مواضيع اليوم

الفقيه الفضائي .. مسار التغيير المعاصر

سعد أحمد

2011-07-22 21:07:53

0

بالسعة وقبول الاختلاف، وباتجاه زوايا مختلفة محفوفة بالضبابية، ومزدحمة بالتأويلات، واستعادت العلاقة والتواصل مع مدونة فقهية هائلة بالفكر، تقوم على الرأي وتتسع به وتؤسس له، وسط صورة ثقافية ترى أن الفقه الإسلامي متحجر ومتشدد وانغلاقي ويقوم على الرأي الواحد ويسد الذرائع ويغلق باب الاجتهاد ويخاف من الاختلاف ويقنن الفتوى.

وسط هذا الإغراء البحثي العريض والمتعدد الذي لا يقف عند جيل ولا عند أشخاص بأعيانهم يرسم لنا الدكتور عبدالله الغذامي مقومات في كتاب ينم عنوانه الرئيسي عن وضوح المقصد المبدئي حول خطاب الفقه والآراء الفقهية الحياتية المتعددة والمتغيرة باستمرار.

أتى كتاب الفقيه الفضائي تعبيراً عن ظهور ثقافة الصورة عبر شاشاتها الثلاث: التلفزيون والإنترنت والجوال، وهي كلها صيغ تواصلية حديثة فتحت الكون البشري ذهنياً وحسياً، في مقابل الفقيه الأرضي، الخطاب المحلي واضح الظرفية مكاناً وزماناً وملاصقةً للجمهور المحلي. ويُظهر الكاتب أنه لا بد للمدونة الفقهية أن تنفتح متحولة من الكتاب الصامت ومن المنبر المحلي، إلى الفضاء المطلق، كما فعل عدد من الفقهاء واستجابوا لهذا التحول المعاصر. ثم يورد سؤالاً يلملم الفهم العام حول طبيعة الخطاب الديني، الرأي الاجتهادي “هل هو رأي الدين أم هو رأي (في) الدين؟”.

ويجيب الغذامي بموجب استعداد مميز، يمارس فيه مسيرة منهجية بحثية مجتهدة، تتمحور في وجهتين متوازيتين، أولاهما “الاجتهاد والخلاف الفقهي”، وثانيها تتمثل في “النظر في تحولات الخطاب الديني في زمن ثقافة الصورة”.

هذا ما أراد أن يوضحه بالخط العريض، كما يصعب أن تتضح الرؤية الأفقية للفقيه الفضائي التي لن تبدو ملموسة مع تغيب الخصائص، والتي من أهمها أن جمهور الفقيه الفضائي لا يقتصر على عينة بشرية أو ثقافية واحدة ولكنه يخاطب ثلاث عينات ثقافية وعقلية، وهي:

1- الجمهور المحلي، ويقصد به كل مسلم ومسلمة ممن يعيشون في بيئات إسلامية عربية.

2- الجمهور المهاجر، وهو جمهرة المسلمين والمسلمات ممن انتقلوا عن ديارهم واستوطنوا في المهاجر غير المسلمة كأوروبا وأمريكا.

3- الآخر، وهو جمهور غير مسلم تتيح الفضائيات وصول الخطاب إليه. وهو جمهور متنوع الاهتمام وبعضه يمارس نوع من الرقابة السياسية والثقافية على الخطاب الإسلامي.

هنا تكمن صورة من صور “التغيير”. وكلمة تغيير صعبة ومعقدة في أي ثقافة محافظة في طبعها، ويشير الكاتب أن صعوبة التغيير تزداد مع أي ثقافة تشعر بالتهديد، لذلك تلجأ للتحصين لأنها ترى أن التغيير يهدد وجودها. وبهذا يتم تقنين الاجتهادات التي تولد اختلافات، حين لا توجد بينة يوجد اختلاف محمود، والرضا بأن الزمن تغير. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهو قانون منهج التيسير في الفتوى وتغيير لما فيه الصالح العام وفق ثوابت متضحة للجميع. واستشهد بذكر قصة الشيخ النقشبندي مع مكبرات الصوت حين تم تركيبها في الحرم المكي في الثلاثينات من القرن الماضي، وذاك أمر تهوّل منه الناس وعلى رأسهم ذلك الشيخ الغيور على بيت الله وقبلة المسلمين، ولم يقل الشيخ بحرمة المايكروفونات فحسب، بل راح يرشقها بالحجارة من على رؤوس الجدران ليحطم أصوات إبليس، وصراخ الشياطين، ولما أعجزه إنكار المنكر بيده قرر الهجرة إلى مدينة الطائف بعيداً عن مكة بعشرات الكيلومترات هرباً من الموبقات وتغيير الزمان. ولم تقف القصة عند هذا الحد بل ذهب نفر من المشايخ إلى مجلس الملك عبد العزيز، وفتحوا معه أمر هذه القضية التي رأوها بدعة وخطرة ومفتاحاً لشر عظيم، ودار نقاش طويل حسمه الملك بعد تمعّنه بجواب طرحه الشيخ محمد المانع، حيث لاحظ الشيخ أن أحد المعترضين كان يلبس نظارة على عينيه ووجد ذلك مدخلاً للقياس حيث سأل صاحب النظارة، لم يلبس نظارته هذه!؟، فرد صاحب النظارة قائلاً: إن النظارة تكبر الحروف وليست وسيلة شيطانية، فرد عليه الشيخ المانع قائلاً: والمايكروفون يا شيخنا يكبر الصوت، وهنا ضرب الملك بيده على جناح كرسيه، وقال: لقد حُسم الأمر. وانتهى النقاش لمصلحة الوسيلة والتغيير الجديد، ولم تعد بدعة بعد ذلك.

هكذا يسير بنا هذا الكتاب في مسار به الكثير من الجدليات والمنحنيات إلا أنه يحاول أن يصل إلى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) الوسط وهو العدل والمساواة لمقولة ابن تيمية (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة). وقبول الآخرين ونسيان الماضي المقيت، ووصف التاريخ على أساس أنه مدونة من الأحداث المؤرخة وليس عيباً واختلافاً يلازمنا على مدى القرون.

ودمتم سالمين ،،،

سعد أحمد بن ضيف الله

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات