مواضيع اليوم

الفزيع يقول: الصحافة أصيبت بالأنيميا

nasser damaj

2009-04-29 19:15:17

0

  الفزيع يقول:

الصحافة أصيبت بأنيميا التسطيح

         

      فاطمة عبد الرحمن ـ الاحساء

للكلمة أبعاد لا يعيها إلا المثقفون ممن قدر لهم عشق الحرف، وتلبية نداء الشجن، وكسر قيود الصمت، والبحث عن مساحات أوسع للحوار، من غير صوت مدوٍ، حيث اتخذوا من الصفحات رفيقا ومن دماء محابرهم، شاهدا يضعون إمضائهم تحت كل سطر يجري نحو الحقيقة، ويتشبث بالصدق..

ومن أولئك النفر القاص والناقد والصحفي المطبوع خليل إبراهيم الفزيع، حيث كتب في جرائد أخبار الظهران والخليج العربي، كما عمل محررا بجريدة اليوم وشارك في تأسيس دار العهد للصحافة والطباعة النشر بقطر، ومن ثم ترأس مجلة العهد الأسبوعية، وبعد عودته إلى الدمام، أوكل إليه الإشراف على جريدة اليوم، فنائبا لرئيس التحرير فرئيسا لتحرير جريدة اليوم،إلى أن استقال منها ليتفرغ لعمله الحر، كتب القصة والمقالات السياسية والأدبية والنقدية.. وشارك في تقديم بعض البرامج التلفزيونية.. كتب في المجلات الأدبية في الخليج.. صدر له عدد من الكتب في الأدب والنقد والشعر.

فيما يلي تفاصيل الحوار:

نود في البداية عطاء قارئ" الأحساء" نبذة تاريخية عن الصحافة في المنطقة الشرقية؟

ـ عرفت المنطقة الشرقية الصحافة منذ عام 1373هـ عندما ظهرت مجلة (قافلة الزيت) التي كان يرأس تحريرها شكيب الأموي، وفي عام 1374 صدرت جريدة (الظهران) التي تحولت في العام نفسه إلى جريدة (أخبار الظهران) وتولى تحريرها عبدالله الملحوق وعبد الكريم الجهيمان، كما صدرت في العام نفسه أي 1374 مجلة (الفجر الجديد) وهي أقرب إلى الجريدة ذات المقاس المتوسط أو ما يعرف في عالم الصحافة بحجم (التابلويد) وكان يصدرها يوسف الشيخ يعقوب، ولكنها لم تستمر طويلا حيث احتجبت بعد صدور أعدادها الأولى، وفي عام 1375 صدرت مجلة (الإشعاع) وهي أول مجلة ثقافية تصدر في المنطقة الشرقية، أصدرها سعد البواردي، واستمر صدورها حوالي سنتين، وفي عام 1376 أصدر عبدالله الشباط مجلته (الخليج العربي) في مدينة المبرز ثم انتقلت إلى الخبر بعد عام كجريدة شارك في تحريرها أحمد محمد فقي، وبعد ذلك انتقلت ملكيتها إلى علي بوخمسين، ثم احتجبت قبيل صدور نظام المؤسسات الصحفية.

كما عرفت المنطقة الشرقية الإصدار الصحفي باللغة الإنكليزية قبل غيرها من المناطق ففي عام 1365 صدرت مجلة (عالم أرامكو) وهي مجلة فصلية تهتم بشئون الشرق وتعرف الغربيين بثقافته وحضارته، وإلى جانب هذا الإصدار صدرت جريدة الشمس والوهج عام 1369 باللغة الإنكليزية أيضا، وجاءت نتيجة دمج نشرة (الشمس) التي كانت تصدر بالظهران مع نشرة (الوهج) التي كانت تصدر في رأس تنورة، وجمعتهما أرامكو في إصدار واحد لنشر أخبار الشركة وموظفيها.

ولما جاء نظام المؤسسات الصحفية الصادر عام 1383 أنهي عهد صحافة الأفراد، وأسس لصحافة لا تعرف التعثر، أو التوقف الذي كانت تتعرض له صحافة الأفراد لسبب أو لآخر يتعلق بصاحب الجريدة أو رئيس تحريرها، وفي ظل نظام المؤسسات الصحفية صدر العدد الأول من جريد (اليوم) في عام 1384 وكان أول مدير عام لها هو عبدالعزيز التركي وأول رئيس تحرير لها هو حسين خزندار رحمهما الله، واستمر صدور (اليوم) منذ ذلك التاريخ دون توقف، وإن اعترتها في البدايات بعض المشاكل الطباعية والتحريرية بسبب عدم توفر السيولة النقدية حينها.

