به و الظهور بمظهره، لکن، والحق يقال لم يتسنى لأحد ولحد هذه اللحظة أن يصل الى المستوى الرفيع الذي بلغه هذا المکافح من أجل غد أفضل للانسان أينما کان، لکن لم يکن هنالك أيضا من زعيم طرح مسألة الثورة و تمسك بها و نظر لها کما هو الحال مع العقيد القذافي الذي يحلو و يطيب کثيرا له الحديث عن الثورة و الثوار، و تطرب نفسه و روحه کلما سمع او قرأ او شاهد شيئا بهذا الخصوص، وقد سعى وخصوصا خلال الاعوام الاولى من وصوله الى سدة الحکم، التشبه بجيفارا و تقليده، وعلى الرغم من بقائه فترة طويلة في سدة الحکم"المطلق"، لکنه ظل متشبثا و ملتزما بثوريته ولم ينضو عن نفسه ردائها حتى بعد أن بدأت المليارات تجري من تحت يديه کمياه النهر، وبقي ثوريا و داعية و منظرا و مفکرا و زعيما ثوريا رغم انه أهدر المليارات في مشاريع فاشلة و خاسرة بکل المقاييس کنهره الاخضر و برنامجه النووي و عملية لوکربي الثورية جدا، ظنا منه انه بهذا قد يکون مثل جيفارا، ذلك المکافح و المناضل و الثوري العتيد الذي کان يحس بألم کل صفعة توجه على خد أي مظلوم في العالم کله و لم يکن يعترف بالحدود وکان يعتبر العالم کله وطنه بل وانه کان يجاهر(حيثما کان ظلم هنالك وطني)، لکن مشکلة العقيد القذافي، أنه کان يقلد جيفارا بصورة خشبية عمياء، کان منبهرا و مأخوذا بظاهر الامر ولم ولن يستوعب او يفهم العمق و البعد الفکري الانساني المثالي له، کل الذي کان يهمه أن يرد ذکره على کل لسان وان يکون ثوريا و مناضلا کجيفارا او جمال عبدالناصر، لکن فات القذافي و العديد من الذين يسعون لتقليده او التشبه به"کالرئيس الفنزويلي أيضا"، أن جيفارا کان يؤمن إيمانا راسخا و عميقا بإستمرارية الثوري في نضاله وعدم جلوسه خلف"کرسي"، ولذلك فإن الرجل لم يحلو له البقاء في منصب وزير الصناعة في کوبا بعد نجاح الثورة وانما غادرها الى بوليفيا من أجل إسقاط الدکتاتور البوليفي الذي کان يضطهد شعبه، وکان صادقا و أمينا مع ماذکره بهذا الخصوص حيث قال:( ان الثورة تتجمد وان الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون على الکراسي)، ويقينا أن رجلا کالقذافي مستعد لکي يقيم کل صباح و مساء حمام دم لأبناء شعبه بشرط أن يبقى على کرسيه"الخاص"، کقائد وهمي لثورة وهمية بدأ الشعب الليبي يمل من الاستمرار في تصديق ذلك الوهم الذي يردده منذ 42 عاما، انها ثورة وهمية أشبه ماتکون بملابس الامبراطور الوهمية حينما مشى عاريا ظنا منه بأنه يلبس ملابس خاصة جدا، هکذا کان جيفارا و هکذا هو القذافي، ذلك عاش و مات من أجل الحرية و الانسان و هذا باق ککابوس و دولاب دموي يطحن بأبناء شعبه و يحجب عنهم الحرية بزعم ثورته الوهمية التي لم تکن سوى مجرد إنقلاب عسکري اسقط ملك أثبتت الايام أنه کان أفضل منه بکثير وان حمل الثوار الليبيين للعلم الملکي دليل على ذلك، وإذا کان حال العقيد القذافي هکذا مع ملك ليبيا السابق ادريس السنوسي، فکيف الحال لو تمت مقارنته بجيفارا؟
التعليقات (0)