مواضيع اليوم

الفاكهة المحرمة

عوني عارف ظاهر

2012-10-05 20:15:30

0

 الفاكهة المحرمة

بقلم :عمر عبد الرحمن نمر ..العلاقات العامة_ تربية قباطية

    كل الناس في الشرق والغرب, عرب, وعجم, السود منهم, والشقر, الإفريقي, والآسيوي, والأوروبي... كل الناس.. كل الناس.. يتناولون وجباتهم الغذائية, تبعاً لأنظمة محددة, بعضها علمي, وبعضها الآخر طبي, وبعضها الثالث يتبع لرغبة الشخص في غذاء معين, وتتجلى هذه الأنظمة في معادلات غذائية منها التوازن الغذائي, ومنها المواءمة الغذائية.. وغيرها... كل الناس يأكلون بناءً على معطياتهم.. ورغباتهم.. إلا الشعب الفلسطيني..

 

 

   الشعب الفلسطيني يأكل تبعاً لتسعيرة الحسبة, الشعب الفلسطيني يتناول وجباته الغذائية تبعاً لتقاطع منحنى الطلب, ومنحنى العرض, وعلى هذا التقاطع تنتظر معدة الفلسطيني وجبتها...

    ببساطة تامة, إذا هبط سعر البندورة, رأيت ابن الشارع يتغزل في قلاية البندورة.. فتارةً يدمجها مع البيض, أو قل يدمج البيض فيها, وتارةً يخلطها مع البطاطا, وتارةً ثالثة يطبخها مع الباذنجان.. انه اتحاد الباءات الأربع ( بندورة, وبطاطا, وبيض, وباذنجان). وفي تداول الفلسطيني مع هذا الاتحاد دالة حقيقية على هبوط أسعار الخضار, وعند هبوط سعر أحد الباءات, يتغنى الفلسطيني بهذا الهبوط, ويدعو بالعلو والرفعة والمنعة والتمكين لمسببي هذا الهبوط.. حتى لو كان الهبوط نتيجة خلل  في أحوال الطقس...

 

    إن الهبوط في سعر حبة البندورة يجعل من اللون الأحمر الذي يحاكي خد العروس, زينة للمائدة, وعندها تتفتح شهوات الفلسطيني على السَلَطَة, وما أدراك ما السَلَطَة, أنواعها, وضروراتها, وأهميتها في الفطور, والغداء, والعشاء... وقبل النوم, وفي الأحلام, وقبل الفطور الرمضاني, وفي السحور, وفي حالات التخفيف والتنحيف, وفي تسهيل الهضم والامتصاص... ياه...

 

 

  إذا ارتفع سعر البندورة ظهرت تجليات كثيرة رسمت خرائطها على جدران الحياة الفلسطينية, إذا ارتفع سعر البندورة, جرب أن تفتح شطيرة الفلافل ( ساندويش الفلافل) وانظر في داخلها, واحلف الأيمان الغلاظ, وأنت صادق أنك ستجد كل الألوان فيها إلا واحداَ.. إلا اللون الأحمر فهو في الغلاء محرم في الفلافل حرمة الصيد في الحجيج...

 

 

 إذا ارتفع سعر البندورة, علاها شمع أحمر كثيف, وعانق بذورها الهرمونات المعجلة للنمو... افتح حبة البندورة تجدها فارغة جوفاء تقهقه بلا أسنان, ولا لثة, إنها أقرب لجلد جاف... لا رونق فيه ولا دماء..

 

 إن البيت الفلسطيني, بل قل إن الثلاجة الفلسطينية التي تخلو من البندورة, ثلاجة كافرة, لا تمت لشعبنا بصلة, فعلاقة الفلسطيني بالبندورة علاقة تاريخية, تجذرت في وعيه, وثقافته, فقد زرعها, وكبرتها بطلاء أصفر وقاية لأغصانها, وأزهارها, وبحش على عروقها, ونماها في أرضه, حتى إذا استوت على عودها, وأزهرت, وأثمرت, قطفها حمراء لذة للرائين, وأكلها بأشكال منوعة لذة للآكلين, وإن فاض إنتاجها شقحها, ونشفها على سقف منزله الطيني, قبل ولادة الإسمنت...

 

    وبعد التنشيف ضم بعضها إلى بعض, كما يضم الليرات الذهبية العصملية في قلادة, وربطها في خيط وحفظها لوقت الحاجة...

 

 

   وإذا حل الشتاء, وبقيت بعض الثمار خضراء, ولم تقو الشمس على تحميرها, أخذها وفلفلها بفلفل حار وزيت, وأحالها إلى سلطة خضراء... أو أخذ الحبات الخضراء, ودفنها في التبن, الذي يكسبها بحرارته لونها الأحمر, وأكلها الفلسطيني, وفيها نكهة برودة سحرية...

 

 

   أيها المسؤولون, لطفاً بنا, إننا نصبر على تنظيم رواتبنا في دفعات, بل نصبر على قطعها, ونصبر على قلَة الحيلة, وضعف ذات اليد, ولكن لا نصبر على ارتفاع سيدة العائلة البائية (البندورة) ففيها غذاؤنا, وفيها معاشنا, وفيها مأكلنا ومشربنا, إلى أن يأتي الله أمراً كان مفعولاً... ادعموا البندورة من فضلكم, وأدرجوها ضمن قائمة للأسعار المدعومة المخفضة السعر, وصنفوها أنَى شئتم, ولا يضيرنا تصنيفكم لها سواء أكانت في قائمة الخضار أم الفواكه, أو حتى الحلويات...

   ومهما أصبحت البطاطا في متناول اليد, ورخص سعرها, إلا أنها لا تحل في مرتبة البندورة, ولا يمكن الاستغناء عن البندورة بتلك... والسلعة الثالثة في العائلة نفسها, هي الباذنجان... ومهما حصل التناوب في هذه السلع من جهة الاستخدام الفلسطيني لها, إلا أن سلعة لا تحل محل أخرى, ناهيك عن ابتعاد الناس عن الباذنجان واتهامه ( بالكلبنة) فهو كلب ماء عند غرسه, كلب زيت عند قليه, وقد وصلت قناعة الناس, وأصبحت تامَة في أن لا فائدة ترجى من أكله, تأكل كيلو باذنجان, ولا تحصل على غرام فائدة منه.. تباً له...

 

 

    إنه نظام الأكل الفلسطيني, يتبع رخص سعر السلعة, فقد يفطر الفلسطيني موزاً, ويتغداه, ويتعشاه لرخص سعره, ويجافي البندورة المجنونة, لأن سعرها علا وتجاوز الفضاء... هذا هو نظام الأكل في ( ميزان مشوكل) كفة طالعة وكفة نازلة...

 

     همس أحدهم في أذني هناك معركة أخرى سنخوضها... تتلخص في تحريم للدجاج اللاحم, سنقاطع الدجاج... قال أحدهم, وقال آخر:- لا دجاج بعد اليوم, احتجاجاً على رفع أسعاره على المستهلك, واحتكار الشركات ومزارع الدواجن للحوم البيضاء...

 

 

    يا أهل المروءة, كفى... كفى, قبل نحو عقدين من الزمان أو يزيد, طلَقنا لحم الضأن والماعز طلاقاً بائناً, حينها وقفنا خجلين أمام العجول المذبوحة, نتأمل لحمها, ونختار الطري منه, وبعد عقدين من الزمن, طارت أسعار لحم العجول, وطارت الطيور بأرزاقها, حينها وقفنا حائرين ننظر لها مودعين, ولا نشتري, ثم بتنا لا نستطيع حتى النظر إليها, وشالت نفوسنا عنها, بالعربي قرفناها قرفاً مجازياً ومالياً, وبدأنا نتصالح مع اللحم الأبيض... ونتهافت عليه...

 

 

   لحم الحبش الطري الندي, يشوى, ويقلى, ولكنه على الطبيخ عصي, هذا يكفينا, ولحم الدجاج الطري, الندي, يشوى, ويقلى, ويحشى, ويطبخ... حسبنا... يكفينا... والآن يصدر فرمان شعبي يصادر حبنا للحم الدجاج والحبش, ويدعونا لمقاطعته... 

 

 

     بربكم... قولوا... أجيبوا... اضحكوا... أو ابكوا... ماذا نأكل؟... أيأكل بعضنا لحم بعض؟!... أم لنرفع شعار ليس باللحم والبندورة والبطاطا وحدها يحيا الإنسان... قولوا... بربكم ماذا نأكل؟!...

 

 

   يا أهل السوق والاقتصاد, وأصحاب الجداوى الاقتصادية والإنتاج... أيها الراسمون للسياسات الاقتصادية والغذائية.. انصحونا ماذا نأكل... وكيف نخطط لامتلاك أصناف وجباتنا, ومتى نرسمها موائد نتحف فيها بيوتنا قبل معدنا...

 

 

     أعلمونا ما الخضروات والفواكه واللحوم التي أضحت محرَمة... وما التي في سبيلها إلى التحريم حتى نأخذ حذرنا... ونعدَل طقوسنا الغذائية حتى تلائم تسعيرة الحسبة...

 

      

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات