يري الكثيرون أن العقيد القذافي رجل غريب الأطوار و أقرب ما يكون إلي الجنون بسبب تصريحاته الغريبه على مدى العقود الغابرة, و بالذات تصريحاته الأخيرة حول الشباب الثائر على حكمه الدموي الذي استمر أكثر من أربعة عقود سحق خلالها كل من ساورته نفسه بإنتقاد حكمه, حيث يعتقد المتابعون أن أقوال قائد الثورجيين الأممي بأن الثوار هم في الحقيقة مجموعة من الشباب المهلوسين السكرانين الذين لايعون حقيقة أفعالهم, هي أقوال مثيرة للسخرية بل و أنها مهينة للشعب الليبي العظيم, و هو شعب عظيم و مقاوم بكل تأكيد.
إلا أنني و بكل صراحة أكاد أجزم أن القذافي بصراحته أو جنونه يتحدث بلسان جميع الحكام و الأنظمة بل و الأحزاب السياسية العربية الذين لم يتصوروا أن شعوبهم المقموعة المهمشة المقهورة يمكن أن تثور يوما من الأيام على أنظمتهم الدكتاتورية التي أفنت سنوات حكمها في وأد فكرة الثورة في مهدها وفي قمع كل من تسول له نفسة إنتقاد الرئيس و حاشيته. فالقذافي هو لسان حال الأنظمة العربية يعتقد أن الذين يثورون علية يجب أن يكونوا بلاشك مجموعة من الأشخاص -المحششين- الذين لايعون أفعالهم, فكيف بالله عليكم تخرج الشعوب ضد الأنظمة و تنادي و بكل وقاحة, و في وضح النهار و أمام كاميرات التلفاز المشبوهة التابعة لفضائيات مشبوهة بل و عميلة للإمبريالية العالمية المعادية للشعوب, بسقوط النظام؟؟ ففي عقلية القادة و الأنظمة العربية فإن الشعوب العربية لاتتعدي كونها قطيع من الدواب تقودها الأنظمة كيفما تشاء و في الإتجاة الذي ترغب و بالتالي لايمكن أن تنتفض على الوضع القائم لأنها شعوب لاتستطيع تحديد أولوياتها بل أن الأب -الرئيس- و أجهزة مخابراته هم من يقررون ما ترغب به شعوبهم, فالشعوب العربية هم شعوب مخصية لايمكن أن تتمرد على النظام بل و الأدهى من ذلك أن أجهزة الدولة البوليسية و المخابراتية لم تستطع بكل جبروتها من قمع الشعوب الثائرة. فالنتيجة الوحيدة التي وصل إليها القذافي, الذي يبدو إلى الآن أنه يتجه نحو كسر قاعدة هروب أو تنحي القادة العرب يوم الجمعة و بعد الخطاب الثالث, هي أن شعبه أصبح مخدرا و مغررا به و هذا هو السبب الوحيد للثورة, و ليس فساد و قمع نظامه. و لعل ذلك هو الذي أجبر حبيب الشعب العقيد قصف شعبه بالطائرات مقتديا بالرئيس السوري السابق الذي قام بقصف شعبة في مدينة حماه بالطائرات السوفيتية, لكن الفرق بين المثالين أن العالم لم يسمع بقصف حماة إلا بعد أسابيع من ذالك الحدث الجلل الذي حدث قبل ثورة الإتصالات التي غيرت من وجة العالم.
فكيف أفاقت الشعوب العربية بعد عدة عقود من سكرتها الطويلة و تمردت بكل وقاحة على أنظمتها الثورية المعادية للصهيونية والإمبريالية العالمية؟؟
لاشك أن دراسة و تحلليل سبب الثورات العربية المتلاحقة التي تحدث الآن و التي لن تتوقف قريبا ما زال مبكراً, إلا أنني أعتقد أن السبب الرئيس في الثورات هو الكرامة, نعم الكرامة بلا شك هي المحرك الرئيس للثورات .
أذكر و أنا أتابع المظاهرات و الثورات الجماهيرية في الوطن العربي مسرحية كأسك يا وطن و ما قاله دريد لحام على لسان محمد الماغوط مجيبا على سؤال والده الماكث في الجنة عن ما ينقص الشعوب العربية قائلا " بدنا شوية كرامة بس". فهذا لحراك الشعبي العربي الذي يحدث الآن و هذه الثورات ليست ثورات خبز و جوع و لعل ذالك هو أحد أسباب نجاح ثورة تونس و مصر في خلع الرئيسين. فجزء كبير إن لم يكن الأكبر من الجماهير التي قادت و شاركت بكل شجاعة في الثورة هم من الطبقة المتوسطة الميسوري الحال, إلى حدٍ ما, و ما يعزز من هذه النظرية أن الدعوة للهبّات الجماهيرية في الوطن العربي كانت عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي التي لا يتمتع الجزء الأكبر من الفقراء في بلاد العرب من الوصول إليها و أشير هنا إلى دراسة صدرت حديثا من قبل أحد مراكز دبي للأبحاث و التي تشير إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت بنشاط لايتجاوز 13 مليون مواطن!! و بالتالي فإني اعتقد أن ما يحرك الشعوب نحو الثورة على الوضع القائم هو القمع الذي تمارسة الأنظمة العربية على شعوبها و إمتهان كرامة الشعوب و القضاء على حرية التعبير و الرأي في ظل عالم الفيسبوك و التوتير و وويكيليكس, هذا العصر هو عصر ثورة المعلومات و الإتصالات و الإنترنت الذي يوفر للجميع مساحة واسعة للتعبير و حرية الرأي و هو ما لن تستطع عقلية الأنظمة العربية المتحجرة من فهمه. الشعوب العربية تريد العيش بكرامة مثل باقي شعوب المعمورة و تريد أن تدلي برأيها في كافة شؤون الحياة من دون خوف أن يؤدي ذالك لإمتهان كرامتهم و كرامة عائلاتهم.
نعم ياسيادة العقيد و ياحكام العرب جميعا, و لاأستثني أحدا, الشعوب العربية هي شعوب مهلوسه و سكرانة من هول القمع و إمتهان الكرامات الذي مارستموه على مرَ العقود الماضية و لن تصحى هذه الشعوب من السكرة إلا وقد خلعتم و هربتم و حكمتم على إمتهان كرامات الملايين. إنها ثورات كرامة لم و لن تتوقف إلى أن نستعيد كرامتنا و نسلبكم كرامتكم أيها الطغاة, هذا طبعا إن وجدت كوني أشك أن من يسلب الناس كرامتهم يعرف معني أو طعم الكرامة.
التعليقات (0)