الانسان والقرد والكلب
يزخر التراث الشعبي للشعوب بالحكم والأمثال والقصص والتي تعبر وتنقل صور حيه لحياه الشعوب في تلك الحقب التاريخيه ...وكذلك الحكم والعبر المستقاه من تجارب السابقين ….. والتراث الشعبي المصري ثري بكل هذا
بل قبل معرفه الشعب المصري للراديو والاذاعه والتليفزيون كانت كل وسائل الاعلام والترفيه الوحيده في الريف تتمثل في "المداحين والرواه"
وكانت مهنه "الرواه والمداحين" من أربح المهن أنذاك وكان نذر "ليله لله" في ذلك الوقت من الأعمال المحببه لميسوري الحال وكان يحي هذه الليله "مداح للرسول" و"راوي للحكايات والملاحم والابطال الشعبيين" حكيا وغناءا وتصاحبهم فرقه موسيقيه مكونه من اثنين من "السفرتيه" أي حاملي الصفارات وهي "النايات" ويختلف حجم "الناي" تبعا لحامله ويرافقهم طبال "يخدم عليهم" بالبلدي …. وهذه الفرقه الثلاثيه تستطيع أن تعزف كل الألحان بدون استثناء وتنقل المستمع الي جميع الأجواء من الحزن المبكي وحتي الفرح والانشراح والتهليل … ويقدم الطعام في تلك الليله للمدعوين وللفقراء من كل منازل أهل الحي أو القريه …. حيث كان العرف المتبع أنذاك أن تخرج كل أسره "صينيه طعام" للمشاركه في الاطعام …..
وكانت هذه هي الحفلات بصحيح وكان مرتادي هذه الحفلات أكثر من مرتادي حفلات الست نانسي عجرم أو الأستاذ عمرو دياب هذه الأيام....من أهل الريف المصري …. وقد اندثرت تماما هذه الصوره أيضا ولم يعد للمنشدين أثرا بعد أن اجتذبتهم الاذاعه للعمل بها … أما الرواه فقد مات أغلبهم جوعا بعد أن تقطعت بهم السبل عندما افتتن الناس بالاذاعه وقطعوا صلاتهم بالرواه
ولكن بقيت حكاياتهم ورواياتهم ماثله في الوجدان لم تمحوها قسوه الأيام ولا شظف العيش وانما نقلها الأباء للأبناء في صوره قصص قصيره بهدف العبره والاعتبار
وقصه اليوم هي من صميم التراث الشعبي .. قصه "الانسان والقرد والكلب" وتروي القصه أنه عندما خلق الله الانسان والقرد والكلب وهب لكل منهم عمرا.. اربعين عاما علي الأرض وأراهم مستقبل حياتهم علي الارض ماثلا أمام أعينهم ….. فبدأ القرد بالتزمر كيف سيحيا أربعين عاما كلها تمثيل "لعجين الفلاحه ونوم العازب" ولا أحد يشكر ولا أحد يستكفي … أربعون عاما كثيره جدا
وتلاه الكلب وبنفس التذمر أيضا كيف يعيش أربعين عاما علي الارض ينبح علي الغرباء ولا أحد يقيم له وزنا .. ويأكل فتات وبقايا طعام أصحابه
اما الانسان فكان تزمره أكبر من القرد والكلب فكيف سيعيش أربعين عاما في كفاح وشقاء وعندما يبلغ الاربعين أي عندما يستريح ماديا أو يكبر أبناءه ليحملوا عنه العبء يأتيه الموت ولا يهنا بالراحه والاستجمام بعد كل رحله الشقاء هذه فاربعين عاما ليست بأي حال كافيه للحياه علي الأرض
وأمام تزمرهم جميعهم ورفضهم لمشيئه الله ….. أخذ الله من عمر القرد عشرين عاما وأضافها لعمر الانسان ثم أخذ كذلك عشرين عاما من عمر الكلب وأضافها أيضا لعمر الانسان
ليعيش القرد عشرين عاما فقط كحد أقصي …... ويعيش الكلب كذلك عشرين عاما كحد أقصي .. فالقرد والكلب قد فضلوا أن تقصر حياتهم علي الارض ...أما الانسان الذي لم يكتفي باربعين عاما..... فيعيش كانسان أربعين عاما ثم يعيش بعد ذلك عشرين عاما كالقرد حتي يصل الي سن الستين ثم يعيش عشرين عاما أخري كالكلب حتي يبلغ الثمانين
وكما تقول الروايه ..فالانسان عندما يتخطي الأربعين يصبح كمن يعجن عجين الفلاحه لكل من حوله وهم غير راضون عنه بل ويطالبونه دائما بالمزيد ولا يكتفوا أبدا مهما فعل
ثم عندما يتخطي الستين ويصل الي سن المعاش ويجلس بالمنزل غير قادر علي العمل وربما معتل الصحه يجد نفسه ينبح كالكلب ولا أحد يجيبه فلا يوجد وقت عند أحد ليجيب علي نباحه.....بل يعطيه الفتات من وقته وجهده... والانسان هو الذي اختار العمر الطويل
وتختم الروايه بالدعاء لكم جميعا بالعمر الطويل
التعليقات (0)