كان لطغيان الصورة على الكلمة المكتوبة أثراً كبيراً فى إزدياد الأدوات والوسائل التى يستخدمها القادة ورجال الدين للتأثير فى المجتمعات ونشر الأفكار والمعتقدات والقيم الذين يريدون لها الأنتشار فى عقول الناس حتى تكون قيادة المجتمع سهلة وسلسة ، وتأسست فى العالم العربى مشاريع قنوات فضائية كثيرة كل واحدة منها لها أهدافها وأيديولوجياتها التى تسعى لتحقيقها ومن أجل ذلك تدخل فى صراع مع غيرها من القنوات حسب مجالها وأختصاصها.
مما لا شك فيه أن الأنفتاح الفضائى فتح أفاقاً وبدائل جديدة أمام المواطن أستطاع من خلالها الإنفتاح على عالم جديد كان مختفياً عن عيونه ، عالم حديث بكل معنى الكلمة يختلف كلياً عن حالة الغيبوبة التى فرضها على نفسه خوفاً من الغزو الإباحى الأجنبى وهى مشكلة المشاكل عند كل فرد يعيش فى هذه المنطقة .
بدون أن يدرى المواطن العربى وجد نفسه أمام إعلام فضائى متميز بالمهنية فاقد للموضوعية ، وبدأ يطفو على الساحة الإعلامية بوادر إتهامات لبعض الفضائيات بأنها تحرض على العنف والأرهاب أو أنها على علاقة بالجماعات الأصولية أو أن هذه القناة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية إذن هى قناة عميلة ، وقنوات أخرى أتهموها بأنها وراء الفساد والإباحية التى تنشر الإنحلال الأخلاقى فى المجتمع العربى وأن وراء تلك القنوات من يسعى لتخريب القيم الدينية لأبناء العرب المختارين .
الإعلام الفضائى له دوراً بارزاً فى عصرنا الحاضر خاصة وأن الأنفتاح الإعلامى كان لا بد منه رغم تدخل الأنظمة العربية فى سياسات تلك الفضائيات وخاصة الإخبارية حيث تعمل الحكومات على إظهار ما يتفق وأهدافها السياسية من خلال إطلاقها لبعض القنوات الفضائية التى تتميز بطابع عالى المهنية ليحققوا من خلالها أجندات خفية سبق إعدادها وكأنهم فى ساحة مواجهة حربية .
المشكلة التى تواجه تقييم دور الفضائيات هى أنها فضائيات ناطقة باللغة العربية والقائمين عليها عرب أى أنهم لا يستطيعون بفطرتهم العربية الإلتزام بالحياد فى مناقشاتهم أو حواراتهم التى لا تعرف معنى الديمقراطية إلا صورة الكلمة ذاتها ، من هنا يمكننا القول بثقة أن الفضائيات العربية لا تشجع الرأى والرأى الآخر أو تقديم حوار يلتزم بالأخلاق والأداب الحسنة ، فهذه الأشياء تنقص حواراتنا التى تقوم فى الغالب على العصبية القبلية .
لذلك نجد أن الدور الإعلامى الثقافى الذى تقوم به تلك الفضائيات لا يساهم فى خلق ونشر القيم الإنسانية التى يحترم فيها الرأى والرأى الآخر ولا تعمل على ترسيخ أهمية الحصول على حقوق كل إنسان أو أعتبار الحرية قيمة إنسانية يجب أن يتمتع بها الجميع دون الوقوع فى التعصب والتمييز الذى يلغى الآخر لأنه أقلية تنتقص حريته وحقوقه فى المجتمع الذى يعيش فيه وسط الأغلبية المسيطرة والتى تحاول بأستمرار قمع أى صوت يطالب بنيل تلك الأقلية بحرياتها ومساواتها للأغلبية .
من السهل جداً أن نلاحظ تعبيرات وجه المواطن العربى وهو يتابع القنوات الإخبارية سواء برامجها الحوارية أو نشرات الاخبار حيث نلاحظ التوتر والتجهم والأنفعال الزائد وما يصدر من لسانه من شتائم ولعنات يوجهها إلى ضيوف البرامج أو إلى دولة من دول العالم أو حكامها الذى لا تعجبه سياساتها ، وذلك نابع من الشحن العاطفى الذى يطغى على طريقة تقديم الأخبار والصور المرافقة لها وكذلك الشحن العاطفى العنصرى الذى ينتشر فى البرامج الحوارية .
إذن الدور تقدمه الفضائيات لتوعية المشاهدين بل دورها الأخطر هو أنها تعمل على تخريب عقول المشاهدين لصالح أهداف النظام أو المؤسسات والجماعات الأيديولوجية التابعة لها ، ورغم ذلك لم نجد المثقفين أو الإعلاميين الجادين الذين يتصدون إلى التأثير السلبى والدور الهدام الذى تقوم به الكثير من تلك الفضائيات العربية .
هنا تقع المسؤلية على كل فرد فى أن يفهم أن تلك الفضائيات تبرز ثقافة تجارية إستهلاكية الهدف منها تحويل أهتمامه من القضايا الحيوية إلى قضايا غير جدية تثير الأنقسامات والفتن فى المجتمعات الأمية وتشغل فكر المواطن بالموضوعات التافهة التى لا نفع منها يعود عليه إلا التبلد الفكرى ولحظات الإندهاش والإثارة العاطفية ورجوعه إلى الوراء حيث ثقافة التخلف والتعصب ، وتلك من سمات الشخصية العربية التى تتحدث كثيراً لكنها تنتج قليلاً .
إذن بدون ديمقراطية وبدون حرية وبدون إحترام الآخر وبدون ترسيخ القيم والآداب الإنسانية لن يكون هناك إعلام فضائى قادر أن يخدم المواطن ويخلصه من المأزق الذى يتجاهله الكثيرون وهو غياب الحرية التى تقوم عليها كل الإصلاحات والتغييرات المراد إحداثها فعلياً فى عقول البشر المستسلمين لسلطة البشر الدكتاتورية .
التعليقات (0)