القاعدة من وراء حجاب.
يبدو أن خطاب تنظيم القاعدة قد فقد الكثير من بريقه الإعلامي. و لم يعد الإهتمام برسائل أسامة بن لادن و أيمن الظواهري بالمستوى الذي كان عليه خلال السنوات الأولى التي تلت " غزوة مانهاتن". و رغم أن حضور التنظيم على مسرح الأحداث الدولية مازال قائما، فإن تأثيره الفعلي على أجندات السياسة الغربية أصبح محدودا. لذلك بات من المعتاد أن يخرج علينا الإعلام بشريط ينسب لأحد الشيخين بين الفينة و الأخرى. و في كل مرة نسمع نفس العبارات و نفس التهديدات. و الشريط الأخير المنسوب لابن لادن لا يشذ عن هذه القاعدة، و إن كان يحمل بعض الجدة و الخصوصية.
الشريط الجديد الذي بثته قناة الجزيرة يوم 27/10/2010، هو الأول من نوعه الذي يخصص كاملا لبلد غير الولايات المتحدة الأمريكية. حيث يتوجه إلى فرنسا هذه المرة. ومن الواضح أن التنظيم يؤكد من خلال هذه الرسالة أنه يتابع الأحداث الدولية عن كثب. و بما أن لكل مقام مقال، فإن حظر النقاب في فرنسا كان مناسبة مهمة للتنظيم من أجل تغيير اتجاه بوصلته. و بلغة الوعيد و الحماسة المعهودة في خطابات الشيخ، قال أسامة بن لادن مخاطبا الفرنسيين: "إن تعسفتم ورأيتم أن من حقكم منع الحرائر من وضع الحجاب أليس من حقنا أن نخرج رجالكم الغزاة بقطع الرقاب؟ ". و في هذا الكلام تهديد مباشر باستهداف القوات الفرنسية في أفغانستان كرد فعل على إقدام السلطة التشريعية في باريس على سن قانون منع النقاب. لكن الرسالة تؤشر أيضا إلى أن العمليات التي تقوم بها فروع " الموت " التابعة للتنظيم تعمل تحت إشراف مباشر من القيادة العليا. و ذلك ما نقرأه في كلام ابن لادن عندما يعلن أن عملية اختطاف المهندسين الفرنسيين الخمسة في النيجر شهر شتنبر الماضي جاءت بسبب " ظلم فرنسا للأمة الإسلامية ". و هو يتحدث عن " أسر " الخبراء، و هذا تعبير عن حالة الحرب بين فرنسا و تنظيم القاعدة. لذلك فإن ضمان أمن الفرنسيين مشروط بالإنسحاب من أفغانستان. و بهذا المعنى يكون " الأسرى " الفرنسيون لدى ما يسمى ب " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بمثابة ورقة ضغط على الحكومة الفرنسية، و بالتالي فالأمر يتجاوز حدود المطالبة بفدية مالية من أجل إطلاق سراحهم.
إن أسامة بن لادن ماض في برنامجه الذي نصب بموجبه تنظيمه ناطقا باسم الإسلام و المسلمين. و في هذا تكريس لواقع أصبح معه الإسلام في عيون الغرب مرادفا للقتل و الترهيب. و في الوقت الذي يتحدث فيه ابن لادن بلغة " البادئ أظلم "، يتناسى أن دخول القوات الأمريكية و حلفائها إلى أفغانستان كان ردا مباشرا على مهاجمة برجي نيويورك في أحداث 11 شتنبر الشهيرة. و كل ما تلا ذلك من تداعيات سياسية وقانونية مست المسلمين من قريب أو بعيد وجدت تبريراتها في تلك الحادثة. لذلك فإن الذين يراهنون على مشروع القاعدة إنما يتشبثون برهان خاسر، لأن هذا السلوك العدائي نحو الغرب لن يغير من واقع المسلمين شيئا، بل إنه يسيئ إليهم جميعا و يسيء إلى المعاني التي يشير إليها مفهوم الجهاد في الإسلام، لأن اختطاف الناس و تفجير القطارات و قطع الرقاب جرائم ينبغي أن يتبرأ منها المسلمون لا أن يصفقوا لها. محمد مغوتي.29/10/2010.
التعليقات (0)