شيء فوق الخيال ..وفوق العقل ..وفوق التصور ..
يا الله .. سبعة آلاف عام .. نعم .. سبعة آلاف عام .. والآلهة تحكم مصر .. أخناتون .. وآمون ..ورع .. وأوزوريس .. وإيزيس .. وحورس .. ثم انصاف الآلهة ظلت تحكم مصر حتى شهر فبراير 2011 ...
سبعة آلاف عام وشعب مصر ينتقل بين عبادة كاملة لحكامه من الآلهة الفراعين.. وبين خنوع وخضوع وخوف كاسح من حكامه أنصاف الآلهة من سلاطين ..وملوك .. ورؤساء ..
سبعة آلاف عام والشعب يخشى السلطة والسلطان .. سبعة آلاف عام والشعب يعتبر لفظة (الحكومة) هي الرعب والردع والقوة والبطش والتنكيل والاستبداد والدكتاتورية ..
سبعة آلاف عام ..والشعب لا يجرؤ على النظر لأعلى من حاجبه .. ولا يملك أن ينطق بحرف واحد بشأن من يحكمه ومن يدير شئونه ومن يتسلط عليه ومن يتسيد عليه ومن يملكه مدى حياته ..
سبعة آلاف عام والشعب ينتقل من يد الإله الفرعون.. إلى حوزة زوجة الإله الفرعون.. إلى ملك يمين السلطان .. إلى ملك يسار الملك إلى ملك بنان الرئيس ..
سبعة آلاف عام ..والشعب مربوط من رقبته بحبل الشقاء .. ناظراً إلى الأرض ..باحثاً عن لقمة العيش .. وعن كل وسيلة تبعده عن التواجد – ولو مصادفة- في طريق الحاكم أو الحكومة أو رجالهما ..
سبعة آلاف عام ..والشعب لا يملك حتى التفكير في إبداء الرأي فيمن يحكمونه .. أو فيمن يتولون شئونه .. أو فيمن يتحدثون باسمه .. أو فيمن يحملون صك الوكالة عنه ..
سبعة آلاف عام .. وشعب مصر .. يهاب جانب الحاكم الفرد السيد العظيم المهيب المرعب الآمر الناهي ..
فكيف يحلم أن يقترب منه ..مجرد الاقتراب.. ولو بالحلم .. !
سبعة آلاف عام مضت قبل أن تخط يد (مصري) قرار القبض على (الرئيس الملك السلطان الإله) و أحد سلالة الآلهة وأنصاف الآلهة من الذين حكموا مصر طوال تاريخها المديد دون ان يختارهم الشعب بنفسه ..
سبعة آلاف عام مرت ..حتى صدر أول قرار في تاريخ مصر (باسم الشعب) بحبس رئيس وحاكم مصري 15 يوماً على سبيل التحقيق معه في اتهامات ضده بارتكاب جرائم بحق الشعب أثناء فترة حكمه ..
(لست مع قرار حبس الرئيس السابق مبارك وأعارضه تماماً كإجراء قانوني لم تتوافر دواعيه ) وهذا رأيي الشخصي لا ألزم به أحدا ..ولكنني أرصد واقعاً عاماً ..وحادثاً جللاً وخطيراً في تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر ..
قرار حبس الرئيس السابق حسني مبارك هو بمثابة أكبر زلزال تتعرض جميع أنحاء وتهتز له جميع أركان الوطن العربي .. بل ستمتد توابعه لتؤثر على منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن العالم أجمع ..
ليس بسبب حجم مبارك .. وليس لأنه – قرار القبض عليه وحبسه- سابقة في تاريخ مصر والعرب ..ولكن لأنه يميط اللثام ..ويكشف الستار عن صعود المارد الشعبي المصري وعودته بقوته الضارية ..وجذوره الضاربة في عمق التاريخ ..وفي تأثيره في المنطقة العربية .وفي تقلده لدوره التاريخي والحقيقي ..وفي تمزيق كافة الأغلال وتحطيم كافة الأصفاد التي كبلته وأعاقته عن القيام بدوره وتقلد مكانته كشعب كبير وعظيم ورائد وقوي ومؤثر ..
قرار (الشعب) المصري بالقبض على رئيسه ونجليه وكافة الزمرة التي أفسدت حياة هذا الشعب وحبسهم جميعاً ومحاكمتهم .. هذا القرار سوف يرعد فرائص الجبناء الذين عاثوا في حياة الأمة العربية عربدة.. واستعماراً.. واحتلالاً .. وظلماً .. وحصاراً .. وقمعاً.. وإذلالاً .. وترويعاً وتشريداً .. وتهجيراً ..
رمزية قرار القبض على الرئيس السابق مبارك وحبسه .. ورمزية قرار القبض على ولديه علاء مبارك وجمال مبارك (بالأخص) وحبسهما وترحيلهما إلى سجن مزرعة طرة .. هذه الرمزية لها مدلولات "مروعة" تتمثل في عبور الحاجز النفسي التكون عبر مئات القرون في قلوب الشعب المصري تجاه حكامه ..
كما أن لها مدلولات عقائدية متجذرة في قلوب المصريين .. منها العظة والاعتبار أن الله يهب الملك لمن يشاء .. وينزع الملك ممن يشاء .. ومنها عدم الاغترار بالسلطة وبالصولجان .. ومنها الأشد دلالة في سورة الكهف ذلك الذي رأى (جنته) أو أملاكه شاسعة متسعة وظن أنه قادر عليها وقال في نفسه ( ما أظن أن تبيد هذه أبداً) !! هكذا كان ظنه ..
مثلما هكذا كان ظن الذين تسلطوا على رقاب هذا الشعب المطحون المهان .. اعتقدوا أنهم قادرون عليها أو قادرون عليه ..واعتقدوا أن سلطانهم لن يبيد أبداً .. فأحاط بهم الشعب مثلما أحاط الله بملك المغتر .. فصار كل منهم يقلب كفيه على ما كان منه .. وما صار عليه ..
شعب مصر العظيم .. نتمنى أن يملك قياده بيده ..ونتمنى أن يخطو نحو مستقبله بخطوات واثقة راسخة رسوخ حضارته وعظمته وتسامحه وبساطته .. ونتمنى أن يتطلع إلى التحديات التي تواجهه وهي الأهم الآن في مسيرته .. فلا يزال يخطو الخطوة الأولى نحو استعادة اتزانه ..وثباته .. قبل ان يتحرك وينطلق نحو ..الحياة ...
أنا الشعب لا اعرف المستحيلا
ولا ارتضي بالخلود بديلا
وصاح من الشعب صوت طليق
قوى، أبيّ، عريق، عميق
يقول : انا الشعب والمعجزة
انا الشعب لا شىء قد أعجزه
التعليقات (0)