مواضيع اليوم

الفضـائيـات العربيـة في الميـزان..

د.علي الجابري

2009-04-09 22:47:53

0

الفضـائيـات العربيـة في الميـزان

نظرة واقعيـة على دور الفضائيات في اعادة رسم المشهد الاعلامي العربي

د. عـلي الجـابـري

يقول الكاتب محمد حسنين هيكل في مقولة شهيرة "ليس هناك أعلام لوجه الله". كما لا يوجد أعلام خارج السيطرة بهذا الشكل أو ذاك. من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ظهرت كمكملات لمظاهر السيادة . إلا أن ما تبثه القنوات الفضائية العربية يشير إلى أغلب الدول العربية لا تمتلك حتى الآن رؤى استراتيجية لكيفية توظيف قنواتها الفضائية لخدمة سياساتها الخارجية ومصالحها الوطنية، بل أن الخطاب الإعلامي العربي لم يتكيف ويتواءم مع طبيعة التدفق الإعلامي في عصر الفضائيات. إلا أن ذلك ليس كل الصورة فقد أفرز التنوع في طبيعة القنوات الفضائية وبرامجها ولغاتها تصنيفات متعددة للجمهور العربي تسمح لها بتغطية الرقع الجغرافية الموجود فيها سواء كانت داخل المنطقة العربية أو خارجها. كما أن بعضها استطاعت أن تؤكد وجودها من خلال حجم المشاهدة التي تحظى بها، ولعل من يتابع بعض المحطات المذكورة يلمس أن محتويات ومضامين برامجها يميل إلى جعل الخطاب الإعلامي العربي خطاباً منفتحاً يأخذ بالمعطيات الحضارية على مختلف مواقعها الجغرافية والتاريخية، فهي تحاول أن تعكس تباين البنيات الثقافية للمجتمعات العربية، من خلال إبراز المعايير والقيم التي تظهر التباينات المنعشة للذات والهوية العربيتين.
وأبرزت الحرب على العراق 2003 وما تبعها من احداث عربية كبرى معادلة إعلامية جديدة لعب الإعلام العربي المرئي فيها دوراً ليس بالهين، فقد أصبحت الفضائيات العربية تعمل بشكل مستقل عن المصادر الإعلامية العالمية ، وصار للفضائيات العربية مراسلون في الخطوط الأمامية للحرب جعلها تستقصي المعلومات من أرض الحدث عوضاً عن تلقيها من مصدر خارجي وإعادة صهرها، وصار الإعلام العربي المرئي خلال الحرب مصدراً مهماً للأخبار مما أكسبه صبغة ليست إقليمية فقط بل عالمية أيضاً. على عكس التغطية الإعلامية لحرب الخليج الثانية عام 1991 والتي احتكرت فيها شبكة (CNN) الأمريكية المشهد الإعلامي ونجحت لوحدها في مراقبة الصورة المتدفقة من أرض المعركة وهي وحدها كان لها مراسل حربي في بغداد وهو (بيترارنت).
ويعتقد أنه ولأول مرة تفوق الإعلام الفضائي العربي على نظيره الغربي وبخاصة الأمريكي خلال حرب العراق 2003 ويعود ذلك الى أن الإعلاميين الأمريكيين اختاروا منذ البداية فريقهم، فتحولوا إلى طرف فاقد لكل حيادية وموضوعية، وقد صرحت بعض القيادات الإعلامية الأمريكية أنها تختار هذه المرة الوطنية على المهنية والحرفية. كما أنهم وفي مفارقة عجيبة تحولوا في لحظة إلى أعلام دعائي سياسي، واختاروا أسوأ ما في إعلامنا العربي الرسمي وهو (البروباغندا) السياسية القائمة على إخفاء الحقيقة والتعتيم عليها، في الوقت الذي كانت الفضائيات العربية تعطي حق جميع الأطراف في تقديم المعلومة والرأي. بالاضافة الى اعتماد أكبر الشبكات التلفزيونية الأمريكية على الصور الخاصة بالقنوات العربية، وهو ما يعني فقدانها لرهان السبق الصحفي. واثبت أن الإعلام العربي وخلافاً -لكل ما يقال- قادر فعلاً على البروز والتألق والتفوق على نظيره الغربي إذا ما توفرت له عناصر القوة والموضوعية.
من هنا يمكن القول أن الفضائيات العربية ليست حزمة واحدة، وتتفاوت في قدرتها المالية والتقنية والبشرية وفرصها المتاحة، لكن التفاوت الأهم يكمن في من يتحكم بالقنوات الفضائية (حكومات ومستثمرين ورجال أعمال). إذ لا يمكن النظر إلى الفضائيات العربية بمعزل عن جهة تمويلها أو اتجاهات العاملين فيها داخل المحطة الواحدة حتى وإن كان تدعي الاستقلالية.

إنجازات القنوات الفضائية العربية :
على الرغم من الرأي القائل بأن القنوات الفضائية العربية ما زالت في مرحلة بناء الذات، وهي في مرحلة مخاض قد تكون نهايتها تحمل الكثير للإعلام المرئي العربي ، وتؤسس لعهد جديد في إعلام حر وقوي قادر على أن يضع قدمه بقوة بين الفضائيات العالمية ، إلا أنها خلال أقل من عقدين استطاعت أن تحرك رياح الحرية في المشهد السياسي العربي وحققت بعضها إنجازات وقفزات هائلة جعلها موضع احترام المشاهد العربي، بل وأن بعضها أغضبت حكومات ودول كبرى، على أثر ما حققته من مستوى وتأثير في المجتمع العربي.
فقد حققت الفضائيات العربية منذ انطلاقتها الكثير من الإنجازات والتأثيرات الإيجابية ، واستطاعت أن تستثمر التقانه البصرية وتوظفها بشكل جيد، وبات المشاهد العربي يجد ذاته فيها بحكم تنوعها وتعدديتها. كما اسهمت القنوات الفضائية العربية الخاصة أن تكون منافساً قوياً للفضائيات الحكومية وهو ما دفعها إلى الانفتاح وأشاعة أجواء من الحرية والديمقراطية فيما تبثه من أخبار وبرامج. ما اتاح للمواطن العربي فرصة الاختيار وانتقاء ما يعتقدها تلبي رغباته وطموحاته، فتعددية القنوات العربية واختلاف أهدافها وتوجهاتها وضعت المشاهد العربي في حالة من الحرية التي لم يعهدها قبل ذلك، وخولته عبر (الريمونت كونترول) الذي يحمله بيده أن ينتقل بين الفضائيات، ليقف عند الفضائية التي يقر ويؤمن بصدقيتها ومهنيتها وقدرتها على نقل الحقيقة والتعرض لمشاكله.. وساعدت الفضائيات العربية المواطن العربي على التحرر من سلطة الإذاعات الأجنبية كإذاعة لندن وصوت أمريكا، وصار يثق بالأخبار التي تبثها الفضائيات العربية التي غالباً ما كانت تتواجد في قلب الأحداث وتنقل ما يجري بالصوت والصورة.
ومن النقاط الايجابية التي يمكن تاشيرها هو ان العديد من القنوات العربية -وخاصة الخليجية منها – اهتمت بتنوع جنسيات العاملين فيها من مختلف البلدان العربية وهو ما ولد شعوراً لدى المشاهد بأنها قنوات غزيرة بالقدرات والكفاءات وتنوع جنسيات العاملين فيها يمكن أن يقود أيضاً إلى تنوع اهتمامها في القضايا العربية.
ويرى الكثير من الإعلاميين العرب أن القنوات الفضائية العربية تمكنت من ملامسة نبض الأمة وهمومها وآمالها وتطلعاتها في الكثير من تغطياتها للأحداث، مع أن البعض يرى في ذلك سلبية، لأن الفضائيات بذلك تقدم الحدث كما تريده هي وليس كما هو.
وفي كل الاحوال فقد تمكنت القنوات الفضائية العربية -السياسية الإخبارية منها- من تغطية أهم الأحداث الدولية، واستطاعت قناتا الجزيرة والعربية أن تتفوق على القنوات الفضائية الأمريكية والغربية في أحداث أفغانستان والعراق وفلسطين ، مما أجبر الإعلام العالمي على اعتمادها مصدراً أساسياً للخبر والصورة. مع أن هذه الحالة تتفاوت بين فضائية وأخرى، بعضها كان حاضراً ميدانياً في قلب الأحداث وبعضها بعيداً.
توازن الرعب الاعلامي
يعتقد أن الفضائيات العربية استطاعت أن تحقق ما يمكن أن يطلق عليه (توازن الرعب الإعلامي) مع البث الفضائي الغربي الذي يمكن أن يهدد وجود المواطن العربي. كما أسهمت الفضائيات العربية في تحقيق نوع من الترابط الفكري والحضاري بين الشعوب العربية وبعضها البعض، بالإضافة إلى الرسالة التنويرية والنوعية بكافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية وتنشيط حوار الحضارات لدعم الهوية العربية في مواجهة محاولات طمس الهوية.
اما في الجانب الاقتصادي فقد نجحت الفضائيات العربية في أداء دور اقتصادي مهم يتمثل في الإعلان والتسويق لمنتجات الدول العربية على مستوى الوطن العربي كله، ومن ثم الخروج من السوق المحلي الضيق إلى السوق العربي الكبير وقد يتعداه إلى أسواق دول أخرى غير عربية.
