من المؤكد..وبعد عدة سنوات من الآن .. سيجد كاتب سيرة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي صعوبة كبيرة في عدم الاشارة الى اهمية وشجاعة قراره الاخير المتعلق بالغاء الاذان - المصاحب بالمستحبات من المذهب الجعفري - من على شاشة قناة العراقية والاكتفاء باشارة مكتوبة تشير الى موعد اذان الظهر..
فكما كانت عمليات صولة الفرسان هي رصاصة الرحمة التي انهت العنف الطائفي بمعناه المجتمعي الواسع ..فان هذا القرار اشبه بصافرة البدء او كمقدمة لصولة تستهدف التفرقة والتمييز الطائفي بين المواطنين..
وهذه الخطوة ..والتي عدت كمقدمة لالغاء ازدواجية الاذان في الشبكة العراقية للاعلام ..نتمنى ان تكون بادئة لمسيرة لن تتوقف حتى تصل الى دمج الوقفين السني والشيعي بهيئة او وزارة واحدة تتولى ادارة جميع الاوقاف الاسلامية لما كان لهذا الفصل من اثار سلبية على المستويين المجتمعي والوطني ..
والشجاع في الامر ان السيد المالكي اتخذ هذه البادرة الشجاعة في عز موسم المزايدات السياسية الانتخابية دون الالتفات الى التشويش والتأثير السلبي الذي يمكن ان يثيره البعض على حظوظه في الاحتفاظ بمنصبه لولاية ثانية اصبح ينظر اليها على نطاق واسع من قطاعات الشعب كضرورة ملحة لادامة زخم الاصلاحات السياسية والاقتصادية ومشاريع المصالحة الوطنية التي ما زالت بحاجة الى دعم ورعاية واستقرار سياسي لكي تؤتي اكلها..
ورغم ان مثل هذه المبادرات قد يساء فهمها من قبل المراقب البعيد عن فهم واقع وطبيعة المجتمع العراقي وقوة ومتانة نسيجه الاجتماعي..وقد تبدو وكانها موجهة بالتحجيم والاقصاء الى شريحة مهمة من شرائح الشعب العراقي..ورغم التاكيد على احترام ووجاهة المباديء التي انطلق منها المعارضون لهذا التوجه..الا انه لا يمكن تجنب الاستهجان الذي خلفه انبراء بعض الاطراف لمحاولة تجيير هذه الخطوة لاغراض اعلامية ودعائية رخيصة وابعادها عن المفهوم التصالحي والتقاربي المبشر ببدء مرحلة جديدة من التفاهمات المجتمعية الهادفة الى تنقية الاجواء مما علق بها من ادران الطائفية والتشرذم المقيتة.
فبدلا من ان تعيد مجموعة اعلاميي وسياسيي التفخيخ الطائفي النظر في مواقفهم ..والاخذ بهذا المستجد والطارئ بعين الاعتبار ..سارعوا كمن به مس من الشيطان الى التحدث بطريقة اقرب الى استنطاق النجوم عن فرض هذا القرار على السيد رئيس الوزراء من قبل الرئيس اوباما اثناء زيارة السيد المالكي الى الولايات المتحدة ..وبطلب من احدى دول الجوار التي ابدت موافقتها على استقبال رئيس الوزراء العراقي بعد تطبيق هذا القرار والذي عدوه اخر شروط تحقيق المصالحة الوطنية بعد تحقيق الشروط السابقة ومنها عودة ضباط الاجهزة القمعية للنظام السابق الى قيادة الاجهزة الامنية الحالية وتعويض البعثين واحتساب رواتبهم السابقة من تاريخ هروبهم من العراق قبل التاسع من نيسان لعام 2003..ولاضفاء نوع من الدراما على الموضوع اضيف شرط عدم اصدار قرار كفالة اليتيم العراقي الى سلة الشروط المفروضة على العراقيين.
وبعيدا عن هذه المواقف المبيّت منها والمعلن – واتقاءً للخوض فيها - لا يسعنا الى ان ندعو ان يكون هذا القرار الجريء مقدمة لقرارات اخرى اكثر تفهما لواقعنا التعددي واستهدافا لتصفية بعض الممارسات التي حاولت اضفاء اسلمة زائفة على مطامح سياسية فاقدة للشرعية ومنافع اقتصادية ضيقة..
ان تجاهل الشعب العراقي – وخصوصا الفعاليلت الروحية الدينية - لهكذا طروحات وعدم التوقف عندها لهو دليل على التعالي الغير مسبوق والغير متوقع - بهذا القدر – من الايثار وتغليب المصلحة الوطنية العليا الناتج عن الوعي الكامل بالحراجة الفائقة والدقة البالغة للمنعطف التاريخي والمفصلي الذي يتوجه نحوه العراق تجاه اعادة تشكله كدولة وطنية مدنية تؤمن بالعدل والمساواة ومباديء حقوق الانسان.وهذا ما يحتم على القوى السياسية المؤمنة بالديمقراطية كخيار اوحد ان تعمل على تطوير خطابها السياسي وتطوير آليات التواصل مع الشعب العراقي من خلال طرح برنامج سياسي يحقق رغبات الاكثرية الشعبية الطامحة الى تجاوز الاصطفافات الطائفية والتي تدعو الى الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وضمان الحريات الاساسية للشعب ضمن اطار الدستوروالمواثيق الدولية المعتمدة.
التعليقات (0)