تتميز حركات الإسلام السياسي عن غيرها من الحركات السياسية بطابعها الأيديولوجي الديني، فمنه تنطلق أهدافها ورؤيتها وبرامجها، وعليه تستمد ديمومتها واستمراريتها.
وبالطبع يؤثر الخطاب الديني على حركات الإسلام السياسي من خلال تعزيز ثقافة إسلامية ملتزمة تدعو إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحفظ الأمانات، وغيرها من السمات التي ميزنا بها الله تعالى ورسوله عن باقي الديانات الأخرى، ولكن كل هذا لا يعطي حركات الاسلام السياسي سمة القدسية، فلا قدسية سوى لكتاب الله، ونبيه وأصحابه من التابعين.
وكون لا قدسية لحركات الإسلام السياسي فإن ذلك يجعل من خيار الخطأ والخطيئة أمراً ممكناً، على الرغم أن السواد الأعظم منها هم منضبطون وملتزمون ولا يمارسون أدنى أشكال الفساد، إلا أن البعض منهم يقع في شباك الفساد، وتطغى عليه أمور الدنيا الخداعة، ويسيطر على عقله بان ما يقوم به هو ليس فساداً.
نعم، فهو فساد حلال، وقبل الخوض في هذا النوع الجديد من الفساد، والذي لربما يكون مصطلحاً متناقضاً مع نفسه بعض الشيئ، إلا أنه ينتشر في جسد حركات الإسلام السياسي، ويمس منظومة القيم التي تربوا عليها منذ سنوات، وهو أول درجات الفساد، فمن يمارسه سينطلق فيما بعد نحو الفساد الحرام من وجهة نظرهم، وبعدها تبدأ المعركة ويبدأ التنافس، ويصبح الفساد ثقافة يتنافس عليها القادة، حتى تأتي بالأخضر واليابس، وتموت الدعوة التي انطلقت تلك الحركات من رحمها، وهذا هو الخطر الداهم الذي يهدد وحدة الحركات الإسلامية في الشرق الاوسط.
وربما يسأل القارئ بعد هذا التقديم عن الفساد الحلال؟ ما هو؟ وما هي آليات معالجته؟
الفساد الحلال، هو مصطلح يحلو للبعض تفسيره عندما يقدم على ممارسات فاسدة، فاستخدام المال العام في غير موضعه فساداً، وركوب سيارات الحكومة في غير أوقات الدوام فساداً، واستغلال المنصب العام في إدارة أعمال حرة هنا أو هناك فساداً، والترقيات والتعيينات على خلفيات عشائرية أو تنظيمية أو جهوية أو مناطقية هو فساداً، وظلم الناس هو فساداً، واستغلال الأراضي الحكومية لمشاريع سياحية تخدم أهداف شخصية أو تنظيمية تحت مسميات واهية هو فساداً، واستخدام هواتف الوزارات والمؤسسات لغير العمل هو فساداً، وقبول الهدايا فساداً، ونفاق القادة والوزراء في غير موضعه فساداً.
نعم ما سبق هو الفساد الحلال، لأنه لا يمارس صاحبه أي سرقات مالية مباشرة، أو قضايا أخلاقية، أو يتلقى رشوات من هنا وهناك، وغير ذلك من أشكال الفساد المعروف.
وأختم في قصة أحد المسئولين في إحدى الحكومات، عندما جاء له أحد رجال الأعمال طالباً منه مبلغاً من المال كي يستثمره، ويستفيد تلك المسئول من حجم الأرباح دون أدنى جهد يذكر، فسقط هذا المسئول في الفخ، وأعطاه مبلغ 20 ألف دولار، هي ما استطاع أن يجمعه بعد بيع صيغة زوجته، التي كان يدخرها من راتبه، ومرت الأيام وجاء رجل الاعمال لتلك المسئول قائلاً له: لقد ربحت خلال الأسبوع الأول مبلغ خمس آلاف دولار، فغمرت سعادة كبيرة على هذا المسئول الذي لم يعرف للفساد طريقاً، وطلب من رجل الاعمال إضافة الأرباح إلى رأس المال، ومرت الشهور حتى وصل قيمة رأس المال إلى أكثر من مائتي ألف دولار، ولكن الثمن الذي دفعه المسئول هو تسهيلات قدمها لرجل الاعمال، وهنا استغلال واضح للمنصب، فالمسئول هنا يقول: أنا اجتهدت واستثمرت أموالي وربحت، والله بارك في التجارة، ونحن نقول له: لماذا لم يأتي رجل الاعمال لأحد غيرك؟
هذه القصة يقع فيها البعض وهم بالمناسبة قلة، فغالبية أبناء الحركات الإسلامية يعملون على كشف هؤلاء، ويتمنون من الله أن يهديهم، ولكن مطلوب منا ككتاب أن نطرح الموضوع بقوة، ونضع بعض آليات معالجته من خلال:
1- تشكيل وحدة مكافحة الفساد، واقرار قانون اشهار الذمة المالية.
2- تكثيف الوعظ والارشاد في هذا الموضوع من خلال المساجد والاعلام والنشرات الدورية.
3- المحاسبة والمساءلة المستمرة (من أين لك هذا؟).
4- التدوير الإداري في المناصب الحكومية الحساسة.
الفساد هو الفساد، وكل أشكال الفساد حرمها ديننا الحنيف، فلا يوجد فساد حلال، ولذلك ينبغي على البعض ممن يدعون ارتباطهم بحركات الإسلام السياسي، ويمارسون الحكم في أي بقعة جغرافية، التوقف عن ممارسة أي عمل يحمل أي شبهات، انطلاقاً من قول رسولنا الكريم في الحديث الشريف: "استفت قلبك ولو أفتاك الناس".
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)