مواضيع اليوم

الفلسفة والدين

سليمان الحكيم

2012-01-25 14:04:08

0

هل إختلف الفلاسفة مع الأديان، أم أنهم جعلوا طريق العقل والفكر وسيلة للوصولِ إلى فهمٍ أكبر للقوةِ الإلهية، وسيلة لكشفِ ذلكَ الجمال المنتشر في أرجاءِ الكون الكبير، بدءاً من أرضنا وما فيها من مخلوقات ومن أسرار، امتداداً إلى الكون الفسيح الذي لا يستطيع كشفه وسبر أغواره ومجاهله أحداً من العالمين، فما نحن سوى نقطة صغيرة في هذا الكون المترامي الأطراف والذي لا يعرف كنهه إلآ خالق متمكن من ما خلق، مدبر لأمور بلايين الكواكب والنجوم والمجرات الجاريات في دروب لا نعرفها ولا نرى منها في الحقيقة إلآ صور عن ماضي غارق في القدم بما وفرته لنا الوسائل العلمية الحديثة من مناظير تعمل بطرق عديدة.

كثيراً ما يستندُ الملاحدة في إنكارهم للخالقِ إلى الفلسفة والمنطق، ومِن ثمَ يُحاولون أن يَظهروا بمظهرِ الباحثينَ والمُفكرين، لكِنهم في حقيقةِ الأمر مِن أجهلِ المخلوقات على الإطلاق وليس في ذلك شك أبدا، ذلك أن الدين والعلم والفلسفة كلها اتفقت على الإيمانِ باللهِ سبحانهُ وتعالى، وبأنه موجدُ الكون ومُدّبره، ولكن كما قال بعض الفلاسفة: القليل من الفلسفة يُبعِدُ عن الله، لكِنَ الكثير منها يَرُدُّ إلى الله، لنقرأ معاً مقولاتٍ لبعضِ العظماء من الفلاسفة والمفكرين الذين أمضوا سنواتَ عمرهم في البحثِ عن الحقيقة وعلى وجود الله سبحانه وتعالى والإيمان به: يقول أناكساغورس أحد فلاسفة اليونان الأوائل: "من المستحيل على قوة عمياء أن تُبدعَ هذا الجمال وهذا النظام اللذان يتجليان في هذا العالم، لأن القوة العمياء لا تُنتج إلا الفوضى، فالذي يُحرِّك المادة هو عقلٌ رشيد، بصيرٌ حكيم"، أو كما يقول أفلاطون وهو الغني عن التعريف: "إنَّ العالم آية في الجمالِ والنظام، ولا يُمكن أن يكون هذا نتيجة عِلل إتفاقية، بلّ هو مِن صُنعِ عاقل توخى الخير ورتّبَ كُلَ شيءٍ عن قصدٍ وحِكمة"، ويقول ديكارت: "إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقتِ نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مُضطرًّا إلى اعتقادي لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تِلكَ الذات الكاملة المتحليَّة بجميعِ صفات الكمال، وهي الله"، ويُسهب في الحديث بقوله : "أنا موجودٌ! فمن أوجدني ومن خلقني؟ أنا لم أخلقُ نفسي، فلا بُد لي من خالق وهذا الخالق لا بد أن يكونَ واجب الوجود، وغيرَ مُفتقر إلى مَن يوجِده، أو يَحفظ له وجوده، ولا بُد أن يكونَ مُتصِفاً بكلِ صِفات الجمال، وهذا الخالقُ هو الله بارئ كل شيء"، ويقول باسكال: "إنَّ إدراكنا لوجودِ الله، هو مِنَ الإدراكاتِ الأولية، التي لا تحتاج إلى جدلِ البراهين العقلية، فإنهُ كان يُمكن أنْ لا أكون، لو كانت أمي ماتت قبلَ أنْ أولد حياً، فلستُ إذاً كائناً واجبَ الوجود، ولستُ دائماً ولا نهائياً، فلا بُد مِنْ كائنٍ واجبَ الوجود، دائمٍ لانهائي، يعتمدُ عليه وجودي، وهو الله الذي ندركُ وجوده إدراكاً أولياً، بدونِ أنْ نتورط في جدلِ البراهين العقلية، ولكنْ على الذينّ لم يُقدَّر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصولِ إليه بعقولهم".

يقول الدكتور مصـطفى محـمود عن رحلتهِ مع الإلحاد: إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبةِ الكلام ومُقارعة الحجج التي انفردتُ بها كانَ هو الحافز دائماً، و كانَ هو المُشَجِع وهو الدافع، وليسَ البَحْث عن الحقيقة أو لأكتشف الصواب، لقد رفضتُ عبادة الله لأني استغرقتُ في عبادةِ نفسي وأعُجبت بومضةِ النور التي بدأت تومضُ في فكري مَعْ إنفتاح الوعي وبِداية الصحوة مِنْ مَهدِ الطفولة، ويُضيف قائلاً: لقد غابت عني أصول المَنطِق ولم أدْرك أني أتناقض مع نفسي إذْ كيفَ أعترفُ بالخالقِ ثم أقول ومَنْ خَلق الخالق؟ فأجعل منهُ مخلوقاً في الوقتِ الذي أسميه خالقاً وهي السفسطة بعينها، ثم إنَّ القول بسببٍ أولي للوجودِ يقتضي أنْ يكونَ هذا السبب واجب الوجود في ذاته، وليسَ مُعتمداً ولا مُحتاجاً لغيرهِ لكي يوجد، أما أنْ يكونَ السبب في حاجةٍ إلى سببٍ فإن هذا يَجعلهُ حلقة مِنْ حلقاتِ السببية ولا يجعل منه سبباً أول، هذهِ هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت بأرسطو إلى القولِ بالسببِ الأوّل والمحرك الأول للوجود، ولم تَكُن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلكَ الحين، واحتاجَ الأمر مني إلى ثلاثينَ سنة مِنَ الغرقِ في الكتبِ وآلاف الليالي مِنَ الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر، ثم تقليب الفِكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت، لم يكن الأمر سهلاً، لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً.
لكنه يعترف بقوله : لو أنني أصغيتُ إلى صوتِ الفطرة و تركتُ البداهة تقودني لأعفيتُ نفسي من عناءِ الجدل ولقادتني الفطرة إلى الله.
ويؤكد اعترافه بقوله: إنني جئتُ في زمنٍ تعقدَ فيهِ كُلَ شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همساً وارتفع صوت العقل حتى صار لُجاجة وغروراً واعتداداً، فتصورَ نفسه قادراً على كل شيء و زجّ نفسه في كل شيء و أقام نفسه حاكماً على ما يعلم و ما لا يعلم.

ولكن هل نحنُ بحاجةٍ إلى الله وإلى الإيمان به؟

ولماذا نحن في حاجة إلى الإيمان بالله؟ وهل الله بحاجة لمن يؤمن به؟

أسئلة كثيرة تُطرح هنا وهناك لسببٍ ربما يكون فلسفي أو نفسي بحت ... وفي الحقيقة هي اسئلة تعانق عقول العقلاء والمفكرين عامة والعاقل منهم من يُدرك أن الخالق ليس بحاجة إلى البشر وبأنه قادر على خلقهم متى ما شاء وتبديلهم بغيرهم من الخلق، لذا فالخالق لا تنفعه طاعة بشر كما لا تضره معصيتهم، ولكن أليس البشر همُ الفقراء إلى الخالق الذي يُدبرّ أمرهم وخلق لهم ما يحتاجون إليه لإستمرار حياتهم ومعيشتهم من الهواء والماء والطعام ومركوبهم، يقول الله تعالى في حديثه القدسي يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كان على قلب أتقى رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً، يا عبادى: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلكى شيئا، وقال عز وجل:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ " (سورة فاطر)، ولكن البشر فى حاجة إلى الله:" قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " (سورة النمل)، وقال تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ " (سورة القصص)

ومن المعروف أن الحاجة للإيمان بالله أقوى ما تكون فى المجتمعات المادية، حيث أن المجتمع المادي الذي نعيشه والحضارة المادية التى نحياها لم تُحقق للإنسان الأمن النفسي فأصبح الإنسان فيها قلقاً متوتراً بعيداً عن السعادة، لذا فإن كبار الباحثين يمتازون عن غيرهم بأنهم يبحثون في الأمور بعقلٍ مُدرك ونظر متجرد، لذا فإن شهاداتهم تُعد ذات إعتبار كبير في الأمور التي يدلون فيها بآرائهم ومما قاله بعض العلماء في قضية الوجود والخلق وهم كثير، قال اسحق نيوتن: "إنه لا يمكن أن تأتي إلى حيز الوجود مباهج عالم الطبيعة الزاهرة ومنوعاتها هذه بدون إرادة واجب الوجود أعني به الإله القادر قدرة مطلقة السميع البصير المكتمل الذي يسع كل شيء"، وقال هيرشل عالم الفلك الإنجليزي "كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والفلكيون والرياضيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وحده
وقال وولتر أوسكار لندبرج عالم الفسيولوجيا و الكيمياء الحيوية الأمريكي: "أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشفٍ جديد في ميدان من الميادين، إذ إن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد إدراكهم و أبصارهم لأيادي الله في هذا الكون"، أما العالم الأمريكي الفسيولجي أندرو كونواى ايفي فقد قال: "إن أحداً لا يستطيع أن يثبت خطأ الفكرة التي تقول إن الله موجود، كما إن أحداً لا يستطيع أن يثبت صحة الفكرة التي تقول، إن الله غير موجود، وقد يُنكر مُنكر وجود الله تعالى ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل، وأحياناً يشك الإنسان في وجود شيء من الأشياء ولابُد في هذه الحالة أن يستند شكه إلى أساسٍ فكري، ولكنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلاً عقلياً واحداً على عدم وجوده تعالى وقد قرأتُ وسمعت في الوقت ذاته أدله كثيرة على وجوده، كما لمست بنفسي بعض ما يتركه الإيمان من حلاوة في نفوس المؤمنين وما يخلفه الإلحاد من مرارة في نفوس الملحدين".

فالشواهدُ على قدرة الله ووجودهِ كثيرة لا تُعد ولا تُحصى فأينما وجهت وجهك ترى الله في مخلوقاته وفي آيات خلقه ولكن هل من معتبر؟ ولا أدري ما قيمة الإنسان أي كان دون الإيمان بأن له خالق أعظم وأقدر منه، خالق يدبر أمور الكون بما فيه، خالق أركن إليه أمري وأتوكل عليه في مسيرتي فالعمر وإن طالت سنواته قصير، فما خُلد أحداً من قبلي ولن يُخلد من بعدي أحد.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات