العيد والفرح الحزين
خليل الفزيع
يمر بنا العيد هذا العام وعالمنا العربي يشهد حراكا ثوريا لم يعرف هذا العصر مثيلا له على امتداد خارطة الوطن العربي، وهو حراك لو تحدث عنه أحد قبل عام لقوبل بالدهشة والاستغراب، كأن هذا العالم العربي قد استكان للدعة والاتكالية في تسيير أمور حياته، لكن الليالي الحبالى بكل أمر عجيب، فاجأت العالم بثورات دفعت الدول الكبرى إلى إعادة حساباتها في المنطقة، فتخلت عن حلفائها استعدادا لمواجهة الأوضاع الجديدة في بعض البلدان العربية، لتؤكد بشكل عملي، أنه لا توجد في عالم السياسة صداقات دائمة، بل توجد مصالح دائمة، ولتثبت أن العامل الاقتصادي هو الأقوى في العلاقات الدولية دائما ودن منازع، بل أن هذا العامل هو المحرك الأساس لحركات الشعوب بما ينطوي عليه من ممارسات تؤدي إلى ظواهر مرفوضة مثل الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروات الوطنية، والفساد المالي المستشري في بعض أنظمة الحكم العربية، التي همشت شعوبها، وتجاهلت مطالبها، وانعزلت عن نبض الشارع العربي، حتى تفاجأت بانفجار أوضاع شعوبها دون أن تعرف توجهات هذه الشعوب، لدرجة أن أحدهم خاطب شعبه: من أنتم، وآخر قال لشعبه: الآن عرفتكم، وآخر لم يعرف ولا يريد أن يعرف مطالب شعبه، تاركا دباباته تسحق الأخضر واليابس، وتهدم المنازل على قاطنيها ودور العبادة على روادها.. أي بعد عقود من الحكم الجائر لم يعرف الرؤساء شعوبهم لأنهم ظلوا بمعزل عنهم، منشغلين بتبديد الثروات، وحرمان المواطنين من حق العيش الكريم، وعزلهم عن المشاركة في القرارات المصيرة للحاضر والمستقبل.
في هذه الظروف الملتبسة ياتي العيد هذا العام لتختلط أفراحه بصرخات الموجوعين، وآلام الثائرين، وأحزان الأيتام من الأطفال والثكالى من النساء والمعذبين من الرجال والمحرومين من كافة الفئات، أفراح يعكرها زحف الدبابات في المدن والقرى في بلد عربي، ومطاردة فلول الحكم المنهار في بلد عربي آخر، ومحاكمة رؤوس النظام في الحكم المنهار في بلد ثالث، والانشغال بترميم البلاد بعد الخراب الاقتصادي الذي تركه الرئيس الهارب من بلد عربي رابع، بينما لا يزال الثوار يواصلون إصرارهم على (إسقاط الرئيس) في بلد عربي خامس، ويمتد الحراك الثوري لبلدان عربية آخرى فيما يسمى الربيع العربي، وهو ربيع غاضب دفعت الشعوب العربية ثمنه غاليا من أرواح الشهداء وتدمير الممتلكات وتحطيم البنية الأساسية في أكثر من بلد عربي أمن بأن ثمن الحرية لا حدود له من الخسائر، وبعدها لا حدود له من المكاسب.
العيد هذا العام اختلطت أفراحه بآمال عريضة بأن يخلص الله هذه الأمة من أزماتها، لتستقر أوضاعها السياسية والاقتصادية، فتنعم شعوبها بما حرمت منه خلال عشرات السنين من الحرية والعيش الكريم، وهي آمال يعتريها القلق مما يخبئه المستقبل من مفاجآت، خوفا من ألا يكون القادم أفضل، ما دام الرهان لم يحسم بشأن وعي الشعوب العربية وقدرتها على الإسهام في القرارات المصيرية المتعلقة بحاضرها ومستقبلها وتطلعاتها نحو الأمن واللاستقرار والحياة الحرة الكريمة، ما دام هناك من يشكك في إمكانية تحقيق مطالبها المشروعة لتعيش مثل بقية الشعوب وتسهم في نهضة العالم وازدهاره، بعيدا عن الهيمنة الأجنبية والتبعية الاقتصاددية، والتحالفات العسكرية إقليميا وعالميا، خاصة إذا لم تتخل الدول الكبرى عن نظرتها التقليدية للشعوب العربية باعتبارها غير قادرة على تسيير أمورها بنفسها، مما يستوجب ربطها بنطاق من الوصاية المطلقة والتحكم في شئونها من خلال تصدير الثقافة الغربية الهجينة، والسيطرة على عقول الناشئة بما يسمى الاستعمار الثقافي بعد ان ولت عهود الاستعمار العسكري.. وخاصة إذا لم تنتع بعض دول الجوار عن شهيتها المتفاقمة لابتلاع أجزاء من الوطن العربي على أساس مذهبي وطائفي شره.
وفي هذا الخضم الهائل من الحراك الثوري العربي، وما يجابهه من تحديات شرسة من أجل إثبات الهوية العربية والخروج من دوائر الحكم الجائر والوصاية الأجنبية، والأطماع الإقليمية.. يظل للعيد نكهته الروحية المتجذرة في وجدان كل مسلم، وتظل جذوة الفرح مشتعلة حتى وإن تراكم عليها رماد الحزن والألم والأماني المجهضة، بعد اسباحتها فئات من الحكام الذين عزلوا أنفسهم عن شعوبها، فلم تملك هذه الشعوب إلا أن تتجاوزهم في تطلعاتها نحو الحرية والكرامة والفرح النبيل.
وكل عام وأمتنا العربية بألف خير، بعد ان تحقق انتصاراتها على كل التحديات الداخلية والخارجية لتنعم بكونها خير أمة أخرجت للناس.
التعليقات (0)