3-الغت تلك الثورات كل توجه نحو التوريث السياسي السيء الصيت في الجمهوريات الشكلية،لانه ليس هنالك جمهورية حقيقية!.
من اين ابتدأ التوريث السياسي؟!ولماذا شاع في العقود الاخيرة؟!...
في الحقيقة ان استقرار الانظمة العربية الشكلي لفترة طويلة نتيجة لاستغلالهم لحالة الحرب الباردة والصراع الدولي،قد ادى الى ضعف المعارضة بعد ان كانت الحريات الشكلية متاحة بعد الاستقلال! ومن هنا استقر الحكم لحفنة من الاوغاد لفترة طويلة نتيجة لليقظة الاستثنائية من كل محاولات الانقلاب والثورة واخذ القمع يشتد مع انهيار الحدود الدنيا لهامش الحريات المتاحة،كل ذلك ادى الى نشوء طبقات طفيلية في بطانة كل حاكم اخذت تروج وتدعم فكرة توريث الحكم الى احد افراد اسرته لرغبتها الملحة في الاستفادة من الوضع،وهو امرا محرما في السابق! مما يعني تدهورا فظيعا في درجة استقلالية الامة وارادتها وضعفا شديد في نخبها الفكرية والفئوية التي تعارض عادة مثل تلك الافكار البدائية الهزيلة!.
نتيجة لطول بقاء الحاكم في منصبه،فأن افراد اسرته واقاربه قد نشأوا في بيئة من الفساد والتسلط ولم يعرفوا في السابق حالة الحرمان او لم يعيشوا في بيئة شعبية حتى يحملوا همومها وآلامها!...بل ان حالتهم اصبحت مثل حال الاسر المالكة في الانظمة الملكية ولكن الامر اكثر سوءا نتيجة لان التقاليد الملكية مختلفة عن تقاليد الانظمة الشمولية،فهي اكثر تهذيبا واكثر حكمة في الرغبة في البقاء مما هو موجود لدى اسر اخرى تشعر بأن الزمن الذي رفعها الى اعلى ممكن في اية لحظة ان ينزلها الى الحضيض! لان الماضي السيء للحاكم والمقربين منه جعلتهم اكثر رغبة في الاستمتاع بمباهج الحياة وملذاتها بطريقة شرهة وغريبة دالة على وضاعة ذاتية ورغبة محمومة في التعويض عن الحرمان السابق ولذلك كان هؤلاء اكثر ثراءا من الملوك انفسهم! كل ذلك حول ابناءهم وهم في الاغلب اما كانوا صغارا عند قفز الاب على السلطة او ولدوا بعدها وترعرعوا في جو مختلف تماما عن معيشة الاب ولم يروا الحرمان والمعاناة،وبالتالي حولهم الى وحوش سواء في درجة التسلط او الانغماس في الملذات مع تجاهل تام من قبل الحاكم ونخبته لتلك التصرفات المشينة التي تجلب العار عادة لصاحبها!...فقد تحولت المعاملة القاسية للمحكومين والانحلال الاخلاقي الذي يسود حياتهم،الى مادة خصبة للاعلام بالرغم من شدة التستر عليها!.
ان تلك الحالة لم تكن وليدة هذا العصر فحسب،بل كانت له جذورا عميقة في التاريخ العربي من خلال توريث معاوية الاموي لابنه يزيد الحكم ولم يكن مقبولا من قبل الغالبية الشعبية ولكن طول البقاء في الحكم واستشارة البطانة الفاسدة والقسوة في التعامل مع الخصوم جعل الفكرة في موضع التطبيق،وكلنا يعرف نتائج توريث يزيد ومن على شاكلته السلبية التي حملت الكوارث الى العالم الاسلامي برمته وجعلته ساحة للصراعات الدموية بدلا من ان يحمل راية الحرية والعدالة الى البشرية!.
ان التوريث لن يكون لابناء او اقارب يحملون مستويات عالية من الثقافة والفكر او الاخلاق التي تردعهم عن ارتكاب الاخطاء والمعاصي!...كلا ابدا، فأن البيئة المحيطة بهم قد حولتهم الى وحوش ادمية لا تستحق ادنى درجات المسوؤلية التي لا تكون الا لمن يستحقها!...وعليه فأن كارثة التوريث السياسي هي من اعظم الكوارث الناتجة من الاستبداد السياسي الطويل.
الوضع الحالي هو مشابه للماضي بالرغم من فارق الزمن! بل ان بعض الاحزاب الدموية الحاكمة مثل البعث، كانت سباقة في الترويج لتلك الافكار الهدامة والمنحطة والتي تدل على انحراف فكري خطير... فقد روج اتباع البعث في السبعينات لافكار هزلية مثل الوراثة الثورية او القرابة الثورية!... وهي افكار مضحكة ولا تحتاج الى ادنى مجهود فكري لدحضها،لانها صدرت لاجل التستر على تسلط الحاكم وأقربائه على جميع مفاصل الدولة الاساسية!...فالبداية كانت بذلك النوع من الخداع والتمويه! الى ان تطورت الحالة الى الوراثة السياسية العلنية!.
لقد بدأ الترويج لفكرة التوريث منذ نهاية الثمانينات في بعض البلاد العربية وهي التي كانت موجودة بتناقض غريب في لبنان بالرغم انفتاحه النسبي المزعوم!...وتلقفت اكثر الانظمة شمولية وهما جناحا البعث في العراق وسوريا،فقد كان صدام والاسد هما الاسبق في الاستعداد للتطبيق بالرغم من كل الادعاءات بالثورية والوطنية الزائفة!وقد نجح المشروع في سوريا بعد وفاة حافظ الاسد عام 2000 وتولي ابنه بشار الحكم بطريقة غريبة منافية للاعراف الشائعة في الانظمة الجمهورية!ولكن لحسن الحظ لم ينجح في العراق بسبب سقوط نظام صدام عام 2003 مع مقتل ابناء صدام المعروفين بقسوتهم المستمدة من والدهم واتساع دائرة جرائمهم من شدة انحرافاتهم اللاخلاقية!.
وبالرغم من انهيار المخطط التوريثي في العراق،الا ان الدول الاخرى لم تقف بالضد منه لاخذ العبرة!...كلا ،فقد واصلت الانظمة الديكتاتورية الاخرى السير بنفس المنهج التدميري للبلاد،فكان المخطط التوريثي يسير بهدوء في مصر وليبيا واليمن وبدرجة اقل في تونس والجزائر!...الا ان انطلاقة الثورات البهية جعل تلك الفكرة تتحطم على جدار الرفض الشعبي الصارم،فكان انهيارها التام في تونس ومصر في البداية مع الانهيار المتوقع في البقية،فقد اصبحت الشعوب العربية واعية من خلال الانفتاح على الاخر والاستفادة من التجارب المحزنة ومن الوسائل الحديثة للاتصال في زيادة الوعي السياسي الذي لا يقبل عقلا او منطقا بذلك النوع المتخلف من التوريث...ومن يدري فقد يكون بلد الانفتاح العربي الاول وهو لبنان اخر السائرين في هذا الطريق لكون الحالة مقبولة شعبية في ظل غياب تام للوعي النقدي الحر!.
4-استفادت الشعوب من الرشاوى المقدمة اليها بفضل الخوف من وصول الشرارة الثورية التي تزيل اعتى الانظمة واكثرها قمعا من مكانها العالي!.
طبعا الانظمة تستخدم مصطلحات هزلية مضحكة للتعبير عن تلك الرشاوى!...فمن مكرمة الى منحة الى زيادة مرتبات وتفعيل برامج تشغيل العاطلين الى اصلاح اقتصادي كان نائما في السابق واصبح الان على طاولة البحث والتطبيق!والامر الهزلي الاخر هو ان تلك الانظمة لغبائها قامت بهذا العمل بصورة جماعية دون ادنى اتفاق فيما بينها حتى ان دول الخليج الصغيرة لم تخرج عن الرعيل في هذا الامر!...لقد اصبح الوضع السياسي العربي كمسرحية فكاهية يشترك الجميع فيها!...ولكن السؤال يتبادر الى الذهن اين كانت تلك الانظمة في السابق من تلك المكرمات المفاجئة؟!...هل هي كانت بحسن نية ام تدبير وقتي لامتصاص الغضب الشعبي الذي يعيش الحالة الاقتصادية التعيسة منذ عقود؟!...اذا كانت لتلك الانظمة تلك الاموال الضخمة المدخرة، فلماذا لم تقدمها من قبل؟! هل كانت تريد ان تستخدمها في مشاريعها الفوضوية ام لامر آخر مدبر كصراع مع الجيران على امر تافه لا يعود بالنفع على احد؟!...
الاجابة لا تحتاج الى ادلة تفصيلية للاثبات او النفي،فالجميع يعرف كيف ولماذا؟!.
لكن الامر المحتوم وحسب المقاييس الاقتصادية هو ان تلك الرشاوى لن تستمر الى مالا نهاية بنفس الكيفية من الزخم! فالقدرات الاقتصادية لها حدود في ظل النمو السكاني العالي،والفرحة العارمة التي اشاعتها وسائل الاعلام المسيرة سوف تنهار امام الرغبات العامة بالتحرر والانطلاق.
صحيح ان الشعوب استفادت اقتصاديا من تلك الجرعات المؤقتة ولكن هل هذا يؤثر على اوضاعها الاقتصادية التي تحتاج الى اصلاحات اكثر شمولا وعمقا!...فالتخلف الاقتصادي ضرب العالم العربي في الصميم وجعله في ادنى المراتب العالمية،كما ان الفساد الناشيء من الادارات الفاسدة للدولة قد اصبح منتشرا كالسرطان في الجسم وبالتالي يحتاج الى عمليات كبرى لازالته بدلا من العلاج الوقتي الذي يطيل مدة الالم!.
5- رفع حالة الطوارئ التي تستباح حرمة الاوطان والشعوب تحت ستار من الاكاذيب...فالوضع الراهن لا يستدعي ابدا وجود حالة طوارئ وانما استغلت الانظمة ذلك لغرض اطلاق يد اجهزتها الارهابية في القضاء على كل معارض او من يريد ان يعارض!...لقد اصبحت حالة الطوارئ صفة ثابتة بينما اللفظة تستخدم لغرض مؤقت! وعليه فأن من المهازل ان تبقى حالة الطوارئ في مصر بعد مقتل السادات لمدة ثلاثة عقود او في سوريا لمدة نصف قرن،ولو لم تكن هنالك ثورات لبقيت تلك الطوارئ لقرن ولاصبحت الحياة برمتها طارئة.
ازالة حالة الطوارئ ليست شكلية لغرض التهدئة بل يجب ان تكون وسيلة لازالة كل مسببات الخرق الفاضح لحقوق الانسان وكرامة الاوطان،وعليه فأن المتابعة لتلك الازالة ورفض كل التفاف عليها هو الواجب العام.
6- السماح بتأسيس الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي كانت الشعوب العربية محرومة منها ولم يسمح الا الى هياكل عظيمة ليست لها اية تأثير على مجريات الامور...ان تلك العملية هي وسيلة لاسترجاع القوى السياسية المعارضة لعافيتها بعد عقود من الابادة الجماعية وعهود من الارهاب الذي جعل الانتماء الى اي حزب اخر هو جريمة خيانة عظمى تودي بصاحبها الى القبر...فكلما تواجدت تلك القوى مع منظمات المجتمع المدني على الساحة كلما كانت المراقبة اشد والتنظيمات مؤثرة في الساحة بدلا من العمل الفردي المعارض الذي يصعب عليه المقاومة فضلا عن التاثير.
التعليقات (0)