الثورتان المصرية والتونسية تختلفان عن الثورة الليبية رغم أن الأهداف واحدة . ففي مصر تخلى الرئيس مبارك عن منصب رئيس الجمهورية بعد عجزه عن إجماد الثورة المصرية رغم إستخدامه لقوات الأمن لقتل المواطنين وقمعهم , ولكنه فشل في إقحام الجيش المصري الذي أظهر وطنية فائقة ورفض التدخل ضد الثوار بل ضغط على مبارك للتخلي عن منصبه . وتولى السلطة المجلس العسكري للقوات المسلحة برئاسة وزير الدفاع . وهذا أبقى النظام الأداري المصري ومؤسساته وساد الأستقرار وبدأ المجلس العسكري عملية تغيير وزارى وتطهيرالأدارة والجهاز الأعلام وبداية مرحلة للأعداد للدستور والأنتخابات دون حدوث فوضى والتعامل مع المشاكل السياسية والادارية بشكل تدريجي بتغييركبار المسئولين وتطهير الجهازين الأداري والأعلامي بالتعاون مع الشباب والأحزاب والمستقلين المعروفين بالنزاهة . ورغم أن عملية التحول الديمقراطي في مصر لا زالت تواجهها صعاب كثيرة إلا أن الوضع الذي قام بعد تخلي رئيس الجمهورية ساعد على إستقرار مصر الأداري . أما في تونس فقد مرت الثورة بنفس الأسلوب إلا أن حكومة بن على بالتعاون مع الجيش التونسي تولت السلطة بعد هروب بن علي وقد إستطاع الساسة القدامى التجاوب مع الشباب والثوار لتغيير النظام والحكومة وإجراء التطهير اللازم في الأدارة . ورغم أن عملية الأنتقال الديمقراطي في تونس لم تتضح بعد الا أن الحكومة إستطاعت على الاقل المحافظة على النظام الاداري ونشر الأستقرار مع التفاعل مع مطالب الثوار . أما الوضع في ليبيا فقد أختلف عن الوضعين المصري والتونسي فالقذافي كان يحكم ليبيا بنظام دكتاتوري فردي وكل السلطات في يده فالحكومة ومجلس الشعب هيئات صورية لتنفيذ أوامره ولم يكن لليبيا جيش رسمي بل كتائب مدربة ومسلحة تحت أمرة أبنائه وأقاربه لحمايته وحماية نظامه . ولهذا فعندما أنفجرت الثورة أمر كتائبه بقمعها بكل وسائل القمع القتل وهدم المدن المعارضة ومسحها من الوجود وتشريد سكلنها والقبض على كل من هو في سن القتال وحتى الأطفال والنساء والأغتصاب مما دفع الجامعة العربية بالطلب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إصدار قرار بأستنكار هذ الجرائم ضد البشرية والأبادة الجماعية وطلبت حماية المدنيين الليبيين بفرض حظر جوي حتى لا يستعمل الطيران ضد المدنيين , ووافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار بدون معارضة بفرض الحظر الجوي وإتخاذ كافة الأجراءات الممكنة لحماية المدنيين مما دفع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبعدها دول الناتو مجتمعة وبعض الدول العربية إلي فرض الحظر الجوي ومشاركة بعضها في قصف قذائف القذافي التي كانت تطارد المدنيين العزل بالأسلحة الثقيلة والدبابات والطائرات . وقد إستطاع الثوار تحرير المدن الشرقية ومصراتة ومدن الجبل الغربي ويستعد الثوار اليوم للزحف على باقي المدن بما فيها طرابلس المقر الرسمي للقذافي. والأن وقد قارب نظام القذافي النهاية وبدأ التفكير في الفترة التي ستعقب إنتهاء حكمه يواجه المجلس الأنتقالي مهمة صعبة لتحقيق الأستقرار الأداري قبل البدء في تنفيذ المرحلة الأنتقالية لوضع الدستور وإجراء الأنتخابات . وهذا يقتضي التشاور مع ثوار المدن الليبية التي ستتحرر وإختيار منودبين لها في المجلس الأنتقالي المؤقت على أن يكون قرار المجلس الانتقالي بقبول أعضاء جدد للمجلس ملزما للجميع كما حصل في ليبيا قبل إعلان الأستقلال سنة 1950 بأختيار أعضاء لجنة الواحد والعشرين وأعضاء الجمعية التأسيسية من طرف الأمير السنوسي في برقة وأحمد سيف النصر في فزان والسيد بشير السعداوي رئيس المؤتمر الوطني الذي تولى مهمة إختيار أعضاء طرابلس في لجنة الواحد والعشرين والشيخ محمد أبو الأسعاد العالم نائب رئيس المؤتمر الوطني الطرابلسي الذي تولى مهمة إختيارأعضاء طرابلس في الجمعية التاسيسية . وفي الظروف الحالية وخلو البلاد من المؤسسات السياسية يجب أن يتولى المجلس الأنتقالي المؤقت المؤلف من جميع المدن الليبية مهمة إختيار أعضائه وإختيار أعضاء جمعية لأعداد الدستور لعرضه على الأستفتاء الشعبي بالتشاور مع قادة الثوار وأصحاب الكفاءات الليبيين . وعملية الأختيار لن تكون سهلة فالمجلس الأنتقالي الذي ضم نخبة من أفراد معروفين بالنزاهة والكفاءة الذين بادروا بقيادة الثورة في مراحلها الأولى الهامة حازوا تأييد كافة المواطنين في مرحلة الثورة الأولى في كل أرجاء ليبيا لأنه كانوا البديل الوحيد لحكم القذافي , ولكن في غياب القذافي ستتحرك التيارات السياسية للمشاركة في حكم البلاد وتقرير مصير ليبيا . ولمنع أية فوضى وحربا أهلية يجب دعوة الشعب الليبي للأنطواء تحت قيادة المجلس الانتقالي لتولي مسئولية الحكم في البلاد بأعلان إلغاء مجلس الشعب والمؤتمرات الأساسية واللجنة الشعبية العامة وجميع اللجان الشعبية والثورية مع الطلب من الذين يتولون مسئوليات إدارية الأستمرار في مهامهم تحت الادارة الجديدة , والابقاء على النظام الاداري القائم وكل الموظفبن الشرفاء الذين ليس لهم ذنب في حكم القذافي , والتعاون مع قوات الأمن والجيش بعد تصفيتها من العناصر التي إشتركت في أعمال القتل والقمع وضمها إلى الجيش الليبي الجديد الذي انشئ أخيرا في بنغازي, وتاليف الحكومة المؤقتة التي يجب أن تختار من المدنيين المختصين وقادة الثوار وبعض ضباط القوات المسلحة بحيث تتم مرحلة التحول إلى النظام الديمقراطي بسهولة , ويشعر كل مواطن بأن حقه محفوظ ومصان . وقد كان تصريح المجلس الأنتقالي بعدم إشتراك أعضائه في أول إنتخابات تجرى تحت إشرافهم وإشراف القضاء وعدم الأشتراك في الحكومة التي يؤلفها المجلس المنتخب الأول تاكيدا وتطمينا للتيارات السياسية بأن أعضاء المجلس الأنتقالي لا يسعون إلى تحقيق أهداف شخصية وسيتركون الأمر للمنافسة الديمقراطية بين التيارات السياسية . ويمكن للمجلس الأنتقالي أن يستفيد من التجربة التونسية والمصرية والأستعانة ببعض الخبراء الذين سا هموا في إرساء النظام في مصر وتونس بعد تغيير الحكم وخبراء الأمم المتحدة ودول الناتو التي شاركت في تحرير البلاد .
التعليقات (0)