قيل إن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة لكن السياسة الحقيقة تستوجب أولا وقبل كل شيء الواقعية و الجرأة على تعرية الأمور بشفافية و القدرة على كشف المستور وتسليط الأضواء على مناطق الظل .
و انطلاقا من هذا المنظور يقال أن السياسة هي فن ممكن، لكن هذا الممكن يجب أن يكون في إطار سياسة الحقيقة و إلا دخلنا في نطاق مكر السياسة عندما نغلف الممكن اعتمادا على إبعاد كل ما ليس مرغوب في تحقيقه بدعوى عدم الإمكان وهذا حال بلادنا على امتداد سنوات طوال وقد برز مكر السياسة على مختلف الواجهات سيما فيما يخص واجهة الديمقراطية وواجهة الاقتصاد.
فمنذ الثمانينات توجه المغرب حول التصدي للعجز المالي في الميزانية العامة من أجل التقليص من النفقات العمومية بإلغاء بعض أبواب الميزانية وتقليص عدد الموظفين العموميين والمأجورين مما نتج عنه بطالة انضافت جز المالي في الميزانية العامة من أجل التقليص من النفقات العمومية بإلغاء بعض أبواب الميزانية وتقليص عدد الموظفين العموميين والمأجورين مما نتج عنه بطالة انضافت إلى البطالة القائمة في وقت مازالت تشكو فيه البلاد من الخصاص في الأطر )مهندسون / أطباء/ تقنيون… كما تم الاهتمام بالتصدي إلى التضخم نظرا لتأثيراته على التجارة الخارجية.
وفيما يتعلق بالضرائب، من المعروف أنه من مبادئ الليبرالية تخفيض الضرائب ، في حين عرفت البلاد تصاعدا مستمرا للثقل الضريبي.
كما تم اللجوء إلى خوصصة مقاولات الدولة بطريقة لم يستنتج منها الشعب شيئا يذكر . وفي اختيار الطريق الليبرالية تأرجحت بلادنا بين النظرة الأنجلوساكسونية المتوحشة، على الطريقة الأمريكية والإنجليزية ، وهما نظامان يتميزان بقوة القطاع الخاص المتمركز أساسا على اقتصاد شركات عملاقة ومتعددة الجنسيات الراغبة في الهيمنة على الاقتصاد العالمي . والنظرة اللاتينية ، على الطريقة الأوربية فرنسا، ألمانيا والتي تجعل مسألة التضامن الاجتماعي هاجسا اقتصاديا بالدرجة الأولى يتفاعل فيه عنصران مهمان : القطاع الخاص والدولة.
هذا فيما يخص الاقتصاد، ومكر السياسة بارز فيه بامتياز أما فيما يخص تجليات مكر السياسة على صعيد المسألة الديموقراطية ،فمن المعروف أن الانتخابات ، في حالة تزويرها ، يمكن أن تكون وسيلة لإخفاء الإكراه والتستر على القمع ، كما يمكنها أن تكون وسيلة لمحاولة التوفيق بين جوهر سياسي محدد مسبقا ومؤسسات شكلية تنازع الجوهر وهناك كذلك يبرز مكر السياسة.
إن النظام الملكي المغربي نظام مركزي مفتاحه هو الملك. فالمغرب يتوفر على تقليد خاص للحكم والدولة. فالملكية المغربية لم تكن نتاجا لمرحلة تاريخية حديثة، وإنما نتاج لشرعية تاريخية ثقافية وشعبية، كما أن السلطة المركزية ببلادنا ليست نتاج حديث ، إن تاريخها يمكن أن يعود إلى الأدارسة وشرعيتها هي شرعية : تاريخية ودينية، كما أنها شرعية سياسية وشعبية لأنها مبنية على البيعة وقد عرف النظام الملكي المغربي بعض التحديات، حيث أصبح نظاما نيابيا ثنائيا مجلسين وتم إقرار تنظيم جهوي، وتحديث بنيات المخزن.
وبهذا المنظور تكون المحاكم ليس لتجريم الناس ولكن لمساعدتهم على استعادة حقوقهم والدفاع عليها وليس العكس .
والحكومة في النظام المغربي، هي حكومة عاهل البلاد اعتبارا لصلاحياته الدستورية، واعتبارا لأن الاختيارات المجتمعية الكبرى يحددها الملك والحكومة تعمل على ترجمتها وتجسيدها. والاختلاف الحاصل يكون اختلافا حول سبل تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يستمد أسسه من التوجيهات الملكية.
في بداية القرن الماضي كان النظام القائم نتاجا لبنية سياسية واجتماعية. تتميز أساسا ببروز تحالف بين الأعيان الحضريين والقواد الكبار بالبوادي، واستطاع هذا التحالف السيطرة على القبائل استنادا على الدين لتبرير سيطرته وإضفاء لباس الشرعية على امتيازاته المحققة على حساب السواد الأعظم لسكان البلاد. وازداد هذا التحالف قوة بارتباطه الموضوعي مع الرأسمال الأوربي، الشيء الذي سهل تغلغل الاستعمار ببلادنا.
ومنذ الوهلة الأولى عمل الاستعمار على تحطيم البنيات القبلية الجماعية، وذلك بمساعدة القواد الكبار، وهذا ما أدى إلى التقارب بين القصر والحركة الوطنية لضمان دور الملكية في البنية الأساسية.
وفي الخمسينات، نظرا لتصاعد المقاومة في المدن والبوادي اضطر الاستعمار لتعديل مشروعه وإعادة النظر في بتحالفاته في إطار نظام رأسمالي تبعي كحلقة في الاستعمار الجديد وهكذا اعتمد الرأسمال الأوروبي على فئة من الوسطاء والسماسرة لإرساء قواعد نظام رأسمالي تبعي بالمغرب.آنذاك حركة المقاومة والحركة الوطنية وقد اتضح أنه لم يكن من الممكن إعادة هيكلة السلطة إلا عبر تدجين الحركة الوطنية والتخلص من جيش التحرير الذي أكد على ضرورة استمرار المقاومة إلى حد تحقيق الاستقلال الكامل.
وقد ساعد التطور الرأسمالي التبعي على خلق سوق داخلية مرتبطة بالمركز على حساب مصالح الجماهير الشعبية ولفائدة توطيد العلاقات بين البورجوازية الكمبروادورية والملاكين العقاريين الكبار. ومنذ الإعلان عن الاستقلال السياسي بدأت سلطة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار تتهيكل وتتقوى ، ومما سهل هذا المسار إجهاض استقلال فعلي تجسيدا لطموحات ، الجماهير الشعبية السياسية آنذاك – حركة المقاومة والحركة الوطنية وقد اتضح أنه لم يكن من الممكن إعادة هيكلة السلطة إلا عبر تدجين الحركة الوطنية والتخلص من جيش التحرير الذي أكد على ضرورة استمرار المقاومة إلى حد تحقيق الاستقلال الكامل .
وقد ساعد التطور التبعي على خلق سوق داخلية مرتبطة بالمركز على حساب مصالح الجماهير الشعبية ولفائدة توطيد العلاقات بين البورجوازية الكمبروادورية والملاكين العقاريين الكبار وهيكلة سلطتهم مستفيدين بالأساس من سياسة الوحدة الوطنية { وهذا وجه من وجوه المكر السياسي }واغتنام لتحطيم التنظيمات السياسية المعبرة عن مطامح أوسع الفئات الشعبية والمدافعة عنها .
وقد توجت هذه الفترة بانفراد القصر بالحكم .
فمن النتائج الأولى لاتفاقيات { ايكس ليبان } إرساء حكومة تابعة للاستعمار، مضمونة غالبيتها من الفئات المرتبطة به: عناصر من المخزن و البيروقراطية العصرية رغم ضمها بعض الأفراد من الحركة الوطنية، وقد كانت حكومة ائتلافية، طرفها الأول يدافع عن مشروع وطني و الطرف الثاني معادي لهذا المشروع، يمثل كبار الملاكين وكبار التجار المستفيدين من التغلغل الرأسمالي ببلادنا. وقد استطاع تحالف كبار الملاكين و التجار وبيروقراطية الدولة – الكمبرادور – إقصاء العناصر المنحدرة من الحركة الوطنية للانفراد بالسلطة منذ فجر الستينات.
