الفنانة الألمانية نازاكيت اكيجي عرضت "القبلة" في حلب
نقبّل الأشياء الصغيرة كي لا نفقدها
المستقبل - الاثنين 15 أيلول 2003 - العدد 1400 - ثقافة و فنون - صفحة 21
|
دلدار فلمز
تعبير "القبلة" بطريقة الفنانة الألمانية نازاكيت اكيجي ذات الأصول التركية هي ذهاب في الافصاح عن إيحاء المطلق وفتح باب جديد أمام جوهر المشاعر الإنسانية والتخفيف من سطوتها على الآخرين في حدها المحروم من قبل الناس الذين يعيشون موجات متواصلة من التقزيم لمشاعرهم ورغباتهم التي تأتي إلى الحياة وهي مطلقة بدون قيود، إنما الناس أنفسهم يحاولون إيجاد حجج وصيغ لوضع حد لحريتهم وينجحون في ذلك ويواصلون بخطٍ متعال على ذاتهم في مساحة كبيرة من التحريم والتهميش لحقائق أعماقهم بحجة "العيب" لكن الفنانة الألمانية قدمت مشروعاً جريئاً وفريداً عن القبلة، قبلة "مجردة" إذا صح التعبير، القبلة لكل شيء بدءاً من أصغر شيء وأتفهه في الحياة المعيشة: حيطان، بلاط الأرضية، محتويات غرفتها من المرآة وحتى أحذيتها وألبستها وأدواتها المستعملة المعينة لها في سيرة حياتها العادية. أرادت الفنانة أن تقول للناس إن كل شيء في حياتنا له أهمية ويستحق القبلة والاهتمام قدمت عرضها هذا مع موسيقى لمدة 45 دقيقة أمام جمهور في صالة الجسر ضمن نشاطات اللقاء الخامس لفنانات من العالم في حلب 2003. في مدة العرض توّجت ما عملت عليه لمدة 48 ساعة، وربما يسأل سائل: ماذا كانت تفعل خلال 48 ساعة؟ الجواب باختصار هو أنها قبلت وطبعت قبلاتها على حيطان صالة الجسر على شكل صندوق مفتوح بطول 6 أمتار وعرض 4 أمتار وارتفاع مترين ووضعت لمساتها ألأخيرة أمام الجمهور وقامت بتقبيل كل شيء أمام الحضور وامتدت قبلاتها إلى البلاط الذي تحت أحذيتهم وأحذية بعضهم الذين كانوا يجلسون في المقدمة ووصلت إلى وجوه بعضهم وكانت الخاتمة أنها انكمشت بقبلاتها ناح ما تصل شفتاها من جسدها ولم تكن لتبخل بكروت من الفيزيت مكتوب عليها عنوانها ورقم هاتفها وموقعها على الانترنت مطبوعة بقبلة خاصة لكل من يطلب ذلك وأنا واحد منهم. وعن مشاريعها تقول: ليس عندي بداية ولا أملك قرار النهاية، بالتالي ليس عندي خطة جاهزة للموضوع في بعض الأحيان أعمل من دون موسيقى، لكن عندما استمع إلى الموسيقى تولد لدي أحاسيس جياشة وعاطفة قوية وعن فكرة المشروع الأخير تقول: "لم يكن حلماً إنما كنت ممدّدة في سريري وشبه نائمة وجاءت الفكرة، قفزت من سريري وتوجهت إلى محتويات غرفتي وبدأت أقبلها ثم وضعت أحمر الشفاه وكررت القبلات للأشياء، لموجودات غرفتي وتطوّرت الفكرة حتى وصلت إلى الجدران وبلاط الأرضية وإلى ما لا نهاية للأشياء التي تستخدم في تدابير الحياة اليومية". وتستمر في حديثها: "إن الصور الفوتوغرافية داخل اللوحة هي باللونين الأبيض والأسود، وذلك لإيجاد التواصل بين الماضي والحاضر، ولها ذكرى عزيزة على قلبي من خلالها أستطيع التركيز واسترجاع ما فقدته يوماً ما ويعطيني القدرة على الإصرار والاستمرار والاستفادة من الماضي وايجاد صيغ للتعامل مع الحياة والدفع نحو المستقبل". وتعقب في تقبلها وإقبالها على ما نعتقده أشياء تافهة فتقول: "مثلاً اتصال ما من خلال التلفون مع شخص له خصوصية وبالرغم من أن الاتصال قد لا يتجاوز دقائق معدودة لكن لهذا الأمر أهمية كبرى في حياتك وتتواتر أشياء لا متناهية كقوله: إلى اللقاء... من هنا يأتي دور كل شيء كأهمية قصوى قد لا يدركها البعض، كل قطعة من أثاث غرفنا التي نستعملها بشكل دائم هي في غاية الأهمية ونحن لا ندرك أهميتها إلا بعد أن نفقدها".
وعن تقبيلها للجوامد من الأشياء كالمرآة مثلاً تقول "هناك بين الجمادات ما له نكهة خاصة عند التقبيل كالمرآة التي لا علاقة لتقبيلها بمفهوم النرجسية عندي، إنما هي تعطي لكل يوم شيء من الخصوصية وتسرد قصة ما وهي أكبر من مفهوم النرجسية تفتح آفاق حياتية في كل صباح، فالناظر إلى المرآة بشكل دقيق ومتمعن يستطيع أن يقرأ أشياء كثيرة في أعماقه... هذه القبلات الكثيرة لا تعني أنني لا أستطيع التواصل مع الآخرين من خلال الكلمة، إنما التواصل بالكلمة تفقد صدقها أحيانا ولا تعبر عن كامل عوالمك الداخلية، ولكن القبلة بصدق تعبر عن داخلك بشكل عميق جداً وحتى القبلة تختلف من شعب إلى آخر... ربما الأمر يتعلق بالشعوب وثقافاتها الخاصة، مثلاً في تركيا الناس يقبلون بعضهم بدون أن تلمس الشفاه الوجوه كما لو أنهم يقبّلون الهواء الذي يعبر بينهم... القبلة بصدق شيء مهم و معظم الناس للأسف يجهلون ذلك، في أوروبا الحياة سريعة جداً والناس ليس لديهم الوقت الكافي للعناية بموضوع القبلات، لكن عندما يقبّلون بعضهم يكون بصدق وشفافية وهي لست من الأمور المعيبة في حياتهم حتى بين الأصدقاء والمعارف ويستطيعون أن يمارسوها بسهولة وبشكل اعتيادي وبدون حرج وهي تدل على أهمية المقبُّل والمقبَّل عندهم، في النهاية أريد من الناس التركيز على القبلات، هي ليست شيئاً سيئاً كما يظنها البعض، بل هي شيء إنساني مهم يجب أن تأخذ حيزها الحياتي الحقيقي عندنا".
التعليقات (0)