كيف يمكن المقارنة بين صحافة الأمس وصحافة اليوم؟

ـ بالأمس كان الناس أكثر شجاعة في طرح أفكارهم رغم ضيق الفضاءات التي كانت الصحافة تدور في فلكها، اليوم ترهلت الأفكار رغم الوعي المصاحب لانتشار التعليم واتساع قنوات الطرح، لكنه وعي سيطر عليه غياب الاهتمام بالثقافة وذلك ناجم عن سيطرة أنماط الحياة الاستهلاكية بسبب الوفرة الاقتصادية بعد أن أسيء استخدام هذه الوفرة الاقتصادية للاستهلاك بدل الإنتاج، بما في ذلك الصحافة التي أصيبت رغم ثرائها بأنيميا التسطيح للقضايا المصيرية للمجتمع والوطن والأمة، وكأنما وجدت لتكرس التبعية الثقافية للآخر الذي أصبح نموذجا يقتدى دون وعي بأخطار هذه التبعية، ولا تزال الأنباء والصور القادمة من وراء الحدود تحتل المساحة الأكبر من اهتمام صحافتنا، هذا جانب والجانب الآخر برز تيار لا يقل خطورة عن هذا التيار وهو تيار الرفض والإقصاء، والتشرنق في الماضي والاتكاء على التقليد دون منح العقل فرصته للتأمل والتحليل.. كل ذلك تحت مظلة الحلال والحرام، حتى اتسعت دائرة الثوابت لتشمل ما هو غير مشمول في كتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ودخل من هذا الباب غير المؤهلين للخوض في مسائل الدين والثقافة والاقتصاد، ليختلط الحابل بالنابل، وتكون كلمة التشدد والغلو هي الأولى بالعناية، وما عاناه ويعانيه الوطن من هذا التشدد غير بعيد عن الأذهان.

بالأمس كانت صحافة الأفراد تسعى بجهود أصحابها للمنافسة والتفوق والاقتراب أكثر من هموم الناس والمجتمع والوطن والأمة، واليوم أصبحت صحافة المؤسسات تتربع على عرش الثراء دون أن تقدم إلا ما يزيد أصحابها ثراء ولكن على حساب قضايا الناس والمجتمع والوطن والأمة.. لسنا في عصر الفكر والثقافة.. نحن في عصر الاقتصاد وترميم جراح سوق الأسهم، أما سوق الفكر والثقافة فقد أقفل أبوابه إلى أجل غير مسمى.

ما الشيء الذي لمسته في الصحافة قديما ولم يتغير حتى الآن؟

ـ من طبيعة الأمور أن تتغير.. والماء الراكد يأسن، والذي لم يتغير هو رغبة القارئ في صحافة جادة تعيش همومه ومشاكله. ما عدا ذلك فقد تغير كل شيء، بعضه إلى الأسوأ وبعضه إلى الأحسن، وسائل الطباعة والتوزيع تطورت، لكن أهداف الصحافة وأساليب معالجتها لم تتطور، والصحافة لا يقاس نجاحها بما تحققه من أرباح، ولا بالمنشئات الأنيقة، ولا بالطباعة الفاخرة، ولكن بما تقدمه من خدمة إعلامية وتثقيفية للقارئ، وما تسهم به من تأصيل للانتماء الوطني وتفجير للوعي في المجتمع، وتنمية الثقة بالنفس لدى أفراده، وتعميق الإحساس بالمسئولية الوطنية من خلال الإسهام في الحراك التنموي والمحافظة على المكتسبات، والتصدي بشجاعة لكل الأخطار التي تحيق بالوطن وتعرقل الحراك التنموي في ربوعه، والدعوة لتبني المواقف الصارمة حيال الممارسات السلبية في المجتمع والتخلي عن أساليب وأنماط الحياة الاستهلاكية التي تستنزف القوى.

هل أنت متفائل بحال صحافتنا المحلية؟ وكيف ترى مستقبلها؟

ـ على المستوى الشخصي من طبعي التفاؤل، وبالتالي لا أفقد الأمل في مستقبل صحافتنا الذي أرجو أن يكون أفضل من حاضرها، وهذا لن يتحقق إلا إذا انعتقت من قبضة نظرية الربح والخسارة، ولدى هيئة الصحفيين من القيادات والكفاءات ما يؤهلها للعمل على الأخذ بأيدي الصحفيين.. وهذا سينعكس حتما على مستوى إنتاجهم الصحفي، مع عدم تجاهل الشفافية التي أصبحت متاحة للجميع.

هل صحافتنا تملك مطلق الحرية في إبداء الرأي؟

ـ كلا.. و مصطلح (مطلق الحرية) قد يساء استخدامه، والحرية المنضبطة هي المطلوبة في الصحافة، وفي صحافتنا هامش الحرية يتناسب مع الحراك الاجتماعي والتنموي، لكن المؤسف أن هناك من يبالغ في الحذر، وبذلك تضيع فرص الاستفادة من الحرية المتاحة.. وهذه السياسة تؤكد دون قصد الاعتقاد بأن صحفنا أهلية في ظاهرها، ولكنها رسمية في حقيقتها، خاصة وأن عنايتها بالمؤسسة الرسمية تفوق عنايتها بأي شيء آخر، فالمسئول له الصدارة، أما المواطن فيأتي في الدرجة الثالثة أو الرابعة في سلم اهتمامات بعض صحفنا، الأخبار الرسمية لها الأولوية المطلقة، وتليها الإعلانات، ثم الأخبار الهامشية عن الرياضة والفن، مما يشغل المواطن عن هموم دينه ودنياه، أما هموم هذا المواطن وقضاياه المصيرية فهي في الدرجة السفلى من اهتمام بعض صحفنا، مثلا هناك عشرات الأسر فقدت بناتها في حوادث مرورية نتيجة الخضوع للنفي للتدريس في بقاع بعيدة بدافع الحاجة، فماذا عملت صحافتنا، أما إذا أصيب أحد المسئولين بمكروه فإنها تستنفر كل طاقاتها للفوز بأخبار ذلك المسئول، وما طرأ على حالته الصحية من جديد.. وهذا مجرد مثل، مع أن بعض المسئولين يضيقون ذرعا بمثل هذا التوجه، فهو غير مطلوب على الدوام، لكن بعض القيادات الصحفية تعتقد أن ذلك من مقومات بقائها.

هل هناك رقابة ذاتية فيما تتناوله الصحافة من مواضيع، ورقابة أخرى خارجية بما ينافي مبدأ الحرية؟

ـ في تصوري لا توجد رقابة سوى رقابة بعض القيادات الصحفية التي تفرض على صحفها رقابة أكثر مما يقتضيه الواقع أو النظام، وهذا ما يفسر الشجاعة التي تتمتع بها بعض صحفنا، وعدم الشجاعة التي تعيق بعضها الآخر عن أداء رسالتها، مع أن كل هذه الصحف تخضع لنظام واحد، إذن هناك رقابة ذاتية صارمة تمارسها بعض القيادات الصحفية دون مبرر سوى مبرر الخوف والرغبة الشديدة في التمسك بالمنصب.. أما الرقابة الخارجية فهي غير موجودة، وفي نظام المؤسسات الصحفية من الإيجابيات ما هو جدير بدفع صحافتنا خطوات واسعة إلى الأمام.

ما دور الواسطة في صحافتنا؟

ـ في صحافتنا فقط!! بل في واقعنا بصورة عامة، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الفقر رجلا لقتلته, وأنا أقول: لو كانت الواسطة رجلا لشنقته وتركت صورته معلقة على أبواب جميع المؤسسات الحكومية والأهلية، الثقافية وغير الثقافية.. كل قيادة صحفية جديدة تأتي بطابور جديد من كوادر العمل، وتنسى الكفاءات والخبرات السابقة، كل ذلك سببه الواسطة التي لا تقيم وزنا لمقاييس الكفاءة، لذلك تتسرب تلك الكفاءات والخبرات، وربما خسرتها الصحافة إلى الأبد، لماذا؟ لأنها باتت غير (مهضومة) من القيادة الصحفية الجديدة، فالواسطة هنا تلعب دورها لأنها تفسح المجال أمام ذوي الكفاءات المتواضعة، وتهمش ذوي الكفاءات العالية، وفي هذا ما فيه من الخطأ الذي لا يراعي مصلحة العمل بقدر ما يراعي مصالح بعض الأفراد المتسلقين على أكتاف الوظيفة دون جدارة.

كيف نوجد صحفيا ناجحا؟

ـ الصحفي الناجح لا تصنعه مقاعد الدراسة، وإن كانت تضيف إليه ما هو مفيد، بل تصنعه الموهبة في الدرجة الأولى، ويأتي التعليم والخبرة لصقل هذه الموهبة، أكثر الصحفيين نجاحا في العالم لم تصنعهم أقسام أو كليات الإعلام، فالموهبة هي الأهم في معادلة الصحفي الناجح، وبالتدريب والممارسة يمكن أن نوجد صحفيا ناجحا، مادام يتمتع أساسا بالموهبة.

هل أنت مع الصحفي المختص؟

ـ الأقسام المختصة في أي مؤسسة صحفية لا بد أن يكون العاملون فيها من ذوي التخصص ذاته، ما نراه في صحافتنا أن المحرر قد يعمل في القسم الاقتصادي، وبعد أيام نراه في القسم السياسي أو الثقافي أو الرياضي أو الاجتماعي أو صفحات الأسرة والطفل.. وربما الإعلانات، والمغضوب عليهم يحالون إلى الأرشيف.. وهكذا، أي هو المحرر الشامل الذي لديه من العلم ما لا ليس لدى غيره، والنتيجة أنه يفشل في كل هذه الأقسام، وهذه مشكله ناتجة عن عدم التخصص.. نعم المحرر المختص مطلوب لنجاح العمل الصحفي.

هل من الضروري أن يكون الصحفي ملما بالأدب؟

ـ ليس من شروط الصحفي الناجح أن يكون أديبا، وإن كان إلمامه بالأدب قد يساعده على امتلاك القدرة على الصياغة الصحفية، ومع ذلك يمكن القول أن شروط الكتابة الصحفية تختلف تماما عن شروط الكتابة الأدبية، بل ويمكن القول أيضا أن الأديب لا يصلح أن يكون صحفيا يمارس العمل الصحفي الميداني ويطارد الأخبار في كل مكان، فذلك سيشغله عن مهماته في المجال الإبداعي، قد يكون كاتبا في إحدى الصحف، لكن كتابة الزاوية الأسبوعية أو اليومية لا علاقة لها بالعمل الصحفي بمفهومه العام، والصحافة لم تعد صحافة أدب ورأي، بل صحافة خبر وصورة، وما وراء الخبر من تفاصيل مستمدة من مراكز المعلومات التي لا تزال صحفنا تفتقر إليها بشكل ملحوظ.

ما الأسلوب الذي يجب أن يتبعه الصحفي الجديد ( المبتدئ ) لكي يثبت وجوده؟

ـ عليه أن يقدم الجديد باقتحام المحاذير والخروج عن الرتابة، والحصول على التفرد بالأخبار أو التحقيقات الجديدة، والخبطات الصحفية الناجحة هي التي دفعت ببعض الصحفيين الجدد إلى المقدمة، والمطلوب أيضا وجود قيادة صحفية تؤمن بكفاءته وتسهل له فرص إبراز موهبته، وتشجعه معنويا وماديا، وما أكثر المواهب الصحفية التي جنت عليها تقليدية وضيق أفق وحذر بعض رؤساء التحرير، وبذلك تخسر الصحافة الموهوبين وأصحاب الكفاءات العالية.

متى يكون الصحفي غير قادر على العطاء؟ وهل صحيح أن لكل مشوار ناجح نهاية؟

ـ يكون الصحفي غير قادر على العطاء إذا كان غير قادر على الحياة، وأعني هنا الصحفي الموهوب، والمسكون بهموم مجتمعه ووطنه وأمته، فالعمل الصحفي بالنسبة له هو الرئة التي يتنفس بها، وامتناعه أو منعه من هذا العمل هو قتل ليس لموهبته فقط بل وله شخصيا أيضا، ولا أتصور أن الصحفي الناجح يمكن أن يترجل هن هذه المهمة، حتى وإن ترجل عن منصب قيادي في الصحافة فسيظل صحفيا مسكونا بالهم الصحفي، وسيظل عطاؤه متواصلا، مادام كاتبا ناجحا فالكتابة لا علاقة لها بالمناصب.

وليس صحيحا أن لكل مشوار ناجح نهاية، فالنجاح تبقى آثاره وإن رحل صانعوه، ثم إن النجاح ذاته قد يقود إلى نجاحات أخرى تكرسه وتدعمه ليظل راسخا في أذهان الناس، بل قد يخلد النجاح أصحابه إلى الأبد، لذلك يتذكر التاريخ الناس الناجحين فقط، وغيرهم نصيبه النسيان، وبين آلاف الصحفيين تظل بعض الأسماء راسخة في الأذهان، لأنها أخلصت في عطائها الصحفي، وأسهمت في تأسيس قيم ومثل إعلامية استفادت منها الأجيال الجديدة.

 (مجلة الأحساء ـ الغرفة التجارية بالأحساء. عدد 78  يوليو أغسطس 2007)

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات