اسمه عياض بن موسى بن عياض بن عمر اليحصبي ولد سنة 476 ه بسبتة ، وخلافا لمعظم أهل العلم لم يطلب العلم في صباه ، بل بدأ الطلب بعد مجاوزته للعشرين من عمره ، فانقطع من حينها عن الدنيا وأقبل على الحفظ والتأليف ومجالسة العلماء وقد ورث مالا عن أبيه أتلفه في وجوه الخير إذ ساهم في ترميم الجوامع وكان جوادا كريما اجتمع فيه من الخلال الحميدة ما لا يجتمع في غيره إلا نادرا
أخذ عياض عن كبار علماء عصره وبلغ عدد مشايخه مائة ذكرهم ابنه عبد الله في كتابه التعريف بالقاضي عياض ومنهم أبو علي الصدفي ، والحافظ أبو علي الغساني وهو أول من أجاز القاضي عياض ، والعلامة أبو بكر بن العربي ،والفقيه أبو إسحاق الفاسي ، والقاضي أبو عبد الله بن عيسى ، وكان ذا همة في طلب العلم شغوفا بالمطالعة حتى إنه ليقرأ الكتاب ما بين العشاء والفجر لا تفوته منه فائدة لقوة حفظه ومن ذلك ما ذكره ابن أخيه من ورود رجل عليهم بمجالس علمهم بكتاب من سفرين فيهما من غريب القضايا ما لم يطلعوا عليه من قبل، فجلس الفقيه أبو إسحاق الفاسي يحدث منه في مجلسه فلما كانت آخر ليلة للرجل في بلدهم سأله عياض أن يترك لديه الكتاب فتركه لديه ما بين العشاء والفجر فلما كان الغد جعل يسبق الفقيه أبا إسحاق في بسط مضامينه والفقيه يتعجب ، وفي هذه القصة دلالة واضحة على سرعة ضبط القاضي وقوة حفظه ومنه أيضا أن أحد طلبته أحضر جزءا من كتاب حوى جملة من الفوائد فجعل القاضي يقلب أوراقه وهو يحادث تلميذه ثم رده إليه فقال التلميذ للشيخ بأن بإمكانه أن يحتفظ به إلى حين قراءته فأجابه القاضي بأنه لم يترك منه فائدة إلا عقلها .
رحل عياض إلى الأندلس(سنة 503ه ) للنهل من علومها ومجالسة شيوخها ومعه توصية من أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين إلى قاضي الجماعة بقرطبة ابن حمدين
وكان مما جاء فيها "عياض أعزه الله بتقواه وأعانه على ما نواه ممن له في العلم حظ وافر ، ووجه سافر ، وعنده دواوين أغفال لم تفتح لها على الشيوخ أقفال وله عندنا مكانة حفية تقتضي مخاطبتك بخبره وإنهاضك إلى قضاء وطره وأنت إنشاء الله تسدد عمله وتقرب أمله وتصل أسباب العون له ". وبالأندلس لقي جماعة من أهل العلم فأخذوا عنه وأخذ عنهم وفيها أخذ الصحيحين عن أبي علي الصدفي حجة عصره،وللقائه بأبي علي هذا قصة رواها المقري في كتابه عن القاضي والمسمى " أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض " وذلك أن أبا علي اختفى عن الأنظار فرارا من تولي قضاء مرسية فجعل طلابه يلتحقون به خفية حتى نفدت أقواتهم ولم ينفد ما معه من العلم وجلهم لم يتم كتابه فيما يدون عن أبي علي، وعلم بمجيء عياض وكان مجلا له ، واتفق أنه في ذلك الحين زال عنه الخوف بعد أن أعفي من ولاية القضاء فقال لعياض حين لقيه " لولا أن الله يسر خروجي بلطفه لكنت عزمت ان أشعرك بموضع يقع عليه الإختيار من الأندلس لا يؤبه لكوني فيه فتدخل إليه وأخرج مختفيا إليه بأصولي فتجد ما ترغب " فانظروا إلى هذا العالم الجليل الذي يفكر في الرحيل إلى طالبه وما ذاك إلا لأنه يدرك مكانة عياض وقدره فعز عليه ألا يحقق رجاءه منه .
وقد استجاز عياض شيوخه فأجازوه بالجملة ، ورفض الزمخشري صاحب "الكشاف " إجازته وليس ذلك مما يحط من قدر القاضي في شيء لأنك تجد من أهل العلم والفضل من يرفع مرتبته فوق مرتبة الزمخشري نفسه فمما قال ابن حجر العسقلاني حين أورد شرح حديث أم زرع في كتابه " بلوغ المرام "وكان قد اطلع على شروح كثيرة للحديث منها شرح الزمخشري في كتاب الفائق "شرحه الزمخشري في الفائق (أي حديث أم زرع ) لكن شرح القاضي أجمع وأوسع"
وقد أثنى غير واحد من معاصريه ومن بعدهم على علمه .
يقول فيه ابن بشكوال صاحب الصلة وهو من تلاميذه من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم استقضى بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل إلى غرناطة فلم يطل بها ، ثم قدم علينا قرطبة فأخذنا عنه واستفدنا منه كثيرا .
ويقول ابن خلكان "هو إمام الحديث في وقته " وفي موضع آخر "كل تواليفه بديعة " ويقول فيه أبو عبد الله محمد الأمين "مقام عياض مثل مقام البخاري والأئمة الأربعة "
برع القاضي في علوم كثيرة كالفقه والحديث والأصول واللغة وعلم الكلام وألف في الفقه والتاريخ والحديث ما يضيق المقام عن حصره ،ومن تواليفه "الشفاء "و " إكمال المعلم في شرح مسلم " و " مشارق الأنوار على صحاح الآثار " و " ترتيب المدارك وتقريب المسالك "
ولما كان الفقه المالكي فقها معتمدا في بلاد المغرب فقد تبحر فيه القاضي عياض حتى صار معولا عليه في حل ألفاظ مدونة سحنون وضبط مشكلاتها لكثرة من تصدى لشرحها وقصور العامة عن إدراك أوجه الخلاف بين شراحها فكان ذلك منه جهدا محمودا
تصدى عياض للفتيا والقضاء وهو بعد حديث السن وفي ذلك يقول محمد بن حمادة " ولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة فسار بأحسن سيرة " وكان أول عهده بالقضاء بسبتة ومنها رحل إلى غرناطة بأمر من علي بن يوسف أمير المسلمين ، وكان أمر غرناطة قد فسد وانتشرت بها الشرور والمعاصي فانتدبه الأمير لسياستها فكان لا يقبل في مذنب شفاعة و شرد بذلك من أتباع "تاشفين بن علي "خلقا كثيرا وعزل من ثبت عدم كفاءته عن مناصبهم فأغضب ذلك تاشفين وسعى في عزله لدى أمير المسلمين وكان له ما أراد فعزل عن القضاء سنة 532 ه وعاد إلى سبتة للتدريس والفتيا
، وفي تلك الفترة قوي أمر ابن تومرت وأتباعه الموحدين وانتبه تاشفين إلى أهمية أمثال عياض في دولته فولاه أمور سبتة ولكنه عمل يائس فكتاب دولة المرابطين حينها كان قد بلغ أجله والدول كما يقول ابن خلدون يجري عليها ما يجري على الأحياء ، إذا أصابها الهرم فلا يدفعه شيء وما ذلك الوميض الذي يبدو في آخر انطفائها إلا كوميض الفتيل حين يتوهج قبل أن يخبو أواره إلى الأبد فما عسى القاضي أن يفعل وقد استبدت بالدولة عوامل الضعف و الانهيار من كل جوانبها لكن مواقف العلماء حين يشتد الكرب منارات يهتدي بها الحائرون من بعدهم فلا أقل من أن يسجل الواحد منهم وقفة إباء وعز خليق بها من صرف عمره لخدمة العلم ونشره بين الخلق ،وحين يلف ستار الموت كل هؤلاء كما لف من سبقهم يستوي لدى من ينبش ذكراهم الحاكم و المحكوم ،لكن المواقف لا تستوي فشتان بين من أعطى الدنية في حقه و من ثبت إلى آخر رمق وشتان بين ظالم و مظلوم ،وقد ابتلي عياض في دينه و شجاعته وامتحن في إخلاصه للمرابطين اللذين تربى على أمجادهم تملأ الأفاق منذ أيام الصبا ،وسنرى لاحقا عند الحديث عن وفاته كيف واجه جبروت الموحدين
لم يكن القاضي عياض مقتصرا في طلبه للعلم على علوم الشرع وكفى بل تعداها إلى اللغة و البلاغة و الشعر فأخذ من كل ذلك بحظ وافر و في ذلك يقول عن نفسه
ولئن غدوت من العلوم بموضع تومي إلى أصابع وعيون
فلدي للآداب عين صبة فيها إلى ملح الظروف ركون
فكتب في كل أغراض الشعر كالغزل والتشوق والزهد وغيرها ولم يهتم بتسجيل شعره وتقييده كما كان شأنه في العلوم الأخرى ومجمل ما وصلنا من شعره مما حفظه أصحابه عنه ودونه ابنه فلم يؤلف فيه ديوانا يجمع إبداعه في هذا الفن و ربما فعل ذلك تورعا وذهابا بوقاره عن أن يمتهن بين العامة و السوقة ،فليس كل الناس سواء في تقبل ما يصدر عن أهل العلم حتى إن منهم من يظن العالم فوق البشر لا يجري عليه ما يجري عليهم في أحاسيسهم من طرب و غضب و حزن و غير ذلك ، و قد أحصى ابنه آلاف الأبيات قيلت في والده على سبيل المساجلة والرد و ذكر أنه لم يتيسر له جمع ما كتب والده لأن شعره لم يدون، و على كل حال فقد برع القاضي في الترسل و الشعر وتدبيج الخطب براعته في سائر العلوم والفنون .
فمن شكاته في مكابدة تباريح الغرام قوله :
يا راحلين و بالفؤاد تحملوا أيرى لكم قبل الممات قفول
أما الفؤاد فعندكم أنباؤه و لواعج تنتابه و غليل
فيرى لكم علم بمنتزح الكرى عن جفن صب ليله موصول
ما ضركم أو ضنكم بتحية يحيى بها عند الوداع قتيل
والقاضي إلى جانب ما ذكرنا منصف لمن هم دونه علما ميال إلى الدعابة والظرف في مجالسه من غير تهتك .
فمن إنصافه ما حكى عنه ابن القصير حين قال :"دخلت مجلس القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله ...وبه جماعة من الطلبة والأعيان يسمعون تأليفه المسمى بالشفاء فلما وصل القارئ إلى هذه الكلمات " ومن قسم به أقسطه " قرأه ثلاثيا (يعني قسطه ) ... فقلت للقاضي هذا لا يجوز في هذا الموضع فقال ما تقول ، فقلت : إنما هو أقسط لأن المراد في هذا الموضع " عدل " فالفعل "رباعي " كما قال تعالى ""وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ""وأما قسط فإنما هو " جار " كما قال تعالى ""وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا "" فتعجب وقال لمن حضر إن هذا الكتاب قرأه علي من العالم ما لا يحصى كثرة ولا أقف على منتهى أعدادهم ما تنبه أحد لهذه اللفظة .
قال ابن قصير : " وأورثني ذلك عنده كرامة كبيرة وميزة ".
وفي هذه القصة أعظم دليل على تواضع القاضي ولين جانبه وأنه يأخذ عمن هم دونه علما إذا لزم الأمر وهذه الخصلة دليل أيضا على رسوخ قدمه في العلم فمن خاض فيما خاض فيه القاضي لا شك وأنه يقع منه الخطأ كما تقع الغفلة والزلل لكثرة تأليفه، وإنك لتجد من لا يقاس علمه إلى علم القاضي يغضب و تأخذه العزة بالإثم إذا نبهه إلى غلطه منبه ويرى ذلك حطا من قدره وربما انقلب للمجادلة عن الباطل حتى لا يقال لا يعلم
ومن ميله للدعابة أن أحد أصحابه كتب شعرا ذكره فيه فبلغه ذلك فعزم عليه أن ينشده إياه فأبى حتى أصر عليه القاضي فأنشده :
أيا مكثرا صدي ولم آت جفوة وما أنا عن أهل الجفاء براضي
سأشكو الذي توليه من سوء عشرة إلى حكم الدنيا وأعدل قاضي
ولا حكم بيني و بينك أرتضي قضاياه في الدنيا سوى ابن عياض
فلما فرغ قال له عياض على سبيل الدعابة : " يا أبا فلان أ قوادا تعرفني "
هذه طبيعة القاضي عياض وهديه في طلبه للعلم ومفاكهة الخلان لا يخرج عن حدود الطبيعة الإنسانية و لا يجاوزها في سائر أطوار الحياة، يتغزل و يشكي لوعة الفراق ويعاتب أصحابه ولكنه صاحب خلق رفيع يعرف الحد الفاصل بين الدعابة و العبث و بين التعبير عن مكنونات الصدر و الفجور ، صارم في أحكامه لا يحابي أحدا يحب الخير لذويه فلا يقطع من قطعه و قد روى ابنه أنه كان بينه و بين أبي الحسين بن زنباع إخاء فانقطع حبل ودهما و أساء ابن زنباع للقاضي فبلغه ذلك فأنشد :
كم و كم أشياء منكم تريبني أغمض عنها لست عنها بذي عمى
أحاذر إن أكاف عنها بمثلها تكون لأسباب القطيعة سلما
فالقاضي لا يقطع حبيبا و إن قطعه و لا ينسى مودته ثم هاهو في موضع آخر يجلد الفتح بن خاقان بسبب شربه للخمر و قد كانت بينهما مودة فلما أحس منه الجفاء بعد ذلك أرسل إليه مبلغا من المال يسترضيه ، وبذلك ارتفع شأنه وذاع صيته و أحبه أهل سبتة و عظموه فلما ولاه تاشفين أمر أهلها حكم فيهم بالعدل و لكن شمس المرابطين كانت سائرة إلى الأفول فقد ذهب عهد أبطال الزلاقة الأتقياء الأنقياء، وخلف من بعدهم خلف متكالبون على الملذات ،فانحل رباط المرابطين و أدبرت أيامهم ، وقد نقم عليهم ابن تومرت مخالفتهم للشرع فكان يمشي في الأسواق يريق الخمر ويعظ الناس فاجتمع عليه خلق كثير ، ودعاه أمير المسلمين لحضرته وواجهه بفقهاء المرابطين وكان الرجل أخذ عن الغزالي ولزمه زمنا وتعلم أصول المناظرة فخاطب القوم بما لا يعرفون فذاع صيته، ثم إنه أفشى بين خاصته أنه المهدي المنتظر فلما اشتد عوده أظهر دعوته و حمل على المرابطين وكانت بينهم حروب و معارك لم يتورع فيها ابن تومرت عن سفك دماء مخالفيه ، وقد أولغ في الدماء فقتل مئات الآلاف من المرابطين ودمر مدينتي سلا ومراكش ولم يسلم منه فيهما شيء، حتى المساجد هدمها بحجة أنها نجسة وقبلة لأنجاس المرابطين ولم يكن القاضي ممن تخفى عليه عواقب مقاومة ابن تومرت و لا من الذين يركنون إلى دعواه الضالة فدافع عن سبتة بادئ الأمر ثم لما رأى شدة بأس الموحدين وضعف عدد أصحابه وعدتهم اجتمع بعبد المؤمن بن علي خليفة المهدي وهادنه فولى عليهم عبد المؤمن يوسف بن مخلوف التينمللي ، فلما انتقض المغرب على عبد المؤمن كما جاء في " الإستقصا " اهتبل القاضي الفرصة وقتل عامل الموحدين ثم ركب البحر إلى يحيى بن علي بإفريقية وبايعه فبعث معه يحيى بن أبي بكر الصحراوي ، وهزم الصحراوي فرأى القاضي عياض أن يضحي بنفسه فداء أهله فلما أزمع الرحيل إلى عبد المؤمن جعل يبكي ويقول للناس : "جعلت فداءكم "
يقول الناصري : " فالحاصل أن ما فعله عياض أولا و ثانيا و ثالثا كله صواب موافق للحكم الشرعي " وهذا واضح في دفعه للبغي ومجالدته للصائلين فحين دافع الموحدين أول الأمر كان ملتزما ببيعته للمرابطين، ففسقهم وإن ظهر لا يبلغ ضلالات ابن تومرت الذي ادعى العصمة لنفسه ، وحين سلمهم المدينة وهادنهم لم يكن له طاقة بحربهم فقدم حقن الدماء على محاربة المبتدعة ،ثم لما سنحت له فرصة التخلص منهم حاربهم فلما رأى أنه أساء التقدير سار إليهم بنفسه لئلا يكون مصير سبتة كمصير مراكش وسلا .
لم يذكر ابنه موقفه من دعوة الموحدين بل ذهب إلى القول بموافقته لمذهبهم ، وقد جاء في كتاب "التعريف بالقاضي عياض" ما نصه "ثم بادر بالمسابقة إلى الدخول في نظام الموحدين والاعتصام بحبلهم المتين"
ولم يكن بوسعه أن يقول أكثر من ذلك وقد ألف كتابه في ظل دولتهم ،فكلامه محمول على مداهنتهم واتقاء نقمتهم ، غير أن قصة مناوءته للموحدين كانت أشهر من أن تقبر وتمحى آثارها من التاريخ ،وقد بذل فيها القاضي نفسه ليفدي أهله وعشيرته ،قال الذهبي "بلغني أنه قتل بالرماح لأنه أنكر عصمة ابن تومرت "
لما وقف القاضي بين يدي عبد المؤمن عفا عنه وطلب منه أن يكتب رسالة توزع في سائر الأمصار ينص فيها على عصمة المهدي وصدق دعوته ،وكان موقفا جليلا فقد خيروه بين حياته وبين أن يكون لسان ضلالهم يسوغ لهم البدع ويصرف عنهم خصوم دعوتهم ،فالقاضي حجة في الدين إن مال إليهم مالت أمم لا تعرف فيما خالفهم أو فيما قبل دعوتهم ،ويأبى عياض أن يكون سلما يرتقون عليه إلى غاياتهم فمزقوه إربا وكان ذلك سنة 544 ه ،ثم دفن ولم يغسلوه ولم يصلوا عليه و أقطعوا الأرض التي دفن بها للنصارى فبنوا بجواره كنيسة إمعانا في النكاية فيه ولو بعد مفارقته للحياة
التعليقات (0)