صدر بموقع الأوان مقال بتاريخ 29 جوان 2010 عنوانه : الغناء رقيَة إبليس و بريدُه جاء فيه : أسقط في أيدي طلاّب إحدى الثانويّات السعوديّة، وخيّم عليهم شعور غالب بأنّهم راسبون لا محالة ماداموا أجابوا بأنّ الغناء جائز في امتحان مادّة الحديث. ومبعث هذا الفشل المؤكّد أنّهم بذلك التجويز قد وافقوا آخر اجتهادات الموقّعين باسم اللّه، ولكنّهم، في الآن ذاته، خالفوا منهج وزارة التربية والتعليم التي تعتبر الغناء حراما.
ونشرت صحيفة "الحياة" الاثنين 28 – 6 – 2010 أنّ طلاّب ثانويّة شرق العاصمة السعوديّة الرياض فوجئوا بسؤال في اختبار الحديث للصفّ الأوّل الثانوي عن حكم الغناء في ظلّ الجدل الدائر، أخيرا ، على حكم الغناء والمعازف والملاهي. وممّا يخشى منه أن تكون الكثرة من الطلاّب تحت تأثير فتوى الشيخ عادل الكلباني الأخيرة قد أجابوا – لسوء حظّهم – بأنّ الغناء جائز والعياذ باللّه، رغم أنّه محرّم – بحسب منهج وزارة التربية – في القرآن والسنّة والإجماع !!
وكان السؤال الخطير الذي يراعي، بلا ريب، مستوى الطلاّب العمريّ والذهنيّ يقول: " ما حكم الغناء مع الدليل؟"
وأجاب المدرّس الذي طرح السؤال العبقريّ عن سؤال ما العمل إذا أجاب الطلاّب بأنّ الغناء مباح؟ فقال : " لو أجاب طالب فأنا ملزم بنصّ المنهج، وهو أنه محرّم، ونحن وطلابنا غير ملزمين بالاختلافات، بل ملزمون بالمنهج، وهو ما اعتمده العلماء ومدعوم بآيات، وأحاديث نبوية، وإجماع أهل العلم.." وأضاف بأنّ "منهج الحديث للصفّ الأوّل الثانويّ قامت عليه جهة إشرافية معتمدة ومسؤولة في وزارة التعليم، وهي التي ألّفت الكتاب ووافقت عليه، ولا يحقّ لنا الافتئات عليها.." واستطرد، بثبات ويقين : "منهجنا معروف لكلّ من لديه تلميذ يدرس بالصفّ الأوّل الثانويّ، وحكم الغناء معروف للصغير والكبير في مجتمعنا.."
وكان الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم المكّي السابق قد أجاز الغناء مستشهداً بالنووي وابن كثير، واشترط أن يكون بقصد الترويح، وألاّ يكون الكلام فاحشاً حسب قول "ابن حزم"، وقال، كما نقلت عنه جريدة "الوطن" بتاريخ 24 – 6 – 2010 : "يجب ألاّ يكون الغناء الهمّ الأوحد للشخص، وأنّه لا مانع من الأغاني إذا كانت بدون نساء ولم يكن كلامها فاحشاً". واتّهم الشيخ الكلباني زميله الشيخ عائض القرنيّ بـ"غفلة الصالحين"، لأنّه يحرّم الغناء من جهة، ويكتب لمحمّد عبده من جهة ثانية !!
هذا الاجتهاد "الخطير" كلّف الشيخ انتقادات طبقة "علماء" الدين ليس آخرها انتقادات الشيخ صالح اللّحيدان صاحب الفتوى الشهيرة بقتل ملاّك الفضائيّات ( مجمع البيان في نصرة صالح اللحيدان وبذيله الفشوش في حرب الدشوش ) الذي أكّد أنّ الكلباني إمام مسجد ومقرئ وليس عالماً مؤهلاً لتقديم الفتاوى. ثمّ قطع مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الخلاف بردّه على من يجيز الغناء والعياذ باللّه فقال: "إنّ العلماء لا يحرّمون بأهوائهم وإنّما يحرّمون بالدليل من الكتاب والسنة، فلمّا رأوا أنّ نصوص السنّة على ذمّ الغناء، والقرآن في ظاهره كذلك، كما قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره إنّ لهو الحديث هو الغناء، فهذه أمور واضحة وجليّة، فالعلماء الذين حرّموا الغناء ما حرّموه عبثاً. ولابن القيم في إغاثة اللّهفان أصول متعدّدة ذكر فيها شبهة المبيحين وأدلّتهم جميعاً وبيّن الحق من الباطل، والمسلم الذي يؤمن بالله لا يسمع ألفاظاً وقحة شنيعة فيها من الفحش والقبح ما يصد الإنسان عن سماعها، فالمسلم إذا سمع الأغاني وألفاظها لا يتصور أن الإسلام يجيز هذا.."
وفي أثناء كلّ ذلك، تستمرّ مأساة هؤلاء الطلاّب وغيرهم من المتعلّمين الواقعين بيْن فكّي كمّاشة، فهم يشاهدون الفضائيّات التي يمتلكها أبناء جلدتهم ودينهم ومذهبهم تبثّ الغناء صباح مساء، ويرون ولاة أمورهم يحضرون الحفلات الغنائيّة، وفي صدارتها أوبريت "الجنادريّة" التي يجتمعون عليها كلّ عام، ويدرّسون، في المقابل، بأنّ الغناء رُقْية إبليس وبريده، وبمثل ذلك يخبّرهم خطباء المساجد والمفتون وممثّلو "الوان مان شو" في فضائيّات "العفّة".
وضع صعب لا يرجوه أحدٌ لهذا الجيل الذي نعدّه للمستقبل بمثل هذه المناهج التعليميّة المرتبكة والمتناقضة والمتخلّفة، وبمثل هذه الترّهات التي صارت شغل الناس في أيّامهم ولياليهم و كأنّنا فضضنا كلّ مشاكلنا و لم يبق سوى البتُّ في شرعيّة الغناء.
التعليقات (0)