مهدت الاختلافات التي أسلفنا ذكرها طريقا انزلق فيها ضعفاء العقيدة وحديثي الإسلام والحاقدين على الأمة ، ورأى أهل الفتنة الفرصة سانحة ليغرسوا خنجرهم في جسد الأمة ، ولما وصلهم خبر ما حصل بين علي ومروان بن الحكم في دار عثمان ، كذبوا على ألسنة الصحابة وأشعلوا فتنتهم بين أهل الأمصار ، وتكاتب أهل الكوفة ومصر والبصرة وسارت جموعهم تقصد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإشعال الفتنة الكبرى
ولما صارت جموعهم على مشارف المدينة أسرع أمير المؤمنين إلى أهل البصرة فردهم ، وبعث سيدنا علي بن أبي طالب إلى أهل مصر فردهم ، والزبير إلى أهل الكوفة فردهم كذلك ، ولكن أهل مصر طلبوا من عثمان أن يعزل أخوه عنهم ويولي عليهم محمد بن أبي بكر فأجابهم لما سألوه درءا وإخمادا لفتنتهم
ولكن أهل الفتنة خافوا أن تضيع فرصتهم فزورا في طريق عودتهم كتابا على لسان عثمان ، وزعموا أن عثمان طلب فيه من عبد الله بن سعد بن أبي سراح أن يقتل محمد بن أبي بكر ، فتكاتبوا من جديد وعادوا للمدينة من جديد
تفاجأ أهل المدينة بعودتهم وقد أحاطوا بالمدينة ، وزحف جمهورهم عند دار عثمان رضي الله عنه ، فجعلوا يؤنبوهم على عودتهم ، وخرج أمير المؤمنين إلى الناس يكذب ما جاؤوا به فصدقه كل الناس أو جلهم
ولما قام سيدنا عثمان رضي الله عنه بالناس خطيبا على عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب عليها وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قام إليه أحد هؤلاء الفجرة لعنه الله فانتزع منه العصا وضربه بها وكسرها على ركبته اليمنى ، ولما قام إليه الصحابة يمنعونه منهم ويصدون عنه قام إلى كل واحد منهم من يشده ويقعده ، وضج أهل الفتنة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجموا الصحابة بالحصى ، ووقع سيدنا عثمان مغشيا عليه فحمله الصحابة إلى داره ولم يخرج منها حتى قتل رضي الله عنه
تفاقم الأمر والتزم الصحابة بيوتهم وحصر سيدنا عثمان في داره أربعون يوما ، وسأل الفاسقين عن مطالبهم فطلبوا منه أن ينزل عن الخلافة أو يسلمهم مروان بن الحكم ، ولكنه رضي الله عنه رفض أن ينزل عن الخلافة تحقيقا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه عندما قال له "إن الله لعله يقمصك قميصا فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه" فكيف يعص أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورفض كذلك أن يسلمهم مروان بن الحكم فيقتلوه ولم يفعل ما يستحق أن يقتل بسببه ، فيكون سببا في قتل مسلم بغير الحق
ولما وجد أمير المؤمنين أن علة هؤلاء لا طبيب لها أرسل لعماله يستنجدهم في بعث جيوش تطرد هؤلاء من المدينة ، فسارت الجيوش تقصد المدينة ، ووصل خبرهم أهل الفتنة فشددوا حصار عثمان وهو صائم ليس له شربة ماء يفطر عليها
وقد كان عند عثمان سبعمائة من أبناء الصحابة الأنصار والمهاجرين يمنعوه ويصدون عنه أهل الفتنة ، ولكنه رضي الله عنه رفض وجودهم وأقسم عليهم أن يكفوا أيديهم ، وأخبرهم أنه وهو صائم وليس لديه ما يفطر عليه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له "يا عثمان حصروك؟" فقال له عثمان "نعم" فقال "عطشوك؟" قال "نعم" فأدلى له رسول الله صلى الله عليه وسلم دلوا فيه ماء فشرب منه عثمان حتى ارتوى وقال له "إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا" فاختار عثمان أن يفطر عنده ، وتنفيذا لأمره خرج أبناء الصحابة من عنده وكان آخر من خرج من عنده سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه
ولذلك استغل أهل الفتنة استسلامه لأمر الله ورفضوا درء الفتنة وأوقدوا نارهم وقتلوه وهو مسالم أعزل كما سنذكر في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى
التعليقات (0)