مواضيع اليوم

الفساد و الشفافية

إدريس ولد القابلة

2009-08-24 03:30:44

0

إن الشفافية تعتبر عاملا مهما للتخفيف من نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة مع المسؤولين. والتصدي للفساد يتطلب أول ما يتطلبه درجة عالية من الشفافية، لاسيما وأن الجميع أضحى ينظر إلى الرشوة والفساد على أنهما من الأعمال والممارسات الخطيرة التي تهدد مصالح الأجيال القادمة.

 

..هل نحن مستعدون فعلا للشفافية ؟


الشفافية هي الوعلى مختلفليط الضوء على مختلف الجوانب، لاسيما جوانب القصور في الأداء السياسي. وفي هذا الصدد تلعب الشفافية دورا بارزا ما دامت القيادة السياسية من أهم عناصر التنمية شريطة الإقرار بالمساءلة وممارستها. وإهمال هذا الجانب من شأنه أن يبعث حالة اليأس والإحباط في نفوس المواطنين. وهذا ما هو واقع عندنا حاليا بامتياز.


وتعد الشفافية المسألة المحورية في عملية التنمية، وهي لا تشترط فقط الإشراف والمساءلة حول النفقات العامة فحسب. وإنما تفترض كذلك ضمان والحرص على عقلانية هذه النفقات قصد الحد من هدر المال العام والثروات الوطنية.


ففي غياب الشفافية يتعذر على الحكومة والدولة عموما تحقيق أي تقدم، لاسيما تلك الشفافية المتصلة بالمحاسبة الصارمة. ولقد أثبتت التجربة في عدة دول أن التمسك بالشفافية يقلل من وقوع الأزمات الاقتصادية، وإنها تساعد بدرجة كبيرة على معالجة القضايا عند وقوعها وقبل استفحالها واتساع مداها.
ويظل الفساد هو العدو الرئيسي للشفافية، ما دامت الشفافية تستوجب الحرص الشديد على تطبيق القانون واحترامه لكي تبلغ أبعادها وتحقق الأهداف المعلقة عليها. ولعل من شروط سيادة الشفافية قيام شراكة حقيقية بين الحكومة ومختلف مؤسسات المجتمع المدني. شراكة تستهدف بالأساس المساهمة الفعالة في إنضاج الرأي العام لمقاومة الفساد وتكريس رفض ممارسته عبر تقوية وتعزيز ثقافة الانتماء للوطن والالتزام بقضاياه. وفي هذا الصدد علينا نحن المغاربة جميعا أن نعمل بصدق ونناضل من أجل الكشف عن الحقيقة كسبيل لتكريس الوضوح والتعرية على كل ما من شأنه عرقلة الإقرار بالشفافية لمحاصرة مساحات الفساد والتقليل من عدد أنصاره ومرتكبيه.


ومن الشفافية سرعة البث في القضايا والمحاسبة على طبيعة السلطة التشريعية وفاعليتها والتصدي للمتورطين ضمنها في قضايا الفساد حتى لا يكون منهكوالقانون يساهمون في تشريع القوانين.
ومن الشفافية كذلك التصدي إلى ما تعاني منه السلطة القضائية من ضغوط كبار المسؤولين المتدخلين من أجل التستر عن مرتكبي الفساد ومنتهكي القانون، هؤلاء الذي يفلتون في واضحة النهار من قبضة العدالة ويتمادون في ممارساتهم المنتهكة للقانون ما دام في إمكانهم تحريك سلطة القانون كيفما يريدون ومتى يشاءون وكيفما يشاءون. وفي هذا الإطار تبرز تساؤلات عريضة ما هي العلاقة بين الشفافية والسلطة؟ وهل في حالة اختفاء الشفافية وتراخي المحاسبة يسشتري الفساد؟ وهل الفساد هو نتيجة حتمية لغياب الشفافية ؟


ومهما يكن من أمر، فإن الشفافية تعني أولا وقبل كل شيء تدفق المعلومات وعلانية تداولها عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارها هي التي تساهم في تسهيل مأمورية صد مختلف أشكال الفساد وتوفير تواصل المواطنين بصانعي القرارات والقائمين على الأمور لتحفيزهم على تطويق ومحاصرة الفساد واجتثات جذوره.


وبهذا المنظور يبدو بجلاء أن غياب الشفافية واختفائها يساهمان في تعذر قياس حجم الفساد وتثمين انعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإجمالية سواء الآنية منها أو المستقبلية. فمما لاشك فيه أن حجب المعلومات تسبب في التستر على الفساد ومرتكبيه في وقت يفترض فضحه بمختلف الأشكال والأساليب والوسائل. إن محاربة الفساد عندنا تستوجب أول ما تستوجبه وضع كل شيء على الطاولة من أجل الكشف عن الحقيقة ما دامت الشفافية ستساهم عندنا في تمكين ممارسة الديموقراطية على النحو الصائب والسليم.


ولقد تأكد الجميع الآن أن الفساد المستشري في مجتمعنا هو ثمرة لغياب الشفافية المالية وضعف تكريس الإحساس بالمسؤولية. وإن غيابها ساهم إلى حد كبير في هدر المال العام والثروات الوطنية على امتداد أكثر من 4 عقود خلت وتبديدها. علاوة على أن غيابها ساهم في تعزيز اهتزاز ثقة المواطنين بدولتهم التي تجافي في اعتقادهم الراسخ لعدالة توزيع الثروات. وهذا من شأنه أراد من أراد وكره من كره أن يؤدي طال الزمن أو قصر إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، فإذا كانت الشفافية تعتبر من الشروط الرئيسية لتحقيق التنمية بوصفها إحدى الوسائل لمكافحة الفساد. فإنها لازالت غير متوفرة عندنا نظرا لصعوبة الحصول على المعطيات والمعلومات لمتعلقة بظاهرة الفساد. أما المساءلة فلازالت تصطدم عندنا باحتكار القوة من طرف من يستحوذون على السلطة ويتحصنون بأموالهم ليتحولوا إلى قوة ضاغطة تحقق مكتسبات بطرق غير شرعية.


فهل والحالة هذه، نحن مستعدون فعلا لتكريس الشفافية قصد التصدي بجدية للفساد ؟؟؟

هل حقا نتوخى الشفافية ؟!


هناك ثروات متراكمة بين بعض الأيادي لا تكاد تبين من قلتها. وأصحاب هذه الأيادي يخشون نظرة المغاربة إليهم ومعاينتهم اليومية لتكدس ثرواتهم، كما يحسبون ألف حساب لي مطالبة بالمراقبة من أي نوع كانت، حتى تلك المراقبة المرتبطة بسيادة الأمة أو السيادة الشعبية. كما يمقتون أشد المقت كل حديث عن اللجن البرلمانية للتقصي...لاسيما منذ انفجار فضائح القرض العقاري والسياحي...لكنهم يجهلون حقيقة الحقائق وهي أن الشعب من حقه أن يعرف في أين استعملت وصرفت ووظفت الثروات الوطنية ؟ وما هو مال ما يؤديه المواطنون من ضرائب ؟


كما من حق الشعب المغربي أن يعرف لماذا مستشفياته وطرقه ومدارسه ومؤسساته ومرافقه العمومية في وضعية لا يمكن الرضا عنها، في وقت يعاين فيه تناسل الإقامات الفاخرة " آخر تقليعة" والبنايات الفاهرة " آخر صيحة" والمركبات السكنية الخاصة المحروسة والحسابات البنكية المملوءة والسندات والأسهم المتراكمة ونمط ومستوى عيش الأقلية القليلة والذي قد يصل إلى درجة لا يمكن تصورها من طرف المواطن المغربي حتى في الحلم.


بطبيعة الحال هناك أناس جدوا واجتهدوا وكونوا ثروة بعرق جبينهم وبعملهم وكدهم ومثابرتهم، هؤلاء لا يجب أن يؤذوا الثمن مكان أولئك الذين يخشون المحاسبة والشفافية والوضوح. فالأوائل لا يخشون، باسم المواطنة ولإبعاد أي شك، الإعلان والتصريح عن ثرواتهم ومداخيلهم وتاريخ تكوينها ونموها. أما الآخرون فلا يريدون الحديث عن هذا الأمر قطعا، وهنا تتناسل التساؤلات.


لماذا لا يتم هذا مرة واحدة وتتضح الأمور ويظهر الصالح من الطالح عوض انتظار انكشاف فضيحة هنا وأخرى هناك، وعوض الارتعاش في كل مطالبة بالمراقبة أو التقصي ؟


يجب قراءة صفحة الماضي قبل طيها، و إلا ستظل الشكوك قائمة، وستظل متربصة وكلما سنحت الفرصة ستبرز المطالبة. بالتقصي هنا أو هناك. وستظهر تصريحات هنا أو هناك أو سيكتشف وثائق هنا أو هناك، لاسيما وأن هذا الماضي في المجال المالي، على وجه التحديد، هو الذي يعتقد الكثيرون أنه دمر البلاد ورهن حاضرها ومستقبلها.


إن أقدم حزب بالبلاد، ومع مختلف الحركات الاشتراكية والتقدمية التي عرفت النور تحت شمس المغرب، طالب بشكل أو بآخر بتطبيق شعار:" من أين لك بهذا "؟ إلا أن " اللوبيات الثرواتية " لم تبخل بأي جهد ومجهود لجعل هذا الشعار يكسوه الغبار على الرف منذ أزيد من أربعة عقود خلت.
ألم يحن الوقت للرجوع إلى هذا الشعار ؟

المساءلة والشفافية وحق المواطن في المعلومات


المساءلة والشفافية مفهومان مرتبطان أشد الارتباط بحقوق الإنسان الأساسية، لاسيما الحق في الإعلام والإطلاع. وهذا الحق الأخير هو واقع الأمر يعتبر آلية محددة وعملية متماسكة تسوق في نهاية المطاف إلى المساءلة.


فمن حق المواطن أن يتوفر على معلومات كافية حول المعاملات والإجراءات والمساطر المرتبطة بمصالحه. و أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق وكرسته وإن لم تعينه بكل وضوح، إذ نصت على ما يلي:" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية تبني واعتناق الآراء دون أي تدخل واستفاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة دون التقيد بالحدود الجغرافية". كما أن هذه المادة 19 أعيد دمجها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكأن هذه المادة أضحت مرادفا لحرية المعلومات. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك منظمة تنشط على الصعيد الدولي وتصدر تقارير منتظمة في هذا المجال، حيث نصبت نفسها للدفاع على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي طلب المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة يختارها. كما أنه في سنة 1993 أحدثت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المقرر الخاص حول حرية الرأي والتعبير، جاء فيه " أن حق طلب المعلومات والحصول عليها وبثها يفرض على الدول موجب تأمين الوصول إلى المعلومات".


وقد تطرقت دساتير جملة من الدول إلى هذا الحق، إلا أن الملفت للنظر هو التحول الخطير الحاصل في الولايات المتحدة التي كانت تكرس حق الإطلاع بموجب ما يسمى بقانون حرية المعلومات، إذ بعد أحداث 11 سبتمبر جرى تجميد الجزء الكبير من مقتضيات وأحكام هذا القانون إذ سقطت الحرية أمام الأمن، وهذا كذلك ما انسحب على جملة من الدول الأخرى عبر التذرع بالأمن للتضييق على الحرية.
وقد نصت الدساتير المغربية على حرية التعبير والرأي ومستلزماتها، اعتبارا لكون المقدمة أو الديباجة لها هي كذلك قيمة دستورية شأن سائر مواد الدستور.


لكن كيف يتعاطى المواطن العادي مع المعلومات ؟ وكيف يمكنه أن يمارس حقه في الإطلاع وذلك تأمينا وضمانا للمساءلة والشفافية ؟ ففي الحالات الخاصة، حيث أن الموضوع يرتبط بأفراد أو بمصالح خاصة ومعينة من الواضح أن حق الإطلاع يظل محصورا على ذوي الحقوق وأصحاب العلاقة، وهذا أمر يعتبر مشروعا لحماية الحياة الخاصة والشخصية.


أما على مستوى الحياة العامة، فلابد من الإشارة إلى الحالات التي تختلف من إدارة إلى أخرى. وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد أهمية إلزامية هيئات الرقابة بنشر تقاريرها الدورية واتساع تداولها. وفي هذا المجال تلعب وسائل الإعلام دورا حيويا باعتبار أن المواطن العادي قد لا ينتبه إلى ما يعتور سلوك الإدارة أو القائمين عليها من أخطاء أو مخالفات أو تجاوزات.


وفي هذا المجال لا مناص من الإشارة أنه إذا كان السبب والقذف ممنوعا قانونيا، فإنه إذا كان المعني بالأمر موظفا رسميا حاز للصحفي أو غيره قذفه شريطة الإثبات لأن للإعلام عموما والصحافة على وجه الخصوص دور في مراقبة عمل الإدارة.


كما أن المجتمع المدني يلعب من خلال تنظيماته ومكوناته دورا مهما في تعميم الثقافة الحقوقية بهدف المساهمة في تكريس وتفعيل حق المواطن على الإطلاع على ما يهمه ويرتبط بمصالحه.
إلا أن هذا الحق في الإطلاع والمعلومات لابد له من آليات تقرها تشريعات خاصة.

حق حيازة المعلومات والشفافية

من بين حقوق الشعب حقه في حيازة المعلومات التي تمتلكها السلطات، وهذا حق يدخل في إطار حرية حيازة المعلومات، وهو حق إنساني أساسي. وقد تأكدت أهمية هذا الحق لكون أن التدابير القانونية أضحت غير كافية لتأمين ممارسة هذا الحق وبالتالي أصبح من الضروري سن قوانين خاصة بهذا الحق بالذات.


هناك قوانين تشير بشكل أو بآخر، إلى حرية حيازة المعلومات إلا أنها تتضمن استثناءات قلصت إلى درجة كبيرة جدا من التمتع بهذا الحق وهذه الحرية. ولعل من أبرز عوامل تقليصها اعتبار الهاجس الأمني بشكل يتجاوز الحدود المقبولة. علاوة على تكريس طابع السرية لأتفه الأسباب. وكثرة هذه الاستثناءات تصل في نهاية المطاف إلى تقويض القانون . ولعل القاعدة الأنسب الواجب إتباعها في هذا الصدد هي أن مختلف الاستثناءات يجب أن تخضع لمصالح الشعب بكامله. لأن كشفها يكون أفيد وأقل من التستر عليها.


فمثلا عندما تكون معلومات شخصية متعلقة بموظف أو مسؤول سام بالدولة تكشف عن الفساد، فهذا الكشف يصبح ضروريا حتى ولو كان يدخل ضمن دائرة الاستثناءات.
ومهما يكن من أمر فإن تكريس حرية حيازة المعلومات يعتبر من أنجع السبل فإخضاع القائمين على الأمور للتدقيق العام، وهذه من أعلى درجات الشفافية التي أضحى يتوخاه الجميع في مختلف الميادين.
وهناك أكثر من هيئة ومن جهاز يستثنى من الكشف عن المعلومات من ضمنها كل المؤسسات المرتبطة بالأمن، كالجيش والاستخبارات وبعض المؤسسات الرسمية الأخرى رغم أنه لا تمت بصلة بالأمن القومي. في وقت تظل فيه القاعدة هي أن جميع الهيئات الرسمية عليها الالتزام بكشف المعلومات ما لم يكن هناك ما يخالف ذلك قانونا، وذلك لتكريس سيادة الشفافية. إلا أنه وفي أحيان كثيرة لا يوجد مبرر معقول لحفظ جملة من المعلومات بشكل سري.


وهناك إشكالية أخرى تستوجبها ممارسة حق حيازة المعلومات وهي المتعلقة برفض الكشف على المعلومات من طرف الموظفين، خاصة في حالة إخفاء الفساد أو تصرفات خاطئة. ففي بعض الحالات يسمح القانون الجاري به العمل اللجوء إلى المحاكم الإدارية في هذا الصدد، إلا أن هذا المنحى لا يمكنه أن يسفر عن نتائج مرضية إلا في حالة سيادة استقلال القضاء وتمتع المنظومة القضائية بالقوة اللازمة.


ففي اليابان مثلا هناك قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يمكن المواطن الياباني من اللجوء إلى مجلس كشف المعلومات في حالة إخفاء الإدارة معلومات يطلبها أو في حالة رفضها عن الكشف عنها. وهذه الممارسة مكنت من الكشف عن حالات عديدة من الفساد.


ويعتبر جملة من المحللين أن قوانين إفشاء المعلومات يساعد المواطنين وهيئات المجتمع المدني على كشف الفساد، لاسيما وأن الإدارة عموما تملك سلطات استثنائية واسعة النطاق بشأن المعلومات الواجب الكشف عنها والتي لا يمكنها ذلك.


ومما جعل الإشكالية معقدة عدم وجود معايير واضحة تساهم في تكريس التمتع بحق حيازة المعلومات في وقت ينادي في الجميع بضرورة سيادة الشفافية.

 

الشفافية والمساءلة من ركائز الديمقراطية


الشفافية والفساد مصطلحات متنافران، إلا أنهما مترابطان لأنه لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الحديث عن الآخر، رغم أن علاقتهما عكسية ما دام وجود إحداهما ينفي، أو على الأقل يقلل من فرص وجود الآخر.


ولا يخفى على أحد أنه بوجود وتكريس الديمقراطية فإنه تتوفر الفرصة المناسبة لممارسة الشفافية وتنفتح السبل والأبواب أمام المساءلة والمحاسبة.


والمساءلة والمحاسبة بدورهما تعززان وتطوران تكريس الديمقراطية وتقويان قواعدها ولبناتها. وفي المقابل في مناخ لا توجد فيه إمكانية توفر الشفافية يسود فيه الظلام وتنعدم فيه المساءلة والمحاسبة، وبذلك ينتشر الفساد الذي يقود إلى تدهور أوضاع المجتمع على مختلف الأصعدة، لاسيما انتشار الفقر وتزايده، وتراجع الاقتصاد، وهذا وضع يكرس التعسف تجاه المواطنين وكأن على الفئات الضعيفة أن تتحمل لوحدها دفع فاتورة الفساد والاختلالات والانحرافات على حرمانها حتى من أبسط شروط الحياة الكريمة.


تعتبر الشفافية والمساءلة من أهم الركائز والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. وهما مفهومان مرتبطان ارتباطا عضويا، لاسيما في مجال عملية صنع القرار في المجتمع. وطبعا فلا يمكن أن تكون الشفافية هدفا بحد ذاتها ولذاتها، وإنما هي وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة. كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة والمجدية دون ممارسة الشفافية وتكريسها.


وتظل المساءلة والمحاسبة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وتكريسها في المجتمع. وهي في واقع الأمر تهدف بالأساس لخدمة الصالح العام وخدمة مصالح المواطنين وخاصة حقهم في الإطلاع على عمل الحكومة وعمل من اختاروهم لتمثيلهم.
إلا أن المساءلة والمحاسبة تستلزم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما تستوجب ممارسة كافة الحقوق، ومن ضمنها الحق في المشاركة في عملية صنع القرار، وذلك عبر التأثير في هذه العملية بواسطة ممارسة حق المساءلة والمحاسبة.


والشفافية أيضا حق ن حقوق المواطنين، كما أنها واجب من واجبات السلطة والحكومة والإدارة تجاه المواطنين. فمن واجب الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للإطلاع باستمرار على سير إدارة وتدبير شؤون المجتمع في كافة المجالات وذلك لسببين رئيسيين. أولهما أن الديمقراطية تقتضي منح المواطنين كافة حقوقهم غير منقوصة وثانيهما منح إمكانية تصحيح وتصويب الأداء الحكومي ومختلف الهيئات في المجتمع باستمرار إلى تطور المجتمع نحو توفير أفضل السبل لتحسين أوضاع المواطنين.
والشفافية تعني أن تكون كل الهيئات والمؤسسات والمرافق التي تدير وتدبر الشأن العام شفافة أي أنها تعس ما يجري ويدور داخلها، وكذلك الأمر حتى بالنسبة للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تكون كل الحقائق معروضة ومتاحة للبحث والمساءلة.


ومن أجل ممارسة الشفافية وتكريسها ومن أجل توفير مناخ مناسب للمساءلة والمحاسبة كحق من حقوق المواطنين لابد من توفير جملة من الأسس. ومن أهمها سيادة القانون، الفصل بين السلط، احترام حقوق الإنسان والمواطن، حق وحرية الحصول على المعلومات، ممارسة وتكريس الشفافية في إدارة وتدبير الحياة العامة.


وسيادة القانون تعني بالأساس تطبيق القانون على الجميع، بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية. أي أن القانون لا يطبق فقط إلا على المواطنين ولا ينطبق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة. لأن عدم سيادة القانون تؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، وبالتالي لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو حتى الإطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصراعيها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح ولمصلحة فئة قليلة، وتكرس كل القرارات والقوانين من أجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها.


أما الفصل بين السلط فهو يكفل توزيع مصادر القوة في المجتمع لخلق التوازن بين مصادر القوة الثلاث: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن هذا الفصل يؤسس رقابة متبادلة.


وفيما يخص احترام حقوق الإنسان والمواطن على اختلافها فإنه يؤدي إلى تكريس التفاعل بين المواطن والمجتمع ويدفع المواطن إلى المشاركة الفعالة والمستمرة في الحياة لمجتمعه بواسطة وعبر المعلومات التي تمكنه من ذلك، ويرفع درجة قدرة المواطنين في التأثير في صنع القرارات وقدرتهم على المساءلة والمحاسبة.


ويعتبر حق وحرية الحصول على المعلومات من أهم الأدوات بالنسبة للمواطنين من أجل ممارسة كافة حقوقهم. ولا يخفى على أحد أنه بدون توفر معلومات لا يستطيع المواطن ممارسة أي دور فاعل ومجدي في المجتمع، كما أن حقوقه تظل عرضة للاستلاب أو الانتقاص منها. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا وحيويا، ولذلك أطلق على الصحافة لقب " السلطة الرابعة" إشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به.


أما ممارسة الشفافية في إدارة الحياة العامة، فهو أمر يقع بالتمام والكمال في نطاق حقوق المواطن، وفي ذات الوقت يعتبر من الواجبات الأساسية للحكومة تجاه المواطنين. وهذا يعني أن تكون سياسات الدولة في مختلف المجالات واضحة ومحددة ومكشوفة دون غموض أو لبس، وهذا يمكن المراقبة والمتابعة والمحاسبة على تلك السياسات، إلا طبعا فيما يتعلق بالأسرار الأمنية والعسكرية المتعلقة بأمن الدولة والمجتمع والتي تحدد بناءا على القانون وليس بصورة اعتباطية.


والمساءلة تستوجب جملة من الشروط، من أهمها درجة معينة لوعي وتنظيم المواطنين، وقيام وسائل الإعلام بدورها. إنه كلما زادت درجة وعي المواطنين زاد حجم التأثير الذي من الممكن إحداثه من خلال المساءلة. كما أن هناك علاقة واضحة بين درجة الوعي وبين تنظيم المواطنين في الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وجماعات الضغط والمصالح. وبالتالي كلما ارتفعت درجة تنظيم المواطنين كلما زادت قوتهم وبالتالي تأثيرهم في عملية المساءلة والمحاسبة.


أما فيما يخص دور وسائل الإعلام في هذا الصدد، فقد تكون بعض الصحف في ملكية أحزاب أو فئة معينة، وبالتالي تعمد إلى نشر ما يتوافق مع مصلحتها، كما أنها قد تكون ذات طبيعة تجارية وربحية بحتة، وكل ما يهمها هو تحقيق ربح على حساب نقل الحقائق والمعلومات.


فالشفافية إذن تعتبر ركنا أساسيا وعنصرا هاما في ترسيخ وتكريس الديمقراطية في المجتمع، سواء على مستوى الأفراد والجماعات. والشفافية تهم الهيئات الرسمية كما تهم كذلك مؤسسات المجتمع المدني.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات