مواضيع اليوم

الفردوس.. عندما يكتنز بالليلك

nasser damaj

2009-10-02 00:43:19

0

الفردوس.. عندما يكتنز بالليلك   
بقلم: خليل الفزيع   

   كاتبة عراقية مبدعة.. استقر بها المقام في ذمار باليمن، انتقلت من شمال الجزيرة العربية إلى جنوبها.. من بغداد العراق إلي ذمار اليمن، وبين البلدين ما بينهما من أواصر العروبة والنضال والدم والدين، وبين المدينتين- بغداد وذمار- ما بينهما من أوجه التنافر والانسجام، ومظاهر الاختلاف والاتفاق، لكن ما يقصر المسافة بين كل منهما تلك العوامل المشتركة من الطموح والآمال في الغد المشرق.. لأمة عربية ناهضة.. تزهر في ربوعها ثقافة أصيلة واعية، تحيل جفاف هذه الأمة إلي فردوس يحف به الليلك والكادي والبنفسج، وكل ألوان وأنواع الورود والزهور التي عرفها الإنسان، والتي كللت تاج الجمال لعشتار في وادي الرافدين الخصيب، وبلقيس في أرض أرض اليمن السعيد، قبل أن تولد المحن، وتستشري النكبات، وتستفحل أزمنة الهزائم والشتات.
   د. وجدان الصايغ تلك هي المبدعة نقداً أدبياً لا يميل مع الهوى، ولكنه يستظل بالموضوعية، وينطلق منها في سعيه الحثيث لإظهار أوجه الجمال في النص الأدبي، وفق شروطه الموضوعية التي يحددها النص نفسه شعراً أو نثراً، وقد أهداني الصديق الأستاذ حسن توفيق بعضاً من كتبها النقدية وأحدها كتاب "الفردوس والليلك" وهو عنوان يثير التساؤل:
   لماذا "الفردوس والليلك"؟
  هذا التساؤل تجيب عنه د. وجدان الصايغ فتقول: (بالضرورة لا يمكن لليلكة واحدة أن تصنع فردوساً، مثلما لا يمكن لجنس أدبي واحد أن يصنع ربيعاً ثقافياً، وهذا يقودني إلي الإشكالية المفتعلة في عالمنا الثقافي العربي، التي تنادي بموت القصيدة، واعتلاء الرواية عرش الإبداع العربي المعاصر، وكأني بهذه الإشكالية تعيدني إلي ثقافة الحزب الأوحد، والقائد الأوحد، والبطل الأوحد وهكذا)... ص 13.
   وهذه إشكالية تضع سياجاً بين الفنون الأدبية لتترك كل لون أدبي يهيم في فلكه وحيداً دون انتماء أو ارتباط بألوان الأدب الأخرى، هذا ما يكرس أحادية التفكير، والنزعة الفردية لدى المبدع الذي لا يرى غير اللون الذي يبدع في مجاله، نافياً كل الألوان الإبداعية الأخرى، وهو أمر لا يحد من طاقة المبدع فقط، بل يحرمه من تجسير العلاقة مع ألوان الأدب الأخرى، مع أن تاريخ الأدب قديمه وحديثه حافل بالذين جمعوا بين أكثر من لون أدبي، وأبدعوا فيما كتبوا من شعر أو نثر، وما ينطبق علي المبدع للنص الأدبي يمتد أيضاً للمبدع في النقد الأدبي، وما النقد سوى لون من ألوان الإبداع لدى المتمرسين في ميدانه، والممسكين بناصية بيانه، والضالعين في التعاطي مع أشكاله وألوانه.
   هذه النظرة الشمولية اتسم بها كتاب د. وجدان الصائغ الذي يحمل عنوان "الفردوس والليلك" فقد تناولت المؤلفة بين دفتي كتابها هذا.. نقداً لإبداعات مختلفة، منها الشعر والقصة والرواية وغيرها، بل إنها في الشعر لا تفضل فصيحه على العامي منه، فمعيارها التميز في الإبداع وحده ولا شيء غيره، لذا كانت بداية كتابها مع الشاعرة اليمنية غزال المقدشية، التي كتبت شعرها بلهجة يمنية قد يستعصي فهمها على غير الملمين باللهجات العامية اليمنية الريفية والجبلية والساحلية والمدنية، لكن شعر المقدشية - غزال، انجلت غمامات معانيه بالشروح التي امتلأت بها الهوامش لمعاني الكلمات.
   وخلاصة القول، فـ (إن مرايا قصائد غزال المقدشية قد عكست موهبتها الشعرية التي أهلتها بأن تكون شاعرة قبيلة من طراز خاص فهي من بين مجموع شعراء عصرها كانت داعية للسلام، لذلك خلدتها الذاكرة الشعبية واحتفت بنصوصها بشكل لافت) ص 31 .
   ومن شعر غزال المقدشية حين تكون الأنثى شاعر القبيلة إلى شعر غازي القصيبي في ديوانه "يا فدي ناظريك" المحتفي بفراديس الطفولة المترعة بالدهشة الأولي وكرنفالاتها المخضلة بالبراءة وكركرتها المتخمة بالنقاء كما تقول د. وجدان الصائغ.
   من شعر غازي القصيبي ومباهج الطفولة إلي عالم الشاعر ممدوح عدوان والطيران إلي الخلود لنجد أنفسنا أمام هذا السؤال الجارح:
- فما الذي نفعله حين نوقد الشمعة الثالثة لرحيل المبدع القدير ممدوح عدوان؟ ألنعيده إلي حاضرنا الثقافي ومشهدنا الثقافي المشغول بقوته اليومي والمأخوذ بفحيح الفضائيات واختلاط الأوراق؟ أم لنهيل عليه مرة أخرى تراب النسيان؟!
   عندما أشرنا إلي الشمولية التي اتسم بها كتاب د. وجدان الصائغ، "الفردوس والليلك" فلأنها إلي جانب تنوع الفنون الأدبية التي تناولتها في هذا الكتاب، حرصت كذلك على أن تنتقل بموضوعاتها بين أكثر من قطر عربي، فتناولت كتابات من اليمن وفلسطين والسعودية وسوريا وقطر ومصر ولبنان وغيرها، لتثبت أن الأدب العربي المعاصر أينما امتدت فروعه فهو شجرة سامقة ترويها العروبة بالآمال في الغد الأفضل، ويستظل بها كل عربي مؤمن بأن الحلم العربي واحد، مهما تعددت وسائل التعبير عنه، أو اختلفت وجهات النظر حوله.
   وكانت الوقفة التالية للدكتورة وجدان الصائغ مع محمد خليفة العطية وكوميديا الراهن في ديوانه "ذاكرة بلا أبواب" في معالجة واعية لكوميديا الواقع المأزوم.. والتي تسربت إلى بعض قصائد الديوان، وهي كوميديا فرضت نفسها وأخذت الشاعر- عنوة- إلي أجوائها، لكنها كوميديا أساسها تراجيدي- مأساوي- مؤلم.. يلعب فيه المخيال الشعري دوره في تحويل المتخيل إلي كيان يرتكز علي واقع كان صلباً، قبل أن تفتت المؤامرات والمغامرات صلابته وتحيله إلى واقع هش، دون أن تقضي على الجمر الذي تحت الرماد، ولأن الأحزان تبلغ في أقصى درجاتها حد الضحك، فقد قالت العرب: شر البلية ما يضحك وذلك يفضي بالدكتورة وجدان الصائغ إلي نتيجة خلاصتها (إن مرايا قصائد مجموعة "ذاكرة بلا أبواب" التي شكلت بانوراما شعرية للأحداث التراجيدية التي تعصف بالمشهد الإنساني العربي بل والكوني، قد عكست رومانسية جديدة لا تعني- كما هو شأن الرومانسية الأوروبية- الفرار من جحيم المدينة المكتظة بدخان المعامل وضوضاء الآلة التي تسحق نبض القلب.. صوب الريف بحثاً عن الفطرة والنقاء، بل تعني الفرار من جحيم الواقع صوب النص لخلق بنية تراجيكوميدية تدين لا منطقية الأحداث. تهز قناعات التلقي، وتوقد في أفقه التوق العارم إلي الانفلات من سكونية الوحشة وقيود العتمة) ص 63 .
   ومن شعر العطية إلى قصص جمال فايز القصصي والتشكيلي والذي رأت المؤلفة أنه (قد نجح في أن يجعل من قصص مجموعته "الرحيل والميلاد" لوحات تشكيلية تبصر من خلال حركة اللون رؤى النص الملتزمة بهموم الإنسان المعاصر والمحاصر بثقافة الموت والشتات) ص 73 .
وتتعدد موضوعات كتاب "الفردوس والليلك" بما اشتمل عليه من قراءات في القصيدة والقصة والرواية والميثولوجيا، ليس من السهل تتبعها في مثل هذه المعالجة، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلي عناوينها وهي إلي جانب ما تقدم:
   محمد الغربي عمران وحكايات ألف ليلة وليلة- سمير الفيل وموت المكان- خليل أفندي الخوري وأول رواية عربية- واقع الأدب الأنثوي العربي الشعري والسردي- هل ما نكتبه أدب مهجر أم أدب منفي؟- الميثولوجيا وثقافة الحياة.
  وبعد هذه الجولة في كتابها من حق القارئ أن نقدم د. وجدان الصائغ من واقع سيرتها الذاتية الواردة في نهاية الكتاب، وهي سيرة حافلة بالمنجز الثقافي المتعدد الجوانب، من إصدارات، ومناقشات لرسائل أكاديمية، ومشاركات في مؤتمرات وندوات علمية، ودراسات نقدية حازت بعض الجوائز التقديرية. وهي من مواليد بغداد، وتخصصها العام اللغة العربية وآدابها، والدقيق: الشعر العربي الحديث والمناهج النقدية، وكانت قد حصلت على رسالتها في الماجستير من جامعة الموصل عن الصور البيانية في شعر عمر أبو ريشة، كما نالت درجة الدكتوراه من الجامعة ذاتها في النقد البلاغي، عن موضوع رسالتها الموسومة الصورة الاستعارية في شعر الأخطل الصغير عام 1995
  وما زالت تمارس التعليم الجامعي منذ عام 1992 لكنها كطائر مغرد على فننه، عينه على واقعه، والأخرى علي وطنه.. طائر يشجي أنينه كل مغترب في صقيع المنافي، رغم أن حديقة العروبة تتسع لكل طائر عربي، ليجد فيها دفء المحبة وطمأنينة الحياة، دون أن يتخل عن وطن يحمله في قلبه، ليبدد نبضه وحشة البعد عن المحبين بالنقاء كما تقول د. وجدان الصائغ، أو كما قال شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات