الفلسفة في الطرقات
أفلاطون تلميذ سقراط وتلميذه ارسطو لم يكونوا يرتادون الحانات ويتبادلون أطراف الحديث مع بعضهم البعض بل كانوا يمشون في الطرقات وينثرون ما بجعبتهم من آراء وأفكار فيصطدم الشارع بأراء لم يكن يتوقعها ..
الفلسفة ولدت في الشارع ومنه وإليه تعود، فلا قيمة لها إن كانت أسيره بين جدران المقاهي أو المعاهد ذات الصبغة الأكاديمية، الفلسفة عمل وجهد عقلي قل أن تجد طريقها الصحيح، لدينا نحنُ معشر العرب عُقد تاريخية وحُب للموضه منقطع النظير، ومن حُبنا للموضه تقليد الآخرين دون أن نسأل أنفسنا لماذا قلدنا وإلى أين سنصل، بعيداً عن عقدنا التاريخية نمسك بالموضه فموضتنا الحالية تتمثل في هبة المقاهي ذات الموسيقى الصاخبة والمقاهي التي تزدان ارففها بالكتب وفي زواياها مجموعات تناقش أفكار وكتب على استحياء تام، بين المقهى الصاخب ومقهى الكُتب مسافة بالكيلو مترات، يظن من يمشي على قديمه أنها بعيده ومتعبة وفي الحقيقة قريبة لكنها معقدة، فتلك إحدى افرازات الحداثة والانفتاح الذي أخذناه دون أن نفكك مفرداته ونعيد ترتيبها لتتناسب مع طريقتنا في الحياة.
لا يمكن للعقل أن يعمل وهو محاط بالجدران ولا يمكن للفلسفة أن تأخذ مكانها الطبيعي وهي تعيش بكنف من يعشق لقب نخبوي! فمكانها الطبيعي في الشارع على مرأى ومسمع الجميع تفجر العقول وتطلق العنان للعقل لأن يقول كلمته، كيف يمكن للفلسفة أن تعود إلى موقعها الطبيعي في ظل التقدم وتسارع إيقاع الحياة فزمن أفلاطون مختلف عن زمننا هذا.
لن تعود الفلسفة إلى موطن ولادتها الأول إلا إذا فهمنا الفلسفة على حقيقتها فهي ليست رداء يرتديه من يحب الظهور بمظهر المتحضر الذي لا يشق له غبار، هي طريقة وطرح التساؤلات لبنة الفلسفة الأولى، يقول أندريه كونت سبونفيل – أستاذ الفلسفة في جامعة السوربون: "إن الفلسفة تحديدا هي أن نفكر بأنفسنا، وبشكل ذاتي مستقل عن كل المسلمات المسبقة، سواء أكانت ذات طبيعة لاهوتية غيبية أم تحزبية سياسية ضيقة"، إثارة العقول على العقول وتغيير مكان الحوار سيوقظ بلا شك النائمين والخاملين وسيوقف من يركض خلف الموضه ويُصفق بسبب وبلا سبب، لايوجد أداة نقيس بها زمن عودة الفلسفة إلى وضعها وموقعها الطبيعي لكن مثلما تموضعت في زوايا ضيقه ستعود إلى طبيعتها من جديد فهي تؤمن بالفضاء العام وعلى مرأى ومسمع الجميع ..
التعليقات (0)