الغروب
بقلم / ثريا نافع
كم كنت اتمنى دوما ان اعمل ممرضة لاقوم بالواجب الانساني تجاه الآخرين ولكن شاءت الاقدار ان اتطوع بدور بديل للممرضات كلما اتيحت لى الفرصة ..
كان صوتها وهى تنادي باسم ولدها وابنتها يستوقفني ائما أنا ازور دار المسنين ..
استمع إلى همسها الواجف ومن صدر شقته اللوعة وهى تنادى : أين أنت يامحمد
أين أنت ياهند ؟
كعادتي وقفت بجانب سريرها , اتامل عينيها التائهتين , امسح بكفي على رأسها , ادقق في شحوب وجهها كشحوب خلفته غيبة شمس خريفية ..
واعرف أنها تشعر بي عندما تتناول يدي بين يدها المهزولة التي دائما ما اراها ترقد رقدة الاستسلام بجانبها .. فتقرب يدي إلى شفتيها وتقبلها فيسرى الدفء في جسدي سريان النسغ من الجذور إلى الغصون ويعلو وجيب قلبي ..
عندما تشعر مريم بوجودي أرى العين الخابية تلمع إلى حين في محاولة يائسة لاسترداد الحياة ..
لقد هدت الشيخوخة وقسوة البنين والبنات والأهل والخلان هذا الجسد وأشاعت فيه النحول والضعف ليصبح محملا بمرائر لا يقوى على تحملها أو إدراكها
لم يتبق من مريم إلا خيط واه يربطها بالعالم الخارجي بعد أن أصيبت بجلطة دماغية جعلت نصفها الأيمن عاجزا عن الحركة وانحسار دائم لذاكرتها وثقل في لسانها ..
وهكذا نسيت مريم داخل جدران الدار ونسيها كل من حولها فقد طالت رقدتها ..
لست ادري ما الذي يربطني بها .. شئ ما يخترق الحواجز والسدود ليصل إليها خلال عزلتها .. ويأخذني العجب من جفوة الإنسان وشقائه فأتحسس قلوب أغلقت أبوابها بأقفال من القسوة .. وغشاوة استقرت في الأفئدة وعمرت فيها كل ملاهي الحياة واندفاعه الطيش وجهله ..
كم هو شحيح هذا الزمان الذي يفرض الصدام على العجزة والمسنين ..
مازالت يدي بين يدى مريم تتشيث بها .. تضغط عليها في فهم مشترك وود صامت .. التقطت عيناي فوق جبينها لحظات من الشرود وفكر غاب منذ زمن .. وفى العين دمع لم تجهر به .. تحسست جبينها وإنا أفكر كيف كانت وكيف أصبحت ؟؟
أهذا كل ما تبقى منها .. عين شاخصة .. وجه شاحب .. يد وانية ضعيفة في حركتها تعثر وارتعاش .. تمارس خداعا ذاتيا لنفسها كل يوم ممنية النفس بزيارة من احدهم للسؤال عنها وعن صحتها ..
كانت بالتأكيد مريم ذات يوم ملء العين والقلب لمن حولها .. ووهبت روحها رحيقا من اجل من عاشت من اجلهم .. !!
واليوم تستجدي من أحبتهم لتراهم وتستمتع بهم للحظات لن تأخذ من وقتهم الكثير ..
وعلى غير انتظار سمعت مريم تردد ولأول مرة وبصوت واضح النبرات هامس حان وهى مازالت محتضنة يدي بشدة بين يدها : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ياارحم الراحمين ..
ناديتها بصوت باك : أمي مريم ..
فتحت عينيها قليلا وتأملت وجهي وسألتني : هل لي بطلب
ـ من عيني ياامي
ـ ابلغي سلامي لأبنتي وولدي اذا رأيتهم فقد آن للنازح أن يعود من حيث أتي , كما ارجو ان تقولي لسعاد ممرضتي جازاها الله كل خير على معاملتها الطيبة معى ..
كنت أدرك ان كل كلمات العالم لن تعوض مريم او غيرها لحظات الوحدة والشعور بوجع الإهمال والتناسي ..
انهالت الدموع من عيني .. وفجأة سكن وجهها الشاحب نور بهي كنور شمس ستغيب وابتسامة رضا وقد تعلقت عيناها بوجهي ..
وبهدوء أفلتت يدي من يدها ..
ناديت بأعلى صوتي فهرولت سعاد ملاك الرحمة التى كانت مريم تأنس لها وفى اقل من الثانية وجدتها امامي تتحسس نبضها ودموعها تنهال لندرك أن برودة الموت على شدتها وحدتها الا انها أحن وادفأ لها من كثيرين أضفت مريم فى شبابها على حياتهم محبة وسعادة وعطرتهم برحيق روحها وسقتهم من قوت قلبها ولكنهم تركوها تعاني احتياجها الى لمسة منهم وكلمة تطفئ بها الم المرض ووحدته .. ..
التعليقات (0)