الفهم في العلوم الإنسانية
الفهم ... كيف نفهم الكلمات كيف نفهم معني وفحوى النص ما يراد به.. الفهم ليس بالعمل البسيط...فبخلاف انه يخضع للأهواء في بعض الأحيان.. بجانب الخلفية الثقافية والفكرية لمن يتناول النص فهو أيضا يتطلب مهارات خاصة وقدرات خالصة لكي يكون فهم حقيقي وصادق لأفكار وعواطف ومشاعر وأراء الآخرين,,, للتاريخ المكتوب والمحمول عبر الأزمنة مؤرخ يفهم وهوية أجيال قد تختلف عن من يقرؤه اليوم ويفهمه اليوم بمنظور وقدرات وعواطف ومشاعر اليوم.
ولذلك يدعونا "ريكمان" لإتباع مدخل متعدد الأبعاد لكي يتيح للباحث او لمتناول الموضوع من تناول ونظر الموضوع الواحد من زوايا فهم متعددة وبذلك يتغلب على ضعف وتشكك المدخل الأحادي البعد وما ينتج من فهم مضلل لما يتناوله من مواضيع. هذا مع الحرص على التعامل مع الخلفية الثقافية التي ذكرناها كشرط أساسي في عملية الفهم والتناول للمواضيع وخاصة المواضيع التاريخية والدينية والمواضيع الخاصة بثقافات ومداخلات تختلف عن خلفية متناول النص الثقافية ... والمداخل المتعددة هنا تشمل المدخل النفسي والفكري والاجتماعي والسياسي والتاريخي... وكل هذه الأبعاد المتعددة ضرورية وأساسية لكي تمكن من يرغب الفهم من التمييز بين التعبيرات الصادقة والتعبيرات المزيفة... فيما يقرأ وبالتالي ينفي صفة التضليل وعدم الفهم من قبل من يشرح ويفسر وتعطي المتلقي الحد المقبول من الثقة فيما يعرض الكاتب او المحلل.
وبذلك يقتبس المنهج الكيفي في تناول وفهم العلوم الإنسانية حيث يكون قائم على الفهم المبني على عملية الغوص في باطن الأشياء وصولا للمعاني بالقياس لخلفيتها الحقيقية مجنبا بقدر الإمكان الأهواء الشخصية والأخطاء المبنية على البعد عن جوهر الأحداث فعلا الخاصة بالتاريخ والدين.. مع الأخذ في الاعتبار ان المنهج الاستقرائي سيظل قائما كمنهج للعلوم الطبيعية والإنسانية بجانب محاولة استخدام المنهج العلمي الكمي في عملية الفهم حتى ولو استعنا كما قلنا بالاستنباط , مع الأخذ في الاعتبار ان هذه المناهج ترفض التعامل مع الإنسان كمجرد عدد او مادة من مواد الطبيعة.... وهذا هام جدا فالتفرقة بين الإنسان والمادة سيظل قائما والتفرقة بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وطريقة فهم وقياسهما تختلف اختلافا جذريا نتيجة للاختلاف الطبيعي بينهما.
ومن السفه الخلط بينهم كما انه من السفه توحيد المنهج بينهم ومن السفه قياسهما بنفس المقياس, حيث ان هذا يؤدي للتشتت والتنافر.
أما مسالة عدم قدرة فهم احدهم للأخر وبالتالي يلجأ لإنكاره فهي مسالة في حد ذاتها تعكس قصور بين في الفهم والتناول والعقل بالتالي, وقد عمل المفكرين على تلاف مشكلة توحيد المنهج في رؤية شاملة من خلال منهج الفهم الكيفي ,, وذلك في محاولة لتوحيد العلوم الإنسانية جميعا وتلاف عملية اختلاف علم عن أخر من العلوم الإنسانية من ناحية المنهج ,, بينما يتم استخدام مختلف الأساليب لتحقيق المنهج نفسه في فهم العلوم الإنسانية فيستخدم الأسلوب التاريخي,, أسلوب المسح الاجتماعي والأسلوب الإحصائي, أسلوب العقلنة الخيالية, وأسلوب التحليل النفسي, والأسلوب التأملي وأسلوب تحليل المضمون ودراسة الحالة الخ على ان تكون معبرة عن منهج الفهم الكيفي كمنهج عام تقاس به وتوحد منهاجه الفهم للعلوم الإنسانية
الأيدلوجيات..... ما هي الأيدلوجية ... الأيدلوجية هي كلمة انجليزية معناها الحرفي "عقائد" وتعريفها بالانجليزية: منظومة التصورات والاعتقادات والنظريات التي تبنى عليها حياة الأفراد والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية " وهو يدل على مجموعة متجانسة إلى حد ما من الأفكار والمعتقدات التي تُحرك هذه الجماعة او تلك, اًو التي تضفي الشرعية على أنماط عملها في المُجتمع " وعليه فالأيدلوجية تلعب دور هام في عملية فهم العلوم الإنسانية لما تشتمل عليه من قيم وأفكار ورؤى وبالتالي لانحيازهما للمشاعر والرغبات... وتظهر هذه في وضوح في عملية تقييم وفهم وعرض وتناول الأديان بين الملحدين فتصبغ كل فهمهم بالصبغة الأيدلوجية الخاصة بهم مما يحيد بفهمهم وعرضها للمسائل وعليه يفهم لم تنتفي صفة الاستقلالية والموضوعية من هؤلاء الكتاب في دراستهم لتلك القضايا وبالتالي تخرجهم عن دائرة المصداقية وتحصرهم في خانة وموقع محدد وبالتالي يفسر لم لا تخرج تفسيراتهم وموضوعاتهم من دائرة المحلية لا ليس فقط المحلية لكن الارتباط بمكان ومجموعات محدودة وضيقة تتلاعب بعقولهم بينما تعجز تماما عن الخروج من هذه الدائرة ولن أقول للعالمية ولكن لدائرة أوسع حتى عن خارج المجموعة التي تبنتهم ... وبذلك تعصف رياح الأيدلوجية بجانب الذاتية بهؤلاء وبأفكارهم وأفكار من يدوروا في فلكهم.. وبالتالي تحولهم لمجموعة وقبلية وانغلاقية وتبعدهم عن الانتشار والخروج والتحول من مجرد مجموعة ذاتية تعكس فكر ذاتي لمنهج وفكر واتجاه عام . حيث ان الذاتية تقضي علي الحيادية والنزاهة وتخضع صاحبها لإتباع ميوله واهوائة وبالتالي عندما يتم الحكم علي فكر أصحابها يتم هذا من خلال منظورهم الضيق وبالتالي تصنفهم تحت أيدلوجيتهم وعليه تقصر فكرهم على تابعي الأيدلوجية الفكرية الخاصة بهم وتثبتهم في هذه الدائرة الضيقة الخاصة بها ...
وللأسف هذا الفكر هو ما يتسم به فكر كثير من الكتاب وبالتالي لذلك يقل عدد الكتاب العرب الذين يقدروا بفكرهم وكتاباتهم تعدي هذا الحاجز الأيدلوجي ويصلوا للعالمية ويصلوا بفكرهم لكل باحث عن الحقيقة رافض للادلجة رافض للتصنيف ورافض لان يكون صورة مكررة او تابعة لممسوخ تخدع الباحثين عن الحقيقة وتحصرهم في ذاتيتهم التي يعجزوا عن الخروج منها.. فيبنوا فكرهم على مجرد مواقف شخصية تركت شروخ في شخصياتهم او عملت ما هو أعمق وأسوأ من تشويه لها .. فيعجزوا عن الخروج من رغباتهم الفردية وتحكيم قيمهم الخاصة سالبة بها الحيادي و الأخلاقية والقيمية في تقييم الآخرين والإنسان والدين ... وتغلب الأيدلوجيات الحاكمة بداخلهم والتي تقولب فكرهم وتدفعهم للانحياز لفكرة او عقيدة فكرية وتحولهم لمتعصبين وتصبغ الوقائع التي يتناولونها بصبغة معينة لا تعكس حقيقة ولكن تعكس ذاتية وللأسف ذاتية مشوهة.. فتري أفكارا نمطية مكررة وتري كلمات مرة تعكس تشوه تجارب شخصية... وتري ألفاظ خارجة تعكس مرارة وتجارب شخصية وغضب متأصل يعجز صاحبه عن كبته فينعكس بفجاجة فيما يكتب لافظا بانعكاسه الفج اي باحث عن الحقيقة يرغب في المعرفة ويكره التحيز والتحزب والتعمية والتعصب وانعدام الحيادية, وتعكس بمنتهي الفجاجة والوضوح انعدام الموضوعية التي تشير للالتزام بالموضوع المثار وتناوله بحيادية بعيدا عن تطلعات المتناول وتحيزه وأرائه المسبقة و رغباته الخاصة التي تعكس جروحه الخاصة ومنتهى الذاتية له.. محطمة كل أنواع الحيادية وبالتالي الموضوعية
وأسوأ ما يصيب الباحث في العلوم الإنسانية والعلوم الدينية والتاريخ كعلوم من العلوم الإنسانية هو هذه الذاتية التي تعبر عن انعدام القدرة على استبعاد المشاعر والعواطف الذاتية والتجارب الشخصية والآراء الشخصية البعيدة عن جوهر وحقيقة الفكرة في عملية تناول المواضيع والوقائع وتفسيرها وبذلك يصروا على إصدار أحكام منحازة وإصدار الأحكام الأخلاقية والتقييم الخاص بها.
وهنا علينا الكلام عن هؤلاء المفسرين والمحللين بصفتهم مناصري العلوم الطبيعية ويتدخلوا فيما لا يقدروا على فهمه من العلوم الإنسانية ويحاولوا تحويل الكيف إلى كم والروح للمادة قمة التخلف والفهم وقمة ضيق الأفق وتطبيق بين واضح للذاتية في الفهم فمن لا يفهم العلوم الإنسانية يتعامل معها بمنتهى الآلية والقصور على انها علوم طبيعية لاغيا صفتها الأساسية ومناهجها العلمية الموضوعة من قبل علمائها وباحثيها وأساتذتها حاشرا انفه وفهمه وقصوره العقلي فيها فيريد ان يرى الله بعقلية هندسية.
ويعجز الباحثين من منطلق علمي على فهم العلوم الإنسانية في تحليلهم لها وكيف يقوموا بجعل ذاتهم مستقلة عن دائرة البحث الخاص بهم وكيف يجرد ذاته من الأحكام الأخلاقية والقيمية وفي نفس الوقت لا يحول العلوم الإنسانية لعلوم طبيعية تخضع لنظريات ثابتة, أو إنكار تأمل للعلوم الإنسانية وربطها بالعلوم الطبيعية منهجا وأسلوبا في البحث,,, ويعجزوا عن وصف الوقائع وتحليلها دون التحيز لأخلاقياتهم واعتقاداتهم وبذلك يكونوا موضوعيين لا متحيزين ...
اعتقد المفكرون في القرن 19 ، نتيجة انبهارهم بما حققته العلوم الطبيعية بفضل المنهج التجريبي من نجاح في فهم الظواهر الطبيعية والتحكم فيها و استغلالها ، أن نقل نفس المنهج إلى دراسة الإنسان يحقق معرفة موضوعية بالظواهر الإنسانية تُمَكِّـن من التحكم في دوافعه و الارتقاء بملكاته و إمكانياته . و بذلك كانت نشأة العلوم الإنسانية التي سوف يتحول معها الإنسان من ذات تفكر إلى موضوع معرفة علمية . و لقد ساد ، قبل ذلك ، اعتقاد أن الإنسان ذاتٌ و لا يمكن معاملته كموضوع ، لكن مع قيام العلوم الإنسانية صار الإنسانُ موضوعَ أبحاثٍ علمية . فما العلوم الإنسانية ؟ و هل توفقت في تناول الظواهر الإنسانية بطريقة موضوعية ؟ و هل هي علوم تعتمد منهج التفسير أم منهج الفهم ؟ و هل علميتها في الاحتذاء بنموذج العلوم الطبيعية أم في بناء نموذجها العلمي الخاص ؟
العلوم الإنسانية هي مجموع العلوم التي تتناول الإنسان بمنهجية موضوعية ، كل علم تخصص في دراسة بُعْدٍ من أبعاده : فعلم النفس اهتم بدراسة العمليات العقلية و الوجدانية ؛ و علم الاجتماع تناول العلاقات و المؤسسات اجتماعية المؤطرة لسلوك الإنسان . أما علم التاريخ فعالج تأثير أحداث الماضي في حياة الإنسان . إنها علوم لا علم واحد، وأنما اتسعت اليوم لتشمل فروعا جديدة. و لقد اقترن ميلاد العلوم الإنسانية في القرن 19 بالمشروع الوضعي القاضي بالتخلص من الخطاب الفلسفي التأملي حول الإنسان و دراسته دراسة موضوعية عن طريق تطبيق النماذج التجريبية التي أكدت نجاحها في العلوم الطبيعية . وفي هذا الصدد اعتبرت الظواهر الإنسانية " أشياء " أي وقائع خارجية مستقلة عن ذات الباحث يمكن تناولها بنزاهة و حياد و موضوعية . و هذا ما يبينه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم Emile DURKHEIM(1858-1917) : ‘‘ علينا أن نعتبر الظواهر الاجتماعية في ذاتها كظواهر مستقلة عن الذوات الواعية التي تتمثلها ، علينا أن ندرسها من الخارج بوصفها أشياء خارج الذات ، و ذلك لأنها تُعْطى لنا من الخارج باعتبارها أشياء ..."
فدراسة الظاهرة الإنسانية ، سوء كانت اجتماعية أو نفسية أو تاريخية ، كشيء مستقل عن الذات تحقق الموضوعية للأبحاث كشرط ضروري للعلمية . و الموضوعية هي مقاربة الظاهـرة بحياد ونزاهة بعيدا عن الميول الذاتية و المواقف الإيديولوجية . غير أن الموضوعية اصطدمت بجملة من الصعوبات و طرحت عدة إشكالات. فتناول الظاهرة الإنسانية كشيء ينفي عنها ما تحمله من معاني وقيم و ما تقصده من غايات و بالتالي يفقدها خصوصيتها و يبعد العلوم عن أن تكون إنسانية . يقول المحلل النفسي الأمريكي من أصل ألماني إريك فرومEric FROMM (1900-1980) : ‘‘ تسمى هذه الطريقة لفهم الإنسان علما ...لكنه ليس إنسانيا ..."
1. موضعة الظاهرة الإنسانية
فما الظاهرة الإنسانية ؟ وما هي صعوبات موضعتها ؟ الظاهرة الإنسانية هي كل ما يصدر عن الإنسان من سلوكات نفسية أو تصرفات اجتماعية أو أفعال تاريخية تتميز بكونها :
- واعية يتدخل فيها الفكر
- قصدية لها أهداف وغايات و تحمل معان ، و ليست سلوكا آليا غريزيا .
- حرة تصدر عن إرادة تختار أفعالها
- فريدة لا تتكرر ، تحدث مرة ثم تمضي ، وهذا ما يجعل التعميم متعذرا
- تعبيرية لها ظاهر يعبر عن باطن
- تاريخية تتغير مع تغير الزمان و المكان
- معقدة تتداخل فيها كل الأبعاد النفسية و الاجتماعية و التاريخية ، لدرجة يتعذر معها عزل بُعْدٍ عن باقي الأبعاد لدراسته باستقلال عن غيره. يقول الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي المعاصر إدغار موران Edgar MORIN : ‘‘ تقوم مأساة العلوم الاجتماعية في استحالة عزل الموضوع المبحوث عنه بصورة تجريبية ..."
ويرى عالم النفس السويسري جان بياجي Jean PIAGET(1896-1980) أن مشكلة العلوم الإنسانية ليست في تعقد ظواهرها و إنما أيضا في التداخل بين الذات و الموضوع . يقول جان بياجي : ‘‘ تخلق وضعية التداخل بين الذات و الموضوع في العلوم الإنسانية صعوبات إضافية مقارنة بالعلوم الطبيعية حيث أصبح من المعتاد الفصل بين الذات و الموضوع ’’ . فالذات ( الإنسان ) في العلوم الفيزيائية الدقيقة غير الموضوع ( الطبيعة ) . أما في العلوم الإنسانية فالذات الباحثة هي عينها الموضوعُ المدروس ؛ فالباحث ذاتٌ كما أن الموضوع هو الآخر ذاتٌ . و أن ذات الباحث تتدخل بميولاتها الشخصية و قناعاتها الأيديولوجية في ذات الموضوع فتُشَوِّهُهَا ؛ و كذلك تتدخل ذاتُ الموضوع بالتَّشْوِيش على ذات الباحث وتمنعها من رؤية الظاهرة كما هي . إن الباحث في العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يقف حيال الظواهر الإنسانية موقف اللامبالاة ، لأنها ليست أشياء ، بل هي ظاهرة تهم الإنسان و تتصل بصميم كيانه . و لو وَعَى الإنسانُ أنه موضوع دراسة لأفضى وعيه إلى تغيير مسار البحث بصورة غير متوقعة . يقول كلود لفي ستروس : ‘‘ إن الوعي هو العدو الخفي لعلوم الإنسان ..."
وإذا كانت العلوم الدقيقة قد نجحت في الفصل بين الذات و الموضوع و حققت موضوعية objectivité أبحاثها ، فإن العلوم الإنسانية لم تنجح في ذلك ، لأن الباحث فيها لا يملك القدرة على التجرد من ذاتيته و إيديولوجيته . فالباحث عضو في المجتمع الذي ينتمي إليه ، منخرط في صراعاته الطبقية ، مساهم في حركيته ، مشارك في بنائه و ملتزم بمبدئه و قضاياه المصيرية . و عليه فذات الباحث تتدخل في انتقاء الموضوع و اختيار المنهج . يقول جون بياجي : ‘‘ فالعالِم لا يكون أبدا عالِما معزولا ، بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي أو أيديولوجي ’’ . و يؤكد الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي لوسيان غولدمانLucien GOLDMAN (1913-1970) نفس الفكرة بقوله : ‘‘ الباحث يتصدى ، في الغالب ، للوقائع مُزَوَّداً بمفاهيم قَبْلِيَّة و مقولات مضمرة و لاواعية تَسُدُّ عليه طريق الفهم الموضوعي..."
فهل تداخل الذات مع الموضوع يمنع العلوم الإنسانية من تحقيق الموضوعية ؟ إن غياب الموضوعية ينفي عن العلوم الإنسانية علميتها . كما أن تجرد الباحث من ذاتيته أمر متعذر . إذا فما العمل ؟ لقد سعى الباحثون إلى الموضعة objectivation أي اعتماد تقنيات منهجية للتقليص من تدخل الذاتية في دراساتهم ، لتحقيق نصيب من الموضوعية ؛ فالمَوْضَعَة هي الأمر الممكن ، إنها نسبة من الموضوعية لا الموضوعية كاملة .
2. التفسير و الفهم في العلوم الإنسانية
تضاف إلى مشكلة الموضعة مشكلة المنهج ، فما هو المنهج المعتمد لمعرفة الظاهرة الإنسانية : هل هو التفسير أم الفهم ؟ فما التفسير ؟ و ما الفهم ؟
التفسير هو الكشف الموضوعي عن العلاقات السببية بين الظواهر الإنسانية . فالظاهرة الإنسانية إذا هي نتيجة أسباب يسمح العلم بها توقع تكرارها في ضوء النظام الحتمي الذي تخضع له . و في هذا تعارض مع القول بالحرية . و ينطوي التفسير على ضرب من التوقع أو التنبؤ . و التنبؤ هو قدرة العلماء على توقع تكرار الظاهرة في حال توفر الأسباب ، و العلم بالأسباب إقرار بالحتمية.
.
يرى الأنتروبولوجي الفرنسي كلود لفي ستروس Claude Lévi-Strauss (1908-2009) أن تقدم العلوم الفيزيائية راجع إلى اعتمادها آليتيْ التفسير و التنبؤ . و ليس التنبؤ سوى ثمرة التفسير . غير أن العلوم الإنسانية لا زالت حتى اليوم متعثـرة في سيرها نحو التفسير و التنبؤ الدقيقين ، لان تفسيراتها هشةٌ تنقصها الدقة ، و تنبؤاتها فضفاضة تفتقر إلى اليقيـن ، و السبب في ذلك راجع إلى تعقد الظاهرة الإنسانية و حداثة نشأة العلوم الإنسانية و بطئ و تعثر نموها . لكنه يعتبر أن هذه الوضعية مؤقتة سوف يتم تجاوزها مع تقدم البحث و تذليل الصعوبات . و إن كان التفسير و التنبؤ اليوم متعذريـن ، فإنهما ممكنين مستقبلا . يقول ستروس : ‘‘ إن العلوم الإنسانية مهيأة ، بحكم مآلها ، لأن تمارس التنبؤ و تطوره..."
غير أن هذا الموقف الوضعي تعرض لانتقادات لأنه تجاهل خصوصية الظاهرة الإنسانية كظاهرة حرة لا تخضع لحتمية ، و ينظر إليها كشيء بدون معنى . و أهم الانتقادات هي:
- قد تتوفر الأسباب و لا تحدث الظاهرة ، فإذا قتل شخصٌ زوجته ،مثلا، لأنها خانته ، فإننا لا نستطيع أن نجزم أن كل من خانته زوجته قتلها
- إن الظاهرة الواحدة قد تحدث نتيجة أسباب مختلفة ، فالقتل قد يحدث ليس نتيجة الخيانة فقط بل قد يحدث نتيجة عوامل أخرى غير القتل.
.
- إن الظاهرة الإنسانية تصدر عن كائن واع و حر لا عن نظام سببي
- التفسير تأكيد على الحتمية و نفي للحرية
- إنه منهج يتناول الظاهرة كشيء ، و هذا ما لا يسمح له بالنفاذ إلى عمقها و إدراك معناها .
لهذه الاعتبارات دعت الفينومينولوجيا إلى تجاوز التفسير و استبداله بالفهم ، لأن التفسير إن كان مُجديا في العلوم الطبيعية ، فإنه غير مفيد في العلوم الإنسانية ، لأن الفعل الإنساني كما يقول الفيلسوف وعالم النفس و الاجتماع الألماني فيلهلم ديلتاي Wilhelm DILTHEY (1833 -1911) ظاهـرة تُفْهَمُ و لا تُفَسَّرُ . فما الفهم ؟ الفهم رؤية نافذة لإدراك معاني الأفعال الإنسانية عن طريق التأويل . فالفعل الإنساني هو ظاهرة تعبيرية لها ظاهر و باطن . و التأويل هو صرف الفعل عن ظاهره لبلوغ باطنه أي معناه . فالفهم هو معرفة الظاهرة في ذاتها بالكشف عن معناها الباطني بالتأويل ، أما التفسير فمعرفة الظاهرة بغيرها من خلال ظاهرة أخرى تكون هي السبب في حدوثها . و لا يمكن فهم الظاهرة إلا بالمشاركة و الانخراط فيها ، و بذلك يكون الفهم ذاتي ، يبحث عن المعنى لا عن الأسباب ، يسعى لكشف الباطن لا الظاهر .
يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل جاستون جرانجي في نقده لكل من التفسير و الفهم : ‘‘ إن كل طريق من هذين تعترضه صعوبات .’’ . فالفهم تجاهل للأسباب ، و التفسير إغفال للمعنى . إن التفسير انشغل بالشروط و القيود الموضوعية و الخارجية للأفعال الإنسانية ،إنه معرفة بالشروط لا بالأفعال ؛ أما الفهم فيسعى لإدراك الدلالة الباطنية للفعل الإنساني ذاته . يقول لفي ستروس :‘‘ لم تنظر العلوم الإنسانية للفعل الإنساني ، و إنما للشروط الموضوعية للأفعال ’’.
3 . نموذجية العلوم التجريبية:
النقاش حول الفهم و التفسير هو في العمق نقاش حول نموذجية العلوم الطبيعية بالنسبة للعلوم الإنسانية . فهل استطاعة العلوم الإنسانية تحقيق علميتها بحذو النموذج الطبيعي ؟
يرى الوضعيون أن ثمة نموذجا علميا مطلقا يكفي تطبيقه لتحقيق العلمية ، لأن الظاهرة الإنسانية تشبه الظاهرة الطبيعية ، و إن كان هناك اختلاف فهو في الدرجة لا في الطبيعة . و عليه يكفي تعدل المنهج التجريبي ليتلاءم مع الظاهرة الإنسانية . و أن حضور الذاتية في العلوم الإنسانية ، كما بين ذلك العميد السابق لكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بباريس فيليب لابورت طولرا philippe laburthe TOLRA ، لم يعد يشكل عائقا أمامها مادام أن العلوم الفيزيائية المعاصرة تأخذ هي الأخرى بعين الاعتبار تدخل ذاتية الباحث.
.
غير أن الفينومينولوجيا ترى أن الاختلاف بين الظاهرتين هو في النوع لا في الدرجة ، و عليه فإن خصوصية الظاهرة الإنسانية تشترط لا تعديل المنهج التجريبي بل العمل على إبداع مناهج علمية مناسبة . و ينتقد الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو- بانتي Merleau-ponty (1908-1961) الاتجاه الوضعي في العلوم الإنسانية الذي سعى لتحقيق الموضوعية بتجاهل التجارب الذاتية المعيشة . فالعالم هو ذات قبل أن يكون باحثا ، و أنه يدخل البحث مُحَمَّلا بتمثلات مسبقة و خبرات ذاتية لا يمتلك تجاهلها في بناء نظريته العلمية . فالظاهرة التي يفكر فيها هي نفسها الظاهرة يحياها . و عليه فنظريته العلمية ليست مستقلة عن تجربته الذاتية . و بذلك فالذات شرط ضروري يستحيل استئصاله من البحث . و تجارب الذات هي أساس المعرفة العلمية و شرط إدراك دلالات الظواهر و معانيها . و بإبعاد الذات تفقد الظاهرة الإنسانية دلالتها العميقة . فموضوعية العلوم الإنسانية تبنى على التجارب المعيشة و انطلاقا منها بحيث تكون تعبيرا ثانيا عنها . غير أن الذات ليست وحيدة بل ثمة ذوات أخرى تشاركها الحياة و التفكير و تتواصل فيما بينها . ففي هذا التواصل يتم تبادل الخبرات الذاتية و المعرفة الموضوعية . فكل ذات تسعى للالتقاء مع غيرها . و في إطار هذه العلاقة البينذاتية تتحقق الموضوعية و يتشكل عالم النحن . و بذلك لم تعد الموضوعية هي إقصاء الذات ، بل تلاقي الذوات في نظراتها المختلفة و المتكاملة حول الظواهر الإنسانية
.
إذا كانت الوضعية ترى أن موضوعية العلوم الإنسانية مشروطة بتعطيل الذاتية ، فإن الفينومينولوجيا ترى أن الذاتية هي شرط علمية العلوم الإنسانية ، لأن ما يجري على الظواهر الطبيعية لا يمكن أن ينطبق على الظواهر الإنسانية .و في ضوء انتقادات الفينومينولوجيا للموقف الوضعي يتضح أن ليس ثمة نموذج علمي مطلق صالح لكل العلوم ، و ملائم لكل موضوع ، إنساني كان أو طبيعي . و لقد أبان التقدم العلمي أنه ليس بالإمكان نقل منهج علمي ناجح في مجال إلى مجال آخر مختلف . و عليه فليس ثمة منهج كلي يطبق على أي موضوع ، بل الموضوع هو الذي يفرض المنهج الملائم لدراسته . وهذا ما يؤكده الفيلسوف البلجيكي جان لدريير jean LADRIERE (1921-2007) : ‘‘ إن حقل الظواهر الإنسانية و الاجتماعية يمكن أن يمنحنا صورة للعلمية مغايرة للعلمية في مجال الظواهر الفيزيائية ’’ . إذا فمهمة العلوم الإنسانية ليس نقل منهج جاهز بل في العمل على إبداع مناهج تلائم موضوعها . يقول وليام ديلتاي : ‘‘ إن للعلوم الإنسانية الحق في أن تبني منهجها بنفسها انطلاقا من موضوعها ’’ .
ونبحث في هذا عن النظرية المعاصرة التي طرحت في مجال تفسير النص وفهمه أو تأويله، وهي الهرمنيوطيقا أو التأويلية وقد كان لها تأثيرها في الكثير من البحوث الجديدة حول المعرفة الدينية وتفسير النص الديني، وربما كانت الأكثر تأثيرا في هذا المجال من غيرها من النظريات.
وسنذكر أننا لا ننكر التعددية في التفسير أو الرأي أو الحكم ولكن في بعض النصوص والمجالات وضمن شروط معينه، ونستعرض الملاحظات على هذه الآراء:
الملاحظة الأولى:
عدم مشروعية أي نقد أو تقييم للنظرية: فإنه على هذه النظرية لا يبقى مبرّر ومجال للحوار، والنقد والتقييم، للتفسيرات والآراء المختلفة بل المتناقضة كما أشار لهذا الإشكال بعض الغربيين، ونذكر هذه الملاحظة من خلال نقاط:
1ـ أن كل رأي أو تفسير لأي نص أو عمل، إذا كان متأثراً بخلفيات المفسر، مع القول بأن كل تفسير صحيح ومشروع، فعلى ذلك فلا مجال لان ينتقد الاخرون على غادمار ورأيه، بل لا مجال لان ينتقد غادامر آراء مخالفيه وتفسيراتهم، لأن النقد والحوار متفرع على فهم كلامه وقصده وكلام الآخر وعلى هذه النظرية، فلا يفهم أي منهما قصد الآخر.
2- مع رأيها بأن التفسيرات للنص أو التاريخ أو الإنسان غير متناهية وعدم وجود فهم نهائي ثابت وكل هذه التفسيرات مشروعه على حق، فهذا يلزم منه الجمع بين المتناقضات أو تعدد الحقيقة، اذا كانت التفسيرات متناقضه، كما لو قال احدها بالتثليث والاخر بالتوحيد، مع أن الواقع واحد لايتعدد، بالإضافة الى أن بعض التفسيرات نعلم بأنها باطلة وهدامة ومنحرفة، وأما لو قلنا: إن الحقيقة واحدة، ولكن لا يمكن أن تصل لها التفسيرات، لتأثير الخلفيات فيلزم أن تكون التفسيرات باطلة، لعدم وصولها للحق مع تعددها واختلافها، وإذا كان في رأيها أن كل أحد لا يمكن أن يفهم الآخر لتأثير الخلفيات، فلماذا يصر على تفهيم نظريته للآخرين, وهذا كله يؤدي لانحطاط المعرفة والفهم.
وخاصة مع رأيها بعدم وجود المعيار لتمييز التفسير الصحيح عن الخاطئ والباطل، إذ ليس هناك فهم معين كقصد المؤلف ليكون معياراً، بل لا يمكن جعل معيار، لان كل معيار يفرض، فهو متغير ونسبي بدوره لتأثره بخلفيات واضعه، بل لا يمكن فهمه فهماً ثابتاً.
الملاحظة الثانية نسبية الفهم:
إن هذه النظريات من نظريات (النسبية أو الشك) كما أشار لذلك بعض الغربيين، لذلك يجدر إلقاء نظرة على مذاهب النسبية, وقد شاعت مذاهب النسبية والشك في الغرب، سواء كانت النسبية في أصل الحقيقة أو في معرفتها، أو الشك فيها وعدم الجزم بالوصول إليها، وقد تأثر بها الكثير من التيارات الغربية، ومنها الهرمينوطيقا الفلسفية، والحقيقة أن مذهب الشك هو السائد اليوم في الفكر الغربي لتأثير هذه النظريات فيه، فبعض النظريات ذهبت إلى النسبية أو الشك في معرفة الحقيقة.
وقد عرفت نسبية المعرفة (إن العقل الإنساني لا يحيط بكل شيء, وإذا أحاط ببعض جوانب الأشياء صبها في قوالبه الخاصة. فالعقل لا يستطيع أن يعرف كل شيء، فإذا عرف الأشياء لم يستطع أن يحيط بها إحاطة تامة، وإذا كان العقل كما يقول (كانط) صائغاً يكيف معطيات التجربة ويصوغها وفق قوالبه الخاصة، فلا تعجب لاختلاف صور المعرفة باختلاف قوالب الصائغ.
ولهذا المذهب جذوره التاريخية وحمل لواءه في القرن الثامن عشر دافيد هيوم (1711-1776) وهو من رواد (مذهب الشك) في العصر الحديث، يقول هيوم لو امتددنا ببحثنا إلى ما وراء المظاهر الحسيه للأشياء فان معظم النتائج التي نصل إليها ستكون مليئة بالشك وعدم اليقين، والطبيعة الحقيقية لموضع الأجسام ستكون مجهولة، ولا تعرف غير آثارها المحسوسة .
وكان لهيوم تأثيره في كانط (1724-1804) ونظريته امتداد لنظرية الشك عند هيوم، وتتبنى (نسبية المعرفة) الذي فرق بين الشيء في ذاته، والشيء كما يظهر لنا، وكان لهذه المقوله تأثيرها الكبير في الهرمنيوطيقا الفلسفيه والتعددية الدينية كما سنذكره قال:
(اننا لا نعرف الأشياء كما هي في ذاتها ولكن فقط كما تظهر لنا) ويقصد بذلك أن يقول إننا لا نستطيع بالحواس أن نعرف الأشياء كما هي في ذاتها، وليس في هذا إنكار لحقيقة موضوعات التجربة، فهي موجودة ولكننا لا نعرف منها غير الظواهر التي تتبدى لنا)
وتأثر بها أيضاً جون سيتورات مل (1806-1873) حيث قال (ليس لنا معرفة غير معرفة الظاهر، ومعرفتنا بالظواهر معرفة نسبية وليست مطلقه، ولسنا نعرف الماهية الباطنية
ولنسبية المعرفة عند (ميل معان) فهو يقول:
ا- أننا لا نعرف من الشيء إلا من جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء
ب – ولا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ولهذا القول نتيجتان:
الأولى: هي إرجاع الأشياء إلى الأحوال الشعورية
والثانية: القول بوجود شيء في ذاته لا يمكن آن يكون بطبيعته موضوع معرفة عقلية أو تجريبية)
والملاحظ أن هذه الآراء لا تنكر وجود الحقيقة الثابتة في ذاتها وراء هذه الظواهر، وإنما تنكر إمكان معرفتها وعدم الجزم بإدراكها، لذلك كانط من مذاهب الشك في المعرفة.
وان أمكن الإشكال على ذلك: انه لو لم يمكن إدراك الحقيقة والذات فلا نعلم بوجود ذات وحقيقة ولا يوجد معيار لمعرفة صدق القضية وعدمه، فمن أين نعلم بثباتها، إلا أن تكون هناك وسائل أخرى لإدراك ذلك، اذن فمذهب الشك يؤدي لنفي الحقيقة أو نفي ثباتها ولا يدل على وجود الحقيقة.
ولكن هناك من أنكر ثبات الحقيقة في ذاتها وأنها متغيرة، كما ذهب لذلك أنصار مذهب الجدلية والديالكتيكية، أمثال هيجل (1770-1831) حيث يرى ان الحقيقة في صيرورة وتغير، وليس ثمة حقيقة مطلقة صادقة صدقا كليا في الزمان والمكان، الا اذا وصلت الصيرورة إلى خاتمة مطافها، وأنى لها أن تبلغ ذلك أبداً)
ومثل هذه المذاهب في النسبية أو الشك يمكن تطبيقها على نظرية هيدجر وغادامر وأمثالهما.
فأنهم لو قالوا بأن جميع القراءات والتفسيرات المختلفة، على حق ومصيبة للواقع، مع ما بينها من اختلاف وتناقض، فهذا يلزم منه (نسبية الحقيقة)، ولا توجد حقيقة مطلقة وثابتة بل كل ما عرفه الإنسان حسب خلفياته هو الحقيقة.
وأما لو قالوا بأن جميع القراءات لا تصل للواقع والحقيقة لان واقع الأشياء لا يمكن الوصول إليه، وان كانت هناك حقيقة ثابتة وراء المعرفة البشرية، ولكن لا يمكن الوصول إليها لأجل تأثر الإنسان بخلفياته دائماً، تخفي عليه النظر للحقيقة، فهذا هو مذهب النسبية في المعرفة، أو الشك، وكلا المذهبين الشك أو النسبية في الحقيقة والمعرفة توجهت لهما إشكالات كثيرة من الغربيين وغيرهم. ولا مجال للبحث عنها هنا، ويمكن أن نذكر الكثير من الإشكالات على مذاهب الشك في المعرفة، أو مذاهب النسبية في المعرفة أو الحقيقة.
ملاحظات على مذاهب النسبية والشك:
والإشكال الأهم: إن قلت بمذهب النسبية في المعرفة، فإن قلت بأن (كل معرفة نسبية) قضية صحيحة، فاعترفت بثبات قضية معرفية، وبوجود معرفة ثابتة، وإن قلت ببطلانها وعدم ثباتها، فقد أبطلت هذه النظرية، إذن فالنسبية تقتل نفسها.
وأما عن (نظرية كانط) وان كل ذهن محاط بمقولات اثني عشر، تحجبه عن إدراك الحقيقة، فإن كانط لا ينكر وجود الحقيقة المعينة، ولكن ينكر إمكان إدراكها.
كما أن (كانط) ليس من أتباع النسبية، لأنَّه في رأيه كل البشر لهم مقولات ذهنية واحدة مشتركة، فيشتركون في الفهم، وإنما هو من أنصار مذهب (الشك) لأن هذه المقولات تحجب الإنسان عن إدراك الواقع والحقيقة.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد.
التعليقات (0)