مواضيع اليوم

القاضي والجنّ

جمعة الشاوش

2010-10-25 18:14:01

0

 - القاضي الأوّل الذي أعنيه هو الذي تسبّب لي في وجع رأس كتابة هذه الخاطرة،رغم ما بدا عليه من طرافة وظرف،وهو المتقلّد لأمانة العدل بين الناس في بلد مشبع بالمهابة الرّوحيّة لدى المسلمين،على وجه الخصوص ...فالرّجل/القاضي سوّلتْ له نفسه الأمّارة بالسّوء فسادا واختلاسا،ولمّا انكشف أمره أقرّ بجرمه،لكنّه برّره بفعل الجنّ الذي كان يسكنه،والتمس الصّفح والمغفرة،فاتحا الباب على مصراعيه  للاجتهاد والتّندّر فيما كانت الجريمة المرتكبة التي يقترفها البشر بإيعاز من الجنّ وبتدبير منه هي تهمة يُدان من أجلها الجنّ الفاعل أم البشر المفعول به حتّى إن كان قاضيا...بصرف النّظر عن صدق الادّعاء من فساده،وعن الاعتقاد في وجود الجنّ من عدمه.

 

 

-القاضي الثاني الذي أعنيه هو الذي،بحكم مهنته،يشترك في حوزته لسلطة الإعلام،وهي سلطة تتداخل مع كلّ السّلط الأخرى في مهامّها...وكما هو معلوم،تدّعي سيطرتها على الرّأي العام وتوجيهه الوجهة التي تنشدها،متأثّرة بدرجة النّزاهة التي يتحلّى بها المشتغلون بها وبالخلفيّة التي تحكمها التزاماتهم وانتماءاتهم وحتّى أهواءهم.

لفت انتباهي من "قضاة" الإعلام المنتدبين أحدهم-في إحدى الفضائيات العربيّة- وهو يدْرأ تهمة توقّع انتخابات مزوّرة في بلد عربيّ مقبل على استحقاق انتخابيّ بقوله-متحمّسا وحاسما الأمر في الجوهر-أنّ الانتخابات،أيُّ انتخابات في العالم،لا الذين يُمارسونها ولا الذين يُشرفون عليها ولا الذين يُراقبونها،هم..."ملائكة".

كدتُ أستعين بجنّ القاضي الأوّل لأفهم ما يعنيه "رئيس التحرير" الموالي لنظام حكم بلاده...لكنّي فهمتُ،بعد طول عناء من شدّة غبائي،أنّ الرّجل استعان للإجهاز على خصومه،بالملائكة لينفي تلبّسها بالبشر في...الانتخابات،أي أنّ الاحتمال الوارد في هذه الحالة أن نُبرّر بحضور الجنّ أو الشيطان،بل،ربّما أن نستعين بهما.

 

-القاضي الثالث هو الرّأس في دولة أفغانستان،بعد الاحتلال طبعا،وأغلب الظّنّ بعد طالبان التي ما تزال تُنازعه السلطة بشراسة وتُنكّد عليه وعلى الاحتلال بلوغ ما يرومانه من مآرب. رغما عن ذلك فـ"كرزاي" علمٌ على "رأسه نار" وسلطة تصول وتجول بشرعيّة لا تنقصها إلاّ شعب يستردّ كرامته ويِؤمّن قوته..."كرزاي" فاجأته تسريبات تتّهمه بالتّواطؤ مع نظام إيران مستدلّة بتلقّيه منها أموالا ضخمة نقدا سرّا ودون تبرير مقنع سوى احتمال امتهانه لتلك اللعبة القذرة التي يحذقها المرتزقة..."كرزاي" يُفترض أن يكون حليفا للاحتلال صاحب النعمة عليه،وأن يكون عدوّا لعدوّ الاحتلال،خصوصا إذا كانت التّهمة الموجّهة لإيران هي دعمها "للإرهاب" في أفغانستان...ليست قضيّة الحال في التّهمة التي أحرجت الرّئيس إنّما في الإجابة "العقلانيّة" التي تفتّقت قريحته عليها ،فمع إقراره بتسلّمه المال خلسة من إيران كان حاسما في القول بأنّ "العمليّة شفّافة"...وإذ أُقدّر في "كرزاي" عقلانيّته التي استوردها معلّبة من أميركا،وعدم لجوئه إلى التّبرير بذكر الجنّ أو الشيطان أو الملائكة،فإنّي لا أراه قال شيئا غير التّمويه بسحر "الشفافيّة"... هل سمعتم بشفافيّة تُجيز التّستّر عن تسلّم المال في جنح الظّلام من أجل مصلحة الشعب يأتيها رئيس رسمي،أي لا رئيس حركة مقاومة أو عصابة مافيا وإرهاب؟..

لا أجادل من يرى وجاهة أن يستعين "كرزاي" بإيران،فهذه مسألة أخرى،إنّما شدّني دحض التّهمة التي أقرّها بالشفافيّة... أيُّ شفافيّة هذه التي استحضرها الرّئيس المؤتمن على وطن بعد أن اكتُشف أمره والحال أنّ الشّفافيّة كشفٌ للمستور؟

ألا يكون استحضار الجنّ أو الملائكة أو الرّؤيا أو الوحي(وما شابه ذلك) أنسب للتّستّر والتّبرير وأكثر إقناعا من شيطان "الشّفافيّة" الأقدر على المراوغة والضّحك على الذّقون؟

ألا أكون معذورا إن ملت إلى التّعاطف مع جنّ القاضي السّعودي وتبرّأت من "جنون" غيره؟..ثمّ ألا ترون أنّي تجرّأت على ذكر قاضي العدالة وقاضي الدّولة وخذلتني شجاعتي على التّنصيص على قاض عاديّ في سلطة الإعلام؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !