أصبح تاريخ 20 فبراير يفرض نفسه بقوة في الشارع المغربي بمختلف مكوناته. و ما كان لهذا الموعد أن يلقى أي اهتمام لولا النجاح المدوي الذي عرفته الثورتان في تونس ومصر. و بغض النظر عن طبيعة المواقف المسجلة بشأن الموعد المغربي و تداعياته المستقبلية، فإن عدوى "ثورات الفيسبوك" لابد أن تفعل فعلها سواء من قريب أو بعيد. و الحال أن سمفونية " الإستثناء المغربي" التي يحلو للكثيرين ترديدها في كل مرة، ( و التي تتكرر حاليا في محاولة للتقليل من شأن هذا الحراك الإجتماعي " الإلكتروني") هي في حاجة إلى إعادة نظر.
صحيح جدا أن المغرب كان مرشحا فوق العادة ليكون استثناء حقيقيا في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط منذ لحظة "التناوب" التي أوصلت حزب عبد الرحمان اليوسفي إلى الحكومة... و بعد ذلك توالت إشارات التغيير عندما فتح المغرب الجديد ورشا حقوقيا ضخما لتجاوز الحقبة السوداء التي طبعتها " سنوات الرصاص". لكن أسلوب التعاطي مع هذا الملف لم يكن في مستوى التطلعات، و لم يتم استثماره بالشكل اللازم. و هكذا فوت المغرب فرصة تاريخية للإقلاع و الإصلاح. و مازال مفهوم " الإنتقال الديموقراطي" يراوح مكانه حتى الآن في مشهد تحول معه المغرب بأسره إلى " قاعة انتظار" كبيرة. لكنه انتظار للمجهول. انتظار ل" غودو" الذي قد يأتي أو لا يأتي... و ربما كانت إحدى الحسنات القليلة لهذا الوضع تتجلى في تنامي ثقافة الإحتجاج على نطاق واسع، حتى أصبح مشهد الإعتصامات و التظاهرات المحدودة أمرا عاديا ومألوفا. و هنا بالضبط يكمن الإختلاف المغربي عن تونس و مصر. فقد أدت سياسة الكبت و المنع في البلدين على مدار سنوات طويلة إلى انفجار الوضع عند أول فرصة سانحة انسجاما مع القاعدة الفيزيائية التي مفادها أن الضغط يولد الإنفجار. لكن هل هذا يعني أن المغرب لا يعيش هذا الضغط؟.
لا يختلف اثنان في كون الإستقرار الإجتماعي هو الضمانة الأولى للإستقرار السياسي. و المغرب كسائر بلدان المنطقة يعرف وضعا اجتماعيا مقلقا، يتجلى في تفشي البطالة و الفقر و ارتفاع الأسعار و المستوى المتدني للأجور و ضعف الخدمات الإجتماعية. و هذا يعني أن المغرب ليس في منأى عن المقدمات الموضوعية التي أدت إلى انفجار الوضع في الحالتين التونسية و المصرية. لذلك لا ينبغي التقليل من شأن الأصوات التي تدعو إلى الإحتجاج يوم 20 فبراير. و ما تردده بعض الأبواق الإعلامية هذه الأيام عن شباب " الفيسبوك" يشبه إلى حد التطابق ما شهدناه في الإعلام المصري طيلة أيام الثورة، عندما كان يضلل الرأي العام و ينعت المتظاهرين في ميدان التحرير بأقدح الصفات... و بدل ركوب موجة التخوين و التهم الجاهزة، يجب أن تتظافر كل الجهود لتحقيق قفزة حقيقية من خلال إصلاحات شاملة وشجاعة بدل السياسات الترقيعية و محاولات الإطفاء التي لا تجدي نفعا. ذلك أن هؤلاء الشباب الذين فشلت الأحزاب السياسية و تنظيمات المجتمع المدني في استيعابهم و تأطيرهم، و تغاضى المسؤولون عن مشاكلهم و همومهم، هم الذين يشكلون مستقبل هذا البلد. و لابد أن يتم الإصغاء بعناية إلى أصواتهم. هؤلاء لا يمكن أن يكونوا أبدا أعداء للوطن، و هم حتما يحبون هذا البلد و يريدون الخير له و لأبنائه.
إن الشباب المغربي على قدر كبير من الوعي و المسؤولية، لذلك يجب أن لا ننخدع بالمظاهر. هذه الفئة العمرية العريضة التي حولت ولاءها للريال و البارصا، و أدمنت تصفح مواقع التواصل الإجتماعي، ليست أبدا بمعزل عن واقعها. إنها تبحث هناك عن فرح مفقود، فرح افتراضي ينفس عن الغبن الذي تعيشه. لكنها تستحق أن تعيش هذا الفرح بكل واقعية في بلدها. و المهم الآن ليس هو تاريخ 20 فبراير في حد ذاته، بل هو التدابير التي ينتظرها الشعب من أجل القطع مع اليأس و البؤس و الحرمان، و معانقة الأمل في المغرب الذي ننشده جميعا... محمد مغوتي.17/02/2011.
التعليقات (0)