سواء صدق حلفاء المالكي وأعوانه بالقول بأن "المالكي لم يعني ابدا أثارة مشاعر أنصاره للنزول الى الشارع والهتاف ببطلان النتائج المعلنة من قبل لجنة الأنتخابات" ، أم لم يصدقوا . فأن الضرر قد وقع فعلا وأنتهى الأمر . ليثبت المالكي بتصريحاته اللتي أعتبر فيها الطرف الفائز "بعثيا" ؟!! ، بأنه لا يختلف عن الباقين أبدا في أستعداده لأحراق الأخضر واليابس في سبيل الكرسي .
عندما شغل أياد علاوي" رجل ال CIA " (كما يطلق عليه نظرا للتمول اللذي كان يتلقاه منها حزبه قبل الأحتلال) منصب أول رئيس وزراء عراقي بعد الأحتلال لمدة ستة أشهر ، لم يكن حال الفساد والخدمات في العراق بأفضل من حالها خلال فترة حكومة المالكي ابدا . بل أن الفساد الأداري والمالي كان على أشده في تلك الفترة .
لذا فأن فشل المالكي في تحسين الخدمات ، وفشله في أقناع العراقيين بأن كل المشاكل الأمنية سببها البعثيين فقط دون "غيرهم" ، ليست هي الأسباب اللتي أدت الى خسارته نسبة كبيرة من المقاعد اللتي كان المراقبون يتوقعون حصوله عليها قبل الأنتخابات النيابية أعتمادا على نتائج الأنتخابات المحلية السابقة .
ألا أننا يمكن أن نقول بأن علاوي اليوم يحصد ثمار غباء المالكي السياسي اللذي أعتقد أنه قادر على القفز فوق الحقائق الجيوسياسية اللتي تشكلت بعد الأحتلال بالتبرء من حلفاء الأمس حينما أعتقد بأنهم سيكونون عبأ ثقيلا عليه في الأنتخابات الحالية أعتمادا على نتائج الأنتخابات المحلية السابقة . وليس لأي سبب آخر .
كما يستمر غباء المالكي السياسي بأطلاق التصريحات المثيرة للتعجب والأشمئزاز قبل وبعد أعلان النتائج النهائية للأنتخابات ، واللتي هدد فيها بصيغة التحذير من أندلاع أعمال عنف في حالة خسارة ائتلافه لمقعد رئاسة الوزراء . ومن أن العراقيين سوف لن يسكتوا أذا لم تصحح الأوضاع اللتي رآها المالكي خاطأة . ليخسر من رصيده الشعبي أكثر وأكثر عبر تثبيت شكوكنا ومخاوفنا بوجود قوى حزبية مسلحة فاعلة داخل مؤسسات الدولة " اللتي من المفترض أنها أصبحت بجهود حكومة المالكي مؤسسات مهنية بعيدة عن أي تخندق أو تحزب كما كان يؤكد " وخارجها .
لقد كان الساسة المشاركون في العملية السياسية وفي الحكومة السابقة وأولهم المالكي يوجهون الدعوات تلو الدعوات للقوى الرافضة لهذه العملية بالأنضمام أليها . وكثيرا ما كان هؤلاء الساسة وأكثر العراقيين معهم يوجهون كلمات اللوم والتقريع لكل من يرفض الدخول في العملية السياسية . فأذا بنا وبعد أن أثمرت الجهود الخيرة عن نبذ العنف ودخول الجميع في العملية السياسية ، بدأنا نرى تململا وتشكيكا في معسكر المالكي ليس فقط بنتائج الأنتخابات ، بل وبالعملية السياسية برمتها .
وهذا مايمكن أن نتبينه بسهولة من خلال الهتافات اللتي يطلقها أنصار المالكي في مظاهراتهم هذه الأيام . (لا لعودة البعثيين ) و (بالأمس أعدموا أبنائنا واليوم يعدمون أصواتنا) .
فأذا كان المالكي وأنصاره يعتبرون علاوي وكل من معه في القائمة العراقية هم من البعثيين "وأن كان بعضهم كذلك "، فكان لا بد من أقصائهم عن العملية السياسية منذ البداية بحسب الدستور وليس بعد ذلك . لأن أي تهاون بالسماح للبعثيين بالوصول الى البرلمان هو أدانة للمالكي وغير المالكي بل وللعملية السياسية برمتها ، وللآليات الدستورية ، قبل أن يكون أدانة لعلاوي وحلفائه . لذلك يجب أن نقبل بالوضع الراهن على علاته والبدأ بأصلاحه تدريجيا وسلميا بدلا من اللعب بالنار اللتي ستحرق الجميع بدون أدنى شك .
لا تنطوي الصيغة التحذيرية "التهديدية" اللتي أستخدمها المالكي قبل وبعد أعلان النتائج النهائية على تهديد واضح وصريح بأستخدام القوة للأنقلاب على العملية السياسية فحسب . بل أنها تحريض من المالكي نفسه للطرف الآخر على أستخدام العنف المقابل فيما لو تغيرت النتائج لصالح ائتلافه بعد النظر في الطعون اللتي قدمها هذا الائتلاف .
أو حتى أذا أستطاع ائتلاف دولة القانون من تشكيل الحكومة الجديدة بالأشتراك مع كتل قريبة منه وخاصة الائتلاف الوطني ذو السبعين مقعدا . وهو الشيء اللذي يمكن أن يحدث بنسبة توقع عالية جدا ، نظرا لأن نيران الخلافات الكبيرة المدفونة تحت رماد المصالح الحزبية والفئوية وحتى الآيديولوجية في معسكر علاوي يمكن أن تتأجج في أي لحظة لتحرق مكاسب الأغلبية اللتي حققها ائتلافه .
وبذلك يصبح فعل المالكي هذا قمة الغباء السياسي ، أن لم يكن قمة الأنانية والتمسك بالمصالح الشخصية على حساب الوطن والشعب .
التعليقات (0)