ليس من الحكمة التنبؤ، حتى وإن أصبنا لاحقاً" فيمن سكون رئيساً لمصر، أمام كل هذا التشوش في الاستشراف، هذا ما قلته تماماً في المقال السابق، غير أن المفاضلة بين عدد من المرشحين الأقرب إلى حكم مصر، قد يكون مقبولاً إلى حد ما.
سأنطلق من تحليلي على مقومات بعيدة عن استطلاعات الرأي وما تميل إليه التوقعات، وإن من عنونت بهم مقالي والذين أسميتهم "بالفرسان الثلاثة" اثنان منهم بالفعل متقدمين في استطلاعات الرأي العام حتى الآن، وهم عبد المنعم أبو الفتوح، وعمرو موسى، إضافة إلى محمد مرسي الذي قد يقلب الموازين في هذه الانتخابات الرئاسية.
وقد قفزت إلى النتائج قبل أن أدخل في تفاصيل التحليل، لكي أشد القارئ إلى التحليل، دون أن يدخل في معضلة التوقعات، التي قد تبعد تركيزه إلى تخمينات تنأى به عن المعطيات المفاضلة بين المرشحين الثلاثة ويمكن إسناد الاستنتاج التفاضلي إلى معطيات ذاتية موضوعية لها علاقة بالبعد الذي يمثله المرشحون والذي يرجح حظوظهم في نظري للتنافس على كرسي الرئاسة معتمداً على محاولة استشراف وقراءة المزاج العام الذي سيدفع بهؤلاء إلى الصدارة.
وأنا هنا أبني تحليلي على أساس فرضية استباعد احتمالات التدخل في عملية الرئاسة، وأبني تحليلي على اعتبار أن العملية الانتخابية ناجزة تماماً وفق المعايير القانونية، بعيداً عن التزوير.. طبعاً سأبدأ من المرشح الموسوم بشبهة "الفلول"، ألا وهو عمرو موسى، وهنا لا بد من التساؤل لماذا يصنف عمر موسى على أنه من وافري الحظ في الفوز بمقعد الرئاسة؟.
لاشك أن عمرو موسى كان يحظى بشعبية ما في أوساط الرأي العام في مصر قبل سقوط نظام مبارك، لدرجة أن أحد المطربين الشعبيين قد تغنى به في أهزوجة شعبية معبراً فيها عن كره "إسرائيل"، في مقابل التعبير عن المحبة والإشادة بشخص عمرو موسى، وهذا كان وفق تحليلي لمواقف عمرو موسى التي تبدوا متقدمة عن المواقف السياسية للنظام السابق الذي عانى منه المصريون مثل ما عانوا من أشياء كثيرة، وأعتقد أن فئةً كبيرة من بسطاء المصريين تؤيده وهي فئة معتبرة، نظراً لارتباطه بالبعد الوجداني المحتفظين به من عهد ليس ببعيد.
يمكن أن أضيف إلى هذه الفئة أيضاً، فئة قد تشكل شريحة كبيرة من المصوتين، ألا وهي فئة ما بات يوصف في مصر بـ"الفلول"، وهي فئة متضررة مباشرة من سقوط النظام، وهذه الفئة على عكس الفئة السابقة، قد تنتمي في جانب واسع منها إلى الطبقة الغنية الفاسدة والمحتكرة لاقتصاد مصر، ومن هم في مناصب عليا ومهددة بالتصفية، في أجندة أي مرشح آخر يبني سياساته على اجتثاث الفساد ، وهم أيضاً قد يكونوا قادرين بشكل أو آخر على التأثير فيمن حولهم.
يبقى هنا أن نتحدث عن فئة مجهولة الحجم، وهي التي قد تلعب دور الترجيح الحاسم في موقف عمرو موسى الانتخابي، ألا وهي الفئة القلقة من مصير مصر المتأرجحة بين من هم في اعتقادها "إسلاميين متشددين"، أو ليبراليين وطنيين متشددين أيضاً قد يزجون بمصر في معارك بعيدة عن الهم الذي يقلق الكثير من المصريين ألا وهو الأمن، لذا يعد عمرو موسى بما يتمتع به في اعتقادهم من حنكة سياسية طويلة، خبرة وإدارية كبيرة، صمام الأمان للخروج بمصر إلى بر الأمان.
أما المرشح الثاني من موفوري الحظ في اعتقادي، هو عبد المنعم أبو الفتوح، وأعتقد أن الأسباب المرجحة لأبو الفتوح معتبرة، فهو ينتمي إلى التيار الإسلامي فكراً لذلك فهو سيحظى بتأييد شريحة واسعة وذات ثقل كبير من الإسلاميين المعتدلين، وأيضاً من السلفيين الذين أيدوه دون سبب واضح وملموس يمكن الاستناد عليه حتى الآن.
وهذه الفئة ستختاره لأنه إسلامي من جانب، وهذا ضروري بالنسبة لمعظمهم، إضافة إلى أنه ليس من الشخصيات التي قد تتخوف منها شرائح مصرية أخرى ليست منتمية للإسلام السياسي، تخشى من الإسلام السياسي المتشدد الذي قد يعصف بمصر.
وهم بذلك اختاروا من يتوافق معهم فكرياً، ويجنب مصر الدخول في دوامة جديدة تبقي مصر في أزمة قد تتدرج بها إلى مستوى الفوضى.
الفئة الثانية هم من غير الإسلاميين الذين يجدون أن أبو الفتوح موفور الحظ من جهة، ومعتدل في فكره الإسلامي من جهة أخرى، وبالتالي يستطيع أن يكون رئيساً لهم أيضاً، دون خوف أو ريبة، وسيشكل صماماً آمناً يستطيع أن يعبر بالجميع بأقل ما يمكن من أزمات.
أما الثالث فهو محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة ومرشح أكبر جماعة منظمة ومنضبطة في مصر، وهي كتلة صلبة وليست سائلة، أي أنها ذات حجم تقديري ثابت إلى حد بعيد.
وهنا يكمن سر قوة محمد مرسي، فهو ينتمي إلى الجماعة القادرة على التنظيم، والتحشيد لما لها من تاريخ طويل في هذا المضمار، إضافة لكونها أكبر تيار سياسي اجتماعي في مصر على الإطلاق، وقد تفاوتت تقديرات أعداد الإخوان في مصر، وهي ليست بالأعداد الهينة، لكن ليس هنا ستميل كفة الميزان لصالح مرسي، بل في القدرة التنظيمية التحشيدية الهائلة لجماعة الإخوان، وهذا قد يجعل من مرسي موفور الحظ إن تمكن الإخوان بالفعل من تخطي القوة التصويتية لباقي المنافسين الأقوياء.
إذاً من هو الأوفر حظاً من فرسان الرئاسة الثلاثة؟، اعتقد أنه عبد المنعم أبو الفتوح، وذلك لعدة أسباب:
- شخصية أبو الفتوح التوافقية التي تجتمع حولها شرائح متعدد المنابت والمشارب في مصر.
- دعم السلفيين له والذين أثبتوا أنهم قوة تصويتية لا يستهان بقدرتها على الترجيح.
- أبناء الشعب المصري الذين لم يحسموا أمرهم بعد، قد تميل فئة معتبرة منهم لذات الأسباب التي ذكرناها آنفاً.
لذلك فعبد المنعم أبو الفتوح هو الفارس الذي قد يفوز بقصب السباق في مصر، ويجب هنا أن أأكد مجدداً، أن هذه القراءة تستند إلى معطيات تبدو بالنسبة لي منطقية وموضوعية، لترجيح كفة أبو الفتوح، لكنها ليست بالضرورة أن تتجسد واقعياً قد يأتي بغيره الناخبون في مصر، فالصناديق الانتخابية في البلدان الديمقراطية أحدثت في كثير من التجارب مفاجئات ليست في الحسبان.
غسان أبو حبل
التعليقات (0)