لم يعد الغاز،كونه، جوهر الصراع القائم في سورية موضع نقاش، وذلك ضمن السياق الدولي الذي أعادنا منذ التسعينيات الى مقولة كيسنجر: انه النفط يا غبي، مستبدلة النفط بالغاز. غير أن ما تتوقعه الأوساط الأوروبية حاليا من أزمة بدأت مراحلها الأولى بين تركيا واليونان حول مخزون الغاز المرشح للتأزيم في بحر ايجه و المتوسط، بعد الأزمة الأخرى بين تركيا وقبرص حول المشكلة نفسها.
سياقات تطرح سؤالا يصوغه المنطق الستراتيجي الذي يحلو لهواة التضليل أن يسموه نظرية المؤامرة: هل كان من باب الحظ أن يقع الانهيار الاقتصادي في اليونان والآن في قبرص؟ وهل تكون الشركات المتعددة الجنسيات التي لن يتم استخراج الغاز خارج سيادتها ببعيدة أو بعاجزة عن تفعيل هذه الأزمات؟ وبالانتقال الى سورية، وهي ما يهمنا بالدرجة الأولى، فان الأمر يعيدني الى عبارة سمعتها من أحد المعارضين السوريين الوطنيين في باريس قبل عامين: لا تخافوا لن يدمروا سورية، لأن هدف التدمير هو مناقصات اعادة البناء ونحن لسنا ليبيا – الغاز، ولا عراق – النفط، كي يطمعوا بثرواتنا عبر الهيمنة واعادة البناء.
وها نحن اليوم نسمع عن مؤتمرات اعادة الاعمار الأول منها عقد في الامارات والثاني يهيأ له حاليا، لاعداد توزيع الكعكة قبل نضجها بفترة لا تزال طويلة. الشركات تفرك أكفها وتتهيأ كلها لاعادة الاعمار، إما مقابل الثروات الموجودة، وإما مقابل ديون تسدد لاحقا من دخل الغاز المقبل.
منذ البداية كان تمرير خط الغاز القطري عبر سورية الى المتوسط الى أوروبا لتحرير القارة العجوز من التبعية للغاز الروسي، هو المطلب الرئيس لعدم تفجير بركان الدمار المسمى ربيعا. ففي آخر زيارة قام بها الرئيس السوري الى فرنسا، استقبل ظاهريا بحفاوة كبيرة، وأعطي فرصة الحديث لمدة ساعة ونصف الساعة على شاشة التلفزيون الفرنسي، واستقبلت زوجته في لقاء ثقافي حول حوار الحضارات والثقافات نادرا ما يخصص لزوجة ضيف. غير أن اللقاء الأهم الذي كان قد رتبه ساركوزي من الباب الخلفي لقصر الاليزيه- كي يظل سريا عن الاعلام – هو لقاء يجمع الرئيسين وحمد بن جاسم لطرح مطلب تمرير انبوب الغاز القطري، وعندما رفض الأسد ذلك خرج الجميع متجهمين وقال الذين سربوا الخبر من الاليزيه بأن الحبل قد انقطع، وأن على سورية أن تتوقع بداية تفجير قريب. وعندما كان جون كيري يتحدث مؤخرا عن محاولته اقناع الرئيس الاسد بتغيير مواقفه، لتليين الوضع والاقتراب من الحل، كان ذلك الاعلان يتعلق بعدة شروط منها تمرير أنبوب الغاز القطري. اضافة الى تمرير انبوب الماء التركي الى اسرائيل وتقليص الجيش وفك الارتباط بمحور المقاومة – ايران – روسيا.
لم يقتنع الاسد وعاد الخطاب الى التشدد. وواقع هذه المطالب لا تعني فقط الآني المتعلق باسرائيل، قطر، اوروبا وتركيا، بل تعني أيضا الاحتمال المقبل مع وصول سورية الى مرحلة استخراج الغاز المخزون عند شواطئها. فهل كان من الممكن لتركيا واسرائيل وأوروبا أن تتحمل نهضة اقتصادية في سورية التي كانت تملك أكبر جيش عربي متبق ولا تزال عقيدته العسكرية العداء لاسرائيل، وتملك نهضة اقتصادية تنموية قائمة على الانتاج لا على الريعية وعلى الاستهلاك ، ولا تخضع بالمقابل لاية ديون فيما يشكل حالة عربية وربما عالمثالثية فريدة؟
بالتوازي، بل بالتقاطع، هل يمكن للشركات المتعددة الجنسيات التي يصفها هيربرت تشيلر بانها مروية بصلصة أميركية أن تترك الثروة الغازية المقبلة خارج هيمنتها؟ والأسوأ أن تذهب الى محور غازٍ لبناني – ايراني – روسي، لا يعيد التوازن السياسي الى الساحة الدولية فحسب، بل يعيد ايضا التوازن الاقتصادي وذاك هو الأخطر.
وأخيرا ، لا آخرا ماذا سيكون وضع اسرائيل وحلفائها العرب في هذه المعادلة كلها؟
تلك خلفيات معركة سورية. معركة الحرب العالمية الثالثة. التي لا نقول أبدا أن الادارة السورية لم تخطئ عندما لم تعالج مسبقا نزع فتيلها داخليا، او على الاقل تجفيف كم النفط الذي كان يغرق قشها اليابس، ورص الصف اكثر لمواجهتها.
مقالات للكاتب د. حياة الحويك العطية
التعليقات (0)