الفن الإسلامي و شروط الإبداع
الكاتب
محمد سالم بن عمر
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
محمد سالم بن عمر، كاتب و ناقد تونسي ، عضو باتحاد الكتاب التونسيين .
أصيل سيدي بوعلي ولاية سوسة، متزوج و له شيماء و نصير الله.
متحصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الثقافي منذ 1992، وقد عمل مديرا لدور الثقافة بتونس .
له مساهمات عديدة في النقد و الإبداع و المقال الفكري الحضاري...
صدر له كتاب:" اللسان العربي و تحديات التخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي عام 1995"
كما صدر له كتاب : " نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه عام 2009 "
و قد نشرت له جل الصحف و المجلات الوطنية مقالات فكرية و نقدية و قصص قصيرة وقصائد .. كما نشرت له بعض المجلات و الصحف العربية .. مقالات فكرية وحضارية..
له مخطوطات عديدة أهمها :
ذكريات زمن مضى (رواية) نحو إعادة تشكيل الفكر العربي الإسلامي في العصر الحديث ﴿مقالات فكرية / حضارية﴾ .
الـمقـــــــــدمــــــــة
الفن هو جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر و العواطف و بخاصة عاطفة الجمال . فالإنسان يتأثر و ينفعل فيعبر عن تأثره و انفعاله ، و يخرج إلى العالم الخارجي صدى وقع الحياة التي تلقاها إحساسه الداخلي ، فالصورة الفنية مهما كان شكلها هي تعبير عن الإحساس الداخلي الذي يحس به الإنسان و ينفعل و يتأثر، فيعبر بصورة من صور الفن التي يجيدها عن موقف من الوجود بمعناه الكوني ، و الإجتماعي و السياسي و هموم عصره و قضاياه و مشاكله . أما الفنان فهو المشتغل بفن من الفنون و القادر على أن يجعل من فنه كائنا حيا ، يموج بالحركة و الحيوية مشعا بالحرارة ، و تنطلق منه موجات خفية أو مجسدة ، تفعل فعلها ، و تؤدي المنوط بها،إزاء جهاز الإستقبال العقلي و العاطفي في الإنسان.
لقد شهد عالمنا المعاصر تحولات عميقة أثرت في جميع هياكله السياسية و الإقتصادية و الثقافية .. و صار الفن بأشكاله المختلفة يحتل مكان الصدارة في توجيه المسيرة البشرية نحو الخير و الفضيلة أو نحو الخراب و الدمار و سوء المآل. و طرحت مفاهيم جديدة تستفز فكرنا خاصة ما يتصل منها بالفن عموما كالقصة و المسرح و الموسيقى و الغناء و الشعر... مما يتطلب و قفة نبحث خلالها في موضوع الفن بهدف إكتشاف ما هناك من عناصر أصيلة و ناجعة لتقريبها و أخذ الصالح منها ، و ما يمكن أن يكون هناك من عناصر دخيلة أو شوائب و من ثم يجب حذفها و استبعادها ، و بذلك ننفي الخبث ، و نطرد الدخيل و السقيم حفاظا على مسيرة شعوب الإسلام الحضارية و تخليصا لبقية شعوب الدنيا من الغل الذي وقعت فيه . لذلك حددنا في الفصل الأول من بحثنا : المنابع الفكرية لهذا الفن الدخيل و أسميناه بالفن " الهائم " تمييزا له عن الفن المنشود وهو الفن " الفرقاني ". و في الفصل الثاني تحدثنا عن أهم سمات الفن الهائم ، لنمهد بذلك إلى الفصل الثالث و الذي تناولنا فيه بالدراسة أبرز مرتكزات الفن الفرقاني و مميزاته ، و ختمنا هذا الفصل بالحديث عن مفهوم الإبداع و الشروط الواجب توفرها في أي عمل إبداعي ليكون بحق " فنا فرقانيا " .
الفصـل الأول
المنابع الفكرية للفن الهائم
تكشف لنا دراسات الآثار و النقوش البدائية أن القدر مثل القوة الخفية التي أحس بها الإنسان البدائي منذ أن وجد نفسه في مواجهة الطبيـــــــــــــــعة الجميلة و المخيفة ، و منذ أن واجه الموت في الخطر الداهم ، و أحس بيد خفية تمتد إليه بالنجاة ... و منذ أن عجز عن تفسير قضايا كثيرة تمر به بين الحين و الآخر...هذا القدر مثل حقيقة رهيبة في حس الإنسان القديم يخافها و يتقيها غالبا ،و قد سعى الإنسان أن يبرز هذه الصورة في أطره الفنية المتنوعة ، و يجعلها في حالات كثيرة مضمونه المهم .فلقد اهتم الأدب اليوناني شديد الإهتمام بالقدر ، و اتخذه موضوعا لعدد من مسرحياته ، يبرزه في ملاحمه و شعره و رواياته ، و كانت صورة القدر دائما مشربة بالوثنية ، و بتصورات الإنسان السوداء تجعله ظلما محضا ، ينصب على الإنسان و يحاصره باللعنات و المصائب ، و يدخل معه في صراع مرير ، و تفنن الأدباء في تلوين فنهم بألوان قاتمة لشحن المتلقين بمشاعر سوداء إزاء القدر !!؟
و أخذ الأدب الروماني عن الأدب اليوناني هذه الصورة المضطربة للقدر ، و عرضها في أعماله الأدبية ، و نجد أثر ذلك في الإلياذة ملحمة الأدب الروماني الكبرى و في مسرحيات " بلوتوس " الفكاهية الساخرة .
و لما جاءت المسيحية توجهت بالأدب إلى الآخرة و أصبحت التماثيل العارية ممنوعة، و اتجه الفن إلى تصوير النزعات السامية في الإنسان و الخصال الحميدة فيه، كالتوبة و الإستشهاد في سبيل الدين ، و تحمل الآلام و العذاب في سبيله ، و تمجيد الله و إعلاء كلمة المسيح عليه السلام ، و الإشادة بطهارة العذراء و استشهاد القديسين ...! و كانت المسيحية ترى بوجه عام أن الفنون التصويرية وسيلة طيبة لتثقيف المسيحيين في دينهم ، حتى قال بعض قديسيهم : " إن اللوحات في الكنائس تشرح للأميين ما لا يستطيعون قراءته في بطون الكتب ".
أما الأدب الأوروبي المعاصر فهو حفيد الأدبين الأثيني و الروماني في نظرته للقدر ، و تصوره للكون و الإنسان و الحياة و العلاقة بين الله و الإنسان أو بين الطبيعة الغامضة و الإنسان ، إذ لا يختلف في خطوطه العامة عن تصور " سوفوكليس " أديب اليونانيين في مسرحية ﴿ أوديب﴾ و "يوربيدوس "و " فرجيل "و "بلوتوس " خاصة و أنه تلون بموجات الإلحاد و معاداة الكنيسة التي بدأت في عصر النهضة واستمرت مدة طويلة ، و قد استبدل الأديب الأوروبي في بعض الحالات به قدرا آخر كالطبيعة أو الظروف أو قوة المجتمع ، و حاول أن يفسر الألوهية في صورة مادية محسوسة ، دون أن يسقط قضية الصراع منها ، وهي القضية الكبرى في التصور اليوناني الوثني ... و ظل الإنسان في هذه الصورة مظلوما مقهورا ، و ظل في صراع مع القوة الغامضة الجديدة ، ينهزم أحيانا و ينتصر أحيانا أخرى. و قد حمل المسرح الأوروبي منذ العصر الكلاسيكي الجديد و حتى عصرنا الحاضر أشكالا من هذه الصورة القاتمة، و جسد صراع الإنسان المتوهم مع الألوهية و صور القدر ظلما مطلقا ينصب على الإنسان.!
و تقوم مسرحيات "آرمان سلاكرو" و "جان كوكتو" و "موريس مترلتر"و "البيركامي"و "جان بول سارتر" على فكرة الصراع مع القوة الخفية و الآلام المضخمة التي يعانيها الإنسان نتيجة لهذا الصراع ، فالمسرح المعاصر يعترف بالقدر و يخاف منه و يبحث من خلال تصوره له عن براءة للفرد الأوروبي من ذنوبه وإلحاده للتخلص من تبعة الذنوب و الإلحاد و التناقضات و إلقائها على قوة غيبية لا يريد أن يبحث عن حقيقتها ، و توهم الأديب الغربي أنه لا مجال لأن يلتقي قدر الله و إرادة الإنسان في انسجام و توافق جعله يصرخ بهستيرية عجيبة ، لماذا الحياة ؟! و ما المصير؟.
في الحقيقة ، لقد ساعدت عدة عوامل على تأصل مثل هذا الفن الهائم الضائع في متاهات التاريخ ، في أوروبا و في أصقاع مختلفة من العالم (راجع كتاب : بن سالم بن عمر( محمد) نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه – المطبعة العصرية ،2009 / الطبعة الأولى .) ، و قد ساهمت الكنيسة بدور هام في تكريس واقع الضياع و التخبط ... فلقد جعل كهنة الكنيسة: "النصرانية " : مرقعات من البوذية و الوثنية ، و جعلوا التعاليم الدينية كلمات جوفاء من أي مدلول روحي سام يجتذب الأفئدة و يسر البصائر ، و حرفوا الكلم عن مواضعه ليشتروا بذلك ثمنا قليلا ، فطغت الخرافات و الأساطير و ألبس الحق بالباطل ...؟! و تولد عن ذلك نزعة عقلية نقدية انتشرت بسرعة، بسبب النقمة على الكنيسة و الضيق من تسلطها على الناس و الحكام و إشعال الحروب الصليبية التي دفعت أعدادا كبيرة من الناس إليها ، و النظام الإقطاعي الذي سام الناس ظلما وخسفا و باركته الكنيسة و شاركت فيه ، و موقف رجال الدين المشين من العلم و العلماء ... هذه العوامل ساعدت على إقناع الناس بالدعوة العقلية و بناء الحياة بمعزل عن الكنيسة و ترهاتها ، فانتشرت الفلسفة العقلية في بداية ما اصطلح عليه بعصر النهضة ، و كان لهذه الفلسفة تصورات بديلة للتصورات المسيحية السائدة ، فشجعت حركة الإلحاد و حولت مقاليد الإنسان من الغيب و القدر – كما هو في التصور النصراني الذي يثلث أو يوحد – إلى العقل البشري ، و جعلت ما يقدمه العقل من تشريعات و تنظيمات هو الحكم ، و أعطت منجزات الإنسان قبل المسيحية – الرومانية و اليونانية – الأولوية ، ووجهت الباحثين إلى دراستها و تنظيمها ، لأنه إبداع إنساني لا يستلهم تعاليم السماء ، و أصبح النظام العقلي هو الذي يدير قضايا الحياة كلها من السياسة ، حيث "الميكيافلية " ، إلى الفنون و الآداب ، حيث يحيط العقل بالعواطف البشرية ، و لم تعد أراء الكنيسة مسموعة و لم يعد الأدب الذي يستند إلى التصورات النصرانية – أدب العصور الوسطى – مقبولا لدى النقاد و الجمهور . و ظهرت الكلاسيكية الأدبية معبرة عن هذا الواقع الجديد بفضل "كورني "و "موليير" و " راسين " الذين أعجبوا بالنظام الكلاسيكي و الأدب اليوناني فأخذوا بقواعدهما و استخرجوا أصول الكلاسيكية من الأدب القديم و من كتاب "أرسطو " و الشروح التالية عليه و طبقوها في مسرحياتهم وأدبهم . و هيأت الظروف التي أحاطت بالغربيين في القرن التاسع عشر للتيارات الفردية و فلسفاتها ، فقد كثرت الحروب و اشتدت النزعة الإستعمارية ، و توالت الأزمات الإقتصادية و الإضطرابات الإجتماعية ، فأصيب الفرد الغربي بموجات من خيبة الأمل و اليأس ، و بدأ يفقد الثقة بالنظام العقلي الذي أنجب الكلاسيكية ، و شعر بالحاجة الشديدة إلى ملاذ عاطفي ، فأقبل على الفلسفات المثالية ، و طبقها في ميادين حياته ، و على رأسها الفن و الأدب . و من مظاهر ذلك تشكل المدرسة الرومانسية الفرنسية بفضل قصائد "سندال "و "الفريد دي موسيه " و "ستندال " و "لامرتين " و "شاتوبريان " و مسرحيات "فكتور هوجو" .و قد حملت الرومانسية الفرنسية خلفها ركاما هائلا من الظروف المضطربة و الفشل و خيبات الأمل و عجز العلمانية عن تحقيق حلم الإنسان بالسعادة . و لقد آمن الأدباء الرومانسيون بالمبادئ التي طرحتها الفلسفات المثالية و ثاروا من خلال إبداعاتهم الأدبية على الكلاسيكية و مبادئها. و ظهرت الرومانسية الأنقليزية بفضل قصائد "وردزورث " و "ولييم بليك " و " كولردج " و " شيللي "التي جسدت النزعة الفردية و الإهتمام الشديد بالعاطفة و الوجدان . و استوت الرومانسية مذهبا أدبيا واضح المعالم بفضل كتابات " هربرت ريد " و "ولييم بليك " و " كولردج " و "هوجو" و "سيلر" و آخرين . كما ساهمت منذ منتصف القرن العشرين الحربان العالميتان ، و الأزمات الإقتصادية الكبرى ، و تفكك الأسرة الغربية و تردي الأخلاق و موجات الحيرة و القلق و الضياع .. في جعل الفرد الغربي مستعدا لقبول الفلسفات الواقعية و الماركسية و الوجودية ، فأدب الإشتراكيين الماركسيين عبر بدقة عن المذهب المادي الجدلي الذي يربط الحياة كلها بمحور واحد هو المادة ، و يدير ظهره نهائيا لعالم الغيب و الخالق . كما أن المذهب الواقعي الإشتراكي لم يظهر إلا بعد أن ظهر " مكسيم غوركي " و "بوشكين " و آخرون اقتنعوا بالمبادئ الماركسية و أنتجوا أدبا يبرز قضاياها الرئيسية . كما كان لكتابات " سوتشكوف " و "روجيه غارودي " و "أرنست فيشر " و " جورج لوكاتش " الفضل في تأصيل الواقعية الإشتراكية . و عكس أدب الوجوديين فلسفتهم الغارقة في الوجود المادي و المنقطعة عن السماء و العاجزة عن التعامل مع البيئة ، و قد استوت الوجودية مذهبا أدبيا بفضل كتابات " سارتر " عن الإلتزام و تحليلاته الأدبية . و لعل أهم القضايا التي يحملها الأدب الوجودي تتمثل في عبثية الحياة ، و التمرد الفوضوي على المجتمع ، و القلق الدائم ، و لا سيما القلق من الموت ، و اعتبار الموت نهاية غير عادلة للحياة ، و تنصيب الذات البشرية في مقام الألوهية ، و منحها القدرة الكاملة على تسيير الحياة . و منذ ما سمي بعهد الإصلاح و النهضة أخذت هذه المفاهيم الغربية تنتقل إلى قدر من الأدباء في البلاد العربية و الإسلامية، أقبلوا على الثقافة الغربية و أعجبوا بالأدب الغربي و مذاهبه ، و فتنوا بمسرحه و لم يحسوا بما فيه من أمراض ، فدبت فيهم العدوى و ولعوا بكل ما ينتجه الغربيون في الفن ، و ما لبث إنتاجهم الأدبي أن حمل جراثيم كثيرة فتاكة ...! أخطرها النظرة الغارقة في التشاؤم للحياة و التصور القاتم للقدر ، فإذا بهم يناقشون في أشعارهم أو قصصهم أو مسرحياتهم قضايا الحياة و الموت و يبثون في شخصياتهم الأدبية التي ينشئونها شعور العبث و الظلم ، و تجري على ألسنتها عبارات الخصومة و التمرد و الصراع ، ليقولوا لك في النهاية أن الحياة عبث لا طائل وراءه ، و أن الإنسان مقهور شاء أم أبى !؟إن هذه النقلة الخطيرة في أدبنا و نظرتنا للكون و الإنسان و الحياة ، لم تأت صدفة بل هناك ما يبررها : فبالإضافة إلى الإستعمار الذي بسط نفوذه على جل البلاد العربية و الإسلامية و قام بمجهودات جبارة لاجتثاث هويتنا ، و انبهارنا بمنجزاته الحضارية ، -انبهار الغالب بالمغلوب - قام الإستشراق بدور خطير في مجريات أدابنا و علومنا و فننا عموما ، فقد ظل المستشرقون أساتذة لعلوم حضارتنا لفترة طويلة مما مكنهم من تربية جيل واسع ممن أشربوا مفاهيمهم و تجربتهم و روحهم المعادية لقيمنا الحضارية الأصيلة ، و قد تربى هذا الجيل على مناهجهم في تناول القضايا المختلفة دون مراعاة خصوصيتنا الحضارية و قيمنا الإسلامية . و بعد أن انحصر دور المستشرقين في بلادنا العربية و الإسلامية خرج هؤلاء التلاميذ أساتذة لعلومنا و فنوننا ، و كان دورهم أخطر ، و ضرباتهم أعنف في نقل الخراب إلى ديارنا من المستشرقين أنفسهم . و هكذا بدأت مع بدايات العصر الحديث الغزوة الحضارية الكبرى لبلدان العالم العربي و الإسلامي ، و استيقظت معها كل دعاوي الشعوبيين ، و أعداء أمتنا ، لتصبح العنصرية و العرقية هما التكوين الإنتمائي ، و تبدأ الغربة الطويلة التي تعيشها الأمة العربية و الإسلامية .. !!؟ من ذلك إقدام طه حسين على الطعن في أصول اللغة العربية حتى ينهار الأساس الذي نفسر به تراث الأجداد ، و يصبح التفسير و الشرح تحكميا ، و بانهيار الأسلوب العربي ينهار الأسلوب القرآني كذلك ، لشدة الصلة بينهما و نزول القرآن " بلسان عربي مبين ". كما حوربت القيم التي بنى عليها المسلمون حضارتهم و أزيحت فكرة الأصول الثابتة بهدف تغليب طوابع التطور المطلق الذي لا يعترف أساسا بالضوابط و الحدود، ففي سنة 1930م ارتفع صوت محمد عبد الله عنان في مقال له في "السياسة الأسبوعية " قائلا: «.. أعتقد أن المستقبل ليس لأدب القصة ، و أن هذا النوع من الكتابة سيبقى في مكانه بعيدا عن النهضة الفكرية و الأدبية العامة ، ما بقيت الحياة الإسلامية قائمة على أصولها و تقاليدها الأثيلة ، و ما بقي للأخلاق و الخلال معيارها الإسلامي "!؟
و قد أشر هذا لفتح الطريق أمام حرية الإباحية و تمجيد العلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج الشرعي و الجرأة على كل القيم و المعايير الإسلامية الثابتة ، و أصبحت هذه الجرأة على قيم الإسلام شرطا من شروط الإبداع حسب البعض ، يقول علي أحمد سعيد " أدونيس " : " إن السبب الذي يكنه العرب للإبداع ، هو أن الثقافة العربية بشكلها الموروث هي ثقافة ذات معنى ديني "!!؟ و يضيف كمال أبوديب في هذا المعنى : " من الدال جدا على أن النص المقدس في جميع الثقافات التي نعرفها هو نص قديم ، فليس هناك من نص مقدس حديث و الحداثة بهذا المعنى هي ظاهرة اللاقداسة ... و لا سبيل لأن يكون الأدب حديثا إلا إذا رفض كل نص مقدس و أصبح نقيضا لكل ما هو مقدس حتى العبادة " ! ؟ راجع ردا على هذه الترهات في كتاب : بن سالم بن عمر( محمد) نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه – المطبعة العصرية ،2009 / الطبعة الأولى / جدلية الحداثة التغريبية و التخلف." بل تصل الجرأة ببعض الكتاب أن يبشروا بالحقد و الكراهية و الأنانية و تمني الموت ، يقول الأستاذ "ولسون" في كتابه " اللامنتمي " لا صلاح لهذا العالم المليء بالتناقضات إلا بالثورة و الغضب و عدم الإنتماء إلى أية قيمة أخلاقية من القيم الموروثة بل لا بد من مواجهة العالم بكل مشاعر الحقد و الكراهية " !! و يقول محمد الماغوط في نفس الموضوع : " على اللامنتمي أن يحس باللاجدوى لأن هذا الوجود بلا موقف و لا دليل و لا مستقر و لا مرشد ، فليس للامنتمي إلا الإحساس بالسأم و يتمنى الموت و الأنانية الفردية و رفض كل المعطيات الخارجية " !! إن هذه الثقافات المستعارة ، و القيم الغريبة و التقليد الأعمى للغرب ، قد سرب إلى النفوس جموحا عاطفيا سلبيا و أورثها العلل الذي أفرزتها الفلسفات الفردية كالوجودية و الرومانسية و غيرهما ، و لعلنا لا نشك في أن الفكر الوجودي يمثل أعظم الروافد التي أشاعت موجات الإغتراب و الضياع في إبداعاتنا الشعرية و الفنية عموما ، لقد أصبح الإنسان بفضل هذه " الفلسفات " يحس بالضياع و الغربة في عالم التكرار الممل الذي فقد المعنى ، عالم يحس فيه الإنسان بوحدته و تفرده و نفيه في هذا الكون ، بعد أن يرفض العناية الإلاهية و هدايتها له في كل التفاصيل الحياتية و يتمرد على كل قيم سابقة تعوق تحقيق وجوده !؟
التعليقات (0)