لم تحتفِ الغربة مسبقاً بوجهي,ولم تستحوذ على حنيني لجذوري عند مفارق الطرق,ورغم ذلك يتراقص في داخلي شعورتشرينيّ يمنحني برودة قاسية.
أخاله ذاته شبح غربتي التأمليّة ,ولا شيء أصعب أن تحسّ بمعنى تلك الحروف بين أهلك.وذويك.
فالغربة هنا لا تعتدْ بمسافات تختلج فوقها أيادي الملوّحين,ولا تقترن بطائرة تقلّ الجسد المرتعش إلى أرضٍ جديدة يكون أول جسد تستقبله بمفرده ,فجوارحه بقيت هناك في الأرض الأولى ,ترك بعضها ممزوجاً بتراب حديقة منزله والبعض الآخر بقي عالقاً في شغاف سماءٍ طبعتْ خيالاً أنثوياً وحيداً داخل مقلتيه.
وشبح الغربة هذا شبيهٌ لحدٍّ كبير بمعالم غربتي, لكن المسافات تبدو لي أبعد من طريقٍ تصله ببضع ساعات,هو شيءٌ أعمق بكثير....
عندما يتجمّد القلب وسط قلوب قريبة جداً لاينتظر منها إلا أن تمدّه بحرارة وجودها قربه,فيصحو في اليوم الآخر ليجد نفسه وحيداً لا أحد يحتويه,وبعد تفكيرٍ مطوّل يجد أن الفارق بين اغترابه وغربته ضئيلٌ للغاية...
وعندما تتسلل الأفكار من خلف الواقع باحثةً عن صدى لنفسها في عقول المحيطين تعود خائبةً من حيث أتت فلم تجد انعكاساً لها أو حتى نيّة في قبولها,فالأفكار أيضاً لم ترَ فارقاً بين غربتها واغترابها....
وعندما تنتحر الصُدف النبيلة في عالم المصالح يُضاء في غرفتي قنديل الوحدة,وأصل بعد طول بحث لمقعد العزلة ,فحاله كحالي؛عندما قطع الأمل فيمن حوله آثر العزلة مثلي ,لكنّ عزلته كانت بكلّ شيء,فقد نسي الناس ملامح وجهه,وانقطع ذكره على الألسن,أما أنا فبقيت كما أنا ,وظلّت خطوات حذائي ذي الكعب العالي معروفةً لكلّ الناس ,لكني سافرتُ بقلبي وأفكاري وأبقيتُ بيني وبين الناس مسافةً كافيةً لاغترابي,تماماً كالمسافة بين مطارَيْن لكلٍّ منهما أبجدية خاصّة مع أن الحروف اللاتينية ذاتها ,لكن لكلٍّ طريقته في التعبير,لذا قررت الغربة داخل عينيّ وطني,فلي وحدي من يفهمني ويحتويني بين ذراعيه,غرفةٌ مليئة بالأحلام,وقلم دافئ يُترجم حركات يدي,ويتقاسم برفقتي أفكاري وفنجان قهوتي ..
لاأُنكر أني أشتاق للعودة من تلك الغربة ,وأشارك كلّ من حولي فرحة رؤيتي من جديد, ولهفة عودة حقائب سفري,وحنينها للغبار الذي رافقها عدة سنين قبل الرحيل ,لكني وجدت في تلك الغربة شوقاً منهم لم أجده وأنا بينهم,فكان منفاي نقطة بداية لأرى دمعةً تُّذرف لأجل فراقي.....أترانا في البعد نصبح أغلى؟!!
فإن كانت الغربة سترينا أنفسنا في عيون الآخرين لن أحزن إن بقيتُ طول المدى أستقلّ حلماً وأترك آخرَ,علّي أعود إنسانةً أخرى,وأقرأ في عَبَرَاتِهم حروفاً ثلاثةً يكون فيهااسمي امتداداً لجميع الأسماء ,فينزف حبري حياءً بعد الغياب ,عندها فقط سأكسر صدى وقْع كعبيّ العالي لديهم وأعود كما وُلدتُ, رغم كلّ الخيبة بوجود من يفكّ رموز أفكاري,وينتشي ليلة كلّ سبعة أيام بفهم سر اقتراني بمقعدِ عزلتي التأمليّة........
seba.H
التعليقات (0)