المؤاخذات على الفضائيات العربية :
ولكي لا نفرط في التفاؤل كثيرا فان ثمة العديد من المؤاخذات أو السلبيات التي طغت على بعض القنوات العربية ويمكن ان يكون لها تأثيراً سلبياً على الإعلام الفضائي العربي ما لم يتم تداركها ووضع علاج مناسب لها خلال المراحل القادمة التي ينبغي أن تتزايد فيها مقدرة الإعلام الفضائي, وتترسخ تجربته بما يجعله اكثر قدرة ومصداقية ..ومن أبرز تلك المؤاخذات في الجانب السياسي - مثلا- هي ان اغلب الفضائيات لاتتعامل مع القضايا القومية إنطلاقاً من منظور ملتزم بهذه القضايا، بل أن منظورها قطري تطغى عليه التبعية، فضلا عن قيام بعضها بممارسة النقد ضد بعض النظم العربية ,بمعنى تركيزها على جهات معينة دون غيرها وإهمال جهات أخرى بشكل يثير الشكوك والريبة .. وهناك من يعتقد إن مايقال عن حرية الرأي والرأي الأخر في أغلب القنوات الفضائية ليس حقيقياً تماماً ، وكثيراً مايخضع ذلك إلى السياسات المعلنة او الخفية التي تستجيب لرغبات الدول او المؤسسات اوالشخصيات الممولة..فالفضائيات العربية تخضع إلى كل أنواع الرقابات الحكومية والذاتية والأجنبية.. وضغوط الرقابة الأجنبية هي الأخطر. ويكمن بعض أهم الحلول لتخطي الرقابة تلك في الإعتماد على العامل المهني ،أي الإعتماد على الصورة .رغم أن الصورة ليست كافية تماماً في بعض الحالات لمنع التدخلات الأجنبية , فالإدارة الأمريكية أعترضت وشنت حملة كبرى على قناة الجزيرة لأنها تبث صور القتلى الأمريكان خلال الحرب على العراق 2003 واعتبرتها مخالفة للقوانين الدولية .. ومع إن العديد من الفضائيات نجحت في تغطية القضايا العربية الحساسة، الا انها لم تتمكن من فعل الشيء نفسه فيما يخص القضايا والأحداث التي تتعلق بالدولة التي تدعم أو تمول أوتنطلق منها القناة .
المحسوبية وغياب المهنية
وبالحديث عن السلبيات لا يمكن اغفال حقيقة ان العديد من الفضائيات العربية مازالت بعيدة عن العمل المؤسساتي وتخضع للمجاملات والتأثيرات التي يمكن أن يقوم بها أي مسؤول أعلامي يدير العمل فيها ,على عكس المحطات العالمية المعروفة كهيئة الإذاعة البريطانية التي لها أنظمتها ودستورها الخاص الذي يجب العمل في ضوئه مهما تغيرت الظروف واستبدلت الوجوه. كما ان اغلبها تخضع لإعتبارات العلاقات الشخصية والمزاجية في التوظيف ,إذ ليست هناك أسس وقواعد ثابتة لأن تقاليد العمل غائبة عن تلك الفضائيات . فضلا عن تكالب بعضها على (خطف) الكوادر الناجحة والمعروفة في القنوات الأخرى وعزوف أغلبها عن تدريب وإكتشاف كوادر جديدة .
ومن المؤاخذات الاخرى على الفضائيات العربية وخاصة الحكومية منها انها لاتفرق بين بثها الفضائي الذي يصل إلى أغلب دول العالم وبين البث الذي يستهدف الجمهور المحلي . فالبرامج التي تعرض على المحطات الأرضية هي ذاتها التي تقدم على شاشة الفضائيات وذلك سببه قيام الحكومات العربية بتحويل تلفزيوناتها المحلية الى فضائية دون تخطيط أو إدراك للفرق بين الجمهور المستهدف محلياً أو دولياً . بينما يغلب على بعضها الاخر ميولها الى التسطيح والإثارة وغياب الحوار الهادف, ويغلب عليها السباب والشتائم وتبادل الإتهامات وتصفية الحسابات وتركيزها في الدرجة الاولى على الترفيه. كما انها تعتمد في الغالب على الإنتاج الأجنبي للبرامج ولاتقدم على خوض تجربة الإنتاج برغم أنها تمتلك أحدث الوسائل والتقنيات التي تمكنها من ذلك.

 


اكاديمي ومقدم للبرامج السياسية في تلفزيون ابوظبي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات