فضاء الكلمة
بقلم: خليل إبراهيم الفزيع
الغرب.. وازدواجية المعايير
في كل مناسبات احتفال إسرائيل بقيام كيانها.. المنبوذ من قبل جيرانها، بعد أن سطت على الأراضي الفلسطينية، وشردت سكانها بقوة الحديد والنار، وبعد تجريد الشعب الفلسطيني من كل ممتلكاته، في سابقة لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلا، في هذا العصر الذي يفترض أن تسود فيه الحرية وصيانة حقوق الأفراد والشعوب، وفق المواثيق والقرارات الدولية التي اخترقت على رؤوس الأشهاد، من قبل فئة ظالمة ساندتها قوى غاشمة عرفت بمواقفها المعادية للعرب والمسلمين، نقول: في مثل هذه المناسبات يجدد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية للدولة المغتصبة ولاءهم المطلق، ويمنحونها صك براءة من جرائمها التي ارتكبت ضد شعب بأسره، بل أمة بأسرها، غير عابئين بكل ما يعنيه ذلك من إساءة مباشرة لهذا الشعب، أو لهذه الأمة، حتى إنهم يتحدثون كما لا يتحدث أي حاخام يهودي في مثل تلك المناسبات، بعد أن يثقلوا خطاباتهم بالكثير من العبارات التي يستعيرونها من التوراة.. لكنهم فيما يتعلق بالبلاد العربية لا ينسون تغيير جلودهم للظهور بمظهر الحرص المزيف علي مصالح الفلسطينيين خاصة و العرب عامة.
هذه الازدواجية في المعايير التي طالما تبناها الغرب في مواقفه من قضايا العرب والمسلمين، هي امتداد للخلل المعياري في المواقف الغربية بصفة عامة، فالغرب هو الداعي لحقوق الإنسان، لكنه الأكثر إساءة إليها، ففي بريطانيا على سبيل المثال تقول إحصائية صدرت مؤخراً: إن 81% من المسلمين يرى أن حرية التعبير في الغرب استخدمت كوسيلة للطعن في الإسلام، و88% يريدون تدريس تعاليم الإسلام في مدارسهم، دون أن يجدوا من يصغي لمطالبهم، فإذا كان هذا هو الحال في واحدة من قلاع الحرية في الغرب بريطانيا فكيف هو الحال في بقية دول العالم الغربي. لا غرابة إذن أن نقول: إن الغرب فشل في إقناع المسلم العادي بأهمية الحضارة الغربية في ظل هذه الممارسات المتناقضة بين ما يدعو إليه من جهة، وما يطبقه من جهة أخرى.. بين ما يطبقه على مواطنيه وما يطبقه على غيرهم من الوافدين.. بين ما يمارسه في الداخل وما يمارسه في الخارج في مجال حقوق الإنسان.
إن ازدواجية المعيار الغربي في الترويج للقيم الغربية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، أسهمت بشكل متواصل في تقويض مصداقية تلك القيم، حيث بلغت هذه الازدواجية حدا كبيرا، من خلال الممارسات الأمريكية في بقاع كثيرة من العالم، وليس ببعيد عن الأذهان، تلك الفصول المتعلقة بسجن (أبي غريب) وسجن (غوانتينامو) فقد أظهرا حقيقة نفاق الغربيين وحقدهم وكراهيتهم للعالم؛ والأفكار الغربية مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تزال تتلقى الصفعة تلو الأخرى، ليس من قبل المسلمين أو غيرهم، ولكن من قبل الولايات المتحدة ذاتها، وموقفها من القضية الفلسطينية خير دليل على ذلك.
تري ما هو رأي الغرب من تزايد أعداد المسلمين في البلدان الغربية حيث إن عدد البريطانيين الذين يعتنقون الإسلام سيصبح في غضون العشرين سنة القادمة مساوياً أو أكثر من عدد المسلمين المهاجرين الذين انتشروا في بريطانيا كما تقول روز كندرك مؤلفة كتاب (المرشد إلي القرآن)، والولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه الظاهرة، فأحد الخبراء يقدر عدد الأمريكيين الذين يدخلون الإسلام سنوياً بخمسٍ وعشرين ألف شخص، علماً بأن إحصائيات أخري تقول: إن العدد أكبر بكثير من ذلك.
أمريكا في ظل إدارتها الجديدة هل ستستمر على هذا النهج.. سؤال سيجيب عنه قادم الأيام؟ مع أن السياسة الأمريكية لها ثوابتها السياسية.. لكنها ثوابت ليس من المستحيل أن تتغير دون أن يعني ذلك التفاؤل الكبير في واقع تحكمه ازدواجية المعايير، وهي ازدواجية تعني أن الأخطار لا زالت تحدق بالعالم.
التعليقات (0)