مواضيع اليوم

القدس …. ما مستقبلها ….؟

حسن الطوالبة

2011-10-26 20:20:31

0

 

 


القدس …. ما مستقبلها ….؟

 

 

 

 

 

 


د. حسن طوالبة


تقديم:
الحديث عن القدس، يعني الحديث عن فلسطين، فهي عاصمتها السياسية والتاريخية والقانونية، ولكن المدينة المقدسة صارت قضية لوحدها في اجتهاد المنظمات الدولية منذ أوائل القرن الماضي، ضمن اجتهادات ومقترحات التدويل.
القدس واحدة من المدن القلائل في العالم، وإن لم تكن الوحيدة كما اعتقد، نالت عناية فائقة من الجميع، نظرا لمكانتها الروحية والتاريخية والحضارية، وقلما يذكر التاريخ مدينة تركزت فيها مثل هذه المهابة الروحية كالقدس. لأن فيها مراكز دينية لثلاث ديانات رئيسة، يدين بها معظم سكان العالم. فهذه المدينة ‘‘وبالذات المدينة القديمة المسورة’’ معمورة بالمساجد والكنائس والكنس والزوايا والتكايا والمدارس والمقابر. أضف إلى أن هذه المعالم المقدسة، بنيت بأدق قياسات الفن المعماري، والذوق الفني والزخرفة التي عرفتها البشرية.
تعرضت المدينة المقدسة، التي بناها اليبوسيون قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، إلى العديد من الانعطافات التاريخية، التي وصل بعضها حد التدمير والإبادة، خلال القرون الماضية وكان أخرها الاحتلال الصهيوني، وممارسات اليهود الصهاينة تهويد المدينة بشريا وعمرانيا وقضائيا اجتماعيا، واعتبارها عاصمة لكيانهم ألاغتصابي العنصري.
إن المشكلة الكبيرة هي أن الصهاينة بدأوا حركتهم ومخططاتهم على أفكار ميتافيزيقية لاهوتية، واستغلوا كل الشعائر الواردة في التوراة، لاستثارة الحس العاطفي لدى يهود العالم، ودفعهم إلى الانخراط في الحركة وتنفيذ مخططاتها. ولم يقتصر الأمر على قناعة اليهود بالإدعاءات الدينية والتاريخية الواهية، بل صارت غالبية الشعوب الأوربية والأمريكية مقتنعة بها وتدافع عنها. وزاد الطين بله، تخاذل المنظمات الدولية التي تدعي لنفسها رعاية الأمن والسلم في العالم، ومحاباتها الصهاينة على حساب الحق العربي.
في هذه الدراسة سوف نتوقف على توضيح العديد من المصطلحات التي تعني قضية الصراع العربي- الصهيوني، وتفنيد الادعاءات التاريخية والدينية حول أحقية اليهود بفلسطين والقدس بخاصة، والوقوف على الإجراءات الصهيونية لتهويد القدس، وموقف المنظمات الدولية من قضية القدس، والتصور المستقبلي لمستقبل المدينة المقدسة وفلسطين بعامة.

 

 

أولا: تعريفات ومفاهيم
1-موقع القدس(1):
تقع مدينة القدس بين خطي عرض 22-35 شمالا، وخطي طول 12-35 شرق خط غرينتش. وتقوم فوق أربعة جبال هي: جبل موريا وعليه الحرم القدسي وجبل أكرا، وجبل بزيتا، وجبل داوود، ويحيط بها أربعة جبال هي: جبل سكوبس شمالا، وجبل المكبر جنوبا، وجبل الطور شرقا، وجبل صهيون غربا، وتبلغ مساحتها 31 ألف دونما ومساحة القدس القديمة 927 دونما، تبعد القدس 32 ميل عن البحر المتوسط، و 18 ميل عن البحر الميت، و 19 ميل عن مدينة الخليل، و 30 ميل عن مدينة سبطية.
تتميز القدس بموقعها الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة وبين قارات العالم القديم، كما منحتها الطبيعة حصانة لحماية نفسها من الغزو. وللمدينة سور قديم بناه السلطاني العثماني سليمان القانوني، طوله أربعة كيلومترات وارتفاعه 12 مترا، وله سبعة أبواب يدخل الناس منها، أشهر أبوابه أربعة هي: باب العامود شمالا، والمغاربة جنوبا، والأسباط شرقا، والخليل غربا.

2-مكانة القدس الدينية(2):
نالت القدس مكانتها الدينية لأنها تحوي أماكن مقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود، ففيها للمسلمين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة والصخرة المشرفة وجامع عمر، إضافة إلى 36 مسجدا أخرى، منها 29 في القدس القديمة والباقي في القدس الجديدة (الغربية)، وابرز الجوامع: الخانقاه، والعمري، وطريق النبي داوود، والبراق، وقبة موسى، وباب الغوانمة. وفيها 15 مئذنة إضافة إلى مدارس إسلامية معروفة منها: المدرسة الافضلية، والمدرسة الجراحية، والمدرسة المعظمية، والمدرسة البدرية، والمدرسة الداوودية، والمدرسة الارغولية والمدرسة الخاتونية. وفيها العديد من الزوايا كالنقشبندية، وزاوية الهنود، والقادرية. وفيها مقابر الصحابة مثل مقبرة عبادة بن الصامت، ومقبرة شداد بن اوس، ومقبرة فيروز الديلمي.
وفي القدس أماكن مقدسة للمسيحيين أبرزها كنيسة القيامة التي بنتها الملكة هيلانة أم الملك قسنطيطن سنة 335م، وكنائس أخرى مثل: القبر المقدس، والعذراء، ومار يعقوب، والصعود، والقديسة مريم المجدلية، إضافة إلى الأديرة مثل: دير القدس، ودير توما، ودير مبارك ودير القديس شارل بروسيوس. أما اليهود فلهم كنيس متواضع في القدس في حي اليهود القديم، ويثيرون ضجة عالمية حول هيكلهم الذي يبحثون عن آثار له تحت الحرم القدسي الشريف.


3-تسمية القدس(3):
اطلق على القدس تسميات عدة اقدمها (يروشالم) أو (يرو-شلم). وكلمة (شالم) أو (شلم)، هو اسم آله كنعاني يعني (السلام). أما تسمية (اورشليم) التي استخدمتها التوراة مئات المرات، فهي مأخوذة من التسمية اليبوسية الكنعانية، وقصدت التوراة بـ (شاليم) أو (ساليم)، (مدينة الله) أو (مدينة داوود) أو (مدينة الملك العظيم) أو (مدينة يهوذا). وقد ورد في (سفر التكوين 14/18)، وهو الذي يروي قصة قدوم إبراهيم إلى ارض كنعان في عهد الملك (ملكي صادق) ملك شاليم، إذ قال: ‘‘مبارك ابراهيم من الله العلي، مالك السموات والأرض، ومبارك الله العلي الذي اسلم اعداءك في يدك فأعطاه إبراهيم عشرا من كل شيء’’.
فاسم (أورشليم) بكل قراءته، هو اسم عربي كنعاني، قبل مجيء اليهود بمئات السنين إلى أرض كنعان- فلسـطين، وقد ورد اسم الملك الكنعاني (أدوني صادق) في (سفر يشوع 10/1-5).
وتفسر كلمة (أورشليم) بأنها مشتقة من الجبل الأشم، أو (شميم)، أي المكان المرتفع نظراً لبناء القدس فوق مجموعة من الجبال، وتحيط بها مجموعة أخرى من الجبال كما أسلفنا. وهناك مدن عربية يبدأ اسمها باللفظ (أور) مثل (اور السومرية) و (اورفة الحرانية) و (أور عدن) وكذلك (أورشليم).
وقد تسمت القدس كذلك بـ (يبوس) نسبة إلى اليبوسين الذين أول من سكنوا هذه البلاد وأقاموا المدينة التي عرفت باسمهم وجعلوها حاضرة ملكهم.
وسماها المصريون الفراعنة بـ (يابيتي) أو (يابني)، وهو تعريف لأسم (يبوس) الكنعاني. وعندما حكم البزنطينيون البلاد سموها (إيليا) أو (إيلياء)، ومعناها (بيت الله)، وهذه التسمية نسبة للامبراطور الروماني (ايلياس هادرناس) الذي هدم (اورشليم) للمرة الثانية بعد ان هدمها من قبل (تيطوس) الروماني 70م. وعندما جاء الامبراطور قسطنطين الذي آمن بالمسيحية، الغى اسم (إيلياء)، واعاد تسمية (أورشليم). ولكن اسم (ايلياء) ظل شائعا حتى جاء الفتح العربي الإسلامي، زمن الخليفة عمر بن الخطاب، إذ استخدم الاسم في صياغة (العهدة العمرية) ورد فيها: ‘‘هذا ما أعطى عبد الله عمر أهل إيلياء من الأمان’’. وقد استخدم عدد من المؤرخين هذه التسمية في مؤلفاتهم كابن هشام في سيرته، والبلاذري في ‘‘فتح البلدان’’ وياقوت الحموي في ‘‘معجم البلدان’’.
اما تسمية القدس فقد شاعت بعد الفتح الإسلامي، وتعني ‘‘الطهارة’’، كما تعني المكان المرتفع الذي يصلح للزراعة. وجذر القدس (ق د س)، أي طهر أو حرم، وجاء التسمية من (بيت المقدس)، وتعني المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

3-صهيون(4):
تعود كلمة (صهيون) إلى اسم الرابية الجنوبية الشرقية من (اورشليم)، إذ أطلق عليها اليبوسيون، أول من سكنوا فلسطين وأقاموا عاصمتهم (أورشليم). وقد تحولت الرابية التي سماها اليبوسيون بـ (صهيون) إلى جبل صهيون، كما ورد في العهد الجديد (رسالة إلى العبرانيين 12-22).
وعليه فالتسمية كنعانية سبقت وجود اليهود بقرون. وقد أراد حاخامات اليهود وأحبارهم تكريس اسم صهيون في العهد القديم، استنادا إلى حادثة تاريخية مفادها ان الملك داوود عندما تمكن من احتلال (أورشليم) من يد اليبوسيين، استولى على رابية صهيون، ووضعوا وصفا أو تفسيرا للكلمة بمعنى (ارض جافة)، في حين أن الكلمة تعني في اللغة العربية ‘‘صهوة’’، أي العالي، ويقال صهوة الجواد. وقد كثر استعمال كلمة (صهيون) وأصبحت رمزا لليهود، استنادا إلى ما ورد في (سفر يوئيل 3/16/17) إذ ورد فيه ان ‘‘الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب، كما صار جبل صهيون مسكن الرب، والرب من صهيون يزمجر، ومن جميع أورشليم يعطي صوته فترجف السماء والأرض’’.
من هذه الخلفية التي تمتزج فيها الخرافة والتحريف، نسب اليهود الصهاينة حركتهم إلى (صهيون) بعد مضي حوالي ثلاثة آلاف سنة على حكم داوود ولا يفوتنا أنه يوجد في جوار القدس واد يسمى (وادي صهيون)، كما يوجد موضع في جنوب غربي المدينة، خارج السور الحالي للمدينة يسمى (جبل صهيون)، وهي تسمية حديثة، لا تمثل موضع الجبل الأصلي المسمى صهيون، في القسم الجنوبي الشرقي للمدينة. وهكذا يتضح كيف عمل اليهود الصهاينة على تحريف الحقائق وسرقة التاريخ وتزوير حقائقه العلمية والتي أكدتها الاكتشافات الآثارية.

ثانيا: أسانيد اليهود في عائديه القدس:
1-الأسانيد التاريخية:
يفيد الجدول المحلق حول تطور الوضع السياسي في فلسطين والقدس بخاصة أن هذه البلاد لم تشهد استقرارا لمدة طويلة. بل شهدت حروبا وغزوات متواصلة شنتها أقوام متفرقة ضد اليبوسيين والكنعانيين، أصحاب البلاد الأصليين، وأثناء فترة حكم بني إسرائيل شهدت حروبا وغزوات متعددة وانقسامات كبيرة بين أحفاد وأتباع داوود وسليمان. لقد سكن العرب الكنعانيون في فلسطين منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وأقام اليبوسيون مدينة القدس التي اسموها (يورشالم)، أي نسبة إلى الأهم (شالم)، الذي يعني السلام، وما زالت المدينة تعرف باسم (مدينة السلام).
وعندما تمكن داوود من السيطرة على القدس، نقل ملكه إليها من مدينة الخليل (حبرون)، وعمل على بناء هيكل، ولكنه لم يكمله لاعتبارات دينية لدى اليهود، وأكمله ابنه سليمان. وتذكر كتب التاريخ أن داوود قسا وبطش بأهل القدس(5)، ولم تؤشر الحفريات الآثارية أية أبنية من عهدهما، لكثرة ما تم تدمير هيكل سليمان في غزوات الأشوريين والبابليين والرومان، كما لم يسجل التاريخ محطات علمية أو حضارية أو فكرية لليهود في فلسطين. ومنذ القرن الميلادي الأول، انتشر اليهود في جميع جهات البحر المتوسط، ومنذ ذلك الوقت لم يبق لهم أية صلة بفلسطين، بل نشدوا الاستقرار وسط المجتمعات التي عاشوا فيها، ومالوا نحو التجارة للربح ومنها عرفوا الربا لتحقيق مزيد من الربح(6).
أشرت الأحداث التاريخية أن الشعب العربي ولدوا في فلسطين وعاشوا فيها مدة طويلة متواصلة، وهذا هو المقياس الذي يحظى بالموافقة العامة للبشرية في العصر الحديث ويعتبر أساسا لسلامة جميع الشعوب وأمنها(7). وعليه فان أسانيد اليهود بأنهم قاموا في فلسطين، فان إقامتهم وحكمهم كان لمدة قصيرة جدا، قياسا بإقامة العرب الكنعانيين اليبوسيين الذين سكنوا فلسطين قبل خمسة آلاف سنة من الآن، وهم الذين أقاموا القدس (أورشليم) واحتفظوا بها حتى حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد، إذ تمكن داوود من احتلالها، وأقام حكمه فيها وخلفه ابنه سليمان، وانقسمت تلك الدولة إلى مملكتين هما: "إسرائيل" وعاصمتها السامرة ، "ويهوذا " وعاصمتها القدس. إن هذه المدة قصيرة جدا اقل من مائتي سنة. وقد قضي على هذا الوجود ملك الأشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد، وكذلك ملك البابليين في القرن السادس قبل الميلاد، وتم تدمير هيكلهم وأسرهم إلى بابل. كما جاء الحكم الروماني وسيطر على فلسطين، وقضى على الوجود اليهودي فيها، ودمر هيكلهم. ومنذ ذلك الوقت (القرن الأول للميلاد) واليهود ينتشرون في أرجاء مختلفة من العالم.
إن حكم اليهود ووجودهم في فلسطين وفي القدس بخاصة لا يتجاوز 516 سنة منذ أن ذكرت فلسطين في التاريخ، أي منذ خمسة آلاف سنة، أي حوالي 10% من مدة تاريخ فلسطين المعروف. كما أنهم لم يحكموا القدس حكما مستقلا سوى مدة 73 سنة في عهدي داوود وسليمان. كما أن هذه المدة لم تخل من خضوعها لجهات أخرى مثل المصريين والفينيقيين والميكابين واليونانيين(8).
حرر العرب المسلمون فلسطين من الحكم الروماني، وأعادوا للقدس قدسيتها، واعزوها وحافظوا عليها لأنها مقر الأنبياء ابتداء من إبراهيم الخليل، ولأنها أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وفيها مسرى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وقد ظلت عاصمة فلسطين على مر العصور، ومتحف أثارها.
نالت القدس وأماكنها المقدسة الكثير من الرعاية طيلة القرون الثلاثة عشر الماضية، فقد بنا الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد الصخرة، وأعاد بناء المسجد الأقصى وأتمه ابنه الوليد، وجدد النقوش فيه وفرشه بالسجاد وزوده بالثريات. وتابع نهجه العديد من الأمراء والملوك والسلاطين المسلمين.
وصان المسلمون مقدسات الأديان والطوائف الأخرى غير الإسلامية مثل مقامات إبراهيم واسحق وسارة في الخليل، وقبر داوود وسليمان. وحافظوا على الكنائس والأديرة.
أما اليهود فلم يكن لهم أماكن مقدسة داخل القدس، غير كنيس واحد في حي اليهود، لأنهم تعرضوا للدمار في حقب تاريخية متعددة –سبقت الإشارة إليها- وابرز معالمهم المقدسة (هيكل سليمان)، الذي دمر أكثر من مرة، ويبحث اليهود منذ احتلالهم فلسطين والقدس بخاصة، عن هذا الهيكل داخل الحرم الشريف وتحت أسواره، وبالذات تحت سور المسجد الأقصى.
2-الأسانيد الدينية:
إن إدعاء اليهود بقدسية مدينة القدس بالنسبة لهم، فإن هذه القداسة عامة بالنسبة للديانتين الكبيرتين المسيحية والإسلامية، ومن قبلها كانت مقدسة عند اليبوسيين أيضا فأين تكمن أسانيد اليهود..؟
أ‌. الادعاء بصلة النسب وحدهم إلى إبراهيم أبو الأنبياء كلهم. لقد ركزت التوراة على اسحق من نسل إبراهيم، رغم أن ابنه إسماعيل يكبر اسحق بثلاثة عشر سنة. ويتضح من قراءة نصوص التوراة، أن الرب حرم إسماعيل من رعاية كالتي منحها إلى اسحق، وهذا الأمر يثير تساؤلا حول عدالة الرب الذي يؤمن بها بني إسرائيل، ويتناسون أن الله سبحانه وتعالى فدى إسماعيل ‘‘بذبح عظيم’’ تكريما له ولوفائه وطاعته لوالده. وكما حرمت التوراة الأبن الأكبر لابراهيم من الوعد الالهي. فقد حرمت ابن اسحق الأكبر (عيسو) من هذا الوعد أيضا ومنحته إلى ابنه يعقوب الذي سمته (إسرائيل). وقد جاء في (سفر التكوين 17-18) أن قال الرب لإبراهيم ‘‘سارة تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق، وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده، وأما إسماعيل فقد سمحت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره واكنزه كثيرا جدا، اثني عشر رئيسا واجعله امة كبيرة، لكن عهدي أقيمه مع اسحق الذي تلده سارة’’.
ويبدو أن إبراهيم لم يعر بالا لهذا الوعد، ولم يتصرف على أساسه، بان الرب وعده ارض كنعان له ولنسله من بعده، بدليل انه بعد أن هاجر من العراق إلى بلاد كنعان في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وتعايش مع اليبوسيين، وباركه ملكهم (ملكي صادق) فانه لم يبقى طويلا في تلك الأرض، ولم يتخذها ملكا له، بل هاجر إلى مصر، ثم عاد ثانية إلى بلاد كنعان- فلسطين. كما تذكر وقائع التاريخ أن إبراهيم عندما ماتت زوجه سارة في مدينة الخليل (حبرون)، اشترى قطعة ارض من ماله الخاص لكي يتخذها مقبرة له. وقد خاطب أهل الأرض قائلا: ‘‘انأ غريب ونزيل عندكم’’(9).
إن عهد إبراهيم يسبق وجود بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر مع موسى وهارون بحوالي سبعة قرون، كما أن إبراهيم أبو الأنبياء كلهم، وأبو العرب كلهم، فليس من حق أصحاب دين معين الادعاء بتفرد النسب إليه.
وإذا سلمنا- من باب النقاش فقط- أن الله قد منح وعده لإسحق ومن بعده ابنه يعقوب، فان الأدلة التاريخية تشير إلى أن أسباط يعقوب الذين هاجروا إلى مصر زمن يوسف، أقاموا في مصر قرابة 250 سنة. وعندما قدم موسى إلى مصر داعيا إلى التوحيد وعبادة الله الواحد، آمن به أناس من بني إسرائيل، أي أحفاد يعقوب، وآخرون من المصريين، وأولهم سحرة فرعون. وعندما خرجوا من مصر وذهب موسى للقاء ربه، يتلقى منه الألواح والوصايا، تمرد بنو إسرائيل على هارون وعادوا إلى عبادة العجل، فغضب الرب عليهم وهددهم بان يقتلعهم من الأرض إذا واصلوا تمردهم وعصيانهم، كما ورد في (سفر أحبار الأيام الثاني). كما ورد في (سفر التثنية 9-11) مخاطبة الرب لموسى بالقول ‘‘قم انزل عاجلا من هنا، لانه قد فسد شعبك الذي أخرجته من مصر. زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم’’(10).
وإذا كان هذا هو كلام الرب، أعطى بني إسرائيل، وعاد ونقض وعده، فسخط عليهم فأي حق ديني لهم في ارض فلسطين، ولكن هذا الادعاء هو لاستثارة مشاعر يهود العالم، وتحفيزهم للهجرة إلى ‘‘ارض الميعاد’’ كما تقول التوراة، والعمل على احتلالها وإقامة كيان صهيوني فوقها.

ثالثا: تهويد القدس:
تؤكد مصادر عدة أن عدد اليهود داخل أسوار القدس قبل هجرتهم إلى فلسطين أواخر القرن التاسع عشر لا يتجاوز 100-150 فردا(11). ولكن بعد أحداث جنوب روسيا عام 1881، وبداية الحديث عن إقامة دولة يهودية في فلسطين، بدأت موجات من هجرة اليهود الأوربيين إلى فلسطين، متحايلين على سلطات الحكم العثماني في فلسطين وفي القدس بخاصة. وازدادت موجات الهجرة بعد صدور وعد بلفور 1917، وتضمين بنود صك الانتداب البريطاني على فلسطين، تسهيل هجرة اليهود إليها، والسعي لإقامة ‘‘وطن قومي لليهود’’ فيها.
أشارت مصادر عدة إلى أن عدد اليهود في القدس حتى عام 1948 كان مساويا لعدد العرب (مسلمين ومسيحيين)، أو يزيد بنسبة قليلة. فقد ذكر تقرير القس (بروجمان) المرفوع إلى مجلس الوصاية أن في القدس مئة ألف يهودي، و 65 ألف مسلم و 40 ألف مسيحي. أما مصادر الأمم المتحدة فذكرت وجود 99 ألف يهودي، و 74 ألف مسلم، و 31 ألف مسيحي، أي أن العرب يشكلون 62% واليهود 38%(12).. أما ملكية اليهود في القدس فلا تتجاوز خمسة ألاف دونما من مساحتها الكلية البالغة 30 ألف دونما، أي 17% من مساحتها الكلية. وفي عام النكبة مكن الانتداب البريطاني اليهود للسيطرة على مساحات كبيرة من القدس بلغت 20 ألف دونما من أراضي العرب بعد أن طردوا وهجروا أكثر من مليون فرد منها بالقوة والعنف المسلح، وهدم بيوتهم، كما فعلوا في قرية دير ياسين القريبة من القدس، وهدم قرابة 418 قرية في فلسطين كلها، ليقولوا للعالم أن فلسطين أرض بلا شعب.
وبعد احتلال الجزء الغربي من القدس والتي تعرف بالقدس الجديدة، وإعلان قيام الدولة الصهيونية يوم 15 أيار 1948، اتخذ اليهود الصهاينة إجراءات إدارية وقانونية لتغيير معالم المدينة المقدسة جغرافيا وبشريا. فقد تركزت الإجراءات الإدارية على الأرض في هدم البيوت العربية ومصادرة أراضي العرب بدعاوى أمنية أو إدارية تنظيمية، كما عمدوا إلى تغيير معالم المدينة بإقامة أبنية حديثة شاهقة، بحيث طمست معالم المدينة المقدسة وغطت البنايات الشاهقة على الأبنية المقدسة والأثرية.
وقد تلخصت خطط الصهاينة في تلك المرحلة قبل حرب 1948 بتشجيع هجرة اليهود إلى القدس، وتجميع مؤسسات يهودية فيها مثل اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية والصندوق التأسيسي القومي اليهودي. وكذلك بناء مستوطنات وأحياء في القدس الغربية، إذ بلغ عدد المستوطنات المقامة فيها حتى عام 1933 عشرين مستوطنة وحوالي 20 حياً يهودياً.
وبعد أن سيطر الصهاينة على القدس الغربية في حرب 1948، سيطروا على مساحة 38كم مربع أي حوالي 80% من مساحة القدس الكلية. كما طبقوا قانون أملاك الغائب، بتأجير أملاك العرب لليهود، وتشجيع الهجرة اليهودية إلى القدس، حيث وصل عام 1948 ، 84 ألف مهاجر، وارتفع العدد إلى 103 ألف مهاجر عام 1949، ثم إلى 167 ألف عام 1961، ثم إلى 197 ألف مهاجر عام 1967. كما عمد الكيان الصهيوني إلى إنشاء مؤسسات رسمية حكومية اقتصادية وسياسية في القدس.(13)
وتم نقل الحكومة ووزارة الخارجية من تل أبيب إلى القدس.
وبعد عام 1967 وقعت القدس بكاملها تحت السيطرة والاحتلال الصهيوني، وانتهجت سلطات الاحتلال السياسة نفسها إزاء امتلاك أراضي العرب وتهجيرهم من ديارهم وأرضهم بالقوة، وتطبيق قانون الغائبين أي مصادرة الأراضي والأملاك العربية، بدعوى غياب أصحابها فترة من الزمن(14). واستنادا إلى قانون الغائبين وقانون الاستملاك للمصلحة العامة، صادرت سلطات الاحتلال المزيد من الأراضي العربية بعد عام 1967 من مساحة القدس. وقضى قانون المصلحة العامة بنظر اليهود الصهاينة، مصادرة أراضي عربية بدعوى أنها كانت ليهود من قبل، في حين أن مساحة ملكية اليهود يملكونه قبل عام 1948 لا يتجاوز خمسة ألاف دونما من مساحة القدس الكلية البالغة 30 ألف دونما، وقد تركز وجود اليهود في القدس المسورة في حي واحد اسمه (حي اليهود)، لا يتجاوز مساحته خمسة دونمات.
فتح الكيان الصهيوني الباب واسعا أمام المهاجرين اليهود للسكن في القدس ولا سيما من يهود الاتحاد السوفيتي السابق، فتضاعف عدد اليهود في القدس مرات، بهدف ضمان كثافة سكانية كبيرة، تمنحهم الولاية على القدس لهم، إذا ما حصل استفتاء في المستقبل، أو أعيد مشروع التدويل ثانية. وهو ما سنأتي عليه لاحقا.
ولاستكمال عمليات تهويد القدس فقد أعلنت سلطات الاحتلال ضم القدس الكبرى بعد عام 1967 إداريا وسياسيا وقانونيا إلى كيانها ، متجاهلة كل القوانين الدولية والقرارات الصادرة من الأمم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين، وهّجرت أعداد كبيرة من العرب خارج القدس، كما هدمت عشرات البيوت، وأحياء كاملة مثل (حي المغاربة). فعملت على تهويد الاقتصاد العربي من خلال وضع مراكز جمركية على الطرق النافذة إلى القدس. واعتبار القدس منطقة أجنبية بالنسبة لمواطني المدن والقرى الأخرى. ومعاملتهم معاملة الأجانب الذين يقيمون في دولة الكيان الصهيوني. وخول وزير الداخلية الصهيوني حق سحب بطاقة السكن والإقامة للمواطنين الفلسطينيين إذا عاشوا خارج "إسرائيل" لمدة 7 سنوات. أو حصلوا على تصريح إقامة دائمة من دولة أخرى، أو حصلوا على جنسية دولة أخرى(15)، وجاءت هذه الإجراءات ضمن سياسة "العزل"، أي عزل القدس عن محيطها العربي. كما أغلقت سلطات الاحتلال البنوك والشركات والغرف التجارية، ومكاتب المهندسين والمحامين وإجبار هذه الجهات على تسجيل نفسها في مؤسسات الكيان الصهيوني، وخضوعها للقوانين السارية فيه، وللوائح التي تصدرها حكومة الكيان.
وبعد احتلال القدس الشرقية بشهر واحد، حلت سلطات الاحتلال مجلس أمانة القدس العربية، وفصلت أمينها من العمل وألحقت موظفي الأمانة بمجلس القدس الصهيوني.


ولم تكتف سلطات الاحتلال بهذا، بل تطاولت على القضاء والقوانين، وأهمها قانون التعليم وقانون التنظيمات الإدارية، وألغت القوانين الأردنية التي كان يعمل بها قبل احتلال 1967، كما نقلت مقر محكمة الاستئناف إلى مدينة رام الله. وصارت القوانين والتعليمات الصادرة من سلطات حكومة الاحتلال هي السارية في القدس، وهي التي تحدد صلاحيات اختصاصات المحاكم السارية المفعول. وتدخلت سلطات الاحتلال في القضاء الشرعي، فأصدرت قانونا منحت بموجبه المحكمة الشرعية في مدينة يافا صلاحية الفصل في القضايا التي تخص المحكمة الشرعية في القدس، تنظر فيها، وهذا الإجراء يهدف تجريد المحكمة الشرعية في القدس من صلاحياتها، وبالتالي إلغائها وإجبار سكان القدس على مراجعة محكمة يافا الشرعية(16).
ولم يقتصر الأمر على هذه الإجراءات السياسية والإدارية والقانونية، بل امتدت إلى الأماكن الدينية وبالذات الإسلامية منها. فقد قامت سلطات الاحتلال منذ الأيام الأولى لاحتلال القدس الشرقية بحفريات بحثا عن الهيكل، بقصد تصديع وهدم العقارات العربية المجاورة لسور الحرم القدسي الشريف. وقد أشرت معلومات الاثاريين أن الحفريات اخترقت الحائط الجنوبي للحرم وللأروقة السفلية للمسجد الأقصى.
لم يخف اليهود الصهاينة نواياهم وراء الحفريات، فقد صرح وزير الأديان عام 1970 إن وزارته تقوم بالحفريات للكشف عن حائط المبكى، وهدم وإزالة المباني الملاصقة له(17). ولم تعر سلطات الاحتلال اهتماما للنداءات الدولية الصادرة من المنظمات التابعة للأمم المتحدة كاليونسكو ومن الاثاريين في الوطن العربي والعالم كله، وواصلت حفرياتها بأطوال مئات الأمتار، وعلى عمق 9-10 أمتار من الحرم الشريف.
ومن أجل تغيير معالم القدس الموحدة، ثم إزالة الشريط الأخضر بين شطري القدس (الشرقية والغربية) واعتبارها عاصمة الدولة الصهيونية، عملت سلطات الاحتلال على إعادة تخطيط المدينة. وقد أثار المخطط عاصفة من النقد والاحتجاج على الصعيدين العربي والإسلامي، وحتى من بعض اليهود المعنيين بالآثار وتخطيط المدن.
ويتضمن مشروع إعادة تخطيط القدس إقامة حدائق عامة ومرافق تجارية وصناعية وإقامة مركز تجاري رئيسي بمساحة (2700) دونما، ويستلزم المشروع مصادرة أراضي عربية وهدم أحياء عربية، وضم مدن عربية للقدس، من ضمنها: (بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور) وقرى: (بتير، صور باهر، أبو ديس، العيزرية، شعفاط، بيت حنينا، الرام، قلنديا، بيت إكسا، بيت سوريك) وغيرها. وهذا الضم ينسجم مع قرار الأمم المتحدة عام 1947 بوضع القدس تحت الإدارة الدولية.
ويهدف المشروع الصهيوني إفراغ القدس من السكان من العرب، بحيث لا يزيد عددهم عن 25 ألف نسمة، وبهذا تكون الأغلبية فيها لليهود الصهاينة، وهذا الوضع يؤمن السمة اليهودية عليها، إذا ما حصل استفتاء حول عائديه المدينة في المستقبل.(18)
إن الإجراءات الأنف ذكرها تهدف إلى دمج مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي، وتهويدها وجعلها عاصمة لكيان سلطات الاحتلال وفق قرارها الصادر في 3/7/1980، وإخضاعها بالكامل للسيطرة الصهيونية، رغم أن هذه الإجراءات مخالفة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2254 فقرة 3) الصادر بتاريخ 4/7/1967 الذي اعتبر كل إجراءات سلطات الاحتلال لتغيير وضع القدس باطلة. ولم تخف سلطات الاحتلال من تصريحات المسسؤولين. أو المداولات والمباحثات مع مندوبي الدول ومندوبي المنظمات الدولية، عزمها على ضم القدس الشرقية، وتوحيدها مع الغربية، وتهويدها في شتى المجالات واعتبارها عاصمة للكيان، وان هذه الإجراءات لا رجعة عنها، وليست محلا للمفاوضة وترفض أي قرار للأمم المتحدة يحول أو يعرقل هذه المخططات(19).

رابعا: القدس والقرارات الدولية:
1-القدس وعصبة الأمم:
خضعت فلسطين وشرق الأردن والعراق للانتداب البريطاني في ضوء قرارات مؤتمر (سان ريمو) الذي عقد في شهر نيسان من عام 1920، وقسم البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني بين الدول الأوربية التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى. وقد ضغطت بريطانيا لكي يتضمن صك الانتداب البريطاني على فلسطين، تصريح وعد بلفور الذي صدر عام 1917، الذي يقضي بتأسيس ((وطن قومي لليهود)) في فلسطين. وقد تجاهل صك الانتداب حقوق العرب الذين يشكلون الأكثرية في فلسطين، ولم يراعي الحلفاء حق شعب فلسطين في نيل الاستقلال التام، كما أنهم لم يحترموا إرادته في اختيار دولة الانتداب.
إن بريطانيا التي منحت وعد بلفور لم تنتظر قرار عصبة الأمم إقرار صك الانتداب،لكي تباشر سلطاتها كدولة منتدبة على فلسطين، يل قامت فعلا بممارسة اختصاصاتها، لتنفيذ ما وعدت اليهود الصهاينة من قبل، ولم تقم بالدور المرسوم لها في بنود صك الانتداب، التي تتضمن ما نصه: ((إن الجماعات التي كانت تتبع الإمبراطورية العثمانية قد بلغت درجة من الرقي والتقدم، يستطاع معها الاعتراف بها أمما مستقلة على أن تسدي لها الدولة المنتدبة النصح والإرشاد في إدارتها،ريثما تستطيع القيام بشؤونها منفردة)(20).
وبدلا من أن تساعد بريطانيا – الدولة المنتدبة- شعب فلسطين والأخذ بيده ومساعدته إداريا وفنيا للوصول به إلى مرحلة الاستقلال التام، قامت بمساعدة اليهود، بتسهيل هجرتهم من دول العالم إلى فلسطين، ومساعدتهم في شراء الأرض، و إقامة المستوطنات العسكرية، ومن أجل تسهيل هذه المهمة، عينت الحكومة البريطانية (هربرت صموئيل) اليهودي، مندوبا ساميا على فلسطين، وقد قام بالمهمة الموكلة اليه على أحسن وجه، إذ هيأ مع اليهود المهاجرين كل مستلزمات إقامة دولة استيطانية عام 1948، وسعى جاهدا من أجل إسكان المزيد من اليهود في القدس، لتغيير وضعها السكاني، ولكنه لم يستطع ذلك، إذ ظل عدد السكان العرب أكثر من 50% من مجموع سكان المدينة المقدسة، وفيما يخص القدس فقد عرضت سلطة الانتداب على عصبة الأمم 1922 مشروعين حول الأماكن المقدسة، استنادا إلى المادة (95) من معاهدة لوزان، القاضية بأن تتعهد السلطة المنتدبة، بتعيين لجنة خاصة تعمل على دراسة كل قضية أو شكوى تخص الطوائف الدينية في القدس والعمل على تسويتها.
ولكن هذين المشروعين ذهبا أدراج الرياح، واستعاضت سلطة الانتداب عن اللجنة الدولية، بلجنة خاصة أخذت على عاتقها المحافظة على الوضع القائم.
وعندما تجاوز اليهود على المقدسات الإسلامية، وعلى حائط البراق حصراً، بدعوى أنه هو "حائط المبكى"، المكان الذي يعتقدون أن فيه هيكلهم المزعوم، قابل العرب المسلمون هذا الاستفزاز بثورة عارمة، سميت ثورة البراق في 22/8/1929، سقط خلالها مئات من العرب واليهود. شكلت عصبة الأمم لجنة ثلاثية عام 1930 للنظر في أقوال المسلمين واليهود حول ملكية حائط المبكى، أو الجدار الغربي للمسجد الأقصى. تشكلت اللجنة من ممثلين عن السويد وسويسرا وهولندا ونظرت في دعاوى وأسانيد الطرفين وقدمت تقريرا من 75 صفحة، ورد فيه: أن المسلمين وحدهم هم الذين يملكون " الحائط "، أي الجدار الغربي للمسجد الأقصى، لأنه جزء لا ينفصل عن الحرم الشريف، وهو ملك الأوقاف، أي أن المسلمين وحدهم الذين يملكون الطريق بين الحائط وحي المغاربة، وهو ملك الأوقاف الذي تقره الشريعة الإسلامية للأغراض الخيرية، كما أن الحائط وطريقه إلى حي المغاربة، ملك للمسلمين وحدهم.
وحددت وثيقة اللجنة الثلاثية، أضافه إلى ما سبق، حق اليهود في العبادة، دون أن يجلبوا أي أشياء تسيء إلى المسلمين، مثل الكتب والسجاجيد والحصر والكراسي والستائر أو جر الحيوانات، ونصب الخيم، كما لا يسمح لهم بالنفخ في القرون على شكل صفارة قرب الحائط، أو عمل إقلاق للمسلمين، وعدم أخذ مكان الحائط للخطب السياسية أو المناقشات أو المظاهرات، وعدم تغيير شكل الحائط لصالح أحد الطرفين، بوضع نقوش أو مسامير أو ما شابهها، وأوكلت اللجنة للمسلمين مهمة تعمير الحائط كلما استدعت الضرورة(21) ويبدو أن اللجنة أقنعت بالأسانيد التي قدمها الجانب العربي، وهي أن الحائط جزأ لا يتجزأ من السور الغربي للحرم الشريف، حيث يقوم فيه مسجدان، الأول هو الأقصى، وهو الذي يمتد مع السور الجنوبي للحرم ويصل لغاية حائط البراق، والثاني هو مسجد قبة الصخرة، أو كما يطلق عليه (مسجد عمر)، ويدور الخلاف حول ثلاثين مترا من الحائط، ويمتد أمام ذلك القسم من الحائط رصيف لا يمكن السلوك إليه من الطرف الشمالي، إلا بواسطة زقاق ضيق يبدأ من شارع الملك داوود ويمتد جنوبا إلى حائط أخر، ويفصل هذا الحائط بخط مستقيم، رصيف حائط البراق عن عدة بيوت خصوصية، وعن موقع مسجد البراق من الجهة الجنوبية، ويبلغ عرض الرصيف أمام الحائط أربعة أمتار. وعلى مسافة قصيرة من الرصيف في الجهة الجنوبية منه، توجد داخل الحائط غرفة صغيرة ربط فيها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) براقة يوم الإسراء والمعراج، ولذلك أصبح هذا الحائط معروفا بالبراق، وبسببه كانت ثورة البراق.
ويعود اعتقاد اليهود بقدسية حائط المبكى إلى فكرة وردت في (سفر الملوك الأول، الإصحاح الثامن، العدد 11)، مفادها الحضور الإلهي يملأ هيكل سليمان، فقد ورد في الإصحاح نفسه ((لأن مجد الرب يملأ بيت الرب)). وعلى هذا يعتبرونه من أقدس الأماكن، ولذلك تناوبت الأجيال اليهودية على الذهاب إليه والبكاء لخراب الهيكل.
ومن أجل السيطرة على حائط البراق (المبكى)، تبارى المسئولون الصهاينة في السيطرة على باب المغاربة، وإزالة حي المغاربة لتوسيع الساحة أمام الحائط. واعتبروا أن القدس لا معنى لها بدون الهيكل، وهذا يعني إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وما محاولة جماعة (أمناء جبل الهيكل) وضع أساس الهيكل المزعوم في ساحة الحرم القدسي إلا محاولة لترسيخ الأمر الواقع في أذهان الرأي العام، تمهيداً لإقامة الهيكل في ساحة الحرم المقدس.

2-القدس والأمم المتحدة:
بعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1945، التي خلفت عصبة الأمم، فقد ناقشت قضية القدس ضمن قضية فلسطين عامة، ابتدأت بطرح توصية بتقسيم فلسطين، ففي 2نيسان 1947 عرضت بريطانيا على الجمعية العامة توصيات حول مستقبل الوضع في فلسطين، طبقا للمادة (10) من ميثاق الأمم المتحدة(22) فاجتمعت الجمعية العامة في دورة خاصة لبحث قضية فلسطين، انتهت إلى تكوين لجنة تحقيق دولية، أكملت مهمتها في أيلول 1947. وبعد مناقشات طويلة حول توصيات اللجنة، انتهت إلى إقرار مشروع بتقسيم فلسطين (رقم(181) في 29/11/1947) إلى دولتين: عربية وأخرى يهودية، وإنشاء وحدة خاصة بالقدس، تدار من الأمم المتحدة، أن قرار تقسيم فلسطين قرار سياسي، لم يستند إلى سند قانوني، وكما أن بريطانيا لم تمارس الدور المنوط بها، كدولة منتدبة على بلد، مطلوب أن تأخذ بيد شعبه، وتؤهله للوصول إلى مرحلة الاستقلال، والاستعداد الفني لإدارة السلطة المستقلة، كما أن الأمم المتحدة ليس من حقها تقرير مصير أو تقرير مستقبل دولة ما حتى لو كانت تحت الانتداب، لأن هذا الحق ملك مواطني تلك الدولة، فهم الذين يقررون مصيرهم بأنفسهم(23)، وتشمل المنطقة المدولة بشطريها الغربي والشرقي وحوالي عشرين قرية حولها(24). أي أن تصبح حدودها من أبو ديس (شرقا)، إلى عين كارم (غربا)، شعفاط (شمالا) إلى بيت لحم (جنوبا).
أن هذه الحدود هي تقريبا الحدود ذاتها التي وضعتها سلطات الاحتلال الصهيوني لحدود القدس الموحدة، وأخذت بتهويدها سياسيا وجغرافيا وبشريا وقانونيا- كما أسلفنا- تمهيدا لاعتبارها عاصمة أبدية لكيانها في فلسطين. ويعد هذا التخطيط الجديد للقدس، استعدادا لأي طارئ قد يحدث في قابل الأيام، أي تحوطا من تحولات دولية لصالح العرب، تجبر الأمم المتحدة على أعادة النظر في قراراتها السابقة حول قضية فلسطين، وقضية القدس خاصة، وعندها قد بعمد المجتمع الدولي إلى إقرار توصية قديمة لتقرير مصير ومستقبل القدس، أي أن يتم الاستفتاء من قبل سكان القدس حول مستقبلها، أتكون عاصمة لفلسطين العربية، أم عاصمة لكيان الاحتلال، أم يتم تدويلها، -وهذا ما سنأتي عليه لاحقا.
لقد واجه مشروع التدويل –آنذاك- معارضة الطرفين الصهيوني والأردني، الأمر الذي دعا رئيس مجلس الوصاية، أن يقترح توصيات تقضي بالإبقاء على الوضع القائم، وبالفعل ظل الوضع كما هو، أي ظل اليهود يسيطرون على القدس الغربية، والأردن يسيطر على القدس الشرقية المقدسة، رغم قناعة الأمم المتحدة بأن توضع القدس تحت الولاية الدولية، وقد كان لاعتراف بريطانيا والدول الكبرى ((بدولة إسرائيل))، أثر في ترسيخ الوضع الجغرافي بشأن القدس. وخلال الفترة من 1947-1950 فقد ركزت قرارات الجمعية العامة على موضوع تدويل القدس. الذي رفضته سلطات الاحتلال، أما مجلس الأمن فقد اهتم بضرورة التزام الطرفين الصهيوني والعربي بقرار الهدنة وصيانة الوضع الخاص بالقدس، أي ضرورة ضمان حرية الأديان والعبادة في الأماكن المقدسة بحرية(25).
واثر الحرب التي نشبت عام 1948، برزت مشكلة جديدة، هي مشكلة اللاجئين الذين قذفت بهم سلطات الاحتلال خارج فلسطين (الخط الأخضر)، فانشغلت الأمم المتحدة بهذا الوضع فأصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 194 في كانون الأول 1948، الذي قضى في الفقرة الحادة عشر منه، بوجوب السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم في اقرب وقت، والعيش في بيوتهم بسلام، مع وجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وتعويضات عن كل مفقود أو مصاب أو عن أي ضرر مادي(26).
ورغم صدور القرار رقم (194)، فما زالت مشكلة اللاجئين قائمة بعد أكثر من نصف قرن، وتعد من اعقد القضايا، لأن سلطات الاحتلال ترفض تطبيق القرار، سواء بإعادة اللاجئين إلى ديارهم أو دفع تعويضات لمن لا يرغب في العودة.
ونعود إلى قضية القدس بوجه خاص، ومناقشتها في إطار الأمم المتحدة، فقد فشلت الجمعية العامة أن تمنع سلطات الاحتلال نقل وزاراتها إلى القدس. ولاسيما أثناء انشغالها بقضية كوريا 1950.
عادت قضية فلسطين والقدس إلى صدارة اهتمام الأمم المتحدة بعد احتلال قوات الكيان الصهيوني مدينة القدس الشرقية في حرب حزيران 1967، فقد اصدر مجلس الأمن قراره الشهير المرقم (242) في 22 تشرين الثاني 1967، الذي قضى بانسحاب ‘‘إسرائيل’’ من أراضي عربية محتلة بعد الرابع من حزيران 1967، لكن القرار ظل حبرا على ورق. كما صدر قرار أخر لمجلس الأمن برقم (338) عقب حرب تشرين عام 1973، أكد على ضرورة وقف إطلاق النار والعودة إلى قرار المجلس السابق رقم (242).
وقفت الجمعية العامة بوجه إجراءات سلطات الاحتلال بشان القدس –سبق الحديث عنها- وأصدرت قرارا برقم (2253) في 4 تموز 1967 أعربت فيه قلقها الشديد للإجراءات التي اتخذتها إسرائيل ‘‘في القدس واعتبرتها لاغيه’’ وطلبت من حكومة الاحتلال عدم الايتان على عمل تغير من مركز القدس. وعادت الجمعية العامة تؤكد قرارها في اجتماع لاحق في 14 تموز 1967، أي بعد ان كلفت الأمين العام بالإشراف على تطبيق القرار وعبرت عن أسفها وقلقها لعدم تنفيذ إسرائيل قرارها، ولم توفق الجمعية العامة في مطالبة مجلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة لتأمين تنفيذ قرارها. لأن عددا من الدول الغربية لم توافق على هذا الطلب، ولذلك ظل قراره حبرا على ورق كالقرارات السابقة واللاحقة له.
وفي عقد السبعينيات من القرن الماضي أصدرت الجمعية العامة قرارين الأول: برقم (3236) في 22 تشرين الثاني 1974، أقر حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وحقه في الاستقلال وحقه في الكفاح لنيل هذه المطالب، ومناشدة الدول دعم هذا الكفاح. أما القرار الثاني برقم (3237) فقد منح منظمة التحرير الفلسطينية مقعد مراقب في الجمعية العامة للمشاركة في دوراتها والمؤتمرات الدولية التي تعقد تحت رعايتها. وأصدرت الجمعية العامة قرارا برقم (207/35) في 16 كانون الأول 1980 يعارض فيه قرار سلطات الكيان الصهيوني اتخاذ القدس عاصمة موحدة له(27).

 

لقد أصدرت الجمعية العامة ومجلس الأمن قرارات عدة خلال المدة اللاحقة على احتلال الصهاينة مدينة القدس وسعيهم لتوحديها وضمها لكيانهم، أكدت (القرارات) عدم اعتراف مجلس الأمن بعملية ضم القدس، وعدم الاعتراف بالإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها حكومة الاحتلال واعتبرتها باطلة ولاغيه.
وقد أدان مجلس الأمن في قراره برقم (271) في 21/8/1969 حادثة حريق المسجد الأقصى، وأعاد المجلس تأكيده على قراراته السابقة التي تتعلق بإجراءات اتخذتها حكومة ‘‘إسرائيل’’ من شانها أن تؤثر في وضع مدينة القدس. كما أكد على مبدأ عدم قبول الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري، واعترف أن أي تدنيس أو تدمير للأماكن المقدسة أو المباني أو المواقع الدينية في القدس، وأي تشجيع أو تواطؤ للقيام بعمل كهذا- حرق المسجد الأقصى- يمكن أن يهدد بحدة الأمن والسلم الدوليين. واقر المجلس في قراره أن العمل المقيت لتدنيس المسجد الأقصى يؤكد الحاجة الملحة إلى أن تمتنع ‘‘إسرائيل’’ وتبطل جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس. ودعا المجلس ‘‘إسرائيل’’ إلى التقيد بدقة بنصوص اتفاقيات جنيف وبالقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري. وشجب المجلس في قراره (298) جميع إجراءات ‘‘إسرائيل’’ الرامية إلى تغيير وضع القدس، ومن ضمنها مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكان. كما شجب في قراره (478) أيضا مصادقة الكنيست الصهيوني على قانون لضم القدس نهائيا إلى دولة الكيان الصهيوني، وعده المجلس انتهاكا للقانون الدولي، وقرر المجلس عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي الخاص بضم القدس(28).

3-منظمة اليونسكو:
اضطلعت اليونسكو بدور مهم وبارز في فضح ممارسات سلطات الاحتلال الرامية إلى تغيير وضع القدس. ومساسها بالأماكن الاثارية والدينية المقدسة. وقد صدر عن منظمة اليونسكو عشرات القرارات التي دعت إسرائيل إلى الكف عن ممارساتها التي تمس المقدسات الإسلامية، وبالأخص منها الحفريات تحت المسجد الأقصى، وهدم بعض البيوت والأماكن ذات الطابع الاثاري.
ودعت حكومة إسرائيل إلى الكف عن أي تغيير في معالم القدس، وعدم الحفر والتنقيب عن الآثار في ساحة الحرم الشريف، أو نقل الممتلكات الثقافية. واستنكرت اليونسكو قرار ‘‘إسرائيل’’ ضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لها ودعتها إلى احترام الأماكن المقدسة ودور العبادة للديانتين الإسلامية والمسيحية(29).
ورغم تمرد حكومة الاحتلال على قرارات المنظمة الدولية، وعدم الالتزام بما ورد فيها، إلا أنها (اليونسكو) تؤكد عدم شرعية تدابير ‘‘إسرائيل’’ وإجراءاتها بشان تهويد القدس، وعد قراراتها بضم إسرائيل وتغيير معالمها باطلة ولاغيه وغير معترف بها. وتؤكد كذلك رفض احتلال الأراضي بالقوة. ولكن المهم هو كيف يتم تفعيل هذه القرارات والمطالبة بتطبيقها؟ فقرارات الأمم المتحدة أكدت حق العرب في القدس، أي حقهم في السيادة على المدينة المقدسة، وحق العرب الذين طرودا منها بالعودة إليها، واسترجاع حقوقهم كافة.
ان قرارات المنظمة الدولية تنطلق من قناعتها بضرورة تدويل القدس لضمان حرية العبادة، وحسم الخلاف بين الطرفين المتنازعين عليها العرب واليهود. وهذه القناعة الدولية يظهر فيها المحاباة لليهود، لأنهم لا يملكون أي حق في القدس، وهذا ما تؤكده الوقائع التاريخية والمكتشفات الاثارية واثبت التاريخ بان العرب هم الذين حموا المقدسات وصانوا حرية العبادة لجميع الأديان.

4-منظمة المؤتمر الإسلامي والقدس:
اثر حريق المسجد الأقصى على يد يهودي- استرالي متطرف يوم 21 آب 1969 جاءت الدعوة إلى عقد قمة إسلامية، فقامت كل من السعودية والمغرب بإجراء اتصالات لعقدها، وقد انعقدت القمة في المدة من 22-25 أيلول 1969 في الرباط، بحضور 25 دولة إسلامية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة إزاء حريق الأقصى، وقد اتخذ المؤتمر قرارات غير حازمة إزاء الكيان الصهيوني واكتفى بالدعوة إلى ضرورة حماية المقدسات لأن الدول التي حضرت المؤتمر كانت متباينة في الآراء بين التطرف والاعتدال، وعدم رغبة أو استعداد بعض الدول للتعرض إلى الكيان الصهيوني.
ورغم انعقاد مؤتمر القمة ومؤتمرات أخرى على مستويات وزراء الخارجية، فان (منظمة المؤتمر الإسلامي) لم تنبثق إلا في شهر آذار من عام 1973. وصارت قضية القدس محور مؤتمراتها المتعاقبة، وتم قبول منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وتم تحديد مفهوم مشكلة الصراع العربي-الصهيوني، بأنه يكمن في الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية عام 1967، واغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي مقدساته.
وقد تطور مفهوم ومواقف منظمة المؤتمر الإسلامي للقضية الفلسطينية، إذ طالب المؤتمر الثالث للمنظمة 1981 بإقامة دولة فلسطين عاصمتها القدس، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كما أقرت في المؤتمر نفسه شرعية الكفاح الشعبي المسلح ضد الاحتلال الصهيوني العنصري. وحق العرب في الكفاح بجميع الوسائل لتحرير الأراضي المحتلة وصون حقوق الشعب الفلسطيني. كما طالبت القمة الرابعة بضرورة انسحاب القوات الصهيونية من جميع الأراضي العربية المحتلة واستعادة الشعب الفلسطيني حقه، وتقرير مصير وإقامة دولته المستقلة. وكما تحولت المنظمة في استخدام مصطلح أكثر قوة في بياناتها، فبدلا من كلمة (انسحاب) صارت تستخدم كلمة (تحرير) الأراضي العربية المحتلة، ولكن المنظمة تراجعت في عقد التسعينيات من القرن الماضي عن مسيرتها السابقة، وصارت تنساق بالتدريج نحو ما سمته بالاعتدال، أو بالأحرى الرضوخ لإرادة الولايات المتحدة، حتى وصل الأمر بالمنظمة أن اعتبرت في مؤتمرها في داكار، الجهاد عمل غير محبب في قضية فلسطين، وبمعنى أخر أسقطت القمة مفهوم الجهاد من قاموسها اللغوي(30).

5-منظمات دولية أخرى:
لم تقتصر مساندة قضية فلسطين وعروبة القدس على المنظمات الأنف ذكرها، بل وقفت معظم المنظمات والمجالس الدولية والإقليمية موقفا منصفا من القضية، فقد أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة حق عودة الفلسطينيين والعرب الذين تركوا أراضيهم المحتلة بالقوة، وحق العرب في مكافحة الاستعمار من اجل تقرير المصير. وأصدرت لجنة حقوق الإنسان الدولية العديد من القرارات تؤكد حق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم، والأسف لانتهاك سلطات الاحتلال حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وإدانة كل الأعمال العنيفة التي تنتهك حق الإنسان في الأراضي المحتلة.
وأدانت مؤتمرات منظمة المؤتمر الإفريقي ممارسات سلطات الاحتلال التي تنال من الأرض وحق الإنسان العربي في العيش الحر فوق أراضيه، كما أدانت إجراءاتها الهادفة إلى تغيير معالم القدس، وأكدت المؤتمرات دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل استرداد حقوقه وتقرير مصيره بنفسه.
ونالت قضية فلسطين اهتمام مؤتمرات حركة عدم الانحياز، وأجمعت على أن انسحاب ‘‘إسرائيل’’ من الأراضي العربية المحتلة هو السبيل الوحيد إلى إقرار سلام شامل وعادل في المنطقة، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في أرضه(31).


خامساً:مستقبل القدس
يرتبط مستقبل القدس بمستقبل قضية فلسطين، إذ أشرت مسيرة نصف القرن الماضي ونيف، أن منطق القوة هو الذي ساد وحكم الأوضاع، وجعل العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا، من إقامة كيان لها في فلسطين، ومكنها الدعم الأمريكي من احتلال مزيد من الأراضي العربية من مصر وسوريا إضافة إلى احتلال فلسطين بكاملها، واحتلال مدينة القدس الموحدة عام 1967. ويتضح للمراقب العادي أن القوة ظلت في جانب العدو الصهيوني، وظل ميزان القوة راجحاً لصالحة، ما دام العرب متفرقين.
وأشرت المسيرة الماضية عقم التسويات التي أبرمتها بعض الأطراف العربية مع الكيان الصهيوني، ابتداء باتفاقيات كامب ديفيد مع مصر 1979، واتفاقيات أوسلو مع الطرف الفلسطيني 1993، واتفاق وادي عربة مع الأردن 1994. وأتضح أن الكيان الصهيوني لا ينوي الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في عدوان الخامس من حزيران 1967، ولا ينوي التنازل عن القدس، ولا إعادة اللاجئين إلى ديارهم، وغيرها من المشكلات العالقة. وبان للقاصي والداني، أن الكيان الصهيوني لم يلتزم، بأي قرار من قرارات المنظمة الدولية، سواء التي صدرت من مجلس الأمن أو الجمعية العامة، أو اليونسكو، رغم ضعف هذه القرارات، قياساً بخطورة القضية الفلسطينية، وأثرها على الأمن والسلم في العالم.
واتضح أن مجلس الأمن المحكوم من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لم يعالج قضية فلسطين من منظار الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، بل نظر إليها وعالجها، من زاوية مصلحة الكيان الصهيوني، ولذلك كانت قراراته محكومة بأفق سياسي، وليس بأفق قانوني يتوخى العدل والمساواة، تنفيذاً لميثاق الأمم المتحدة، وذلك بسبب الانحياز الكامل من الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، بل وتحالفها معه استراتيجياً ودينياً.
وعليه، وفي ضوء ما تقدم، فما هو الحل..؟ وما مستقبل القدس..؟
1. التصور الأول، وهو تصور متشائم، ومفاده أن يبقى الوضع على ما هو عليه، أي أن العدو الصهيوني، سيبقى محتلاً للقدس بكاملها، وقد يطور احتلاله لأراضي فلسطين ويثبت أوضاعة الأمنية، مادامت الأوضاع الإقليمية والدولية ملائمة ومواتية أمامه. أي مادام الوضع العربي مفككاً، ويسود الضعف والوهن قياداته، ويفتقدون الإرادة الحرة المستقلة. ولا أدل على ذلك ما يجري في الأرض الفلسطينية المحتلة من حصار صهيوني وقصف وتدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية، تحت مسمع ومرأى زعماء العالم وزعماء العرب والمسلمين. ففي مثل هذه الأوضاع الدولية، التي يتحكم فيها قطب دولي واحد، والأوضاع الإقليمية تخشى رعب الإدارة الأمريكية، التي أخذت تهاجم أي طرف يختلف معها بالرأي، ويتناقض معها بالموقف، تحت ذريعة واهية، هي مكافحة الإرهاب. وطرحت شعارها المعروف، "من لم يقف مع الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001 فهو مع الإرهاب". فهذه الأوضاع منحت الكيان الصهيوني فرصة ذهبية، لكي يتخلى عن التزاماته "الواهية" التي نصت عليها اتفاقيات التسوية مع الإطراف العربية، وبالذات مع الطرف الفلسطيني، فهو في ظل هذه الأوضاع صار يعلن إستراتيجيته المحددة بعدم الانسحاب من الأراضي المحتلة، إذا كان الانسحاب يهدد الأمن الصهيوني، وعدم التخلي عن القدس الموحدة، التي عدها عاصمة لكيانه، وعدم التخلي عن المستوطنات، وعدم القبول بعودة اللاجئين.
2. التصور الثاني، هو إعادة القدس الشرقية إلى سلطة عربية معتدلة. وهذا التصور لا يتحقق، إلا إذا حصل تغيير في المعادلة الدولية، وصار النظام الدولي الجديد يغلب قضايا الأمن والسلم الدوليين، على القضايا السياسية الخاصة بطرف معين على حساب أطراف أخرى. ولا يتحقق إلا إذا استمرت المقاومة الوطنية المسلحة في فلسطين، بدعم من الأقطار العربية مادياً وعسكرياً وسياسياً. فعندها قد يقبل الكيان الصهيوني الانسحاب من القدس الشرقية. وتسليمها إلى ادارة عربية معتدلة بمقاسات الصهاينة والغرب بعامة.
3. التصور الثالث، وهو مرتبط بالثاني، أي عندما يحصل تغيير في الوضع الدولي لصالح نظام دولي متعدد الأطراف، وعندما يلتقي قادة العرب على نقطة تمثل الحد الأدنى من العمل العربي المشترك، فقد يحصل ضغط عسكري و أي عمل فدائي مسلح على الكيان الصهيوني، وعمل سياسي واقتصادي وإعلامي عربي مشترك في الصعيد الدولي، عندها يمكن أن تأخذ المنظمة الدولية على عاقتها بحث قضية فلسطين بعامة، وقضية القدس بخاصة، وقد تعود إلى ما سبق للأمم المتحدة أن قررته بشأن القدس، وهو تدويلها، أي وضعها تحت إدارة دولية بإشراف الأمم المتحدة، أي العودة إلى قرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم (181) في 29 تشرين الثاني 1947. وهذا التصور سوف يثير العديد من التناقض والاختلاف، حول سلطة المدينة المقدسة، ومن يمثلها من الأديان الثلاثة، وما مساحة القدس، هل ستكون حدود القدس حسبما ورد في قرار التقسيم؟ وهذا ما سيرفضه الكيان الصهيوني بالكامل، وهل يقتصر التدويل على القدس العربية؟ وهذا ما سيرفضه العرب بالكامل. أم ستكون القدس الموحدة هي منطقة التدويل..؟!
4. التصور الرابع، هو الذي ينطلق من الرؤية القومية الثورية، المؤمنة بالجهاد طريقاً وحيداً لتحرير كامل الأراضي العربية المحتلة. وهو طريق المشروع القومي النهضوي العربي، من أجل إشاعة الأمن والسلم في المنطقة. ويستند المشروع القومي على أسانيد التاريخ والقانون و الدين، والتي تؤكد عروبة فلسطين، وضرورة عودتها إلى الجسم العربي. فالعرب الذين حكموا هذه البلاد هم الذين عمروها وأقاموا البنيان والصروح التاريخية والحضارية، وصانوا المقدسات، وعمروا أماكنها لكل الديانات، واحترموا الديانات، ووفروا أجواء العبادة الحرة لكل الأديان. فهم أصحاب الحق التاريخي في فلسطين، وفق منطق التاريخ الذي يقف مع الحق، والحق للعرب. ولابد أن تعود الأرض المحتلة إلى أبنائها العرب. ويُعد انتصار العرب حلّ لمشكلة اليهود الذين غُرّر بهم وخرجوا من ديارهم في الأقطار العربية، وعندها سيدرك هؤلاء فشل الصهيونية في توفير الأمن والسلام لهم، فتحرير فلسطين هو الحل الثوري التقدمي للجميع بما فيهم اليهود، الذين تركوا ديارهم في بلدان العالم تحت ضغط وإغراء الحركة الصهيونية. ولابد أن يدرك العالم أهمية هذا الحل، وتسهم الدول الغربية، التي تنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، في حل هذه المشكلة، أي باستيعاب اليهود الذي هاجروا منها خلال القرن الماضي، وتدرك الدول الغربية أن الحل العربي الثوري، فيه ضمان لمصالحها في المنطقة وضمان لاستقرار الأمن والسلام فيها.
إن الأمة العربية التي حملت رسالة إنسانية للبشرية كلها، وحمت القوميات والأديان، طيلة قرون عدة، هي الأقدر إنسانياً على توفير أجواء الأمان والسلام لليهود الشرقيين الذين غرر بهم من الصهيونية، وهاجروا من البلدان العربية إلى فلسطين، إذا كانت لديهم الإرادة والعزم على نسيان الماضي، والتكفير عن أخطائهم السابقة، وقرروا طواعية العيش مع إخوانهم العرب بكل أديانهم.
وكما هو استعداد العرب لقبول اليهود الشرقيين، فلابد أن تبدي الدول الغربية استعدادها المماثل لاستيعاب اليهود "الاشكناز" الذين كانوا يعيشون فيها من قبل. إن عودة فلسطين إلى حضن الوطن العربي، في إطار وحدة عربية، هو الكفيل بحسم المشكلة المؤرقة، التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم، كما أن عودة القدس تحت الرعاية العربية هو الكفيل بالحفاظ على المقدسات لجميع الأديان، وصون حرية العبادة للجميع. إن لفلسطين والقدس وجود مادي ومعنوي، جغرافي وسياسي، تاريخي وحضاري، تتجاوز في معاينة حدود المدن والأقطار، إلى رحاب الأمة والإنسانية. فهي قيم يتحد فيها المقدس الروحي مع المقدس الوطني والقومي. لذلك فإن تحرير القدس يعني تحرير الإرادة، أي تحرير النفس والعقل والضمير قبل تحرير الأرض ويعني الارتفاع إلى مستوى النضال التاريخي، والقدرة على الدفاع عن بقاء الأمة ووجودها الحضاري الإنساني.


إن هذا التصور لا يكون إلا إذا التقت كلمة العرب على خوض معركة التحرير موحدين، واستخدموا كل ممكنات القوة التي في أيديهم (الاقتصادية والبشرية والعسكرية والسياسية) فعندها ستكون الأمة العربية الموحدة، والوطن الموحد، عضواً فاعلاً في المجموعة الدولية التي ستشكل النظام الدولي المتعدد الأقطاب القائم على العدل والمساواة.
إن انتفاضة الأقصى هي التي كشفت زيف التسويات مع الكيان الصهيوني، وأكدت بالملموس أن هذا الكيان لم يؤمن-ولن يؤمن- بأية حلول سلمية تسلبه بعض المكاسب التي حققها بالقوة المسلحة. بل يسعى إلى تحقيق مزيد من المكاسب على حساب العرب، مادام يملك تفوقاً في ميزان القوة العسكرية، ولديه سند دولي كبير يشاطره أحلامه التوسعية، ونواياه الإرهابية ضد الأمم الشعوب الأخرى.
لقد أعاد الكيان الصهيوني الأوضاع في الأرض المحتلة –أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية- الى نقطة الصفر، لكي يبدأ مع الطرف الفلسطيني، من النقطة التي بدأ بها عام 1993 في أوسلو، وتذهب دماء الشهداء سدى، ويخسر الشعب الفلسطيني كل ما بناه وحققه خلال عقد من الزمن.
وإذا صمدت الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر وأكثر فإنها ستدفع بالأوضاع العربية إلى حالة من الحركة، قد تكون حركة إيجابية باتجاه تفعيل المد الجماهيري المؤيد للكفاح الشعبي المسلح، وقد تكون حركة سلبية باتجاه الوقوف ضد هذا المد، وهنا قد تسنح فرصة مواتية أمام القوى والحركات الوطنية للنضال باتجاه التغيير السياسي والاجتماعي نحو المواجهة مع أعداء الأمة.
إن الحقيقة التاريخية المعروفة أن اليهود الصهاينة، لم يحصلوا على ما حصلوا عليه إلا بالقوة، ولن يتخلوا عنه بالمفاوضات أبداً، بل يمكن أن يتخلوا عن بعضه بالضغط العسكري والسياسي والاقتصادي. وعليه فلا خيار أمام الفلسطينيين وأمام العرب إلا التمسك بثوابت النضال القومي، ورفض عروض التسويات من قبل الولايات المتحدة، لأن هذه الدولة تمثل دور الجلاد والحاكم معاً، ولا يمكن أن تضر بمصالحها ومصالح حليفها الكيان الصهيوني، ما دام العرب لا يؤثرون عليها (المصالح) بشيء، وأسهل سبيل التأثير هو استخدام النفط سلاح في المعركة.



ملحق القدس في التاريخ
المرحلة السنة الجهة التي سكنت القدس او خضعت لحكمها
القدس قديماً 3100 ق.م سكنها اليبوسيون الكنعانيون، رافق هذه الحقبة تطور اقتصادي، وكان السكان يتكلمون اللغة السامية، وأقاموا هيكلاً لعبادتهم "هيكل يبوس".
القدس..ابراهيم والملك (ملكيصادق) 1900-1850 ق.م هاجر إبراهيم الخليل من أور العراقية إلى فلسطين، واستضافة ملكها العادل التقي (ملكيصادق)، بالمقابل باركه إبراهيم ودعا له، وسميت القدس (يروشالم) نسبة إلى إلههم (شالم)، أي السلام، فعرفت المدينة بـ(مدينة السلام).
القدس-شاؤول 1025-1010 ق.م في هذا التاريخ استولى الملك شاؤول على أورشليم، ولكن الفلسطينيين تمكنوا من دحره وقتله مع أبنائه الثلاثة، وفي زمنه برز نجم داوود عندما بارز (جالوت) وقتله.
القدس-داوود 1010-971 ق.م تمكن الملك داوود ان يحتل أورشليم بالحيلة، ونقل عاصمة ملكه من (حبرون) الخليل الى أورشليم، ومارس أسلوب العنف ضد أبناءها، إقتفاء بأسلوب يشوع بن نون، الذي بطش بأهل أريحا.
القدس-سليمان 971-930 ق.م حكم سليمان أورشليم وأقام فيها هيكلاً للعبادة، مستعيناً بمهندسين من الخارج.
القدس –يهوذا 930-724ق.م انقسمت دولة سليمان إلى قسمين: الأول مملكة الشمال في السامرة، ودولة يهوذا في أورشليم، وشاع الخلاف بين أسباط بني إسرائيل مما اضعف قدرتهم على حماية ممالكهم.
القدس-الاشوريون 731-ق.م حملة الملك الأشوري على أورشليم (تجلات بلاسر الثالث)، واسر بني إسرائيل
القدس-الاشوريون 722-721 ق.م حملة الملك الأشوري على أورشليم (شلمنصر الخامس)، ثم (سرجون الثاني) وتدمير المدينة بالكامل.
القدس-البابليون 597 ق.م حملة الملك البابلي (نبوخذنصر) الثانية واسر اليهود وجلبهم إلى بابل.
القدس-الفرس 539 ق.م تمكن ملك الفرس (كورش) أن يحتل عاصمة البابليين (بابل)، بمساعدة اليهود الأسرى فيها، مقابل إعادتهم إلى فلسطين، وساعدهم في إعادة بناء هيكلهم.
القدس-اليونان 332 ق.م أحتل الاسكندر المقدوني فلسطين بعد أن هزم دولة الفرس، وانتشرت الثقافة اليونانية كل أنحاء البلاد، وحلت اللغة الارامية واللغة اليونانية محل اللغة العبرية، وتم طرد اليهود لأنهم ساعدوا الفرس في مقاومة اليونانيين.

القدس-الرومان 63ق.م-476 م خلال الحكم الروماني تم هدم الهيكل، وخلال المدة من26-36م تمت محاكمة المسيح. وفيها بنيت كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم.
القدس-الفرس 542م عاد الفرس واحتلوا فلسطين بقيادة (خسرو الأول) و (خسرو الثاني)
القدس-الرومان 629م عاد هرقل وأحتل فلسطين، وأنتقم انتقاماً كبيراً من اليهود الذين كانوا قد رحبوا بقدوم الفرس ومساعدتهم.
القدس-العرب زمن عمر 636م بدأ اندحار الجيوش البيزنطية في معركة اليرموك 636، ومن ثم محاصرة القدس، واستسلم البطريرك (صفروينوس) ووجه نداء إلى خليفة المسلمين للاجتماع به في القدس. ووقعت إتفاقية تقضي بضمان حرية الأديان، وكذلك التعهد بعدم إدخال اليهود الى القدس.
القدس-العرب في زمن عبد الملك بن مروان 685م بني الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قبة الصخرة المشرفة تخليداً لذكرى ذبيحة إبراهيم وإسراء الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وإعادة بناء المسجد الأقصى، كما طلب الخليفة عمر بن عبد العزيز من حكامه أداء القسم له تحت قبة الصخرة المشرفة، واهتم الخلفاء العباسيون بالقدس ومقدساتها، وأقام فيها العلماء والفقهاء، نظراً لما تتمتع به المدينة من جمال الطبيعة، وكرامة المقدسات.
القدس-الصليبيون 1099م تعرضت القدس، مثل باقي بلاد المشرق، للغزوات الصليبية، التي استمرت حوالي مأتي سنة، وفيها تعطلت الحياة، وتهدمت مدن وأماكن عبادة.
القدس-صلاح الدين 1187م 583هـ إثر الانتصار الكبير الذي حققه القائد العربي صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين فقد دخل صلاح الدين القدس، كما دخلها عمر من قبل، وأعاد أعمار قبة الصخرة، وفتح مدارس دينية، ورمم مقبرة المدينة (مقبرة الشهداء)، ووضع المنبر في المسجد الأقصى الذي حرق عام 1969.
القدس-الحكم العثماني 1515م-1917م خضعت فلسطين والقدس للحكم العثماني، واستمر حكمهم حتى عام 1917، ورغم موقف السلاطين العثمانيين من القدس وفلسطين، إلا أن بريطانيا تمكنت من تسهيل هجرة أعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها.

 

 


القدس-الانتداب البريطاني 1917-1948 في 30 تشرين الأول 1917 قاد الجنرال اللنبي الهجوم على فلسطين، وجاء الهجوم بعد اقل من شهر من إعطاء وعد بلفور، ومنذ ذاك التاريخ أدارت بريطانيا شؤون فلسطين كإحدى مستعمراتها، وعينت اليهودي (هربرت صموئيل) مندوباً سامياً لها في فلسطين، وعمل على تسهيل هجرة اليهود وبناء مستوطنات لهم في فلسطين، تنفيذاً لما ورد في المادة (6) من صك الانتداب.
القدس-الصهاينة 1948-1967 إحتلت العصابات الصهيونية القدس الغربية، وجعلت السور فاصلاً بينها وبين القدس الشرقية-الخاضعة لحكم الاردن.
القدس-الصهاينة 1967-(…) أحتل الكيان الصهيوني القدس الشرقية مع باقي فلسطين (الضفة الغربية وغزة) وعمل على تهويد القدس جغرافياً من خلال بناء المستوطنات، وديمغرافياً بزرع المزيد من اليهود المهاجرين فيها. إضافة الى عمل حفريات تحت الاماكن المقدسة بدعوى البحث عن الهيكل، واعتباره القدس عاصمة أبدية.
تم تنظيم الجدول اعلاه من المعلومات الواردة في العديد من مصادر الدراسة، وبالأخص كتاب د. أحمد سوسة.

 

 

 

 

 

 

هوامش ومصادر
1. لمزيد من التفصيلات أنظر: د.عبد الحميد زايد، القدس الخالدة، القاهرة، 1974.وكذلك: د.أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، بغداد، 1981، ص 723 وما بعدها وكذلك: محمد أديب العامري، القدس العربية-الحقائق التاريخية تجاه المزاعم الصهيونية، عمان، دار الطباعة والنشر، 1971، ص 10 وما بعدها.
2. لمزيد من التفصيلات أنظر: محمود كمال، تاريخ مدينة القدس، في، حول بيت المقدس، إصدار لجنة التعريف بالاسلام، القاهرة، المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، 1969، ص 27 وما بعدها.
3. لمزيد من التفصيلات أنظر:
• طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج2، ص 243 وما بعدها.
• د. اسحق الحسيني، عروبة بيت المقدس، مركز الابحاث الفلسطيني، 1969، ص42-43.
• شفيق مقار، المسيحية والتوراة، مؤسسة رياض الريس، لندن، 1992، ص 26.
• محمد أديب العامري، القدس العربية، المصدر السابق، ص 27.
4. لمزيد من التفصيلات أنظر:
• د.أحمد سوسة، مصدر سابق ذكره، ص 720.
• د.اسحق الحسيني، مصدر سبق ذكره، ص 36.
5. ذكرت كتب التاريخ أن اليهود من أسباط موسى إستخدموا العنف الشديد ضد الكنعانيين، وقد جسد يشوع بن نون، خليفة موسى هذا العنف ضد سكان مدينة أريحا، بحيث ذاع خبرها في المدن الأخرى، ويبدو أن مناحيم بيغن طبق الأسلوب نفسه ضد سكان قرية ديرياسين قبل نكبة 1948، وهو الأسلوب نفسه يطبقة أيريل شارون ضد الفلسطينيين حالياً. وقد نقل محمد أديب العامري عن المؤرخ (جيمس هنري برستد) في مؤلفه "العصور القديمة" وصفة لمقاومة الفلسطينيين لغزوات اليهود فقال: "دخل العبرانيون فلسطين فوجدوا فيها الكنعانيين يقيمون في مدن زاهرة تطوقها الأسوار الضخمة، فلم يستطيعوا أن يفتحوا منها إلا المدن الضعيفة". انظر: محمد أديب العامري، المصدر السابق، ص 46.



6. لمزيد من التفصيلات أنظر:
• د. أحمد سوسة، مصدر سبق ذكره.
• د. سالم الاكسواني، المركز القانوني لمدينة القدس، عمان: جمعية عمال المطابع التعاونية، 1977، ص 85 وما بعدها.
7. سمير جريس، المخططات الصهيونية "الاحتلال والتهويد، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981، ص 6.
8. المصدر نفسه، ص 7,
9. محمد أديب العامري، مصدر سبق ذكره، ص 40-41,
10. المصدر نفسه، ص 41.
11. حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح، الأقصى والقدس، دائرة الاعلام في الكويت، 1976، ص 35 وما بعدها.
12. يواكيم مبارك، القدس القضية، ترجمة: مهاة فرح الخوري، بيروت، دار النهار، 1974، ص 26.
13. أحمد غنيم، الستراتيجية الصهيونية والقدس، بحث في ندوة بيت الحكمة حول مستقبل الصهيونية 21ـ14/9/1999، في، مستقبل الحركة الصهيونية والمشروع الحضاري العربي، بغداد: بيت الحكمة، 2001، ص443 وما بعدها.
14. صدر قانون أموال الغائبين عام 1950، يخول القانون سلطات الاحتلال وضع اليد على جميع الاموال المنقولة وغير المنقولة التي كان العرب يملكونها، وغادروا فلسطين بعد 29/12/1947، ومصادرة أموال الفلسطينيين حصراً ممن غادروا ديارهم وارضهم بعد 1/9/1948، ولمزيد من التفصيلات أنظر: سمير جريس، مصدر سبق ذكره، ص 86 وما بعدها.
15. أحمد غنيم، مصدر سبق ذكره، ص465.
16. د. سالم الكسواني، المركز القانوني لمدينة القدس، مصدر سبق ذكره، ص 217 وما بعدها.
17. فتح، الاقصى والقدس، مصدر سبق ذكره، ص 54.
18. فتح، مصدر سبق ذكره، ص 85.
19. د. سالم الكواني، مصدر سبق ذكره، ص 222.
20. المصدر نفسه، ص 128.
21. الحق العربي في حائط المبكى في القدس، تقرير اللجنة الدولية المقدم الى عصبة الأمم عام 1930، بيروت، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينة، 1968,
22. المادة (10) من الميثاق تقع ضمن وظائف وسلطات الجمعية العامة فتقول: "للجمعية العامة ان تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق، أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه، كما أن لها فيما عدا ما نص عليه في المادة (12) أن يوصي أعضاء الهيئة او مجلس الأمن أو كليهما بما تراه في تلك المسائل من أمور".
23. لمزيد من التفصيلات حول قرار التقسيم أنظر: د. حسن نافعه، الأمم المتحدة والقضايا العربية، المستقبل العربي، العدد 175 (أيلول/سبتمبر 1993)، ص 10.
24. شملت المنطقة المدولة قرى: أبو ديس، العيزرية، الطور، العيسوية، سلوان، صور باهر، أم طوبى، لفتا، موتسا، ديرياسين، عين كارم، المالحة، شرفات، بيت صفافا، رامات، راحيل، بيت لحم، بيت ساحور، بيت جالا، شعفاط.
25. فوزية صابر، القدس وهيئة الامم المتحدة، المستقبل العربي، العدد 258، آب 2000، ص 41 وما بعدها.
26. د. حسن نافعة، مصدر سبق ذكره، ص 11.
27. لمزيد من التفصيلات حول قرارات الأمم المتحدة، أنظر وثائق الأمم المتحدة 9631/أ. وقد صدر عن مجلس الامن قرارات عدة منها: (250) في 27/4/1968 و (251) في 2/5/1968. و (252) في 21/5/1978. و (267) في 3/7/1969. و (271) في 15/9/1969. و (298) في 25/9/1971. و (452) في 20/7/1979. و (465) في 11/3/1980. و (476) في 30/6/1980. و (478) في 20/8/1980. و (672) في 12/11/1990.
28. فوزية صابر، مصدر سبق ذكره، ص 47.
29. المصدر نفسه، ص 49.
30. لمزيد من التفصيلات حول منظمة المؤتمر الاسلامي أنظر:
• بيانات وقرارات مؤتمر القمة ووزراء الخارجية 1969-1981، جدة، منظمة المؤتمر الاسلامي، 1982.
• د. محمد السيد سليم، منظمة المؤتمر الاسلامي والقضية الفلسطينية، مجلة شؤون عربية، العدد 56، كانون الأول، 1988، ص 198-211.
31. لمزيد من التفصيلات حول قرارات المنظمات الدولية، انظر: سمير جريس، مصدر سبق ذكره، الملحق الرابع، ص 257 وما بعدها.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !