عندما يتخلى الحكام عن قضايا شعوبهم، فلماذا يبقون في أماكنهم؟ إن فلسفة الحكم قائمة على أن نفرا من الشعوب يقومون برعاية شئون الباقي، وسياسة أمورهم، والنصح لهم، وإعطاءهم حقوقهم، في مقابل التبجيل والاحترام والطاعة التي لا تتنافى مع النقد والمساءلة إذا كان ثمة تقصير أو إهمال.
وإذا كانت فلسفة الحكم في النظم العلمانية قائمة على رعاية الحاكم لشئون الدنيا، فإن فلسفة الحكم في الإسلام قائمة على رعاية شئون الدنيا والدين، فمن قصر في أحدهما استحق المحاسبة والنصح أولا، ثم العزل والإبعاد ثانيا، إذا لم تكن الأولى رادعة وكافية، حتى وإن كان قد بلغ حد الكمال أو قارب في الثانية.
فما قيمة أن يوفر الحكام لنا الرخاء ويسلبوا منا الإيمان، وما قيمة أن تمتلىء الجيوب بالأموال والمقدسات مغتصبة، والأعراض مهانة، والحرمات منتهكة، فما بالكم إذا كان مع كل ذلك الأموال مسلوبة، والحقوق ضائعة، ما قيمة وجود هؤلاء الحكام؟ وما شرعية الحفاظ على كراسيهم؟ ومن أين يستمدون وجودهم وبقاءهم هذه المدد الطويلة التي لم تر الشعوب فيها إلا الذل والمهانة؟ وبأي حق يتمتعون بالسيادة على البلاد والعباد، ويرفلون في ألوان النعيم، وتنفق على راحتهم وعلاجهم وتنقلاتهم وحراستهم كل هذه الأموال الطائلة، من دم الشعوب المنكوبة والمغلوب على أمرها؟
وما رأى علمائنا الأشاوس في شرعية هؤلاء واستحقاقهم لكل هذه المظاهر مع بقاء الفقر والمرض والذل والمهانة كحراب مشرعة في وجوه البؤساء؟ وماذا يسكتهم عن هذا المنكر الأكبر؟ أتراهم يخافون على حياتهم!!! وهل حياتهم بيد خالقهم؟ أم بيد حكامهم؟ وهل أغنى هذا الحرص عنهم شيئا، أو دفع عنهم أجلا؟
أقول هذا بمناسبة موقف حكامنا الهزيل من تهويد القدس، وضم الحرم الابراهيمى للآثار اليهودية، لقد صمتوا ولم تسمع لهم همسا، إلا بعض الإدانات الباهتة التي لا تسمن ولا تغن من جوع، ومطالبات قد أتعبت حناجرهم... يطالبون من؟ المجتمع الدولي؟!! وهل سلم فلسطين لليهود إلا المجتمع الدولي؟ وهل يساند اليهود في فلسطين اليوم إلا المجتمع الدولي؟ حقا إنها قمة السخرية والضعف والمهانة!! يطلبون من المغتصب أن يرد الحقوق، ويجعلون الخصم حكما، والذئب حارسا على الغنم، ألا بئس ما يصنعون؟!!
لقد صبرت الشعوب العربية على الظلم كثيرا، صبرت والأحلام تروادها أن تنعم بالأمان يوما، أو ترى النور يتسلل إلى جوانب حياتها، صبرت لعل المقدسات تعود إلى الحوزة، وما زالت الشعوب صابرة، وما زال في جعبتها الكثير من الصبر في مقابل أن يعودوا- حكامنا- يوما إلى رشدهم وينحازوا إلى قضايا شعوبهم، ويذودوا عن مقدساتهم، أما والحال هكذا، فما عاد في القوس منزع، وقد بلغ السيل الربي، ويخشى على الأمة الهلاك... نسأل الله السلامة!!
محمد عبد الفتاح عليوة
التعليقات (0)