الغزو الإسرائيلي و الفوتوشوب العربي
مصعب المشرّف
22 يوليو 2014م
على وزن "فيلم عربي" .. أصبح لدينا وبفضل عصر المعلوماتية ما يمكن الإصطلاح عليه بمسمى "فوتوشوب عربي".
وبعد أن كان ألـ "فوتوشوب العربي" مقصوراً على الدعوة الإسلامية "الحديثة" .. وتتراشق علينا بفضله صورها وفيديوهاتها المفبركة من مكاتب الدعاة الجدد ذوي السكرتيرات الفاتنات ... فإن الغزو الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة صادف جنوح كثير من الشباب الفلسطيني والعربي وحتى الماليزي والتركي والبنغالي إلى تركيب صور ولقطات عن بعض جوانيب هذا الغزو بتقنية الفوتوشوب .. وهو ما أضاف بعدأ سلبيا جديدا للفشل الإعلامي العربي في عرض القضية الفلسطينية ؛ وإكتساب الرأي العام العالمي وتعاطفه بالمنطق والعقلانية.
السبب الأرجح في جنوح هؤلاء الناشطون الشباب عديموا الخبرة ؛ هو الإحساس الذاتي بالعار والخجل لهوان العرب والمسلمين .. والسهولة التي بات الجيش الإسرائيلي يمارس بها إستباحة المدن والقرى والأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة ..... ويدخل ويخرج في رعاية الكرم العربي الأصيل ولسان الحال يردد دائما : يا هلا ويا مرحبا .. وصُبوا القهوة وزيدوها هيل.
ولكن كان على هؤلاء الشباب أن يتعلموا من عدوهم ؛ بدلاً من اللجوء إلى إعادة تركيب ونشر هذه الصور الخادعة التي تصور الجندي اليهودي على أنه جبان . أو تفبرك صور من أفلام الرعب الخيالية التي تنتجها هوليود وبوليود ..... إلخ.
مثل هذه الفبركة إن جاءت كاذبة مكشوفة تقلل حتما من مصداقية العربي والمسلم لدى الرأي العام العالمي.
والذي يثير الشفقة بوجه خاص في المجتمعات العربية أن الإنسان العربي ولشدة تخلفه فإنه عند حصوله على معلومة ما ؛ يظن أنه هو الوحيد الذي يعرفها من بين كل ملايين العرب من الخليج إلى المحيط.
ومأساة الإنسان العربي العامة الأخرى ؛ أنه يظن نفسه هو وحده الذكي الفهلوي ، وأن الغير محض بلهاء وأغبياء ... والسبب في هذا الشعور الغالب أن الإنسان العربي من الغفير وربّات البيوت إلى الوزير يعاني الإنغلاق المفروض عليه جراء سياسات التعتيم والتكتيم التي كانت ولا تزال سائدة على مصادر وحرية نشر المعلومة ومناهج التربية والتعليم.
ثم إن واقع هوان العرب والمسلمين على أنفسهم والناس أجمعين ؛ إنما ينبع من تجاهل الحكومات العربية والإسلامية لأهمية البحث العلمي .... وعدم رصد الميزانيات المجزية لدعم وتمويل البحث العلمي ، في عصر لم يعد فيه لغير العلم سبيل للتطور والتقدم وتحقيق الرفاهية والإستقرار.
الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي عام 2014م يقدر بمبلغ 306 مليار دولار .. ونصيب الفرد 30,000 دولار ....
وتخصص إسرائيل 6% من ناتجها للبحث العلمي ... وهو ما يعني أنها تخصص مبلغ 1,836,000,000 دولار سنويا للبحث العلمي (مليار وثمانمائة ستة وثلاثين دولار) .... وهو مبلغ يمثل أضعاف ما تخصصه الدول العربية جميعها للبحث العلمي ..
علماً بأن معظم ميزانية البحث العلمي في البلاد العربية عامة تذهب ويتم هدرها على قلتها لتغطية رواتب ومهايا وأجور ومكافآت ، وبدلات ونفقات ومصاريف أخرى هامشية تخصص للإداريين خاصة قبل الباحثين أنفسهم.
وفي إسرائيل وغيرها من دول حتى ألمانيا وهولندا بعض الفساد والرشاوي وسرقات المال العام وهدر للموارد .. ولكنها لا تشكل ظاهرة مرضية حكومية عامة مثل تلك التي لدى الدول العربية والإسلامية .
والبعض بالفعل من المسلمين ؛ وبسبب الجهل والإندفاع وقلة الخبرة وحتى الحيلة ؛ يتعامل أحيانا مع القضايا بنفس الأسلوب الذي نهى عنه القرآن الكريم عند قوله في وصف أمثال هؤلاء:- {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} سورة الكهف.
وحبذا لو توخى هؤلاء الأمانة في النقل إمتثالاً للهدي الرباني عند قوله { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ} 18 سورة الزمر
على الجميع أن يدرك إذنْ أنّ عصر المعلوماتية يفضح كل الأكاذيب ولقطات الفوتوشوب .. وبنحو عام فإن الإنسان في العصر الجاري لم يعد كإنسان زمان ؛ الذي كان يستقي معلوماته والأخبار بأذنيه وعينيه عبر قناة التلفزيون الحكومي أو التجاري المدعوم ... أو عبر الصحف التي يقف خلف كراسي رؤساء تحريرها جيش من أجهزة الرقابة الأمنية الصارمة في بلادٍ يفوز الرئيس في إنتخاباتها الصورية بنسبة (89%) فما فوق...... نسبة يدخل بها الرئيس الملهم "كلية طب رؤساء الجمهوريات" بجدارة ودن الحاجة إلى واسطةً.
التعليقات (0)