مواضيع اليوم

الفقر المعنوي

الفكر الأصيل

2011-12-11 05:04:54

0

الفقر المعنوي

 

   في حديث للإمام الحسن عليه السلام : "عجبت لمن يتدبر أمر دنياه ولا يتدبر أمر دينه".
  إن الإنسان ليهرب من الفقر والعوز، فإذا شعر أن هناك نقصاً أو عوزاً في زاوية من زوايا حياته سارع إلى رفع ذلك العوز وسد ذلك النقص، فالفقر والعوز المادي واضح وملموس سهل الإدراك ولكن العوز الروحي والفقر الفكري على العكس من ذلك تماماً.

فالافتقار إلى المال مثلاً أمر يدركه ويلمسه الجميع ولهذا يحاول المرء ويسعى لمواجهة الفقر وقد يصل الأمر بالإنسان إلى الإسراف والإفراط في ذلك فيصاب بالحرص والطمع مما يترك آثاراً سلبية على المجتمع. كما أن الفقر يؤثر بشكل أو بآخر على مركز الإنسان الاجتماعي ولهذا فهو يسارع إلى تعزيز وضعه من خلال ذلك، وهذا الأمر ينسحب على مظهر الإنسان الخارجي أيضاً.
ولكن الإحساس بالفقر الروحي والافتقار إلى الأدب في المعاشرة والتربية في السلوك أدنى بكثير، فالإنسان الذي يعاني من فقدان الأدب والأخلاق الإنسانية والتربية الاجتماعية الصحيحة لا يدرك ذلك خاصة إذا كان ذلك مترسخاً في أعماق روحه، وبعبارة أخرى إذا كان ذلك قد أصبح لديه ملكة من الملكات. وإن كان ذلك الطراز من الأخلاق شائعاً في المجتمع فإن الأمر هنا ينقلب إلى استحسان ودفاع.

كذلك الإنسان الفقير علمياً وفكرياً فإنه لا يدرك جهله أبداً، والسبب كما قلنا يعود إلى أن الإنسان يهتم بطعامه وشرابه في حين يهمل جانب الفكر والعلم وهذا منتهى الجهل.
إن أول العلم هو الإحساس والشعور بالفقر في هذه الناحية أي أن يحس الإنسان بالعوز العلمي فيسارع إلى رفع ذلك العوز، وكلما تقدم في العلم شعر بالجهل أكثر، حتى إذا اصبح حكيماً أو فيلسوفاً إذا به يقول: لقد أنفقت عمري في طلب العلم ليل نهار فعلمت أخيراً بأني لا أعلم أبداً.

ولعل من أعظم الأشياء المؤثرة في حياة الإنسان والتي تعود عليه بالنفع الكبير هو الإحساس بالفقر العلمي والشعور بالجهل لأن ذلك يؤجج في روح الإنسان حالة التعطش في طلب العلم، كما يؤجج الحرص جذوة الاندفاع في طلب المال والثراء.

لقد سجل التاريخ حكايات عجيبة عن بعض الناس الذين اشتهروا بالحرص والطمع وكانت مواقفهم تبعث على الحيرة في ذلك، ونظير هذه الحكايات نجد أعجب منها لدى أولئك الذين تأججت في نفوسهم جذوة طلب العلم؛ فهذا أبو ريحان البيروني العالم الرياضي والفيلسوف الكبير نراه وهو على فراش الموت يعيش لحظات عمره الأخيرة إذا به ينتهز وجود أحد الفقهاء الذين حضروا لعيادته فيثير مسألة فقهية بالرغم من وضعه الصحي المتدهور. وإذا بالفقيه يقول متعجباً: وهل هذا وقت للسؤال والبحث العلمي؟! ولكن البيروني يجيبه قائلاً: أن أعرف جواب هذه المسألة ثم أموت أفضل من أن أموت وأنا جاهل بها.

إن العلم والفكر هما غذاء الروح وإن على الإنسان الذي يفكر بتأمين طعامه وشرابه أن يفكر أيضاً بغذاء يشبع روحه، فهذا الاهتمام في جانب الجسم ينبغي أن يقابله اهتمام في جانب الروح حتى أن أحدهم يتساءل: لماذا لا يمد الناس أيديهم إلى الطعام في الظلام حتى يحضروا سراجاً يعينهم على تمييز ما يدخل إلى جوفهم، ولكنهم إذا جلسوا إلى مائدة الفكر لم يفكروا بسراج العقل ليبصروا ما يدخل رؤوسهم؟!

فكما أن الغذاء بعضه ينفع البدن وبعضه يضر، بعضه منشط وبعضه يبعث على الضعف، كذلك الفكر يختلف في قيمته العلمية ويتفاوت في مستواه، بعضه يقوي الروح وبعضه يضعفها، بعضه يبعث الأمل في النفس والآخر يبعث على اليأس والقنوط، بعضه شفاء وبعضه داء.

فالتعاليم الدينية ـ مثلاً ـ تبعث الأمل في النفوس وتجعل للحياة قيمة سامية وتدفع الإنسان إلى التفكير في مصير الآخرين، في حين أن هناك تعاليم تبعث اليأس في النفس وتشوه معنى الحياة في الروح باعتبار ان الوجود الإنساني هو مجرد عبث وأن الحياة لا معنى لها أبداً، وبالتالي تصنع إنساناً متشائماً ينظر إلى الحياة من وراء منظار أسود.
إننا نقرأ الحوادث اليومية التي تطالعنا بها الصحف، فنجد أخباراً مروعة عن انتحار بعض الشبان أو بعض حوادث القتل، وعندما نتمعن في حيثيات تلك القضايا نجد بعضها يعود إلى ملل من الحياة وشعور باليأس والقنوط، ولو بحثنا في جذور ذلك لوجدنا أن هناك بعض الكتب التي تتضمن أفكاراً خطرة تكرس اليأس في حياة الإنسان قد سممت أفكارهم ودفعتهم في طريق اليأس والجريمة والانحراف بعد أن قتلت في نفوسهم الأمل ودمرت في أرواحهم التفاؤل.

فلو أن أحداً تناول مرطبات مسمومة مثلاً لظهرت أعراض السم بعد لحظات أو ساعات، ولنقل فوراً إلى المستشفى لعلاج حالة التسمم هذه ولتعرض بائع المرطبات إلى ملاحقة القانون، ولكن الكثير يطالع الكتب المملوءة بالسموم الفكرية التي تشل الروح وتسممها دون أن ينبههم إلى ذلك أحد ودون أن يتدخل مسؤول لإيقاف خطر كهذا.
فمن يبيع أغذية مسمومة يتعرض إلى ملاحقة القانون لإيقافه عند حده، أما أولئك الذين يبيعون أفكاراً مسمومة خطرة تدمر العقل وتنشر السم في أعماق الروح فهم في منأىً من ذلك؛ وإنه لأمر عجيب حقاً! والأعجب من ذلك أن بعض تلك الأفكار المسمومة تختبئ وراء واجهة دينية أو تتخذ لها صبغة مذهبية، وفي هذا ما يضاعف خطرها مئات المرات.
إن تاريخنا ليزخر بالكثير من الأفكار المسمومة التي اتخذت لها أشكالاً دينية وأصبحت متداولة في أسواق الفكر دون أن ينتبه إلى زيفها أحد، فهل هناك من يصدق أن ما نراه اليوم من خمول وجمود وكسل هو نتاج تلك الأفكار؟!

لابد وأنكم سمعتم بأن القانون الإسلامي يحرم نشر وبيع ومطالعة كتب الضلال، وقد يبدو هذا الأمر عجيباً في نظر البعض، ولكن أليس هناك من تتسمم روحه بمثل هذه الكتب، وإذا كان البعض يعتبر ذلك منافاة للحرية فإن القليل من التأمل سيجعلهم لا يعتبرون ذلك الإجراء معقولاً فحسب بل وضرورياً.

إن كتب الضلال يعني تلك الكتب المنحرفة، وإذا كان هناك من يتساءل عن المقياس في ذلك، فالجواب هو من خلال الآثار التي يتركها الكتاب في روح القارئ، تماماً كما يترك الطعام أثره في الجسم، فالغذاء الفاسد يسبب انحرافاً في صحة الجسم، وكذا الفكر الفاسد يسبب هو الآخر انحرافاً في سلامة الروح. فالكتب التي تستهدف القضاء على العفة والخلق والإيمان هي كتب ضلال وانحراف، وهذا الأمر ينسحب على المحاضرة والفيلم، فهناك أحاديث مسمومة وهناك أفلام ضالة، وعلى المرء أن يتفحص في كل ذلك كما هو الحال في تخير الأطعمة المناسبة لجسمه وبدنه.
وعلى المسؤولين الالتفات إلى هذه المسألة وأن لا يحصروا اهتمامهم في صحة البدن، بل أن يهتموا ـ أيضاً ـ بصحة العقول وسلامة الأرواح. إن هذه المسؤولية هي في أعناق الجميع لأن المسلم أخو المسلم، وكل مسلم مسؤول عن مصير وسعادة أخيه، مسؤول عن مراقبة الأفكار التي ترد عقله وروحه1 .


--------------------------------------------------------------------------------

1-المواعظ واالحكم / الشهيد مطهري ص155_160.

شبكة المعارف الاسلامية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !