مواضيع اليوم

الفلسفة من دهشة السؤال الى أزمة السؤال

فارس ماجدي

2010-01-20 12:59:54

0

الفلسفة .. من دهشة السؤال الى أزمة السؤال
الفلسفة كلمة يونانية الأصل معناها الحرفي "حب الحكمة" . حتى السؤال عن ماهية الفلسفة " ما هي الفلسفة ؟ " يعد سؤالا فلسفيا قابلا لنقاش طويل . و هذا يشكل أحد مظاهر الفلسفة الجوهرية و ميلها للتساؤل في كل شيء و البحث عن ماهيته و مظاهره و قوانينه . لكل هذا فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة و متشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم و ربما بكل جوانب الحياة ، و مع ذلك فالفلسفة مادة تحوي بقية العلوم و التخصصات . توصف الفلسفة احيانا بأنها "التفكير في التفكير " أي التفكير في طبيعة التفكير و التأمل و التدبر ، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود و الكون . البحث عن الحقيقة ومن يمتلك الحقيقة
شهدت الفلسفة تطورات عديدة مهمة ، فمن الإغريق الذين أسسوا قواعد الفلسفة الأساسية كعلم يحاول بناء نظرة شمولية للكون ضمن إطار النظرة الواقعية ، إلى الفلاسفة المسلمين الذين تفاعلوا مع الإرث اليوناني دامجين إياه مع التجربة و محولين الفلسفة الواقعية إلى فلسفة إسمية ، إلى فلسفة العلم و التجربة في عصر النهضة ثم الفلسفات الوجودية و الإنسانية و مذاهب الحداثة و ما بعد الحداثة و العدمية والوجودية والمادية .
هناك ثقافات و اتجاهات أخرى ترى الفلسفة بأنها دراسة الفن و العلوم ، فتكون نظرية عامة و دليل حياة شامل . و بهذا الفهم ، تصبح الفلسفة مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية و ليست محاولة لفهم الحياة .
في حين يعتبر المنحى التحليلي الفلسفة شيئا عمليا تجب ممارسته ، تعتبرها اتجاهات أخرى أساس المعرفة الذي يجب اتقانه و فهمه جيدا
فروع الفلسفة
المنطق: يحاول المنطق أن يحكم على صحة و معقولية الحجج العقلية ، ماذا يجعل الكلام و الاستنتاج منطقيا و كيف أفكر حول قضية معقدة بطريقة نقدية سليمة ؟
إبستمولوجيا: ما هي طبيعة المعرفة ؟ كيف استطعنا ان نحصل على المعرفة التي خبرناها ؟ و ما هي الحدود و مجالات المعرفة الممكنة للإنسان ؟ كيف نستطيع ان نعرف و ان نتأكد من وجود عالم خارجي ؟ كيف يمكننا البرهنة على أجوبة أسئلتنا ؟ و ما هو الجواب الصحيح .
ميتافيزيقيا: ما هي الأشياء الموجودة فعلا ؟ و ما هي طبيعة الموجودات ؟ هل توجد الأشياء حقا بمعزل عن تحسسنا لها ؟ ما هي طبيعة المكان و الزمان ؟ ما هي علاقة العقل بالجسم ؟ و كيف يكون الإنسان إنسانا و كيف يصبح واعيا عاقلا مدركا ؟ هل الله موجود ؟ ما هي طبيعته و صفاته ؟
الأخلاق: هل هناك فرق بين ما هو مقبول أخلاقيا و ما هو خاطيء ؟ ما هي القيم و المثل ؟ و ما هو هذا الفرق إن وجد ؟ ما هي التصرفات الصحيحة و من أين تستمد صحتها ؟ هل هناك من معايير للصحة و القبول الأخلاقي تتمتع بالإطلاق و اللانسبية . أو ان كل شيء بما فيه القيم و الأخلاق أمور نسبية تختلف باختلاف الحضارات و الشعوب ؟ كيف يجب أن نعيش ؟ ما هي السعادة ؟
علم الجمال: ما هو الفن ؟ ما هو الجمال ؟ ما هو معيار الذوق ؟ هل الفن ذو معنى ؟ و ما هو معناه ؟ هل الفن لأجل الفن ؟ كيف نتواصل مع الفن ؟ كيف يؤثر الفن فينا ؟ هل بعض الفنون لاأخلاقية ؟ هل يمكن لبعض الفنون أن تفسد و تخرب المجتمعات ؟

هكذا بدأت لحضة الفلسفة... عندما اخذ الانسان يتسائل ليكتشف ما هو مجهول اوما هو غير مفهوم .فمنذ ان بدأ وعي الانسان النقدي، بدأت أزمة المعرفة، ومعها بدأ التفكير بالمفاهيم والمقولات المبهمة. ان محاولات الانسان لمعرفة الكون والوجود وسبر اغوارهما والكشف عن اسرارهما اثارت دهشته، ومع الدهشة بدأ القلق، ومع القلق بدأت الخيبة، ومع الخيبة بدأ التساؤل ومع التساؤل بدأ التفكير الفلسفي، الذي كان أول محركات الوعي والوعي النقدي على وجه الخصوص. ومع الوعي النقدي بدأت أزمة الوجود، وكل الفلسفات تبدأ بدهشة وأزمة وتساؤل.!
والأزمة تعني الشك، والشك هو الطريق الى اليقين.. ومع الشك بدأ الوعي النقدي بالوجود.. عندما بدأ الناس يشكون في اساطير الأولين وتولاهم الشعور بأن العالم ليس محكما تماما، كما في القصص والاساطير وملاحم الآلهة، وبدأت خيبة الأمل من اللاجواب ودفعت الانسان الى التفلسف، والتفلسف ايقظ العقل وفتح الذهن امام آفاق عديدة من المعرفة، فلم يعد الانسان يقف سلبيا امام الكون والوجود. لقد وقف موقف المتسائل الذي لا يكف عن السؤال .
فالفلسفة اذن هي البحث المتواصل الذي لا ينتهي ولا يكل عن التساؤل حول اسرار الوجود الذي حركه وعي الانسان النقدي الذي أيقض العقل وشحذ الفكر ودفعه لمزيد من التساؤل والنقد للوصول الى الحقيقة وفك الغاز الوجود واسرار الحياة، وما بعد الحياة .
والتنوير اصل الفلسفة، وجوهر التنوير هو الحرية، والتحرر من أية وصاية، كما يقول كانت، أي خروج الانسان من قصوره الذهني الذي اقترفه بحق نفسه وتجاوز ذلك الى فهم الوجود وتفسيره واعطاءه معنى اخلاقيا، بمعنى تفكيك وتفسير وتحليل ونقد امكانات الانسان وقدراته. واذا كان الوعي النقدي ضروري لتكوين الفكر الفلسفي، فان الفكر الفلسفي ضروري لتكوين العقل النقدي، الذي يشحذ الفكر وينمي قدراته وطاقاته المعرفية . ومنذ سقراط وضع الفلاسفة العالم في سؤال، وتراكمت الاسئلة في اذهانهم من اجل البحث عن يقين جديد،. وهذه المرة ليس بالصورة المجردة، وانما بالمفاهيم والدلالات وليس بالقصص الاساطير وإنما بالبحث والتقصي المتواصل في اشغال الفكر وتحويل المفاهيم الفلسفية والتأملات العقلية الى أدوات لفهم الواقع وتحليله وتفسيره. ومن الطبيعي ان تنهك الفلسفة نفسها في حب الحكمة وتتجاوز الأسئلة والتحليل والتفسير الى معرفة التناقضات وحل التناقضات غير المتعادلة ، وتركيب ما هو مجزء، وتجزأت ما هو مركب وفهم العلاقة الشائكة والملتبسة التي تربط بين الاشياء وبين الطبيعة بين اللغة والفكر . وهذا يعني ان للانسان ارادة اخلاقية حرة تبحث وتفتش وتنبش وتفكك وتفسر لتجيب على التساؤلات المصيرية التي تبقى مدهشة ومحيرة وقائمة بدون جواب.
يقول جيل دولوز في مفتتح كتابه القيم.. ما هو هذا الشيء الشئ الذي قمت به طيلة حياتي وما قيمته ؟ .. وهو سؤال يأتي حينما (نتمتع بلحظة بهجة بين الحياة والموت).. في لحظة صفاء سرمدي عندما ينتابك ذيّاك الشعور الغارق في الكينونة عن معنى ذاتك كقيمة في مقابل الوجود .
إن حالة الدهشة والاستغراب التي تغلف العبارة كافية لأن تشعرنا بأن جيل دولوز يوحي إلينا كما لنفسه.. أنه توصل أخيرا إلى السؤال الجوهري والأساسي.. والذي يفترض أنه يمثل بداية كل تفكير أو كل مشروع فلسفي.. إلا أنه عند دولوز يمثل نهاية مطاف.. أو هو الحقيقة الملموسة التي استطاع التوصل إليها بعد مشوار طويل. سار فيه طيلة حياته ليجيب عنه .... ثم ثم يتوصل في نهاية حياته الى إجابة نموذجية لا تقل أهمية عن السؤال نفسه.. وهي أن الفلسفة إبداع للمفاهيم.... وهو الجواب الذي لم نكن نملكه سابقا وهو أيضا في نفس الوقت الجواب الذي لم يتغير ن الفلسفة هي فن تكوين وإبداع وصنع المفاهيم .
فجيل جولوز يرى أن الساعة قد حانت لنتساءل عما هي عليه الفلسفة .. وهو سؤال ضروري ينم عن صدمة الكشف والانكشاف.. أو هو نتيجة حتمية لصدمة الوعي وتفتقه عن حقيقة كانت خافية على الفيلسوف.. حتى إذا ما قضى كل ذلك الوقت وجاهد فيما يقتحمه من مجاهل الفكر وبواطنه.. باحثا عن حقيقة الأشياء.. اكتشف في نهاية المطاف زيف ما كان فيه من قيم ومفاهيم مطلقة.. أخذت صفة الثبات واليقين معلنا ما توصل إليه ولتصبح الفلسفة ذات منهج مختلف لها أدواتها المغايرة عما كانت عليه في السابق.. ليقول لنا أن الفلسفة اليوم ليست قواعد ثابتة.. بل هي سلوك.. سلوك يسعى إلى إيجاد وخلق المفاهيم التي بدورها تشغل مسطحات محايثة. نأخذ على سبيل المثال تغير مفهوم الحقيقة والعقل والفكر واللغة الى ما يسمى بنسبية الحقيقة والفكر واللعة ... ألخ
ويرى هابرماس أن الفلسفة (ليست تأملا ولا تفكيرا ولا تواصلا) فهي في إطار إبداعات مفاهيمها الخاصة.. كما أنها ليست تفكيرا لأن لا أحد في حاجة إلى الفلسفة للتفكير في أي شئ كان.. .. وذلك أننا نعتقد ،إننا نعطي الكثير للفلسفة حينما نجعل منها فنا للتفكير ولكننا نجردها من كل شئ .. ولا هي أيضا تواصلا ذلك أن الفلسفة لا تجد أي ملجأ نهائي في التواصل الذي لا يعمل بالقوة إلا في مجال الآراء وذلك من أجل خلق إجماع وليس من أجل خلق مفهوم . مما يفضي بنا ذلك الى القول بأن الفلسفة (لا تتأمل ولا تتفكر ولا تتواصل)إنها فعل قائم بذاته يتجاوز كل فعل .
يقول التوسر إن القفز بالفلسفة على تلك الأوهام التي عبرتها سابقا.. بسقوط الكليات والعموميات والمقولات و خلق مفاهييم جديدة متقدمة للقبض على الحقيقة بصورها النهائية هو المهمة التي يجب أن يسعى لها .
إن إبداع المفاهيم هو على الأقل القيام بفعل شيء ما.. من هنا تغيرت (مسألة استعمال الفلسفة أو صلاحيتها).
فيما يخص المفهوم فإن تدشين المفهوم هو مهمة صعبة.. وشاقة ومهمة هامة لها خصوصيتها.. وهذا التدشين يتطلب من وجهة نظر التوسر إلى (ذوقا فلسفيا خالصا.. يعلن .. بشكل ما داخل الفلسفة ولغة الفلسفة الجديدة أي بتحليل بنية الخطاب الفلسفس برمته .. ليس فقط مجرد قاموس من مفردات وإنما سياقا يرقى على مستوى سام أو إلى جمالية خطابية رائعة).. مما يوفر للمفاهيم تطورا مستمرا ........
كاتب أردني
مقيم في نيوزلاندا
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !