مواضيع اليوم

الفواصل الزّمنية

جمعة الشاوش

2009-12-12 13:29:10

0


الفواصل الزمنية التي نعتمدها لطيّ مرحلة واستقبال مرحلة موالية هي فواصل وهميّة،فالزّمن لا يتوقّف استجابة لمشيئتنا وعقارب ساعته تدور دورتها المنتظمة غير مكترثة بفعلنا فيه ولا يعنيها منه ما نتخيّره أو نُهمله...تماما كالرّحى تطحن ولا يعنيها ما تطحنه في دورانها وحركتها المعتادة.
الزّمن لا يتوقّف وفواصله من بدعنا نُحدّدها وفقا لرغباتنا وما نروم استثماره وتوظيفه.وهي،في توقيتها،لا تعني بالضرورة الشيء نفسه لكلّ البشر أمما وشعوبا وأفرادا...
إنّ احتفال شعب ما بعيد استقلاله،مثلا،يصادف كارثة احتلال لشعب آخر،وقد لا يعني نفس التاريخ شيئا ذا بال لدى شعب ثالث بما لا يدعوه إلى التّوقّف عنده...والشأن مماثل لدى الأفراد،فالفاصل الزّمني الذي يتوقّف عنده شخص ما بمناسبة عيد ميلاده هو نفس التوقيت الذي توقّف عنده آخر بمناسبة زفافه أو توظيفه أو طلاقه أو تقاعده...وهو نفس التوقيت الذي لا يعني فاصلا زمنيا في حياة الكثيرين من الناس،وعليه فهو يمرّ دون اهتمام منهم به ...
لكن من الأحداث ما يفرض نفسه على أوفر عدد من الشعوب أو الأفراد فيستأثر بالاهتمام ويستوجب اعتبار توقيته فاصلا زمنيا كاحتلال العراق أو أفغانستان،وكانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتّحدة الأمريكية وإحرازه على جائزة نوبل للسلام،وكالحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة...وربّما لجمهور غير قليل من العرب بالخصوص،كتصفيات كرة القدم لمونديال جنوب إفريقيا التي دارت بين مصر والجزائر وما صاحبها من هرج ومرج ما تزال تداعياته قائمة...
والرّجاءكلّ الرّجاء،أن يكون مفهوما أنّ القصد ليس جردا للأحداث بحسب أهمّيتها،وإلاّ لجاز أن يحتجّ من يرى تقصيرا أو جهلا بعدم ذكر ما هو أجدر بالإبراز،كوفاة "مايكل دجاكسون".ا..أو كسطوع أسماء لامعة من نجوم عالم الفنّ والكرة والمافيا والتنجيم.ا..فضلا عن الهدية المسمومة التي تلقّتها البشرية من سنة 2009 والمتمثلة في انتشار أنفلورنزا وبائيّة قاتلة مُعلّبة في تداعيات أزمة اقتصادية عالمية خانقة...
وبالرّغم من هذه الأحداث وغيرها،على أهمّيتها وفقا لاهتمامات الناس ومشاربهم،فإنّ بعضها أو كلّها،قد لا تكون في حدّ ذاتها،وقت حدوثها،لتشغل الذين انشغلوا بأحداثهم الضاغطة عليهم والتي شكّلت فاصلهم الزّمني ...أي أنّ الفاصل الزمنيَّ واحد والمشْغل مختلف...
إلاّ أنّه من الأحداث الفاصلة في التاريخ ما تتعاقب البشريّة فلا تُهْملها اعتبارا لوقْعها وتأثيرها مثل الحربين العالميّتين الأولى والثانية واستعمال أميركا للقنبلة الذّرّيّة في هيروشيما وناجازاكي لتأديب اليابانيين وانهيار الاتحاد السوفياتي...وحدث 11 سبتمبر 2001 المروّع الذي استهدف أميركا والتي ما تزال تداعياته مؤثّرة على مجرى الأحداث في العالم إلى اليوم...
ولعلّ الفواصل الزّمنية الموغلة في القدم والتي نستعيدها في نفس مواعيدها احتفالا وأملا وخشوعا وطقوسا هي تلك التي تتّصل بالديانات السماويّة كشهر رمضان المعظّم والحجّ وهجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم وميلاد المسيح عليه السلام...
ورغما عمّا هو ماثل من حرص على اختلاف في مرجعيّة التقويم الزّمني لدى الأمم تأكيدا لكلّ منها لهويّتها،فإنّ ميلاد المسيح يبدو الأكثر بروزا في اشتراك البشريّة احتفالا به واعتمادا له في تحديد فواصلها الزّمنيّة والتأريخ لها...والمسلمون الذين لا يروْن ما يُنْقص من مكانة دينهم في بروز هذا الحدث باعتبارهم يُقرّون برسالة المسيح ويُشيدون بها ولا يكتمل إيمانهم إلا بالاعتراف بسائر الدّيانات السماوية والأنبياء والرّسل،هم (المسلمون) يُدركون،مع ذلك،أنّ سيطرة حضارة الغرب وهيمنتها هي التي كانت بالأساس وراء طغاء هذا الحدث عالميا من حيث التكريم له والانشغال به فاصلا زمنيا تُودَّعُ به سنة وتُستقبَل أخرى...ولعلّ استقبال هذا الحدث وتكريمه يفوق لدى عدد ليس بالقليل من المسلمين ما يقوم به المسيحيّون أنفسهم لاستقباله...
في كلّ الحالات عجلة الزّمان يهمّها دورانها المنتظم الذي لا يتوقّف،أمّا الذي يتوقّف فهو الإنسان في توقيت يُحدّده أو يتحدّد له وفقا لسطوة حدث عليه يُسمّيه فاصلا زمنيا،وما للزّمن من فواصل...
والله نسأل أن تكون الفواصل التي نصنعها أو نتوقّف عندها شبيهة بالفواصل التي شاءتها الإرادة الإلهية من خلال رسالة الأنبياء والرّسل خيرا خالصا...
وكلّ عام والأمل متجدّد في أن نعمل برسالة الأنبياء والتّقاة والحكماء والصّالحين من أحفاد آدم وحوّاء.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !