مواضيع اليوم

الفزاعة

لم تواتيني الرغبة في الكتابة طوال الفترة الماضية ، وكنت في حالة من الصدمة والانبهار، بالقدر ذاته الذي أصابني الغرور والزهو بما صرنا إليه نحن العرب ، أمر يثلج القلب ، ويدفع بالكاتب إلى أبعاد قصية.. بعيدة ، لتتنازعه مشاعر مختلفة في آن ، عندما انبعثت الروح العربية التونسية من تحت الرماد كما المارد ثائرة مهددة مزمجرة غاضبة رافضة ، وهي تتلبس الروح الثورية بكل ما تحمل الثورة من معاني الكرامة والعزة والإبداع عندما انبعثت تلك الروح العصية على الانكسار .. دفعت بالدم الحار الساخن في عروق الأمة كافة .. منها من وصله التيار الساخن مبكرا كما في مصر ومنها من ينتظر ويتقلب على نار الانتظار ليثور ويعلن الرفض للانتهاكات والاستبداد والظلم والنهب والسلب والتسلط والجبروت ...

ثار الأهل في مصر كما يليق بالمصري الحر أن يفعل .. فالحر يأبى الظلم ويأبى الاهانة ..ويرفض الضيم ... ثار في وجه القوة الغاشمة المستبدة التي طوبت البلاد العربية في سجل أملاكها العائلية .. ويتندر البعض ويقول : المصريون يعملون ويوفرون مع حسني مبارك وعائلته ما يحصلون عليه . ويقول آخر أن نظام زين العابدين البوليسي ونظام مبارك الفرعوني .. هو نموذج للأنظمة العربية كافة .. فكلهم على ذات النهج إلا من رحم ربي ..

لم نكن نتصور أن النظام الدكتاتوري العربي في الهياكل العربية المسماة الدول العربية ما هي إلا إمبراطورية وهمية .. إمبراطورية من ورق .. وما كنا نظن انه النظام هش إلى هذه الدرجة .. وما كنا نظن أن بلادنا غنية وفيها كل هذه الخيرات ... ثروة مبارك وعائلته .. وثروة زين العابدين وعائلته كفيله بسداد ديون الوطن العربي كاملة .. والقيام بنهضة شاملة على الصعد كافة ....
اسرد لكم قصة قصيرة بعنوان الفزاعة كنت قد كتبتها قبل وقت طويل .... والفزاعة هي :
مجسم من على شكل صليب طويل ، يُلبس ثوبا ويوضع على رأسه ما يشبه رأس الإنسان ويوضع في المزارع الريفية البعيدة ( الحواكير – والحواكير جمع حاكورة وهي مزرعة صغيرة على الاغلب تسقى من ماء المطر ) ليخيف الطيور والبشرلانه يشبه الإنسان الحارس .

 


الفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزاعة

أسوار القصر الكبير تحيط بحدائقه الواسعة الممتدة , لم يدرك سكان الحي الذي يحيط بالقصر أسباب تصاعد الدخان من المداخن ذات
الرؤوس القرميدية 00كل ما كان يدور في مخيلتهم أن هذا الدخان هو دخان المطبخ 00 وهذا الإحساس يقودهم على الأغلب إلى تصور أنواع شتى من الطعام بينما أصوات الصبية الصغار تتعالى من حوض السباحة وبساتين القصر الممتدة 00

كم فكر محمد أن يتسلق الجدار، ويلعب مع هؤلاء الصبية داخل الأسوار ، الذين لا يراهم إلا نادرا ومن بعيد ، وهم يبدون مختلفين في ملابسهم الزاهية النظيفة الأنيقة ، ليركبوا سياراتهم السوداء الطويلة كم فكر أن يسبح في حوض السباحة خاصتهم بدل هذا المجرى الضحل الذي يتسرب من نبع في قلب بستانهم 00

كم تمنى أن يقطف حبة خوخ أو مشمش أو قطفا من العنب 00 من أشجار الحديقة ، لكنه ما أن يحاول حتى ينظر إلى حارس القصر العنيد القوي الذي يقف فوق مرتفع ليظهر بشكل واضح 00يلبس خوذة عسكرية , و ملابس مموهة مرقطة و بيده سلاحه الرشاش الآلي سريع الطلقات 00 وما أن ينظر من فوق السور ويشاهد الحارس ، حتى تندفع قصص بطولة هذا الحارس وتاريخه القديم العريق تلك القصص التي يرددها سكان الحي الفقير حول القصر 000

فقد كان محاربا في الجيش العثماني ة خاض الحرب العالمية الأولى والثانية و شارك في حروب أخرى عديدة 00خرج منها قويا منتصرا لم تصبه حتى رصاصة واحدة ، زعم أهل الحي أن أصحاب القصر استدعوه بعد أن ذاع خبر قوته و شجاعته و عينوه حارسا على بساتين و حدائق القصر ، ومنهم من زعم أن للحارس من القدرة ما يفوق التصور ، فهو يظهر كأنه واقف لكنه قد يكون نائما فلدية القدرة على النوم واقفا 000ولا يدري احد انه نائم أم يقض يتناول طعامه وهو واقف00 حتى زعم احدهم انه يقضي حاجته وهو واقف 00ولم تتوقف الروايات و الحكايات حول قدرته وقوته , وتاريخه البطولي .

ولهذا لا يستطيع احد الاقتراب من الأسوار أو يتسلقها 00 فالخوف منه يسيطر على قلوب أهل الحي لا بل الأحياء المجاورة .
مضت سنوات و سنوات و القصر وأهله و حدائقه وبساتينه يعيشون بسلام وهناء . لا يعكر احد صفو أيامهم ،بسبب الخوف من الحارس الذي يقف على التلة .

أهل لا يخرجون إلا نادرا ولا يشاهد في الشارع إلا سياراتهم الفارهة ومحمد وبعض الصبية ابتدعوا ذات يوم فكرة 00 فقد جمعوا أكواما من الحجارة في كومة كبيرة 00 اخذوا يتسلقونها ومنهم من عمل ثقوب في الجدران00 لتكون لهم سلما يسترقون النظر إلى الفتيات و الفتيان وهم يلبسون ملابس السباحة يتقافزون في البركة الزرقاء 00

فجأة سمع صوت الرصاص أعقبتها طلقات أخرى.... ظن الصبية أنهم هم المستهدفون ، خافوا وهربوا ، ولم يكن صوت الرصاص إلا صوت رصاص صياد ، ومن يومها لم يحاول أحدا الاقتراب من الأسوار العالية 00 ذلك لان الحارس يقض لا يهمه احد وسلاحه مستعد دائما للانطلاق 00 مضت أعوام وأعوام 00 وكلما فكر احدهم بالاقتراب من الأسوار حذره أهله من خطورة الحارس 00 وكلما فكر احدهم بذلك أصابه الرعب .
وفي يوم اختفى محمد ، بحثوا عنه فلم يجدوه 00 احد الصغار صديق محمد ، تسلق السور ، اخذ ينادي على أهل الحي وجدته وجدته .. انه في القصر 00 فتجمع الأهالي والأطفال فوق تل من الحجارة ، ونظروا فوق الأسوار 00 للعجب كان الحارس ملقى على الأرض و
الصغير محمد يقف على التل ، كالمارد ، يحمل سلاح الحارس ، تشجع الصغار و الشباب على القفز فوق الأسوار 00 ولما وقفوا فوق التلة الصغيرة التي كان يقف عليها الحارس تفاجأ الجميع أن الحارس اللعين 00لم يكن أكثر من مكنسة تم تلبيسها لباس الحارس 00اخذ الجمع يصرخ وهم يتفاخرون فرحا أن الحارس لم يكن أكثر من فــــــــــــــــــــزاعــــــــــــــة .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !