الغزل والنسيج في الموصل نصف قرن من الإنتاج المتمييز
بقلم
شريف هزاع شريف
عُرِفَتْ مدينة الموصل التي تعتبر عاصمة العراق الشمالية لأهميتها التجارية وموقعها الجغرافي ما بين إقليم كوردستان الشمال والعاصمة العراقية بغداد ، بنوع من القماش القطني الذي يتميز بالجودة العالية يسمى بالـ ( Muslin) وربما هو الحافز الذي دفع ملك العراق آنذاك ( فيصل الثاني ) بإنشاء معمل نسيج الموصل عام 1954 بخط إنتاج فرنسي مميز ليبدأ رحلة الإنتاج الفعلي عام 1957كان حلم الملك إعادة إنتاج مثل ذالك النوع الذي وصل أوربا وقتها فعرف عندهم وذكر أدبياتهم .
لكن حلم الملك لم يتحقق حين بدأت الصين وسوريا وغيرها من البلدان بغزو العراق بالمنتجات القطنية التي سببت كسادا اقتصاديا ملحوظا وهذا ما أحبط معنويات 2448 عاملا وفنيا مهندسا يرون انه لا مستقبل لهم في المصنع إذا استمر الحال على ما هو عليه لان هذا ينبئ بإغلاق المصنع في المستقبل والذي يبقيهم هو فتات المفاهيم الاشتراكية التي تعين المصنع على دفع رواتب العاملين والذي يضطر المصنع بيع القماش باقل من تكلفنه الحقيقية بفارق 3-5 % للمتر الواحد .
الظروف الأمنية حالت دون أن يعمل العمال كما كانوا في الماضي ثلاث وجبات حيث لم تتوقف الآلات صباح مساء فكانت طاقته الإنتاجية في الثمانينات 100 ألف متر يوميا من الأقمشة المتنوعة أما اليوم فلا يعمل المصنع سوى بوجبة صباحية ونصف وجبة مسائية ليصبح إنتاجه 20 إلف متر يوميا فقط !! وعلى الرغم من ذلك فهو يغطي متطلبات السوق المحلي فمنتجاته الخمس ( الخام الأسمر والأبيض والهمايون و قماش الرافدين وقماش النوارس ) التي تصدر إلى بغداد والنجف ودهوك والكثير من المحافظات .
معمل نسيج الموصل اليوم يشكو من ضعف إنتاجه بسبب إهمال الحكومات السابقة في تطويره فقد دخل أخر خط إنتاجي له عام 1990 روسي المنشأ لكن بدخول العراق الكويت غادر جميع الخبراء وحجز آخرين كرهائن وغادر الفنيين الروس العراق تاركين ورائهم المكائن بصناديقها الخشبية مما دفع المهندسين المبدعين إلى تشغيلها .
محمود دخيل محمد مدير المصنع حاليا - مهندس بدرجة خبير - كان وقتها في قسم الهندسة والصيانة قال " لم يكن أمامنا سوى طريق واحد أن نضع الخط الإنتاجي على الأرض ليعمل وهذا ما حدث فعلا بعد عمل شاق ولازال الخط الإنتاجي شغالا لكن هذا لا يكف فالمصنع بحاجة إلى الكثير." و عملت الكوادر العراقية على صيانة الآلات حتى أن الروس الذين دعوا في فترة لتطوير وصيانة الخط الروسي في المصنع قالوا " هذه الخط ليس من صنع روسيا .. لقد غيرتم كل شيء وأبقيتم فقط على اسم المنشأ !!! .... لكن الآلات تلك كانت تعمل رغم كل شيء بمعجزة اسمها (المهندسين الشباب ) " .
على الرغم من وجود أمل ضئيل في الحكومة الديمقراطية الجديدة لتطوير المصنع إلا ان أي مبادرة لم تظهر في الافق ولم تتلقى الشركة العامة لصناعة الالبسة الجاهزة ( المصنع جزء منها ) سوى 1 مليون دولار لتطوير قطاع الغزل والنسيج ولاستيراد بعض الادوات الاحتياطية لادامة المصنع وهو قرض خال من الفوائد قدمته وزارة الصناعة في عام 2006.
اليوم يتجه العراقيون الى شراء المنتجات المستوردة وبشكل جنوني مما اثر وبشكل ملحوظ على المنتج الوطني محمود دخيل مدير المصنع يقول ان إنتاجنا أفضل بكثير من المنتج الصيني والسوري " لان إنتاجنا قطن 100% وهو مكلف قياسا بالمنتج السوري او الصيني الممزوج بالبولستر وهو رديء جدا لكن الناس الان تتجه لشراء الرخيص نظرا للظرف المادي ثم ان مبدأ الضريبة والكمارك لازالت معطلة وهذا ما كان سيحول دون حدوث مثل هذه السلبيات " فاليوم تجد في احد المحلات قميصا فرنسيا بسعر 30$ و اخر ايطالي بسعر 25$ وبجانبه قميصا بسعر 3$ صنع في الصين ولو قام العراق بتصنيع قميصا فسيكون بسعر 6$ لكنه سيكون اجود من الصيني والسوري .
دخول المنتجات المستوردة الرخيصة خفضت مستوى الطلب على المنتج الوطني لكنها خففت الكثير مما كان يشكو منه العراقي في السنوات الماضية في شراء الملبس و بعض حاجيات التأثيث المنزلي حيث ان على الشاب الذي يتقدم للزواج توفير المنسوجات والأقمشة والفرش ( السجاد ) بأنواعها والتي كانت تكلفه أكثر من 1500$ أما اليوم فهي بـ 750$ - تحسين صديق تاجر أقمشة - قال " لازلت أفضل المنتج المحلي وهو عالي الجودة لكن هذا لايعني إنني لا استورد المنتج الأجنبي فهو ارخص ثمنا وأكثر استهلاكا مع هذا لازال الكثير من الزبائن يفضل المنتج الموصلي لجودته "
رافقني ضرار حيدر المهندس الفني في المصنع ودخلنا معا صوب قطاعات الإنتاج قال " عملت مؤخرا في المصنع ربما الذي تعلمناه في الجامعات لا يكف لإرجاع المصنع على ما كان عليه في الزمن الماضي لأننا نحتاج الكثير من التطوير تنقصنا الآلات الحديثة التي تؤهلنا إنتاج الأقمشة التي تنافس أجود المنتجات الأجنبية " تركته والمجاميع الغفيرة من العمال والفنيين تحاور خيوط القطن الأبيض والكثير منهم يدرك تماما أن المستقبل قد لا يحمل لهم في طياته الأنباء السارة لكن العمل يجب أن يستمر ...
نشرت في جريدة الزمان تحت اسم صناعة (الموسلين) استحدثها فيصل الثاني وأضاعتها المعامل الحديثة
التعليقات (0)