إن البعض ممن سمع أو قرأ ، يرى بأن إنفلونزا الخنازير بمسبباتها وإنتقالها ونتائجها ، نوع من التطور أصاب الفيروس ، فأصبح لتأثيره معنى الوباء ، وآخرون سيرددون بأنها غضب من الله على الفساد المستشري ضمن البشر .
لن أركن لأي من التفسـيرين ، ولن أخالفهما كثيراً أيضاً ، لكن أظن أن على كل مواطن واجب ، كما على كل شاب واجب مضاعف .
منذ أن أنهيت دراساتي العليا ، وأنا أتابع ما يجري في المجتمع ، لكنني لم أفهم حقاً كل الذي جرى ويجري ، ودفعني كل هذا لأسأل : هل هو قدر نسعى له مطمئنين ؟ نعرف أنه لن تقوم لنا قائمة بعده ، ومع ذلك نتهور ، ونجهل فوق جهل الجاهلين !
غريبة أمور مجتمعنا ، إلى درجة ظننته أحياناً هلوسة كافكاوية ! إذ ليس بمقدور عاقل يمارس التفكر والتدبر أن يسمح بأن يصل به الحال إلى هذا الحال ، والأدهى أن معظم الشعب يتفق على مواطن الفساد ، ومع ذلك يحميها ، يعترف كل لبناني ضمنياً ، أن في طائفته فاسدون كما في الطوائف الأخرى ، إلا أن هذا لا يقال علناً ، وعلينا في وقت الشدة أن نتراص كل ضمن بوتقته ، وسلته !
نعم ، كل مواطن ، بالأحرى كل "مطائف" ، يعتبر سلته/طائفته وطنه ، ولا علاقة له بالسلال الأخرى ، هذا حسن جداً ، لكن ما رأيكم بقليل من العلاقات الدبلوماسية ؟!
إن الأزمة تشتد ، والفساد ينهش داخل المؤسسات ، ومع ذلك نلهج بالدعاء للزعيم ، حامي الحمى ، أما السؤال ممن ؟ فلا أحد يرغب بسؤاله ، ليس فقط الإجابة عليه !
منذ حادثة شباط ، يوم سقوط الأقنعة ، حيث ظهر معظم ما كان في الصدور ، يلهج البعض بالدعاء للزعيم ، أي زعيم ، مطلق زعيم ، وماضيه الحافل بالأخلاق والإنسانية ، المهم أنه زعيم وكفى ، ليقابل باقي الزعماء .
عبادة للشخصية هي ، ننسى أحياناً مفهوم التوحيد ، وشعارات الحرية ، لنتحول إلى جماعة إنفعالية ، تصفق ، وتصرخ ، ولا تملك شيئاً غيرهما ...
سمعت من الناس الكثير ، لأجد أننا نقول ما لا نفعل ، ليس لدى معظمنا رؤية تطبيقية عملانية لأقوالهم ، ليس هناك سوى الكلام لملء الفراغ ، والفراغ في مكان آخر !
لن أدّعي معرفة أو عفة ، وإن كانت الأخرى أسهل تأكيداً ، خاصة مع جلوسي المستمر دون عمل كمعظم خريجينا السعداء بحالهم طبعاً ، نعم أنا سعيد جداً ، إذ ما الذي يطلبه الفرد بعد أن ينهي تعليمه ، سوى أن يجلس ويثرثر وألا يكون منتجاً ، وألا يكون لديه ذات ليحققها أساساً ، إذ يكفينا الزعيم ، وإنتاجه ، وأفكاره ، وذاته ! إذ نحن ، مجرد صور ، ظلال ، لهذه الذات المعظمة !
نعم أنهيت دراساتي العليا ، وبعدها سعيت ، حتى كلّيت ، وكأني أقارع الصخر الصلد ، فتوقفت ، وجلست ، لأثرثر ! إذ يبدو أن هذه مهارة يتقنها معظم المتعطلين ، أعلينا أن نشكل نقابة ؟!
وإن كنت لن أدّعي معرفة ، إلا أن ما أعرفه هو التالي ، إذا كنا نعرف أن المسؤول الفلاني هو فاسد ، فلماذا نقدّم له كل آيات التبجيل والإحترام والعرفان ؟ ولماذا لا نقطع يده التي سرقت ؟
ما أعرفه ، أننا شعب يسعى إلى خرابه ، طالما سنبقي لواء الطائفة أعلى من لواء الوطن ، وطالما سنستمر بتقديس الزعماء على حساب الوطن ...
ما أعرفه أن البدايات للإصلاح ، تبدأ بخطوة ، لكن هذه الخطوة تحتاج إلى إرادة وشجاعة وصلابة وحزم ، وهي أمور نشتاق إليها .
إننا على أبواب جائحة ، وباء قد يقضي على كل آمال الخراب المعشعشة في بعض الأذهان ، إذ سيتكفل عنها بالمهمة ، ما الذي قمنا بتحضيره لهذه المناسبة السعيدة ؟!
لا شيء ، إن الفساد استشرى في النفوس لدرجة أن مواجهة الوباء آخر الهموم ، وقد تكون فرصة لكي يتغير هذا البلد ؟!
هي فرصة أن نصاب بالوباء ، فلربما كان هو المؤذن بإيقاظنـا من غفلتنا ، ولمن يبقى منا حياً بعده ، عليه أن يبني وطناً ، لا طائفة ، عساه ينجح بتغيير هذه القوانين البالية والأعراف المقيتة .
هو سؤال ، لماذا لا يتم إلغاء الطائفية بالمجمل ؟ وإغلاق جميع مجالس الملل ؟ وإنشاء نظام مدني وقضائي واحد ، إلا إن كنا نعتبر أن البشر تبعاً لطائفتهم مختلفون ، فهناك أرقى وأدنى ، عندها على الدنيا السلام ، وتصبحون على خراب !
التعليقات (0)