من المعروف ان اهم عنصر في حل لغز اي جريمة هو معرفة الدافع لحصول الجريمة. فلو حصلت جريمة قتل رجل في بيته مثلا , فاذا تاكدت الشرطة من حصول جريمة سرقة لاي شيء ثمين في البيت مصاحبة لجريمة القتل عرفت ان القتل حصل لغرض السرقة , والا فانها ستبحث عن وصية لتركة كبيرة مثلا تركها القتيل وبالتالي ستتحقق من المستفيد من هذه الوصية واللذي ربما قتل الرجل كي يرث الثروة , او قد يكون احد الاقارب اللذين حرمهم القتيل من الثروة في وصيته وهنا سيكون الدافع الانتقام , وهكذا...
اذا فان المستفيد الاول من الجريمة لابد ان يكون هو المشتبه به الاول بارتكاب الجريمة , وهذا بالضبط ما اريد ان اسلط الضوء عليه هنا .
الاهداف المعلنة لتنظيم القاعدة معروفة للجميع فهي تعلن من قبل قادة التنظيم كل يوم تقريبا وتتلخص بزعمهم بتحرير الاراضي الاسلامية المحتلة وازالة الانظمة الغاصبة في الدول ذات الاغلبية المسلمة واقامة الخلافة الاسلامية الموحدة في جميع بلاد المسلمين ,وهذه اهداف قد تكون مشروعة . ولكن طريقة عمل القاعدة واللتي يسميها اتباعها تعديا بالجهاد هي اللتي تحيرني وتحير الكثيرين , لاننا اذا تمعنا في معظم عمليات القاعدة فسنجد انفسنا نقف متسائلين عن سببها وكيف ان هذه العمليات ستعمل عل تحقيق هذه الاهداف.
في بداية الثمانينات واذبان الاحتلال السوفيتي لافغانستان بدأ الشعب الافغاني مقاومة شرسة للاحتلال سرعان ما بدأت الولايات المتحدة الامريكية باستغلالها لخلق فيتنام جديدة للجيش الاحمر في افغانستان , ولذلك قامت بتمويل وتسليح المقاومة الافغانية , ولتقوية هذه المقاومة ومحاولة اطالة القتال وتكبيد السوفيت خسائر بشرية والاهم مادية تنهك اقتصاد الاتحاد السوفيتي واللذي تبين لاحقا ان امريكا كانت لديها معلومات استخبارية عن امكانية انهياره اذا ما استغلت الفرصة في افغانستان وبالفعل انهار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بدات( ال سي اي ايه) بتحويل الحرب هناك الى جهاد اسلامي ضد الشيوعيين الكفرة وبدات امريكا بالضغط على حلفائها المسلمين في باكستان والخليج خصوصا لتسهيل تجنيد من يريد الجهاد وارساله الى افغانستان اضافة الى اعانة المجاهدين ماديا . واذكر جيدا تلفزيون الكويت والسعودية اللذين كان يمكن التقاط بثهما في البصرة انذاك وهما يذيعان اعلانات فيها عبارت لاتزال عالقة في ذهني الى الان مثل ( ادفع دينارا تنقذ مسلما ) وكانت هذه الاعلانات تبين صراحة ان التبرعات ستذهب الى افغانستان .
اذا ومنذ البداية كان ارتباط المجاهدين الافغان اللذين اصبحوا النواة اللتي تاسس منها تنظيم القاعدة فيما بعد قويا بالمخابرات الامريكية خصوصا والغربية عموما , ولا يخفى على احد قوة ومتانة العلاقات بين هذه المخابرات والمخابرات الاسرائيلة.
بعد ذلك بدأت عمليات تنظيم القاعدة اللذي اصبح يحمل فكرا تكفيريا واخذ يضم كل التنظيمات التكفيرية في العالم الى صفوفه بعد انسحاب السوفيت من افغانستان وسيطرة طالبان بمساعدته على الحكم هناك .
ففي الجزائر مثلا وبعد الغاء نتائج الانتخابات التشريعية واللتي حقق فيها الاسلاميون فوزا ساحقا عام 1992 انزلقت البلاد الى حرب اهلية سرعان ما تدخل تنظيم القاعدة فيها , ورغم اني من المسلمين اللذين يؤمنون بحرمة قتل النفس الا بالحق وارفض افكار القاعدة جملتا وتفصيلا الا اني قد افهم جدلا( وانا لا افعل ) ان مقاتلة رجال الجيش والشرطة من قبل القاعدة هو للسيطرة وبسط النفوذ الا اني لا اعرف كيف ان المجازر البشعة اللتي حدثت في الجزائر في التسعينات ولاتزال من قتل وذبح وتقطيع اوصال الفلاحين والعزل والنساء والاطفال وحرق قرى بالكامل ستجعل القاعدة تنتصر على النظام هناك وتكسب قلوب الناس , ان ما تفعله هو بالظبط انتقام جنوني من اناس لاذنب لهم ونشر للفوضى وتعطيل للبلد لن يستفيد منه الا اعدائها , واذا ما قارنت صور المذابح في الجزائر مع المذابح في فلسطين ولبنان ستجد شبها كبيرا تعرف من خلاله من المستفيد مما كان يحصل في الجزائر .
وانا وان كنت مؤمنا ان امريكا هي عدو المسلمين الاول بدعمها اللامحدود لاسرائيل اللتي تغتصب الاراضي المقدسة قد اتفهم مهاجمة الاراضي الامريكية بطريقة 11 سبتمبر ( وانا لا اتفهم ) ولكن احدا لم يجد تفسيرا الى الان عن سبب عدم تواجد 5000 موظف يهودي يعملون في البرجين اللذين استهدفا في غزوة نيويورك ؟! واللتي اصبحت فيما بعد ذريعة لاحتلال العراق ودخول الجيش الاسرائيلي بملابس امريكية الى العراق .
اما عمليات القاعدة في العراق فانها تثير الف سؤال وسؤال عن العقل الجهنمي اللذي يدير هذه العمليات . فبينما كانت المقاومة العراقية في بغداد والبصرة والانبار وباقي المحافظات تقاتل التحالف المحتل كانت القاعدة تبعث الانتحاريين لتفجير انفسهم في الاسواق والشوارع ومجالس العزاء والبيوت وتقتل المدنيين ذبحا وبالرصاص . ولو فرضنا جدلا ان الموضوع كما يزعم قادة القاعدة هو انتقام من الشيعة , فلماذا اذا الانتحاريون يفجرون انفسهم في سوق شعبي لايوجد فيه اي امريكي في الرمادي او الموصل او تكريت حيث نسبة الشيعة في هذه المدن اقل من واحد بالمئة ويقتلون الاف المدنيين , لقد كان ولا يزال تركيز القاعدة الشديد واسلوب العمل اللذي تصر عليه دون كلل ولا ملل منذ احتلال العراق هو عمليات قتل الابرياء من السنة يوما ومن ثم قتل الابرياء من الشيعة في اليوم الثاني وهدم الجوامع ومراقد الصالحين في مناطق الشيعة يوما وعمل الشيء ذاته في مناطق السنة في اليوم الثاني وقد نجحت في خلق فتنة طائفية وجر الشعب العراقي الى ممارست انتقام ورد على الانتقام من الطرفين ذهب ضحيتها ملايين العراقيين قتلا وجرحا وتهجيرا . وفي الحادثة الاخيرة اللتي وقعت في الموصل اللتي يشكل المسلمون السنة من عرب واكراد 97 بالمئة من سكانها واثناء العدوان الاخير على غزة خرج الالاف من ابنائها البررة في تظاهرة كبيرة منددين بالمجازر الصهيونية في غزة , واذا بانتحاري اعلنت القاعدة بانه احد افرادها يفجر نفسه في وسط المظاهرة . فمن المستفيد اذا من هذه الجرائم , ومن يريد اسكات التظاهرات ضد الجرائم في غزة؟. ومن هذا الحاقد اللذي يحرك هؤلاء السفاحين والقتلة والاتحاريين ويامرهم بقتل الابرياء وحرق الاخضر واليابس والانتقام حتى من الاطفال بينما الجنود الامريكان والاسرائيليون يتجولون في شوارع العراق وفلسطين . وكما قلنا المستفيد من الجريمة بالتاكيد هو من يرتكبها .
( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدي) سورة المائدة- الآية 64
(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) المائدة – اية 32
التعليقات (0)