وفي ظل هذه الظروف ساهمت البنية الاقتصادية التبعية في سيرورة تحويل الملاكين العقاريين الكبار إلى مضاربين في مجالات و ميادين مرتبطة بخدمة وتنمية المصالح الإمبريالية، كما ساهمت في تعزيز وتقوية البرجوازية الكمبرادورية في إطار التبعية للإمبريالية. هكذا تشكلت كتلة حاكمة بتوحيد مصالح و مصير البرجوازية الكمبرادورية في إطار التبعية للإمبريالية. هكذا تشكلت كتلة حاكمة بتوحيد مصالح ومصير البرجوازية الكمبرادورية المتوسطة الصاعدة التواقة إلى تأسيس نظام برجوازي عصري.
ومنذ 1962 انفردت الكتلة الحاكمة بالسلطة بدءا بدستور 1962 و إقامة مؤسساته بعد تنحية أحزاب الحركة الوطنية وبذلك تكرست هيمنة كبار الملاكين العقاريين و حلفائهم البرجوازية الكمبرادودية وبيروقراطية الدولة. فمع بداية الستينات واجهت الكتلة الحاكمة الصراع السياسي بالقمع الممنهج كأسلوب للتصدي ومواجهة الحركات النضالية الجماهيرية، ومع احتدام الصراع السياسي و الاجتماعي وتصدع أجهزة الحكم عمدت الكتلة الحاكمة إلى محاولة احتواء الفئات الوسطى عبر اتخاذ إجراءات اجتماعية تهما – توزيع جزئي لبعض الأراضي المسترجعة، خلق قاعدة وجود فئات وسطى اقتصاديا- إلا أن ذلك حدث في وقت ارتكز فيه التطور الرأسمالي التبعي على آليات الاقتصاد المغربي، بواسطة المديونية و الارتباط الوثيق بأسواقها، الشيء الذي عاق كل إمكانية تطور صناعي، و كانت النتيجة فتح المجال لاستثمارات طفيلية و تعزيز سيطرة البرجوازية الكمبرادورية على المؤسسات المالية و الصناعية بواسطة – المغربة – التي سمحت لبعض عناصر البرجوازية الكبرى غير الاحتكارية و فئات عليا من البرجوازية الكمبرادورية.
وفي بداية السبعينات انطلق حماس كبير مع المخطط الخماسي 1973-1997 اعتبارا لعوامل ظرفية ارتبطت بإعادة قسمة العمل بين المركز و الدول التابعة له وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار بعض المواد الأولية المصدرة و التراكم الذي حققته البرجوازية الكبرى. إلا أنه سرعان ما غابت تلك العوامل فتحول الحماس المفرط إلى خيبة أمل، واضطرت البلاد إلى فرض مخطط التقشف ) 1978-1981 ( و الخضوع للبنك الولي وصندوق النقد الدولي و اعتماد توجيهات الرامية إلى إلى تحقيق التوازنات بأي ثمن و تطبيق سياسة حقيقة الأسعار و السماح لقوانين السوق بالقيام بدورها بحرية و لو على حساب السواد الأعظم للسكان. آنذاك اتضح بجلاء أن أزمة البلاد أزمة هيكلية مرتبطة أساسا بالتبعية اللامشروطة للأسواق الإمبريالية و تعمقت الأزمة أكثر بفعل الطابع الطفيلي و الريعي للكتلة السائدة و هذا الطابع لم يسمح حتى بتحقيق درجة مرضية من التطور الرأسمالي التبعي على علته.
فعلى امتداد السبعينات كانت قوى اليسار في صراع ضاري مع النظام وقد تزامنت تلك الفترة مع المرحلة السوداء من تاريخ البلاد.
وساد القمع بمختلف أساليبه و ألوانه، ساد التهريب و التهديد و الاختطاف و نشر الرعب بين فئات الشعب هكذا انقسم البلد إلى فريقين كبيرين، فريق موالي للنظام مدافع عنه وفريق مناهض بمختلف الوسائل المتاحة الفكرية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية و النضالية، ومع تفاحش الأزمة و اتساع مظاهرها و تمظهراتها وتكاثر انعكاساتها عملت قوى اليسار على استثمار السخط الجماهيري الظاهر على صعيد الركح المجتمعي. وهذا ما هيأ جملة من الشروط لخوض نضالات طويلة النفس وواسعة المدى، الشيء الذي خلف عدة ضحايا – استشهاد، اعتقال تعسفي اختطاف، ونفي قسري…-.
ومع بداية الثمانينات شرع في تطبيق سياسية التقويم الهيكي كبديل للخروج من النفق، لكن الواقع المعيش أظهر بجلاء النتائج الوخيمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، و بالرغم من السخط الجماهيري، الواسع عليها، ظلت استراتيجية التنمية تعتمد على التصور الليبرالي المتوحش المفروض من طرف البنك الدولي المعبر الصادق و الراعي الأمين لمصالح الرأسمال الغربي والشركات و البنوك المتعددة الجنسيات.
فحين بلغت أحدات أروبا الشرقية بدأت تظهر مضاعفات أزمة الخليج و الحرب الحضارية الأولى على الصعيد العالمي و العربي و الوطني و اتسع الاهتمام على المستوى الداخلي بقضايا حقوق الإنسان و برز صراع سياسي بين أحزاب المعارضة و الكتلة الحاكمة مما دفع إلى اعتماد خطاب الانفتاح بالنسبة للأولى و عملت المعارضة للضغط لتقوية موقعها استعداد للتغييرات البادية بشائرها في الأفق آنذاك. هكذا و منذ منتصف التسعينيات بدأت مطاردة بعض الموظفين الساميين أصحاب القرار بل تجريمهم أحيانا، إلا أن الذين كانوا وراء هذه الحملة تناسوا أنهم هم كذلك أصحاب ملفات ضخمة وثقيلة.
وبعد توالي الاخفاقات و تزايد استفحال الأزمة بدأت الديمقراطية تفرض نفسها، كأولوية الأولويات و كسبيل للخروج من النفق، لكن شريطة احترام الثوابت و نبذ أساليب العنف و نهج طريق المساهمة و المشاركة في اللعبة السياسية عوض المواجهة و التصدي. آنذاك برزت على السطح ملامح السلم الاجتماعي و السياسي واعتماد الحوار.
إن الكتلة الحاكمة هي من ائتلاف بين الملاكين العقاريين الكبار البرجوازية الكمبرادورية والمسيطرين على المؤسسات المنتجة للدولة. فعلى امتداد سيرورة تكون تلك الكتلة الحاكمة تقوت ضمنها فئة من ذوي الامتيازات المخزنية و البيروقراطية، استفادت من مواقعها ضمن مختلف المؤسسات، و كانت هي الأكثر استفادة من السياسات المتبعة إضافة للمصالح الاقتصادية و المالية التي وفرتها لها البنية الرأسمالية التبعية. وقد ساهمت هذه الفئة في توسيع مجال الفساد الإداري ومناهضة عصرنة الحياة الاقتصادية.
إن طبيعة تلك الكتلة لم تكن لتدفعها للاهتمام بالإنتاجية أو تطوير أساليب العمل و الإنتاج و التفكير في إرساء الانطلاقة للاهتمام بالتكنولوجيا. وطبيعتها هاته جعلتها تناهض أي إصلاح زراعي يسمح بنمو سوق داخلية من شأنها إعطاء دفعة لتصنيع فعلي، كما جعلتها طبيعتها تكتفي بالمضاربة في مختلف الميادين ) العقار، التجارة، المال، الوساطة…( واستغلال أموال الدولة لفائدتها) صفقات، امتيازات متنوعة…(، وجعلتها كذلك تتملص من المشاركة في عبئ تكوين ميزانية الدولة، و ذلك من جراء الإعفاءات الضريبة أو التملص من أدائها. علاوة على أن طبيعتها الربيعية المضارباتية،و الطفيلية جعلتها تشجع مختلف أنواع الفساد و تهريب الأموال إلى الخارج، الشيء الذي جعلها لا تساهم بترويج أموالها بالداخل بطريقة.
وكل هذا جعل أسباب الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية تعمق على امتداد سنوات بموازاة مع ذلك لم تظل الكتلة الحاكمة مكتوفة الأيدي و إنما عملت بمختلف الوسائل على التوغل في النسيج الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، كما نجحت في استمالة جملة من الفعاليات التي كانت محسوبة على المعارضة لجانبها.
و ظلت نقط قواها هي السيطرة على الأجهزة الأمنية و الاستحواذ على الجهاز الإداري و على ممتلكات الدولة و استغلالها لخدمة مصالحها و تحويل المؤسسات التي من المفترض التعبير عن طموحات الشعب إلى آليات تكرس سيطرتها على المجتمع .
إن السيرورة التي عرفتها بلادنا سهلت إقصاء الحركة الوطنية من المناصب الحساسة في الإدارة المغربية و مواقع القرار، علاوة على أن القواد الذين تحالفوا مع المستعمر، مؤقتا ظلوا يشكلون سياسة استطاعت مراقبة البادية المغربية وإقصاءها من الدائرة السياسية و ذلك من وعي اعتبار للقوة التي يمكن أن تشكلها.
لقد عملت الإيديولوجيا السائدة على إقحام الليبرالية في خطابها، لا سيما على المستوى الاقتصادي مع مراعاة درجة كبيرة من التحفظية على المستوى السياسي و الاجتماعي.
هكذا كانت تستند على الإسلام و الليبرالية المتوحشة، فبعد الدفاع عن تدخل الدولة تم تحويل الاتجاه ب 180 درجة لتبني الليبرالية المتوحشة، فغالبا ما كانت الإيديولوجية السائدة تعتمد على الظرفية و الديماغوجية و بناء الخطاب على مجموعة من الأفكار و الشعارات البراقة، والاستفادة على منهجية تقنوقراطية، وهي منهجية تعتبر أنه من الممكن حل المشاكل باللجوء إلى أخصائيين دون إشراك و مشاركة المواطنين سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة.
ومنذ فجر التسعينات تقوى الخطاب المرتكز على الليبرالية و الانفتاح ومفهوم المتوسطية و التعاون الأرومتوسطي و الحوار العربي الأوروبي.
المخزن مؤسسة فاعلة في المجتمع المغربي، لها آلياتها و منهجيتها و عقليتها و أساليبها، و كان دائما و زير الداخلية الحجر الزاوية للعقلية المخزنية.
فالمخزن كان – وربما لا زال – رديف الهيبة – و الاستبداد و القمع و تمييع الحياة السياسية.
و هذه العقلية تعتبر كل إنقاد للواقع و المطالبة بتغييره قضية أو إشكالية تمس بهيبة الدولة، و هذا منطقي، ما دامت العقلية المخزنية تستمد قوتها بالأساس من القمع و التهريب. و كانت توكل هذه المهمة لرجال السلطة و رجال الأمن.و من هنا يبدو و بجلاء أن ما يميز دولة المخزن عن دولة المؤسسات هو أن هذه الأخيرة تكسب هبتها من مشروعيتها و من الثقة القائمة بين الحاكمين و المحكومين. فكيف يعقل، في إطار دولة المؤسسات، استغلال طاقات رجال السلطة في الإخبار و الاستخبار و التجسس على عباد الله و العمل على تكريس هيبة مصطنعة للمخزن ممارسة و تعاملا. وليس هذا بالغريب، فقد استطاع المخزن في الفترات السابقة خلخلة المجتمع و مكوناته بفعل القمع الممنهج لبلوغ هدف التحكم في الأمن السياسي.
فأما أصبح جهاز الدولة المخزني معبرا و حاميا لمصالح التحالف الطبقي البائد شكل عرقلة في وجه مسار تطورات مرحلة – ما بعد الاستعمار الجديد-. هكذا عملت المؤسسات الإمبريالية،و من ضمنها البنك الدولي على فرض بعض التغيرات لمحاولة لجم النضالات الجماهيرية و إعادة إرساء جو الاستقرار لضمان مصالحها، إلا أن هذه التغيرات لم تمس و لو قيد أنملة من الطابع المخزني للدولة، لذا اعتبر البعض أن المخزن لا زال يعتبر من العناصر المعرقلة لإرساء أسس بناء ديمقراطية حقة.
إذن، المخزن عقلية و نهج قبل أي آخر…إنه عقلية و نهج لمنظومة كانت تدبر الشأن السياسي للبلاد عبر التفرقة و تأجيج التعارضات بين مختلف القوى السياسية في ظل غياب قواعد واضحة و شفافة لتنظيم اللعبة السياسية. و الآن أضحى الوعي حاضرا بضرورة تغيير هذا النهج عبر تمكين المؤسسات الدستورية من القيام بالدور الموكل لها كاملا في ظل السيادة التحكمية للمؤسسة الدستورية من القيام بالدور الكامل لها في ظل السيادة التحكمية للمؤسسة الملكية.
و على الحكومة أن تحكم و البرلمان أن يشرع و الجماعات أن تضطلع بمسؤولياتها كاملة غيرمنقوضة دون وصاية و أن يكون القضاء نزيها مستقلا.
لقد كان يقال إياك من ثلاثة : النار و البحر و المخزن، إنها نصيحة يعطيها الآباء للأبناء، لكن الأمر كان لابد أن يتغير مع إقرار مبدأ دولة الحق و القانون، و هو مبدأ يجعل كل المغاربة سواسية أمام القانون، و هو مبدأ يجعل كل المغاربة سواسية أمام القانون،و المخزن و رجاله ليس فوق القانون و إنما تحت و طأته، لذا أصبح من المفروض تكريس روح المواطنة التي لن تستقيم باستمرار و جود الحذر كلما تعلق الأمر بالتعامل مع المخزن.
و نافل القول أن هناك من يطالبون بإصلاح حقيقي، و هناك من يطالبون بإصلاح حقيقي، و هناك من يريدون ترك دار لقمان على حالها بعد إدخال بعض الروتشات،و الذين يطالبون بإصلاح حقيقي يريدون للبلاد أن تنتقل من نظام الريع و الامتيازات و المحسوبية و الزبونية و تمركز الخيرات بين أيدي كمشة من سكانها، إلى نظام عادل في توزيع الثروات محترم لحقوق الإنسان و مؤسسا لدولة الحق و القانون و دولة المواطنة. و هذا الانتقال له طريق واحد لا ثاني له ،و هو الذي يمر عبر إصلاحيات سياسية و دستورية حقيقية.
و هؤلاء يدفعون في اتجاه إقرار نظام ملكي برلماني ديمقراطي.
ملحق
و كنموذج ندرج آخر بيان لجماعة العدل و الاحسان أصدرته بعد تصريح وزير العدل المرتبط بملف أحداث 16 مايو بالدار البيضاء المعروض على أكثر من محكمة بالبلاد حيث جاء في البيان المذكور ما يلي:
تناقلت وكالات الأنباء و الاذاعات ما طلع به على المغاربة وزير العدل محمد بوزبع في ندوته الصحفية يوم الأربعاء 6 غشت 2003 بخصوص المتابعات و المحاكمات التي تلت التفجيرات الاجرامية بالبيضاء. و قد أحدثت بعض تصريحاته تشويشا لدى المواطنين و المتتبعين السياسيين و الاعلاميين للساحة المغربية, حيث أقحم اسم جماعة العدل و الاحسان اقحاما في الموضوع, و ادعى أن 120 من أعضاء الجماعة اعتقلوا في سياق الأحداث, و هو ادعاء بعيد كل البعد عن الصحة و لايشرف حكومة تزعم الشفافية و الوضوح, بل لا يشرف جهازا المفروض فيه النزاهة و الصدق و تحري الحقيقة بكل قوة.
و للتدكير فان الحالتين الوحيدتين اللتين توبع فيهما أعضاء من جماعة العدل و الاحسان في حالة اعتقال هما ما تم في مدينة تطوان في حق الأستاذ عيسى أشرقي عضو مجلس الارشاد و الأستاذ أحمد حجيوج خطيب جمعة بمدينة المضيق, و نشير الى أن الحالتين معا كانتا بايعاز – كما صرحت الشرطة المعنية وقتها- من والي المدينة و هو كما لا يعلم كثير من الناس من حزب الوزير الساهر على العدل ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية), و قد تمت تبرئة الأستاذين معا مما نسب اليهما و أطلق سراحهما و أيقي على غرامات مالية حسابها معروف !!
و جاءت بعد ذلك متابعة الأستاذ عمر أمكاسو نائب الأمين العام للدائرة السياسية للجماعة في حالة سراح بسبب تصريح صحفي. أما ما سوى ذلك فهي اعتقالات كانت تتم في اطار مجالس النصيحة, مجالس تربوية لذكر الله و تلاوة القرآن و قيام الليل. و كان الاخوة المعتقلون يفرج عنهم مباشرة بعد الاجراءات الروتينية من التعرف على الهوية...
فهل تصريح وزير عدلنا غلط أو مغالطة للرأي العام الداخلي و الخارجي وراءها مكر سياسي تغذوه حسابات حزبية عفى عليها الزمان؟
نرجو ألا يكون الأمر وصل الى هذا الدرك, كما نرجو أن يكون تدبير قضايا من هذا الحجم في مستوى يرتفع عن الحزبية المقيتة التي جنت – من بين ما جنا- على المغرب لعقود متتالية./.
التعليقات (0)