شيركو شاهين
sherkoo.shahin@yahoo.com
تتمنى الفتاة ان تكون في جمال بطلة الفلم، ويتمنى الشاب ان يكون وسيما مثل هذا البطل الذي يتمتع بعينين خضراوين وشعر اشقر، وهكذا قد يستغرق في التفكير ويتساءل كيف سيكون حالي وانا اتمتع بكل هذا الجمال او هذه الوسامة.
ولكن هل بحث احدهم عن نوع اخر من الجمال! جمال الروح ونقاء القلب، ان هذا الجمال الذي لايضاهيه اي جمال اخر، هو جمال الروح النابع من ضمير اكثر من حي، دائما ما يرى الجمال في كل من حوله، ويرى الداخل اكثر من رؤيته للظاهر.
ففي ذات كل واحد منا شيء من الجمال، فنحن مخلوقات في الاصل جمالية، تستشعر الجمال في كل ماحولها، من شعر (شكسبير) الذي يهز اوتار القلب، او من موسيقى (بيتهوفن) او (هاندل) التي مافتئت تداعب الحس والوجدان، وتنساب لتلامس مكنونات الذات، فالفنانون والرسامون والمعماريون الذي صنعوا الجمال وغيروا خريطة عالمهم بقوة تصورهم وروائع خيالهم، وفي كل زهرة جميلة تنبت فوق الصخور الشامخة.. او حتى على جوانب الفوهات البركانية، فالجمال اساسا من صنع الله وموطنه بساطة نفسك.. فهناك غذاؤه، ومأواه، فعلى قدر ما تشع نفسك وتصفو، يتسع شعورك بالجمال ويرقى، والجمال يزيد بكثير عن كونه مجرد ملامح جسمانية، ففي كثير من الاحيان نجد اولئك الذين لايروقون لنا في بادئ الامر ولانستحسنهم، يزدادون حسنا وجمالا حينما نتعرف عليهم.
فالشخصية واتجاه التفكير والحب والصفات الداخلية المميزة الاخرى لها اسلوبها الخاص في جعل الشخص الذي يبدو متواضع المظهر، جميلا في عينيك، فهو ليس وليد جسم، بل نتيجة اعمال جميلة..
والجمال الحقيقي يكره التبرج، ويجعل من الفضيلة محبوبة، فهو الحسن في الخلق والاخلاق، كما قال عنه (افلاطون)..!
ولن تكوني يوما من حوريات نمفيس، الهات الطبيعة التي كانت تصورها الاساطير القديمة على هيئة عذارى فاتنات يقمن في الجبال والغابات والمروج.
اذكر هنا قصة طالعتها منذ عقد من زمان، ولشدة تأثري بها استنجد بها في هذه الوقفة، تبدأ القصة عندما تحاور فتاة الصغيرة امها بالقول: كم انا معجبة بك يا أمي، فانت جميلة ولابد انك كنت اجمل نساء الدنيا في يوم من الايام، بل انك مازلت اجمل الجميلات،، لولا..
وصمتت الفتاة، لم تشأ ان تكمل حديثها. لكنها نظرت الى امها نظرة خاطفة، ثم اسرعت مولية نظرها بعيدا وراء الافق، حتى لاتلتقي عيناها بعيني امها.
فاستعلمت الأم بحنان: لولا ماذا ياجميلتي..؟!
وترقرقت دمعة حائرة في عين الفتاة وهي تقول لامها: لولا هذه الحروق التي شوهت يديك اللتين كانتا بالقطع جميلتين في يوم من الايام.
واضطربت الفتاة قليلا حينما لمحت شيئا من الدموع في عيني امها، في حين ابتسمت الام ابتسامة مترفعة، وقالت في صوت هادئ يتصنع عدم المبالاة، ويخفي وراءه الكثير من الالم: انني احمد الله من اجل هذه الحروق يا عصفورتي.
حين ذاك عمدت الام على تغير مجرى الحديث، فسألت ابنتها: كيف كان يومك؟
وهنا انخرطت الصغيرة في البكاء بعد شعور عال بتأنيب الضمير، وقالت: الان قد صرت على يقين من انك تخفين سراً، وانك تحاولين جاهدة تحويل فكري عن قصة ذلك الحريق المشؤوم، والذي اودى بجمال يديك، واظن انه ليس بمقدوري ان اتحمل المزيد من تجاهل هذا الشيء الذي يحيط به الغموض. فهل تسمحين برواية هذه الواقعة؟
واحتضنت الام ابنتها قائلة: وانت في المهد، نائمة كالملائكة، اندفعت التقطك من فراشك، ولا اعلم كيف استطعت ان انجو بك من موت محقق بين السنة النار الغاشمة! فكان هذا الثمن اليسير: هاتان اليدان المشوهتان، وانني كلما نظرت اليهما فانني احمد الله، لانني ارى فيهما حفاظي على جهك الجميل، ونضرتك وصباك وربيع ايامك ومستقبلك.
وامسكت الفتاة الصغيرة بكفي امها، واخذت تقبل اليدين المشوهتين قائلة: يا أمي انت اجمل نساء الدنيا من اجل هاتين اليدين.
ان الجمال الانساني شيء اكبر بكثير من كل ما في الكون من جمال، مهما بدا رائعا اخاذا، فمع ان الجمال الشكلي يمكن ادراكه بالحواس، الا ان الحواس الطبيعية لاتتجاوز هذا الشكل الظاهري، ولا تحبط بغير القشرة الخارجية التي قد لاتعبر عن مضمون الاشياء او محتواها، وعلى النقيض من ذلك، فكثيرا ما كانت رؤيتنا للجمال خادعة، بل ان بعض الحشرات اللاسعة تتحلى بألوان خلابة تثير الفضول وتجذب الابصار!
اما الجمال الحقيقي، فهو ذلك الجمال الذي ينبع من داخل النفس، ويشع من الوجه ولايستطيع الجسد ان يحتويه، اذ هو يفيض ويتألق خارج جدران النفس، فالاجساد بكل جمالها تبيد وتفنى، اما الجمال الحقيقي فهو هذا الجوهر الخالد، العلامة التي يرسم بها الله نفوس عارفيه.
فنقاء القلب والسريرة هو قمة الجمال وعلينا ان نحاول الحصول عليه، فاذا حصلنا عليه فسنتمتع بجمال لايوصف. وتبقى الى جانب هذا كله الفضيلة على رأس قمة الجمال وتاجه، وجمال بلا فضيلة كزهرة بلا عبير ونفس جميلة في جسد جميل، هي المثل الاعلى للجمال، كما قال (تولستروي).
نشر بتاريخ 24/7/2006
التعليقات (0)