الغابه والحداثه
دائما ما كانت الغابه محل أحاديث الناس .. وكانت سلوكيات الحيوانات في الغابه مصدرا دائما للمقارنه بسلوكيات البشر .. وقديما تندروا وقالوا "خرج الثعلب يوما في ثياب الواعظين" .. للدلاله علي مكرالثعالب .. بل وإختصت الثعالب بغالبيه الأحاديث والتندرات .. وإكتسب الثعلب شهره عظيمه في كل المرويات عن الغابه لما له من باع طويل في المكر والدسائس والإفلات مما يحاك ضده ..
ولكن الحداثه دائما ما تأتي الينا بكل ما هو جديد .. لتدور الدوائر علي الثعالب .. ولم يعد أحد يذكرها في أحاديث الحداثه .. بسبب الشهره العريضه التي حققتها الضباع .. والتي فاقت الثعالب بل وكل الحيوانات الأخري .. حتي ملأت شهره الضباع الأفاق ..وأصبحت أخبارها تملأ الغابه وتحتل كل المرويات والميديا ..
والحيينا أو الضبع .. يفضل التحرك الجماعي في قطعان تحمي بعضها البعض .. لأنه يعلم تمام العلم .. أن كل من في الغابه يكرهه .. وهو غالبا لا يصطاد فرائسه ولكنه يسلب الآخرين فرائسهم بعد إصطيادها .. حتي ولو كانوا أسودا .. ومغرم بأكل الميته والجيف ..
والضباع قديما كانت تسكن الحفر والمغارات .. أما حديثا فبعد أن تطورت الغابه وإقتلعت أشجارها .. وتحولت الي غابه من الأسمنت المسلح وشواهق المعمار .. فقد تغيرت الأمور كثيرا عن السابق ..
فعلي بغته طفت الضباع علي واجهه الأحداث .. وتبوأت الصداره في "النيو غابه" .. وسكنت القصور والسرايات .. وإمتلكت الضباع الضياع .. بعد أن تم تحديث الغابه .. وإمتلأت أركانها بالضواحي الهادئه والمنتجعات التي تطفح جنباتها بالفلل والسرايات والشاليهات الفاخره ..
ومن بين من إستطاع لسكناها سبيلا .. برز الضباع بالنيو لوك كواجهه لساكني تلك الضواحي والمنتجعات .. فهم من يمتلك المال وبغير حساب .. وهؤلاء الضباع إمتلكوا ناصيه المال في فتره بسيطه .. فلو كنت تعرف عن الكثير منهم قبلها لأصابك العجب العجاب ..
فمن قبل .. لم يكن لديهم أي شيئ علي الإطلاق سوي "طبع وغريزه الضباع" التي تجري في دمائهم والتي أجادوا إستغلالها ومكنتهم من القفز في وثبات صاروخيه الي مجتمع الصفوه .. فدائما الضبع يبتدئ بدايه قذره نتنه .. كما هي طبيعته .. ثم علي بغته .. تجد أن الضبع النتن قد تحمم بل وقد تطيب أيضا بأغلي العطور الباريسيه وإرتدي ثمين الحلل .. حتي لسانه وكلامه تبدل .. وإن سألت كيف ؟ قيل لك سبحان العاطي الوهاب !!!
هكذا بكل بساطه .. نجد أن الله قد تدخل في الأمر أو أُدخل في الأمر وأعطي ووهب الضبع من زرقه الوفير .. فماذا أنت فاعل حينئذ أمام المشيئه الإلهيه ؟
وإذا كان الله قد أعطي الضبع من رزقه الكثير .. فمن أنت !! سوي حاسد حاقد وتسأل وتتسائل .. من أين للضبع كل هذا ؟
فأنت هنا فقط الحقود الحسود والذي في نفسه مرض .. لأنك تنظر الي ما تمتلكه يمين الضباع من ضياع .. بينما أنت لا تملك من حطام الدنيا شيئ سوي الحقد والأحقاد توزعها بالتساوي علي الضباع التي رزقها الله الكثير !!!
أيها الإنسان أو من تظن أنك إنسانا .. لا .. لا تحقد ولا تحسد ولا تتلفت يمينا أو يسارا ولا تفكر أن تسأل أو حتي تتسائل في مخيلتك ..
فقط كن ضبعا .. فإن لم تكن تلك طبيعتك .. فغير منها .. لأنه في هذا العصر "عصر الضباع" أصبحت الحكمه التي يجب إتباعها هي "إن لم تكن ضبعا أكلتك الضباع" ..
دع عنك المبادئ والمثل العليا ..
دع عنك ثقافتك وعلمك ..
دع عنك أدبك وخلقك وقيمك التي حافظت عليها طيله عمرك ..
دع عنك إنسانيتك التي فطرت عليها ..
وكن ضبعا .. تحين الفرص ولا تنام قرير العين فالليل لم يعد مهادك بل أصبح وهادك .. الظلام هو منطلقك والنور هو محتبسك .. إسعي سعيا محموما لرزقك .. ولا تفكر كثيرا إن كان حلالا أم حراما فالفرق بين الحلال والحرام لم يعد "بيّن" في أيامنا هذه .. بل أصبح كشعره معاويه .. وستجد أن ما تحصلت عليه ومسماه اليوم "الرزق مجازا" .. حلالا بلالا زلالا .. وستجد أن الكثيرين يحللونه لك .. بل وستجد من يمسك بشعره معاويه بكلتا يديه .. ويلوح بها لمن يدفع أكثر ..
لا تخشي شيئا .. لا تتراجع إن إنزلقت قدماك .. فالطريق طويل وكله مزالق .. وكلما إنزلقت أكثر .. كلما إزددت ثراءا ونفوذا وتوحشا ..
كلما زادت إتصالاتك ومعارفك .. كلما إشتهرت وإنتشرت .. وأصبح لك صيتا بين الضباع إلغي من فكرك الرحمه والشفقه .. تحين الفرص ولا تدعها تفلت من بين مخالبك ..
عزيزي .. كن ضبعا والا أكلتك الضباع .. فأنت في زمن الضباع ...
مجدي المصري
التعليقات (0)