مواضيع اليوم

العين الساردة لنبيل درغوث.في الأصل كانت القصة

kamel riahi

2009-01-28 17:00:03

0

28/01/2009

عن القدس العربي

بقلم:آمال البجاوي 


هذا الزمن هو زمن الرواية، فكرة روج لها جابر عصفور وفُتن بها عدد غير قليل من النقاد العرب إذ أن الرواية هي النوع الأدبي السائد في عصر المفارقات وأصبحت نغمة عصرنا المائزة وعلامته الإبداعية البارزة، رأي يضع الرواية في الصدارة مستندا إلى الاعتقاد في قدرتها على استيعاب قضايا العصر المتشعبة وأسئلته الحارقة وأوجاعه الدائمة، واعتبرها بعض النقاد جنسا خلاسيا وهجينا آكلا لجميع الأجناس الأدبية الأخرى كالشعر والقصة القصيرة والمذكرات والسيرة الذاتية والرحلة... وهي أيضا قادرة حتى على ابتلاع أنواع من الكتابة غير الأدبية كالكتابة التاريخية والكتابة الصحافية.. لكأن كل أنواع الكتابة أضحت خادمة مطيعة بين يدي الكتابة الروائية مرموقة المكانة. ونحن في هذا المجال لا نختلف مع القائلين بقيمة الرواية التي ناضلت على مدى عصور لتتبوأ مكانتها اليوم ولكننا نريد إنصاف جنس أدبي آخر لا يقل عنها شأنا ولا قيمة ولا قوة تأثير هو جنس القصة القصيرة، فهذا الجنس ليس عتبة يمر بها الروائيون قبل أن ينضجوا وليس اختبارا تطبيقيا على الكاتب الانطلاق منه ليصل في مرحلة متقدمة إلى كتابة الرواية، وليس أدل على ذلك من أن بعض كتاب القصة القصيرة بدؤوا وانتهوا كتاب قصة قصيرة فلم يكتبوا الرواية أصلا وآخرون انطلقوا في كتابة الرواية دون المرور بالكتابة القصصية. فلكل من الكتابتين الروائية والقصصية شروطها وقوانين صياغتها وطرق اشتغالها. وفي اعتقادنا أن صاحب الكتاب نبيل درغوث قد انطلق من هذه القناعة وهو يخط كتابه العين الساردة : نافذة على العالم القصصي لكمال الرياحي مشتغلا على المدونة القصصية لهذا الأديب وتتمثل في مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان نوارس الذاكرة صدرت سنة 1999 والثانية سرق وجهي الصادرة سنة 2001 وما يحسب لدرغوث أنه التفت إلى مدونة الرياحي التي لم يقع تناولها نقديا بشكل تحليلي دقيق. فقد عُرف الرياحي بوصفه ناقدا ومحاورا ثم روائيا مع صدور روايته المشرط:
من سيرة خديجة وأحزانها عن دار الجنوب سنة 2006 وحصولها على الكومار الذهبي لسنة 2007. فقد انتبه درغوث إلى أن موهبة الرياحي الإبداعية/السردية لم تنطلق مع رواية المشرط بل كانت قبل ذلك بكثير مع أعماله القصصية وهو بعد في العشرينات من عمره غير أن هذه الأعمال رغم قيمتها ونحن على اطلاع عليها- لم تشتهر كما اشتهر عمله الروائي فيما بعد ولعل ذلك عائد إلى تقصير إعلامي من جهة والى ظهور تلك المؤلفات في فضاء الجامعة من جهة أخرى.
إن المتصفح لـالعين الساردة لنبيل درغوث يجد نفسه أمام نسق من الكتابة أشبه ما يكون بالومضة الورائية ذلك أن الكاتب انطلق من راهن تجربة الرياحي بوصفه روائيا وناقدا وهو الوجه الذي عرفته به الساحة الثقافية التونسية والعربية. فوقف درغوث في مدخل كتابه ربان السفن المتعددة عند بعض خصائص تجربة كمال الرياحي النقدية والروائية في أسلوب يكشف عن وجه درغوث/المؤلف الصحافي لينتقل بعد ذلك إلى الحفر في الخلفية الإبداعية للروائي كمال الرياحي كما نعرفه اليوم. ولذلك وسم القسم الأول من كتابه باب الحفر وفيه حفر في العالم القصصي لصاحب نوارس الذاكرة منطلقا بالبحث في خصوصية بنائه الذي قسمه إلى نوعين بناء دائري وبناء التضمين ثم عرج على النهايات في قصص الرياحي فرأى أنها أحيانا نهايات مفاجئة وأحيانا أخرى نهايات مأسوية. كما اهتم بنوع الرؤية السردية في مدونة الرياحي فقام بعمل إحصائي تبين من خلاله أن القاص اعتمد خاصة على رؤية مزدوجة رؤية الراوي العليم والراوي المشارك. وبحث نبيل درغوث في الوصف في مدونة الرياحي فرأى أنه ينهض بوظيفة تقديم الشخصيات ماديا ونفسيا وكذلك تقديم الأمكنة. وأخيرا نظر درغوث فيما وسمه بتوظيف اللغة السينمائية في القصة القصيرة فتتبع عدسة الكاميرا الثابتة آناً والمتحركة آناً، واهتم بتوظيف تقنية المونتاج بما هي تقنية سينمائية في قصص الرياحي مرجعا ذلك إلى ثقافة القاص السينمائية. إن هذه النقاط التي تناولها نبيل درغوث من الأهمية بمكان لأنها علامات دالة في مدونة الرياحي وخاصة منها الفصل الأخير المتعلق بتوظيف الفنيات السينمائية في القصة القصيرة ذلك أن النقاد اهتموا بالبحث في توظيف هذه الفنيات في الأعمال الروائية شأن جابر عصفور وبوراوي عجينة وفوزي الزمرلي وكمال الرياحي نفسه عندما تناول تجربة واسيني الأعرج الروائية، أما البحث في توظيف هذه الفنيات السينمائية في القصة القصيرة فقد ظل زاوية نظر نادرة في تناولات النقاد وهو أمر يحسب لصاحب الكتاب نبيل درغوث كجرأة طرح ودقة تناول. لئن كان هذا هو باب الحفر كما وسمه صاحبه لأنه حفر في عمق الإبداع القصصي والخلفية الفنية التي يتأسس عليها، حفر ونبش في الطبقات الإبداعية لعالم قصصي بناه صاحبه في منتصف العشرينات من عمره فان الباب الثاني الموسوم بباب النسج يمثل حوارا أجراه الكاتب والصحافي الثقافي نبيل درغوث مع القاص والروائي كمال الرياحي فإذا الحركة هنا بين الناقد والمنقود لم تعد حركة عمودية كما هو الشأن في باب الحفر، وحفرا في عمق المدونة وإنما هي حركة أفقية تنهض على المواجهة وليست محاورة لرحلة الرياحي الإبداعية منذ حوالي التسع سنوات وإنما هي محاورة لرياحي اليوم متعدد الوجوه (القاص والناقد والمحاور والروائي والرسام)، حوار مشوّق يطوف بنا من خلاله نبيل درغوث في عوالم كمال الرياحي الخاصة ويضع تحت المجهر شيئا من أسرار مذهبه في الكتابة والحياة فيستدرج بذكاء المحاور محاوره ليضيء جوانب من حياته لعلها كانت قبل اقتحام المحاور لها مجاهل غُفْلاً. عمل طريف يتناول فيه درغوث تجربة الرياحي من زاوية مخصوصة تطمح إلى تقديم رؤية شاملة لصاحب المدونة التي اشتغل عليها ليخرج علينا بكتاب بانورامي.
وختاما لا بد من الإشادة بهذا العمل الجاد الذي اجتهد فيه صاحبه ليقدم لنا كتابا يستحق القراءة. دقة تناول وطرافة موضوع له السبق في طرحه وهو في النهاية مغامرة نقدية تحاور مغامرة إبداعية ومن تحاور المغامرتين كان هذا الكتاب.
- مقدمة كتاب العين السادرة لنبيل درغوث

باحثة مهتمة بالسرديات



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !