العولمة بين الحتمية وضرورة حماية الهوية
د.عبدالرحمن بوعلي
ملخص :
إن التداخل المتسارع للاقتصاديات ، والزحف المكثف لوسائل الاتصال التكنولوجية ، وظهور الطرق السيارة للمعلومات، غمرت جميع البلدان ، وسط محيط متعدد الثقافات . وفي الوقت الذي يخيل إلينا أن العالم يتجه نحو التوحد ، تبرز بوضوح العديد من اختلافاته الإثنية والدينية والثقافية ، وتطفو على سطحه مقولات جديدة من قبيل مقولة "صدام الحضارات" ، قد تبررها عند البعض الثنائية المشهورة التي تقسم العالم إلى عالمين اثنين :عالم ذي مرجعية ثقافية واجتماعية متقادمة ،من خصوصياتها الرؤية الشمولية والقيم العقلانية والحقوق الإنسانية والثقافة المتحررة… من جهة ، وعالم آخر ذي مرجعية تتميز بالحقيقة الواحدة والمطلقة وبالثقافة التقليدية المتوارثة … من جهة أخرى . إن هذا الوضع المتضارب والمتناقض من شأنه أن يعرقل التوجه نحو عالم تسوده المبادى ء الإنسانية الرفيعة ، ويجعل الأفراد في تردد بين القيم المرجعية والعادات الانتمائية ، وترمي بهم في متاهات الضياع وآفاق التمزق والصراع .
وإذا كان الرأي السائد يقر في الجانب الأعظم منه أن العولمة التي يتقصدها العالم المعاصر ويشرئب نحوها ، مرتبطة أساسا بمنطق السوق الحديثة وبآلياتها المستجدة وبأهدافها الاقتصادية النازعة نحو الربح والمكاسب التكنولوجية والمعرفية والمالية ، فإن الضرورة المعرفية تحتم معالجة التأثيرات الثقافية لهذه العولمة ، ومدى قدرة الثقافة على التأقلم مع أنماطها الجديدة ، وكيفية ردود فعل الثقافات المحلية على هذا الكائن الجديد والغريب الذي يسمى العولمة . وتتناسل الأسئلة حول هذا الموضوع الحيوي وتتكاثر ، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي الذي اتخذ أشكالا من التطورات والتوجهات تصب كلهـا في هدف إغناء الحضارة الإنسانية برمتها، وتوجيهها توجيها سليما دينيا ودنيويا .
وإذا ما حاولنا الوقوف عند أهم الطروحات التي تكتسح الخطاب المعاصر، سواء حول مفهوم العولمة أو مفهوم التطور عند الشعوب والحضارات، فإننا نجدها تركز أساسا على ثلاثة خطابات : الخطاب الأول حديث نسبيا وصادر عن المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية الكبرى ، ويحاول الإقناع بأن النجاح الاقتصادي وما يسبقه من نقلة تمهيدية ، لا يمر عبر التأقلم مع قيم الثقافة المحلية ، بل من خلال تجاوزها وإلغائها . فالثقافة من هذا المنظور هي حاجز أمام الانطلاقة التنموية ، تعرقلها وتبطىء مسارها ، بل وتقوضه . لذلك يدعو أصحاب هذا الخطاب المجتمعات إلى التخلي عن قيمها الثقافية الخاصة ، وتعويضها بقيم أخرى مستمدة من محيط غير محيطها ، بدعوى اتباع النموذج الناجح ،كما يطالبها بتطبيق نمط تنموي محدد أكد فاعليته في بلدان جنوب شرق آسيا الزاحفة اقتصاديا .
أما الخطاب الثاني فقد تبلور ت عناصره بعد سقوط حائط برلين وانهيار الشيوعية واندلاع حرب الخليج، وهو خطاب جاء معلنا عن "حرب الثقافات" و"صدام الحضارات" جاعلا من الأفراد والجماعات سجناء هوياتهم الثقافية ، ومن التناقض الذي يصل إلى حد العداء والمواجهة أساس الحضارات ، وهو خطاب يفنده التاريخ وتلغيه الحقائق، فمن غير المعقول تصور الحضارات تنمو وتتطور وهي في عزلة ودون حوار خصب فيما بينها. فالحضارة الإسلامية أثرت مضامينها وحققت انطلاقتها وشموليتها بتلاقحها مع الحضارات الأخرى السابقة والمعاصرة لها. كما أن الحضارة الغربية استفادت كثيرا من الحضارة العربية والإسلامية وأخذت عنها ما وفر لها مستلزمات التطور والنهوض. ويحمل هذا الخطاب مفارقة غريبة، إذ يربط بين ضرورة العولمة الاقتصادية وحتمية صدام الحضارات وما ينجر عنه من ردود فعل حمائية كالغزو والهيمنة من جهة والتمركز المعكوس من جهة أخرى.
أما الخطاب الثالث ، فقد تبلور عقب ظهور خطاب العولمة وما نتج عنه من آراء بدت خطيرة على تواجد كيانات لها خصوصياتها ومنها كياننا العربي والإسلامي . إنه خطاب بقدر ما يتماهى ضمنيا وظاهريا مع خطاب العولمة المعاصر ويقترب منه بقدر ما يحاول في الوقت ذاته أن يدافع عن الخصوصية المرجعية : الثقافية والاجتماعية والعقدية للمجتمعات المعاصرة . ومن المؤكد أن المجتمعات العربية بما لها من خصوصيات ثقافية عربية وإسلامية تظل من أهم نماذج هذا الخطاب الأخير .
هذه هي الخطابات التي حاولت أن تتطارح ضمنيا أو بشكل مباشر وظاهر مفهوم الهوية l’identité . وغني عن البيان أن الخطابين الأوليين (خطاب تنامي الاقتصاد وخطاب صدام الحضارات ) يجردان العولمة من أبعادها الشمولية والإنسانية ، ويجعلانها سجينة منطق اقتصادي خاضع لآليات السوق ، أو سجينة عالم صدامي وتدميري ،غير عابىء بالقيم المشتركة والاختلاف المثري والتكامل الممهد للسلام العالمي . وهما خطابان يرتبطان بمرجعية غربية ، عنيفة وتنحو نحو السيطرة . إنهما خطابان يعيدان البشرية إلى المرحلة الكولونيالية الاستعمارية التي عرفناها في بدايات القرن العشرين . ولا غرو في ذلك لأنهما خطابان أفرزهما عالم قوي هو العالم الغربي المسنود بالقطب المهيمن فيه وهو قطب الولايات المتحدة بقوتها الاقتصادية والتكنولوجية ، وبنفوذها المتعاظم في أقطار أساسية وقوية من حيث الخيرات الاقتصادية .
ومن هنا تأتي أطروحتنا الثالثة التي نحاول فيها أن نقدم بديلا عن العولمة سواء في جانبها الاقتصادي كما صاغتها المؤسسات الاقتصادية الكبيرة ، أو في جانبها الصراعي كما أبرزه صمويل هنتغتون ، وذلك من خلال الخطاب الثالث الذي أومأنا إليه وهو الخطاب الذي يندرج فيه تحليلنا وتفكيرنا، مستندين فيه على أطروحات الدكتور المستقبلي المهدي المنجرة وغيره من المفكرين العرب والأجانب .
ولعل أهم ما يجب الإشارة إليه ، في هذا الملخص الموجز أن العولمة والهوية لا يجب أن تحتضنهما دائرة الصراع ، كما يذهب إلى ذلك د. عبد الباقي الهرماسي ، بل قدرهما التكامل ، ذلك لأن اختلاف الهويات هو أساس العولمة ، وبقدر ما تكون هويات الشعوب ( ومنها هوية الشعب العربي بمرجعيته العقدية الاسلامية وبمنظوراته الفكرية ) مدعمة ومرتبطة بمرجعياتها الثقافية المتولدة عن ظروف عيشها، تكون العولمة أكثر خصوبة ونفعا.
ولذلك ، فإن الموضوع المطروح علينا موضوع العولمة ، وهو يجعلنا نعترف بأن العالم قد تغير كثيرا بدرجة كبيرة ، من حيث الوسائل العلمية والتكنولوجية ، وأن نصيبنا نحن من هذا التطور العلمي والتكنولوجي ليس إلا النزر اليسير ، يجعلنا متأكدين أيضا من أن ضرورة وجودنا تحتم علينا أن نساير التطور وأن نتعايش معه ، لنواصل مسيرة حضارتنا وفرضها كحضارة كونية .
المقدمة :
يندرج موضوع " العولمة بين الحتمية وضرورة حماية الهوية " الذي نتناوله في هذه المداخلة في إطار الحوار الدائر اليوم بين المثقفين العرب والعالم الغربي . ولعل أول ما يجب الإشارة إليه أن العولمة تكاد اليوم أن تصبح الشاغل الأساسي للناس . فقد أصبح موضوعها موضوعا منتشرا بشكل كبير، بل أصبح مثار نقاش واسع وجدل يتنامى في العالم يوما عن يوم . ومن المنطـقي أن نقول عنه إنه بات يشكل قطب الرحى الذي تدور حوله النقاشات التي تجعل من العالم "المعولم" إذا جاز التعبير قطب الرحى، هذا العالم السائر نحو آفاق لم تكن معروفة من قبل . من هنا فقد بات عند الكثيرين " يشكل قلقا لدى الطلائع المستنيرة في مختلف البلاد ، من المعنيين بالهم العام (ونحن منهم ) ، الذين يحرصون على معرفة ما سيؤول إليه الأمر بالنسبة لأقطارهم وشعوبهم " [1][1].
وبالفعل فقد تطور العالم المعاصر الذي نعيش فيه اليوم بالقدر الذي يسمح لنا بالقول إنه عالم منجذب بشكل من الأشكال إلى صنوف من المعرفة الجديدة ، لعل أبرزها المعرفة بالتقنيات الجديدة . وبتعبير آخر فإن هذه التقنيات الجديدة المستحدثة والمتسارعة تولدت عنها آثار مباشرة أثرت في تطور هذا العالم نفسه . فغيرت رأسا على عقب كل المفاهيم السائدة التي كنا نعرفها. ويمكن القول إن العالم المعاصر يتبع اليوم التقنيات. ومن قبل كانت الاقتصاديات هي التي تجر التقنيات الجديدة. وهذه ملاحظة يبدو لنا أنها تستحق الانتباه ذلك أننا في أثناء تعرضنا للهوية الثقافية والاجتماعية والحضارية سنعود إليها. ويتأكد لنا يوما عن يوم مدى أهمية ما ينتج عن كل ذلك من آثار سلبية أو إيجابية .
ويمكن في البدء أن نطرح سؤالين أساسيين ومركزيين، وهما : أولا: ماذا تعني الهوية (والهويات) في هذا السياق الجديد الذي نعيشه وفي إطار العولمة ؟ هل هي ظاهرة كان من الضروري أن يؤول إليها المصير البشري، أم هي مجرد وهم أو تقليعة غربية جيء بها لتلهية الشعوب المقهورة والضعيفة وجرها إلى أحضان الدول الكبرى ،كما يذهب إلى ذلك معظم المفكرين الإسلاميين ومفكري العالم الثالث ؟ ثانيا : ما الذي ستصبح عليه الهوية (أو الهويات) في عصر العولمة إذا ما نجحت هذه الأخيرة في فرض ذاتها علينا في هذا العالم الذي يبدو مختلفا كليا عن سابقيه ؟ هل ستضمحل الهويات الإقليمية والحضارية لتحل محلها هوية واحدة ووحيدة هي الهوية الكونية أو العالمية ، أم أن الهويات الإقليمية ستبقى حاضرة وراسخة ومتجذرة ، ولن تضمحل ما دامت الشعوب تنتج أفكارها وأساليب عيشها المرتبطة بظروف عيشها ؟
إنهما السؤالان المحوريان اللذان سيتكرران في موضوعنا المطروح ، واللذان يمكن اعتبارهما السؤالان الكونيان بامتياز ، مادام الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري والعقدي، هو كل ما يشكل الهوية . لذلك ، سأحاول ، وبشكل تدرجي أن أقدم رأيي الشخصي حول ما يمكن أن تعنيه العولمة عبر مختلف الزوايا، ثم ، وفي وقت لاحق، سأحاول أن أتعرض لإشكالية الهوية الثقافية والاجتماعية والحضارية في سياق العولمة . وسأحاول في زمن ثالث أن أتعرض للإشكالية الأساسية لعلاقة العولمة بالهوية وتأثيراتهما المتبادلة ، أي سأحاول أن أبسط المقاربة الحضارية العربية والإسلامية للدخول في زمن العولمة على اعتبار التغيرات الكبرى التي أوجدتها التقنيات الجديدة . وفي الأخير سأعطي خلاصة تعبر في العمق عن خطاب يلتقي فيه الهم القومي والعقدي بالهم الحداثي ، سأختزلها في السؤال التالي: هل يجب ، في أفق القرن الحادي والعشرين ، إعادة بناء الهوية انطلاقا من متطلبات العولمة ، أم يجب تجديدها بناء على النسق المعاصر الذي تفرضه العولمة ، أم يجب الحفاظ على مقومات الهوية - الثقافية والحضارية والعقدية - التي هي المكون الأساسي لحضارتنا العربية الإسلامية ؟
تلكم هي المنهجية التي نقارب بها موضوع العولمة وتأثيرها على الهوية . فلنبدأ من البداية أولا ، أي من تحديد مفهوم العولمة .
1- في مفهوم العولمة :
ما الذي تعنيه العولمة ، بل ما الذي نعنيه نحن بالعولمة ؟ هل هي ظاهرة جديدة كل الجدة في عالمنا ؟ هل هي ظاهرة محض اقتصاديـة ؟ أم هل هي تصور جديد للعالم ؟
لنتوقف في البداية قليلا عند هذا السؤال الأول الذي عادة ما يتم تجاوزه عندما يتعلق الأمر بالعولمة : ما الذي نعنيه بالعولمة ؟ ولكي نفهم ما الذي تعنيه العولمة بدقة ، من الضروري الابتعاد عن مصطلحها الفرنسي la mondialisation الذي يبدو غير دقيق والاكتفاء بالمصطلح الأنجلوسكسوني The globalisation الذي يتحدث عن " الكون / والعالم الكون / والكونية " . وهكذا ، فمصطلح الكون له حمولة معرفية دالة ، فهو يختزن في نظري دلالة كبيرة وأهمية قصوى ، وذلك اعتبارا لكثير من الأسباب التي ترتبط بهويتنا العربية الإسلامية أولا ، وبرسالتنا في هذا الكون . وإذا كان مصطلح العولمة عند البعض " مصطلحا جديدا يشير إلى حالة مازالت في مرحلة التشكل والتكوين، ولكنها تتجه بسرعة إلى أن تفرض وجودها المهيمن القوي على معطيات الواقع الدولي والحياة المعاصرة، وبوتيرة سريعة ، توازي الوتيرة التي تنطلق بها الثورة الهائلة التي طالت مجالات الاتصال والمواصلات، والتي هي ملمح أساسي من ملامح هذه العولمة " [2][2] ، فإنه مفهوم أو مصطلح يحيلنا على مفهوم أو مصطلح جديد نصف به ظاهرة قديمة جدا . وبالفعل ، فنحن عندما قدر لنا – عن طريق الإنسان وعقله وعلمه - أن نترك الأرض لأول مرة وأن نلتحق بالفضاء الكبير والواسع ، وعندما استطعنا أن نرى انطلاقا من هذا الفضاء تلك الأرض وصورتها ، برزت أمامنا هذه المفاهيم من قبـيـل " كوكب الأرض " و" الكونية " وغيرها من المفاهيم المماثلة لها . لماذا ، لأننا للمرة الأولى بدأنا نرى الأرض وهي في حجم البرتقالة في رحم الكون . إن هذا يعني أن الأرض أصبحت تشكل كلية ، أي مجموعا سواء على المستوى الفيزيقي أو البيولوجي أو البشري . هكذا أصبحت الرؤية الكونية للأرض ممكنة وظاهرة لأول مرة. إنها ليست مجرد فكرة ، وإنما هي حقيقة . فالأرض تشكل كلية ، وهذا الكل هو كوني .
وانطلاقا من هذه الحقيقة التي تم الوقوف عليها وتحقيقها ، أصبح لدينا وعي بتداخل الظواهر التي تهم كوكبنا ، وأصبحت لدينا أيضا معرفة متزامنة عن الأحداث التي تجري في كوكبنا . ولكي نتخيل أننا نعيش في عالم كوني ، يجب أن نعرف أن ظاهرة جوية ما تقع في مكان من أرضنا ، لا تعرف فحسب في الوقت ذاته التي تقع فيه ، ولكنها تكون لها عواقب تهم بقية أمكنة أرضنا.وبعبارة أخرى ، فإن زوبعة رملية تقع في مكان من الجزيرة العربية ، أو شمال إفريقيا تكون لها نتائج تهم بلاد أوربا أو آسيا . إنها أشياء كانت غير معروفة في وقت سابق ، لكننا أصبحنا ندركها تمام الإدراك اليوم . إن انتماءنا المشترك لهذا العالم الذي نتقاسم فيه الخير والشر، السلم والحرب، الأمل والأمل، أصبح في واقعنا حقيقة .
ومع ذلك ، فنحن إذا رجعنا إلى ما يكتب عن العولمة وإلى النقاشات المواكبة لها ، أو إلى الرؤية التي تشكلها وسائل الإعلام عن العولمة ، فإننا سنقف على الملاحظة التالية ، وهي أن هذه الوسائل ، على اختلاف أنواعها ، تربط العولمة بشكل ملفت للانتباه بالظاهرة الاقتصادية . إنها لا تنظر إلى العولمة باعتبارها ترتبط بالظاهرة الأعمق ونعني بها التصور الجديد للعالم . ومن المعتـقد أن هذا الفهم سيأتي مع التطور ، أي أن تطور العالم سيؤدي بنا شيئا فشيئا إلى تصور أكثر كونية للإنسانية، وللإنسانية في عالمها.
البعد الاقتصادي للعولمة :
وبالفعل ، فنحن إذا حاولنا أن نتطرق إلى العولمة باعتبارها ظاهرة اقتصادية ، فإننا سنقف على حقيقة هامة ، وهي أن لا شيء قد جد على عالمنا المعولم ، لا شيء جديدا البتة قد حصل ، بالمقارنة مع ما تعلمناه من كتب التاريخ ومن تجارب الأمم السابقة . لماذا نقول ذلك ؟ لأنه منذ قرون وقرون خلت ، وجدت حركات التجارة ووجد التبادل بين مختلف جهات الكون الأربع وبين مختلف المجتمعات المتنوعة والمختلفة ، وفق مستويات متفاوتة القيمة. وإذا نحن رجعنا إلى ألفي سنة إلى الوراء على سبيل المثال لا الحصر ، فإننا سنرى أن البحر الأبيض المتوسط كان يشكل جزءا متجانسا حيث كان تبادل العلاقات قويا ، وحيث التبادل بين المشرق ( الهند والصين ) وآخر ركن في شمال إفريقيا (المغرب مثلا) كان مزدهرا وذلك وفق نظام من التواصل ينسجم مع ذلك العصر. في ذلك الوقت لم تكن أمريكا قد تم اكتشافها بعد ، مثلها مثل بعض من أجزاء العالم الأخرى. وما يمكن قوله أن التطور الذي هم وسائل التواصل والنقل في المقام الأول، ثم التطور الذي هم الوسائل التكنولوجية ، في الاتصال والمعلوميات ، أعطـى بعدا أكبر لهذه الظاهرة الاقتصادية . ومن هنا نشأت وخلقت هذه الدينامية الكبيرة .
الملاحظة الثانية التي تهم العولمة ، أن هذه العولمة لها حقل تأثير واسع. فيمكن النظر إليها بحسب زوايا ومستويات مختلفة . المستوى الأول هو مستوى الاقتصاد ، ثم المستوى الثاني وهو مستوى التنافسية هذا المفهوم الجديد . لكن الأهم من ذلك أن العولمة مرتبطة بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد، وبالمنظمات الدولية التي تهتم بالاقتصاد ، مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ، مثلما هي مرتبطة بالمؤسسات والتجمعات الاقتصادية الكبرى مثل الأوبيب والغات ، وبالأسواق المفتوحة والحرة التي تتنافس فيها جميع بلدان العالم. بعبارة أخرى ، ليس في نظام العولمة أية حواجز ممكنة للحماية . فقد انتفت الحدود بيننا وبين عالمنا الكبير . ونحن اليوم لا نزن أنفسنا بأنفسنا ، كما لا نزن أنفسنا بجيراننا، ولكن نزن أنفسنا بمجموع العالم . وإذا كنا نستطيع الإنتاج أحسن من الآخرين يمكن أن نبقى ونستمر. وفي حالة عجزنا عن ذلك ، فإن آخرين سيقومون بالعمل نيابة عنا . كل ذلك يجعل من مظهر التنافسية هذا ومن المظاهر الأخرى المرتبطة بالتنافسية ، من قبيل التدافع والتسابق ومحاولة الهيمنة والإقصاء مظاهر أساسيا في إطار هذه الرؤية الاقتصادية للعولمة أولا ، وفي إطار رؤيات أخرى من بينها الرؤية الحضارية التي تحيلنا بدرجة أساسية على الهوية .
واضح إذن أن العولمة وإن بدت ذات طبيعة اقتصادية بدرجة أولى ، فهي عولمة للثقافات وللنسيج الاجتماعي بكل ما يتضمنه هذا النسيج من مكونات. ولذلك ، فمن اللازم أن نعرج على تمظهرات العولمة على المستوى الثقافي ، وأن نحدد الأخطار المحدقة بالجانب الثقافي ، هذا الجانب الذي لا تخفى أهميته عن أحد .
البعد الثقافي للعولمة :
إن البعد الآخر المهم جدا في العولمة هو البعد الثقافي . لقد تأثر هذا البعد الثقافي كثيرا بهذا التسارع الكبير الذي هم عدة نواحي من العالم ، خاصة ذلك البعد الذي هم المستوى التكنولوجي . لهذا فالبعض أصبح يستعمل مفهوم "الثقافة المهيمنة " la culture dominante وهو مفهوم بات رائجا بشكل كبير . إنهم يرون أن العولمة هي الأساس le vecteur الذي يدمج كل الثقافات الأجنبية الأخرى والتي تنتمي إلى أجزاء مختلفة من العالم ، وأن هذه الثقافة المهيمنة تتجه بالتدريج إلى إلغاء ومسح الثقافات المحلية autochtones التي أنتجتها الشعوب والبلدان الأخرى . إنها رؤية " الثقافة المهيمنة ".
هناك رؤية مغايرة أخرى يمكن الدفاع عنها . ففي التاريخ كانت هناك حضارات قوية وأخرى ضعيفة في تاريخ ما . لكن هذه الحضارات القوية لم تستطع أبدا محو الحضارات الضعيفة . لقد أثرت على هذه الحضارات بشكل أو بآخر. أما اليوم فيمكن أن نتحدث عن إمكانية أخرى ، تلك الإمكـانية هي ما يمكن تسميته بـ " الثقافة المشتركة ". لكن ما الذي نعنيه بالثقافة المشتركة ؟ للإجابة نقول ، هناك عدد مهم من القيم والسلوكات والأفعال تنحو نحو أن تكون مشتركة بالنسبة لجميع أفراد الإنسانية، لكن كل هوية وكل بلد يمكن أن يمتلك قيمه الخاصة التي يمكن أن تكون وأن تتحقق وأن تتطور بإزاء القيم المشتركة . ومن المعقول أن المتفائلين يراهنون على هذا الحل الثاني ، أي على كوننا نعيش بقيمنا وبالقيم المشتركة ، بدل الرهان على الثقافة التي تمحو الثقافات الأخرى وتأخذ مكانها .
يمكن أن نطرح السؤال التالي : ما هو العنصر المهيمن في هذه القيم ؟ إنهما شيئان اثنان أساسيان : وسائط الاتصـالles mediats ، وبالدرجة الأساسية التلفزيـون ، التي هي العنصر الأساسي للتواصل ولنـقل القيم المشتركـة . أما العنصر الثاني فهـو كل هذه البنينة المؤسساتيـةla structuration organisationnelle التي ، وهي تتكون على المستوى العالمي ، تقوم بتحديد القواعد و النماذج الموحدة les standards التي تنظم العلاقات التجارية والسياسية ، بل والعلاقات الاجتماعية ، بين التنظيمات والأفراد . لهذا ، فإن الذين يودون أن يبقوا في حقل المنافسة يجب أن يحترموا هذه القواعد و النماذج الموحدة les standards . هذان العاملان هما اللذان يلعبان دورا كبيرا في هذه الرؤية العولمية للثقافة .
البعد السلوكي للعولمة :
هناك بعد آخر له في نظري من الأهمية الإضافية الشيء الكثير ، وهو يتجاوز بكثير ما هو اقتصادي أو ثقافي ، إنه البعد السلوكي للأفراد والمجموعات إزاء المشكلات الكبرى للإنسانية . لقد قامت العولمة بإدخال مفهوم آخر وجديد . لماذا ؟ لنشرح ذلك. بسبب محدودية العالم وانغلاقه ، فإن الإنسان ، في هذه الحالة ، لا يمكن أن يعيش على سطح الأرض ، وليس هناك من إمكانية للذهاب بعيدا . وعليه ، فإن كل مشكلات العالم تصير مشكلات كل فرد . هذا المظهر لم يكن مقبولا قبل ثلاثين أو خمسين سنة ، لكننا اليوم أصبحنا نعيه بكامل وعينا .
لنأخـذ كمثال عما نقول مشكلة التكاثر الديموغرافي الذي هو ظاهرة نتحدث عنها كثيرا اليوم ، بسبب أهميتها وخطورتها . ولنأخذ كمثال بلاد المغرب :
· في سنة 1900 كان عدد السكان يبلغ ثلاثة ملايين. تخيلوا إذن بلدا كبيرا مثل المغرب يسكنه ثلاثة ملايين إنسان .
· في سنة 1960 ، عصر الاستقلال ، بلغ العدد قرابة العشرة ملايين . هذا يعني أنه خلال ستين سنة، تضاعف الرقم ثلاث مرات .
· من سنة 1960 إلى سنة 1994 ، ووفق الإحصاء الأخير ، انتقل العدد من عشرة ملايين إلى ثمانية وعشرين مليون ، أي تضاعف العدد ثلاث مرات خلال ثلاثين سنة. تتخيلون أن مساحة المغرب لم تتغير ، لكن عدد السكان انتقل من ثلاثة ملايين إلى ثلاثين مليون في مائة سنة . بعبارة أخرى تضاعف عشر مرات . إن هذه الأرقام تدفعنا إلى التفكير. فهذه الزيادات المهولة في عدد السكان لا تهم المغرب، ولكنها تهم العالم .
وعندما نريد التحدث عن العالم ، يمكن أن نقول :
· قبل عشرة آلاف سنة ، كان يقدر عدد ساكنة العالم بثمانية ملايين مجموع ساكنة سنة 1960.
· وقبل ألفي سنة كان يقدر العدد بنحو مائتين وخمسين مليون .
· وفي سنة 1960 كان العدد يقدر بخمسمائة مليون .
· وفي سنة 1800 قدر بمليار .
· وفي سنة 1960 انتقل العدد إلى ثلاثة ملايير .
· وفي سنة 1999 أصبح العدد ستة ملايير .
· ويقدر العدد في سنة 2040 باثني عشر مليار .
وكون أن العالم سييستضيف اثني عشر مليار ساكن ، وأن المغرب سيستضيف بين خمسة وأربعين وخمسين مليون ، ستكون له نتائج درامية وكبيرة علينا. وفي الوقت نفسه ستكون لهذه الظاهرة نتائج وخيمة على مجموع العالم . إنه أحد أهم الظواهر العالمية التي لايمكن تجاهلها. خاصة وأن مشكلات عالم الاثني عشر مليار ستكون كبيرة : ومن هذه المشكلات مشكلات التغذية والماء والمجال الحيوي والتطبيب والتعليم وغيرها …..
لا يمكن لنا أن نقول : إننا نعيش في بلد منعزل بمساحة سويسرا أو فرنسا أو قطر ، وبالتالي فلتجاهل عدد سكان العالم الذي سيتضاعف ، وسيصل إلى اثني عشر مليار . لأن ذلك هو ما سيحدث، وستكون عواقبه وخيمة على البشرية كلها .
ما نراه أيضا من هجرات سكانية مهولة نحو دول الشمال اليوم ، والمآسي التي أصبح ينقلها الإعلام ، خاصة أحداث غرف آلاف الناس في البحار وهم يفرون من فقر مروع وعوز كبير ، ليس إلا بدايات لظاهرة أكثر عمقا ، ستهم العالم كله . وجميع البلدان لا يمكن أن تكون بمنأى عن نتائج هذه الظواهر. ولذلك ، فإن ظاهرة التكاثر الديمغرافي الذي لا تخفى أهميته ، يجب أن يغير تصورنا للعالم وطرق عيشنا ، ويجب أن نبادر في الحال لحل المشاكل .
هناك مشكلة عالميـة ثانية تبدو لي من الأهمية بمكان ، وهي مرتبطة أيضا بمشكلة التكاثر الديمغرافي ، تلك هي مشكلة البيئـة . فقديما ، كان الناس يعتقدون أن الأرض في إمكانها أن تتحمل كل ما يقوم به الإنسان ، عن جهل ، تجاهها وفيها . لم يكن هذا الإنسان ، ولم نكن نحن أيضا نحسب أو نعي هشاشتها ، والعلاقات بينها وبين الأنواع الحية التي تقطنها والعالم الفيزيائي . كان الإنسان يعتقد أن كل الظواهر يمكن إصلاحها . ولم يكن هذا صحيحا، فليس هناك من إمكانية للإصلاح والعودة إلى البداية في الطبيعة. فكوكبنا كما هو مكتوب ومسطر ، يسير نحو نهايته ، تماما كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم : " كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ". وإذا كان من المتوقع علميا كما يقول العلماء أن كوكبنا سيبلغ ستة ملايير قبل موته المحتوم ، فإن الإنسان قادر في هذه الحالة على تسريع هذا الموت ، وذلك من خلال اجتثاث خيراته وإفساد بيئته ، أو أيضا من خلال الأخطار النووية والبيولوجية والوراثية والكيماوية .
إن عالمنا المعاصر أصبح يضع قدميه تحت عدد لا يحصى من القنابل والمتفجرات القوية التي يمكن أن تدمره . إنه خطر حقيقي ، والحمقى موجودون فيه ، وبالعدد الكافي لتفجيره . ويكفي أن يضغط زر من قبل شخص أحمق ليتحطم كل شيء . لكن لنرجع إلى البيئة التي أثرناها سابقا . ولنأخذ مشكلة الغابات . ففي الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال، هناك غابة بحجم مدينة كبيرة بضواحيها وباديتها لم تعد موجودة. إن الكثير من الناس يحتاجون إليها من أجل التدفئة، آخرون من أجل صناعة الورق. لكن المشكلة لا تكمن هنا فقط، فالمشكلة أن الغابة التي تختفي الآن من الوجود، لها دور أساسي في توازن بيئتنا biosphere ، إنها العطية التي منحها لنا الله من أجل إنتاج الأوكسيجين انطلاقا من غاز الكاربون . وكل حي يحتاج إلى الأوكسيجين لكي يعيش. فما الذي سيحدث إذا استمر تدميرنا للغابات ؟ سيكون من غير الممكن استمرار الحياة. لكن من الذي يدمر الغابات ؟ إنه الإنسان. لماذا يدمرها ؟ إنه السؤال الذي يجب أن نطرحه.
هناك مشكلة عالمية ثالثة تبدو لي من الأهمية بمكان ، تلك المشكلة هي مشكلة التناحر العرقي والعقدي الذي يعيشه عصرنا. فقديما ، كانت الحروب تقع بين الشعوب ، لكنها لم تكن لتبلغ هذا الحجم .وإذا أخذنا كمثال ما يقع لشعوب العالم العربـي والإسلامي ، فإننا نقف على هول كارثة إنسانية قل نظيرها. لقد تكالبت كل القوى ، وتعاظم خطرها . وأصبح العالم العربي والإسلامي يعيش على خطر المحو والتدمير. وإذا طرحنا السؤال : من الذي يحدث كل هذا الدمار ؟ إنه إنسان القرن الواحد والعشرين ؟ وبسبب ماذا يحدث كل هذا التدمير ؟ إنه السؤال الذي ينبغي أن نطرحه .
وجوابا عن هذا السؤال الكبير ، لنقل إن الأمر هنا لا يتعلق بمجرد التدمير ، كما كان الشأن بالنسبة لتدمير الغابات . بل إن الأمر أعظم من ذلك ، فتدمير الإنسان لا يتعلق بمجرد التدمير المقصود لذاته وبغرض تحقيق غاية ما ، بل ومن أسباب تدمير الإنسان خصوصية الهوية ، أو اختلاف الهوية ، هذه الخصوصية التي تدفع بسبب قوتها إلى محاولة إذابتها ، ومن ثمة يسهل استيعابها أو إقصاؤها . وفي الواقع ، فتدمير الإنسان ، ليس هو مجرد قتل للإنسان ، مثلما أن حرق غابة ليس هو مجرد حرق للخشب . وإذا كان حرق الغابة يعني إتلاف مصدر من مصادر الحياة ، فإن قتل الإنسان وهو يعني إتلاف حيوات يعني أيضا القضاء على الهوية .
ثمة إذن أكثر من سبب يدفع الإنسان إلى إتلاف محيطه . وهنا تكمن إشكالية لقاء العولمة برسوخ الهوية ( أو الهويات ) الثقافية لشعوب ساكنة المعمور التي خلقت لتتعايش وتتساكن في كوكب نسميه الأرض . لكن ، ونحن ننتقل بين العولمة وحضور الهويات ، أو من حضور الهويات إلى العولمة ، يجب أن نعترف أننا نعيش في وضعية صعبة وخطيرة جـدا .إن كل ما يقع من حولنا ، يجب أن ينبهنا : مظاهر العنف كيفما كان نتائجها الاقتصادية أو الاجتماعية . فمن بين الملايير الستة من الأفراد الذين يعيشون فـوق كوكبنا ، ثلاثة ملايير منهم ، أي نصفهم ، يعيشون العوز وتحت سلم الفقر، ويعيشون محرومين من وسائل الحياة الأساسية والحيوية كالغذاء والماء والكهرباء .
نحن نتحدث عن الاكتشافات التكنولوجية ، وعن المكانة التي تحتلها تكنولوجية المعلومات بيننا، ونتكلم عن الهاتف المحمول ، وعن الأنترنيت ، نعم ، ولكن يجب أن نقول أيضا إن ثلاثة ملايير من الساكنة لم يستعملوا الهاتف ولو لمرة واحدة أبدا ، ولا يعرفون ما الذي يمثله الهاتف .
أيضا ، فإن نسبة العمر هي بين خمس وسبعة وثمانين سنة حسب البلدان. وحتى بالنسبة للبلدان المتقدمة ، هناك نفس الاختلالات بين الأغنياء والفقراء . هذه هي تحديات العصر التي نشعر بها ونحملها في وعينا ولا وعينا.
ما الذي نفعله أمام هذه المشاكل الكبيرة وأمام هذه التحديات الأكبر؟ إن كل هذا يدفعنا إلى الحديث عن شيء نسميه المكونات الأساسية للإنسان ، أي عما يحدده ، سواء من الناحية الثقافية أو الاجتماعية أو العقدية . هذا ما نصطلح عليه بالهوية (أو الهويات )، التي بلقائها مع ظاهرة العولمة تشكل إحدى الإشكاليات التي ينبغي طرحها ومناقشتها والخروج بخلاصة تنير لنا الطريق . وما سنقوم به لاحقا سيشكل العناصر الأولى لرؤية حضارية تأخذ بعين الاعتبار مكونات الهوية وقضايا التطور المعاصر.
2- في مفهوم الهوية :
ما هي المكونات الأساسية للهوية (أو الهويات) ؟ هل ستبقى للهوية (أو للهويات) من ضرورة للشعوب والأمم في زمن العولمة ؟ أم أن مصير الهوية ( أو الهويات ) سيكون هو الاجتثاث ؟ وكيف سنتصور العالم في هذه الحالة ، أي عندما يصبح بدون هويات ؟
لننتقل إذن إلى مفهوم الهوية الذي هو العنصر الثاني من مداخلتنا والذي سيشكل بالنسبة للموضوع المطروح أمامنا النول الذي ننسج عليه نسيجنا ، وذلك لمحاولة تحديدها وتعريفها . ولنطرح الأسئلة التالية : ما مصير الهوية ( أو الهويات ) في زمن العولمة ؟ هل ستختفي كل خصوصيات الشعوب في هذا الزمن ؟ هل سيتم محو واجتثاث كل تراث الإنسانية العظيم : تراث اليونان والفرس والعرب والمسلمين والهنود من كل الخارطة ويتم تعويضه بما ينتجه زمن العولمة ؟ وكيف سيكون مصير العالم في هذه الحالة ؟ إنها أسئلة تقض الضمير وتطرح عدة تساؤلات ، بل وتكاد تشير ضمنا أو بشكل صريح إلى أخطار وكوارث ؟
لكن قبل أن ندخل في لب هذا الموضوع الحساس- موضوع الهوية ، يجب أن نقول كلمتين بسيطتين عن مفهومين أساسين : مفهوم " الزمن " ومفهوم " العلم ".
مفهوم الزمن :
فقد قال أحد الفائزين بجائزة نوبل " إن الزمن هو الشيء الذي يمضي عندما لا شيء يمضي ".
واليوم ، كثيرة هي الأشياء التي تمضي ، ويبقى الزمن هو الأقنوم الأساس . يصبح الزمن إذن معطى أساسيا ، إنه يصبح ذي قيمة كبيرة . فهناك قمع فظيع يصدر من الزمن، ذلك أن مبادرة لا تتمكن من أخذها في الوقت المناسب ، يمكن أن تكون لها ، عليك وعلى الذين يحيطون بك وعلى الإنسانية جمعاء ، عواقب وخيمة . فالزمن يجب أن ينظر إليه نظرة أخرى ، ويجب أن نستعمله بطريقة أخرى .
مفهوم العلم :
الملاحظة الثانية التي يجب علينا سوقها هنا ، هي أن العلم واكتشافاته المتعددة والخارقة ، كان لها تأثير هام جدا على سلوك الناس وعلى تحليلاتهم . وإذا كنا اليوم نستطيع أن نقبل بعض الاكتشافات الخارقة ، فإن الأمر اختلف بالنسبة لبعض الاكتشافات التي حدثت في أزمنة لها خصوصياتها ، ولم يكن الاعتقاد بها بالأمر السهل ، لنتذكر اكتشاف غاليلي لدوران الأرض حول الشمس ، فعندما اكتشف غاليلي في منتصف القرن السابع عشر أن الأرض تدور حول الشمس ، كان مصيره الإعدام . وتم إحراق كتابه . والحال أنه كان يقول الحقيقة . أكيد أن هذا الاكتشاف الذي قام به غاليلي هو الذي أظهر في النهاية وجود نظام على مستوى الكون ، وأن الكواكب لا تدور كيفما اتفق ، وأن هناك تنظيما عجيبا لحركة كوكبنا حول الشمس ، وأن الفصول كانت هي التفسير المنطقي لذلك . إن مستثمري القرن السابع عشر ورأسمالييه مثل مستثمري ورأسماليي اليوم هم بشكل من الأشكال ورثة غاليلي وورثة المكتشفين الجدد .
لماذا ؟ سأشرح ذلك . لقد كان الناس ، يعتقدون قديما ، بالظواهر العجيبة ، وبقوة المنطق . وبفضل العلم ، استطاع الناس أن يخاطروا . كان لهذا الأمر ، من جهة ، نتائج إيجابية ، ومن جهة أخرى ، نتائج سلبية ، وتم استغلال النتائج كلها ، إن في شكلها السلبي أو في شكلها الإيجابي . وقد نتج عن هذا أيضا في الغرب التفكير الذي يرتكز بقوة على الاكتشافات العلمية للقرنين السابع عشر والثامن عشر . لقد ولد ذلك رؤية ميكانيكية عن العالم الذي يؤدي حتما إلى اقتصاد مؤسس على الاستهلاك الذي نعرف اليوم بعضا من نتائجه السلبية والانحرافات الناتجة عنه (التسلح ، والتلوث ، والفروق الاجتماعية ، والحروب …).
واليوم ، يمكن القول إن الميكانيكية الكلاسيكية التي سادت من قبل ، أصبحت اليوم متجاوزة، ولم يعد لها أي معنى . لقد تم استبدالها بالميكانيكية النسبية التي بدورها كان لها تأثير أساسي على طرق مقاربتنا للمشكلات .
لنقل إنه زمن النسبية بامتياز ، وزمن التشكيك في كل شيء بامتياز كذلك . هذه هي النظرية الجديدة التي أصبحت تسكن رؤوس المسيرين والمسؤولين ، والصنم الذي أصبح معبودا أكثر من غيره من أصنام العالم المعاصر. والنتيجة ، أن رؤيتنا للخطر وللزمن بدأت تتغير ، لقد أصبح التعقيد والتشابك يحل محل الخطية والوضوح .
لقد بدأ هذا التعقيد يأخذ كل أبعاده خاصة عندما بدأنا نحن نتحدث عن العولمة . فإذا كنا نعتقد أن عالمنا هو عالم كوني صغير أو قرية صغيرة كما يسميها العلماء ، وأنه عالم متغير وغير ثابت، فكيف يكون رد فعلنا على العولمة ؟ نحن لا نملك شيئا إلا أن نحلل الظواهر . ولا نملك من الحلول إلا أن نقول إن كل ما يوجد حولنا هو مترابط : الأرض، والإنسانية ، والعلم ، والتكنولوجيا ، والكوارث ، والأخطار …كل هذا هو متداخل ومترابط .
إننا وكأننا نسبح في نهر . لنا أن نختار بين أن نسبح مع التيار أو أن نسبح ضد هذا التيار . لكن، عندما يكون التيار قويا وجارفا إلى حد كبير ، سيكون من المثير والخطير ، بل ومن البلادة وقلة العقل ، أن تسبح ضد التيار ، وفي حال اختيارنا السباحة ضد التيـار ، فإننا ستبذل مجهـودا لا يقدر، ومن دون فائدة ، وفي الأخير ستنتهي بالغرق ، وستنتهي الحياة بالنسبة لك عند ذلك الحد .
فهل هذا التيار الجارف والقوي هو ما أصبحنا نسميه بالعولمة ؟ وهل سنحاول نحن بذاتنا المالكة لخصوصياتها ولهويتها القومية والعقدية المحددة بمكوناتها ، أن نضع أنفسنا ضمن هذا التيار الجارف والقوي بدخولنا زمن العولمة ؟ أم ترانا سنحاول السباحة ضد هذا التيار متقوقعين على ذاتنا بكل خصوصياتها ؟ أم هناك حل آخر يجب البحث عنه وجعله خشبة النجاة التي تقينا من شرور عالم متربص بنا ؟
تلكم هي الأسئلة التي يفترض أن نجيب عنها ، وهي أسئلة كبيرة جدا ومفروضة علينا بقوة ، ونحن لا نملك إلا أن نقول : لا مفر من هذه الأسئلة ، ولا مفر لنا من طرحها.
ولكن قبل ذلك لنحاول أن نعرف ما إذا كنا لوحدنا ندافع عن الهوية ، أم أن هناك أمما وشعوبا أخرى تحاول بدورها أن تدافع عن هويتها .
الهوية مسألة جميع الأمم :
الملاحظ أن مسألة الهوية ليست محض مهمة عربية إسلامية فحسب ، ولكنها مهمة كل دول المعمور ، بل والدول الكبرى كذلك . ذلك أن الكثيرين يخشون على ضياع هويتهم وخصوصيتهم من امتداد العولمة هذا الامتداد الكاسح ، ويعارضون خطابها بخطاب مضاد يهاجمون فيه المدافعين عنها، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، ويشيرون إليها على أنها لا تسعى من وراء عولمة العالم إلا إلى "أمركته" وصياغته على شاكلتها .
فرنسا ومفهوم الهوية :
ولعل المنظرين الفرنسيين هم أكثر الأوروبيين دعوة إلى التحفظ من هذه العولمة المجازفة ومن أخطارها ، وهم الأكثر حرصا من غيرهم على حماية هويتهم من مخاطر ابتلاعها من لدن العولمة التي ينعتونها بالمتوحشة . ويشارك في هذا الخطاب حتى شخصيات فرنسية حكومية تقتعد أعلى مستوى في القرار . ويصف بعضهم الغزو الفكري الأمريكي بأنه إمبراطورية جديدة فضاؤها العالم كله بلا حدود.
وتنوع فرنسا خاصة مجال مقاومتها لهذا الغزو ، فتفرض الحكومة الفرنسية على قنوات التلفزيون الفرنسي أن يخصص 60 % من برامجه للإنتاج الأوروبي حتى لا يطغى عليه الإنتاج الأمريكي . كما أصدرت الحكومة الفرنسية تعليمات بحجب المساعدات المالية والمادية عن جميع التظاهرات الثقافية الفرنسية التي لا تجعل الفرنسية لغة أعمالها .
وهناك اتجاه في فرنسا لوضع قانون يمنع على المسؤولين الحديث في التظاهرات العامة بغير اللغة الفرنسية . وغير بعيد ألحت فرنسا – تكريما لهويتها وتمجيدا للغتها – أن لا ينتخب على رأس الأمانة العامة لهيئة الأمم من لا يمتلك اللغة الفرنسية .
ودفاع فرنسا عن هويتها وخصوصياتها في مواجهة عولمة بدو حدود هاجس يؤرق المثقفين والمفكرين والساسة ، حتى يمكن القول إن فرنسا تجتاح أزمة هوية وصفها البعض بأنها "أزمة عصيبة جماعية" نتيجة طغيان الثقافة الأمريكية الناطقة باللغة الإنجليزية على ثقافتها ولغتها وعلى حساب تقلص دورهما عبر العالم . وفي ذلك كتب ميشيل سيريس :" إن الأغنياء وصانعي القرار في فرنسا أصبحوا لا يتحدثون إلا بالإنجليزية . أما الفرنسية فقد أصبحت لغة الفقراء والعامة " [3][3].
وفي آخر قمة شهدها الرئيس ميتران في آخر عمره للدول الناطقة بالفرنسية ، دعا المؤتمرين إلى " مساعدة فرنسا على الدفاع عن لغتها وهويتها في مواجهة الغزو الفكري الأمريكي "[4][4] .
أما وزير الثقافة الفرنسي ، فقد شن حملة على الولايات المتحدة في اجتماع اليونسكو بالمكسيك قائلا :" إني أستغرب أن تكون الدول التي علمت الشعوب قدرا كبيرا من الحرية ودعت إلى الثورة على الطغيان ، هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع " . وأضاف : " إن هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية لا يحتل الأراضي ولكن يصادر الضمائر ومناهج التفكير واختلاف أنماط العيش " [5][5] .
ولقد ذهب الرئيس شيراك في الدفاع عن نمط العيش الفرنسي إلى حد أنه عارض أن يقام مطعم "ماكدونالد" في برج "إيفل" ليظل فضاؤه على الأقل منفردا بنمط العيش الفرنسي [6][6] .
لا شك إنها حرب باردة لم تعلن عن نفسها ، وهي حرب محتدمة عبر العالم في مجال الحفاظ على الهوية الوطنية ، يسجل فيها أنصار العولمة الشاملة ضربات للهوية لم ترق بعد إلى أن تكون قاتلة ، ولكنها تنال منها إن بهذا القدر أو ذاك ، ويسجل أعداء العولمة نقطا تضاف إلى رصيدهم ، لكنها ليس كافية .
هويتنا نحن والعولمة :
ولكن ، لنعد إلى موضوع العلاقة بين العولمة والهوية ، خاصة فيما يتعلق بالشق الذي يهمنا نحن أكثر وهو الشق المتعلق بهويتنا . ولعل أول ما يجب القيام به ، هو تحديد الهوية والتعرف على مكوناتها . إن الشيء الذي يمكن قوله في هذا الباب هو أن الهوية (ونحن هنا نتحدث عن الهوية العربية الإسلامية) هي مجموع المكونات التي تشكل الشخصية العربية الإسلامية ، وهي ذات المكونات التي تراكمت عبر الأزمنة والأحقاب .
الهوية هي العقيدة واللغة والحضارة والمصير:
وفق ذلك ، فإن هويتنا التي أصبحت تدل علينا ، هي كل ما تراكم ، عبر السنين والأحقاب ، من قيم وسلوكات وعادات … وهي التي تجعلنا نعيش وفق نسق حياتي يخضع بالدرجة الأولى إلى مكونات أساسية يمكن أن نجملها في : العقيدة واللغة والحضارة والمصير.
العقيدة باعتبارها أنساقا وأوامر ربانية واعتقادات لا تقبل الشك أو الرجحان هي ثابت من ثوابت الأمة . ولا يمكن لأحد من هذه الأمة أن يشكك في هذا الثابت مهما كانت قدرته وقوته . وقد ترسخ ثابت العقيدة في القلب والوجدان حتى أصبح لصيقا بهما لدرجة يستحيل أن ينتزعا منهما. بهذا الثابت بنيت الحضارة الإسلامية ، ومن هذا الثابت حلق العقل الإسلامي في ملكوت الكون. لم تستطع لا الفلسفة ولا التفكير الإسلامي ولا الإبداع ولا مختلف العلوم أن تحلق خارج هذا التحديد الذي بقي يمثل الإطار الذي تنسج في داخله مختلف الإبداعات مهما كان التصاقها بنفسية الإنسان وطبيعته النازعة إلى التجديد والإبداع .
أما اللغة فهي ذلك الوعاء الذي تجسدت فيه ومن خلاله مختلف الأفكار والتصورات والتوجسات والإحساسات التي عبرت عن هذا الكائن الذي نصطلح على تسميته بالكائن العربي ، والحامل لمواصفات وخصوصيات هذا المخلوق البشري الذي كلف بإعمار الأرض والخلافة فيها ونشر مختلف إبداعاته فيها . إن اللغة التي هي اللغة العربية ، بما حملته من عناصر الإبداع ، وبما اختزنته من كنوز معرفية وعلمية ، وبما تمثله من تبليغ وبلاغة ، وإن كانت مجرد وعاء ، إنما تحمل خصوصية هذا الإنسان.
وأما الحضارة فهي كل ما نتج عن الممارسات الأدبية والفكرية والفنية التي نشأت عن مجموعة بشرية في مكان وزمان محددين ، أو هي بعبارة أخرى نتائج العمل الباهر والكبير الذي شارك فيه آلاف العباقرة في مختلف المجالات والأصعدة : في العلوم والآداب والطب والهندسة والفكر . وبالنسبة للحضارة العربية الإسلامية ، فهي التي أخرجت الأمة العربية والإسلامية من عالم العوز الفكري وقادتها نحو عالم التحضر والبناء ، وهي التي مكنتها من الانفتاح على حضارات أخرى مختلفة عنها كل الاختلاف مثل حضارات الفرس والهند والصين واليونان والإغريق وغيرها من الأمم الكبيرة ، وهي التي كانت العنصر الأساسي لنشوء وبروز وتطور الحضارة الغربية التي بدأت تتلمس طريقها في القرن السادس عشر وكونت قاعدتها العلمية ابتداء من هذا التاريخ إلى أن وصلت إلى تطور رهيب بدأ يقودها نحو ما نسميه بالعولمة .
وأما المصير فهو السيرورة التي تتطور عبرها كل أمة من الأمم ، أو المسار le processus الذي لا بد أن تسير فيه أمة ما ذات خصوصيات معينة ، انطلاقا من المعطيات المحيطة بها كأمة من مهامها أن تستمر في الوجود ، وأن تشارك فيه من جهة ، وأن تحافظ على هويتها ورسالتها وأن تبلغهما إلى الآخرين من جهة أخرى .
هذه هي محددات الهوية التي لم يعد يدور حولها خلاف . وهي المحددات التي تسكن كل فرد من هذه الأمة ، وتوجهه نحو أهداف وغايات محددة .وهي التي تحافظ على التوازن المطلوب لكل حياة الأفراد والشعوب .
هل هويتنا في خطر ؟
والآن ، لنطرح السؤالين التاليين الآن : هل توجد هويتنا العربية والإسلامية في خطر أما م زحف العولمة ، إن تشويها أو اجتثاثـا ؟ وهل بمقدورنا أن نحافظ على الهوية ومكوناتها الأساسية في ظل استشراء مظاهر العولمة في عالمنا العربي الإسلامي ؟
هذه هي الأسئلة التي تقض مضاجع المفكرين والمثقفين ، وربما قادة الأمة العربية والإسلامية ، وذلك بما يمثله الجواب عنها من أهمية .
لنقل إننا نوجد أما م تحد خطير يواجهنا ، خاصة وأننا نحن العرب – كما يقول المفكر اللبناني جورج قرم – " نعيش حالة تشردم ووهـن منذ انهيار الامبراطورية العثمانية " [7][7] . ولعبور هذا التحدي يلزمنا الكثير من الوسائل التي تتيح لنا إمكانية الخروج من هذا المأزق . ومما يزيد في صعوبة هذه الإمكانية ويجعلها شبيهة بالمستحيل ، أننا نشكل لقمة شهية وسهل اقتناصها . فكوننا نملك ثروات هائلة من الأسباب التي تشهي دول العالم فينا ، وكوننا أمة ضعيفة وغير مهابة الجانب يتيح لأعدائها إمكانية السطو عليها .
إنه ظرف استثنائي ، تعيشه الأمة العربية والإسلامية . وخطورة هذا الظرف تأتي من كونها تعيش أزمة مزدوجة : فهي من جهة تشعر بأن هويتها لم يمسها الخطر في أي وقت من الأوقات مثلما مسها اليوم ، وأنها أصبحت بالتالي معرضة أكثر من أي زمن مضى إلى الاجتثاث إذا هي تخلت عن خصوصياتها العقدية والاجتماعية والثقافية . وهي من جهة أخرى تشعر أنها كأمة معرضة للزوال إذا هي عجزت عن مواكبة العالم ضمن الأطر الجديدة للعالم المعاصر . ومعنى ذلك أن على مثل هذه الأمة أن توازن في اختيارها الاستراتيجي بين الطريقين المتباينين : طريق حماية الهوية وطريق ضرورة العولمة ، فهل بالإمكان الاختيار بين الطريقين مع أقل الأضرار .
لنسأل أنفسنا : هل هويتنا مهددة اليوم ؟ والإجابة الحتمية هي بالطبع نعم . لأن كل ما يدور حولنا ، وكل ما نشاهده من مظاهر الحياة يؤكد بالملموس أن ما نصطلح عليه بالهوية يكاد يختـفي من جراء سلطة العولمة وسطوتها . بل إن ما يفرض نفسه أكثر من مظاهر سلوكية واجتماعية وثقافية في المجتمعات العربية الإسلامية هو ما ينتمي إلى ثقافة الغرب ، إلى خلفيات وأطر معرفية أخرى .
وقد مس التغيير حتى المناطق الأكثر حصانة منا ، ونعني بذلك ما يتعلق بعقيدتنا الراسخة . إن خوفنا من اندثار قيمنا يزداد يوما عن يوم . والحال أن ما يثير المخاوف يتعلق ببروز تحولات تغير وجه العالم وتقطع صلة الحاضر بالماضي . ولعل الدول الحديثة النشأة ، تلك التي لم تضرب حضارتها في أعماق التاريخ لا تتخوف على هويتها لأنها حديثة ، ولا على حضارتها ، لأنها ناشئة ، ولا على تراثها لأنها بلا تراث ولا موروث ، ولا يتقاطع فيها الحاضر مع الماضي الزاهر الذي تفتخر به وتستمد قوتها منه للدخول في المستقبل برصيده .
أما الحال بالنسبة للأمة العربية الإسلامية ، فهو حال يختلف اختلافا بينا عن حال الأمم الأخرى، الناشئة منها على وجه التحديد . إنه حال من يمتلك كنوزا عظيمة ، ويجب أن يخسرها إن هو اختار الانتقال إلى مكان آخر . سيصبح حينئذ فقيرا ومعوزا . والكنوز المقصودة من حديثنا ، هي بالدرجة الأولى القيم التي تواترها الأحفاد عن الأجداد. وهي القيم التي تجعل حياتنا متوازنة وسهلة ، وتجعل أعمالنا مقبولة في الأرض وفي السماء .
إن القيم أساسية في حياة الشعوب والأمم ، وخاصة في حياة أمة كالأمة العربية والإسلامية . ولقد ذهب الدكتور المهدي المنجرة في إحدى حواراته إلى حد القول : " إن العالم يعيش اليوم حرب قيم ، ومن يستطيع أن يفرض قيمه يكون الأقوى حضاريـا " [8][8]. وإذا كانت القيم هي كل ما يشد الإنسان إلى مجتمعه ، ويقويه ، ويربطه بأفراده ، ويجعله يعيش التوازن المطلوب ، فمن الجائز أن نتساءل مع بعض المفكرين ، وأن نطرح بالتحديد مع د.المهدي المنجرة ، هذا السؤال الهام : " كيف تعيش الأجيال القادمة وهي مفرغة من قيمها ؟ هذه هي مشكلتنا الرئيسية " [9][9] .
نعم ، كيف ستعيش أجيالنا الموجودة والقادمة بلا قيم ، ونحن نعرف الأهمية القصوى للقيم التي هي كل ما يربط الإنسان بالكون والخالق والإنسان . الأكيد أنها ستعيش على الهامش ، وأن مجتمعها سيصبح مجتمعا تابعا فحسب . و لا شك أن إنجاح الدخول في عالم العولمة يعني دخول أفرادها كمشاركين وليس كتابعين ، ذلك " أن عالمنا العربي يريد أن يدخل في إطار النظام العالمي الجديد مشاركا وليس تابعا ، عضوا فعالا وليس متهما ، قادرا على اتخاذ القرار الذي يناسبه وليس خائفا أو شاعرا بالذنب " [10][10]. إذن ، فالحري بنا أن نحافظ على كل القيم التي رسخت في ذهننا . وحري أيضا أن يتم التأكيد على دور التعليم ، والمدرسة ، وعلى العنصر البشري كما يرى د.المهدي المنجرة [11][11].
من اللافت للانتباه أن تعليمنا الذي يعتبر أساس التنمية والنهضة في حاجة ماسة إلى تطوير . إنه الركن الأساس الذي يمكن أمتنا من تحصين نفسها ، ومن غرس قيمها في النشء بأسلوب علمي وعقلاني. ومؤكد أن مسلسلات الإصلاح التي همت التعليم في مختلف البلدان العربية ، من محيطها إلى خليجها ، لا تزال في حاجة إلى تطوير . لقد تم ، في معظم الأحيان ، الاهتمام بالإصلاحات الشكلية والسطحية ، وغاب الإصلاح الحقيقي الذي يضمن للأجيال الجديدة ، زيادة على الحق في التعليم ، الحق في جودة التعليم الذي يمكن من تحقيق الشخصية السوية ، وتحقيق علاقة سوية مع النفس . لقد ذهب المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري وهو يوضح كيف أننا نعيش مشكلة مع أنفسنا قبل أن نعيشها مع الآخر/الغرب أو العولمة ، إلى طرح السؤال التالي : " هل نحن في "علاقة مشوهة" مع النفس؟" ، وهو سؤال منطقي ومعقول ، ذلك أن ما يراه الأنصاري فارضا نفسه هو " قبل كل شيء لحظة المواجهة مع النفس أولا ، المواجهة مع النفس ، من أجل المصالحة مع النفس ، بكل أبعادها الجمعية والفردية ، التاريخية والحضارية ، المجتمعية والسياسية " [12][12] . وأن مثل هذه المشكلة تقتضي في المقام الأول ولكي نعيش عصرنا ، ونقاوم أعداءنا ، ونصير فعالين في مجتمع العولمة ، أن نكون "قادرين على الاعتراف بأننا نعيش "علاقة مشوهة" مع الغرب ، إننا نعيش الصراع الحضاري الذاتي مع الموروثات المتعارضة المتراكمة عبر عصور تاريخنا المزهر " [13][13] .
إن حضارة المستقبل كما يرى الكثير من العلماء والمفكرين ، الغربيين والعرب ، أصبحت تقوم في تاريخنا الراهن ، على الثروة البشرية ، أي أنها أصبحت كما يقول المهدي المنجرة " تعتمد بشكل أساس على الإنسان ، وليس على المزرعة ولا على المصنع ، إنها حضارة المعرفة ، والبحث والمعلومات والتقنيات " [14][14] . من هنا ، فقد بات من الضروري أن تكون العناية بالإنسان في المقام الأول ، ومن هنا أيضا ، " يحتاج العقل العربي إلى نوع من "المأسسة" ، أي إلى المؤسسات التي تنظم المعلومات والمعارف وتوثقها ، وتكون على اتصال مع مراكز الأبحاث في العالم ليس لكي تقلد ما توصلت إليه ، وإنما لتناقشها وتستفيد منها " [15][15].
ليس معنى ذلك أننا يمكن الدخول إلى العولمة بالطريقة التي ظللنا نجترها منذ بدايات القرن العشرين ، أ ي بالشعارات الزائفة ، والخطب الرنانة ، ولكن الدخول إلى هذا العالم لن يتحقق إلا بالعمل الشاق . وكما يقول د.منح الصلح : " فليس بالشعارات القومية وحدها تحيا الأمم ، ولكن دون مبدأ التكتل على أساس القومية والعروبة ، مضافا إليه شرط المعاصرة ، لا سبيل إلى دخول هذا النظام العالمي الجديد المقفل أمام طامعين : عصراوي يترك جذوره ليدخل هذا العالم ، وماضوي يرفض التحلي بقيم العصر .كلا الطامعين لا يستطيع الدخول إلى هذا النظام العالمي الجديد . وإنما يكون الدخـول إلى هذا النظـام بالتمسك بسر العصر والجذور معا "[16][16]. هذا ما يؤكد أننا في حاجة ماسة إلى التأكيد على أهمية القيم في عالمنا المعاصر ، وأن المجتمع الذي يخلو منها سيكون شبيها بالآلة الصماء، من هنا ، فإن من مهام النخب الثقافية والفكرية والسياسية ، كما يرى د. المهدي المنجرة إدراكها " بأهمية القيم الحضارية ، والهوية الثقافية لمواجهة الغزو الثقافي الوافد "[17][17].
مؤكد أيضا ، أن من سمات العالم الجديد ، كونه معقد المظاهر ، وعصي على الإمساك به ، وأن من نتائج هذه التعقيدات أننا صرنا نرى إليه نظرة خاصة ، تلك النظرة التي أشار إليها الفيلسوف الكبير د. فؤاد زكريا في مقالة دالة بعنوان "الغرب ذلك المتآمر الأزلي !" [18][18] . والحقيقة ، أننا ، وحسب د. فؤاد زكريا ، بالغنا في تعظيم حجم المؤامرة ، والصحيح أنه ينبغي أن ننظر بموضوعية تامة إلى الحجم الحقيقي للغرب ، وأن نصرف نظرنا عما يسمى بـ " المآمرة " ، وكما يقول د.فؤاد زكريا: " فإن أحدا لا يود أن يبرئ الغرب من محاولات السيطرة على العالم ، ولكن هذه المحاولات لا تنجح إلا في نقاط الضعف على سطح كوكبنا الأرضي . وأحسب أن من أشد مظاهر الضعف أن نستسلم لفكرة المؤامرة الغربية ضدنا نحن بالذات ، وننسى أن المواجهة الحقيقية لكل مؤامرة إنما تكون بالعمل الشاق ، الدائب ، من أجل أن نبلغ المستوى الذي نغدو فيه أندادا للغرب ، ثقافيا وعلميا وتكنولوجيا وسياسيا " [19][19] .
وغني عن البيان أن مثل هذه النظرة لم تكن إلا نوعا من المقاومة للعالم المحيط بنا ، وهي إضافة إلى أنها كما يقول بول هيرست وجراهام طومبسون "سياسة الخاسرين" ، فإن "نجاحها كمشاريع سياسية لن يحقق في الواقع سوى تهميش مجتمعاتها" [20][20]، لأن " التشديد على التجانس الإثني أو الثقافي أو الديني قد يقوم مقام تعويض ثقافي عن الفقر ، أي مقام أفيون لمن يعانقون التخلف الاقتصادي ، لكنه ليس ترياقا للشفاء منه"[21][21] .
من حماية الهوية :
طبيعي أنه من المستحيل أن نوقف التاريخ. لكن من الممكن حماية الهوية. ولكي يتم دلك فإن أول ما ينبغي تحقيقه في المقام الأول إعادة النظر في التربية والتكوين. إن الهدف من التربية والتكوين هو أمر مستقل عن أهدافنا . فنحن كيفما كانت اتجاهاتنا وتخصصاتنا العلمية ، فلنا دائما أهداف أساسية نريد تحقيقها. ومنها تحقيق التكوين السليم للأجيال حتى تتمكن هي نفسها من حماية هويتها.وسأحاول فيما يلي باختصار استعراض ما ينبغي أن يعمل في هدا الاتجاه.
1- تطوير القدرة على الفهم :
إن القدرة على الفهم ، وتعلم الفهم يتحقق ما بين السنة الأولى والسنة العاشرة من عمر الإنسان. حيث يتحقق بناء الذكاء . إذن في هاتين السنوات يجب علينا أن نطور القدرات على القراءة والاستماع والفهم . وسيصبح من الصعب جدا أن نحقق هدا الهدف بعد هذا العمر . وبتعبير آخر فإن التربية العائلية والمدرسة الأولية والابتدائية يصيران من الأهمية بمكان. فهده المؤسسات هي التي تشكل في آخر المطاف الذكاء والشخصية .
وقد فهم ابن سينا هدا الأمر قبل أن يطرح المشكلة الفيلسوف بياجي Piaget . وقد كتب الكثير حول التربية كما طور نظرية تتعلق بالطرق التعليمية والتربوية التي تهم الطفل ، سواء في كيفية استعمال الذكاء الطبيعي أو في كيفية تشغيله . واستعمال الذكاء يشبه إلى حد بعيد عملية توليد الماء ، فعندما يكون أمامك الأوكسيجين والهيدروجين ، فيمكن أن تجمع بينهما ، لكن يستحيل أن تصنع منهما الماء.يجب في الحالة هده التوفر على محول catalisateur ، هدا العنصر الكهربائي الذي يمكن درة الأوكسيجين ودرتي الهيدروجين من الاختلاط ومن توليد الماء. والدراسات الحديثة للعقل تبين أن هدا الأخير يتطور بالعلاقة مع الطريقة التي يتم بها استعماله. ما نريد قوله في الأخير أن التربية التي نتلقاها تؤثر على تطوير ذكائنا وعلى منطقنا الأخلاقي، وتؤثر أيضا على قدرتنا على الاحتفاظ بهويتنا.
بناء الفكر النقدي:
الأمر الثاني الذي يبدو ضروريا من أجل تطوير التربية والتكوين من أجل حماية الهوية من أخطار العولمة هو تأسيس الفكر النقدي، الفكر النقدي الذي يعني تعلم الشك ثم التنسيب وعدم استعمال هده العبارة الخطيرة :" أنا محق إذن فأنت على خطأ". والفكر النقدي يعني تعلم الإنصات والتأويل وتكوين الرأي الشخصي. هدا ما نسميه الفكر النقدي. وبدون هدا الفكر لا يمكن تطوير التكوين السليم . وفي الحالة المعاكسة لا يمكن أن نكون إلا مجموعة من العقول الروبوتية ، أي أشخاص يستعملون أفكار الآخرين. غير أن عالمنا يتطلب درجة من النسبية، والدي نحتاجه هو نوع من الشخصية والأفراد يقولون : فهمنا ما تقول ، لكن لنا موقفنا الخاص، ومن الممكن أن يكون مختلفا عن موقفك ، لكنني أحترم موقفك ويجب أن تحترم موقفي. عن طريق هدا النوع من التفكير تطور العلم كما تطورت الديمقراطية.
الفكر النقدي ليس شيئا يولد مع الإنسان. بل يجب تشكيله وتكوينه.وإذا حاولنا التعرف على ماضينا العربي والإسلامي، سنجد معلمين أفذاذ . والمؤسف أن الغرب هو الذي طور قدرته وسلطته بناء على أعمال الفلاسفة العرب والمسلمين من أمثال ابن سينا والكندي والفارابي وغيرهم. والحالة هده أن العالم العربي تجاهل كل هده الجهود وانغلق على نفسه أو على تقليد الغربيين. لقد تطورت كل العلوم ، بل والديانة المسيحية نفسها، وهما يستعيران من العرب علمهم وطرقهم المؤسسة على التفكير النقدي. وقد نتساءل ما الذي وقع لنا ؟ إن ما وقع هو أننا تخلينا عن الفكر النقدي واتبعنا قشور الغرب.
2- تنمية الفكر التركيبي :
إن الأمر يتعلق هنا بعملية بسيطة ، تتلخص في قدرتنا ، عن طريق نص ما ، على استخلاص جوهره ، بإعمال العقل والتجريب والتجربة. ومن المؤسف أن نلاحظ أن طلبتنا في الجامعات وأطفالنا في المدارس لا يعرفون ما معنى التركيب، ويعجزون عن توضيح ما كان معقدا بدرجة ما. إن أمرا كهذا لا يمكن قبوله في القرن الواحد والعشرين.
4-تطوير القيم السلوكية :
وهي القيم المتعلقة بالحس بالمسؤولية الفردية والجماعية ، وبالمسؤولية بالمخاطرة ، دلك أن الحياة والعالم يتأسسان على هذين المبدأين :" فالذي لا يخاطر لا يربح شيئا ".
5- الاتصاف بالنزاهة :
وهدا مبدأ اختفى تقريبا من الحياة. وهو يعني أنه يجب أن نكون نزهاء مع أنفسنا أولا ، أي أن نحكم على أنفسنا ، وأن نكون نزهاء مع المجموعة القريبة منا ، أي مع العائلة، ومع مجموعتنا الكبيرة…وأخيرا مع الإنسانية جمعاء.
6- القدرة على التواصل :
ليس هناك من إنسانية في غياب الحوار. وهناك من قال : "عندما يغيب الحوار يبدأ العنف ". وهدا يعني أن القدرة على التواصل والحوار مع الآخر هي أمر أساسي. لكن ، لإقامة الحوار والتواصل نحن في حاجة إلى لغة أو لغتين أو ثلاث أو أكثر. لدلك فإن الدين يكتفون بتعلم لغة واحدة يخطئون. ولكي نطور بلداننا ، ولكي نحافظ على هويتنا اليوم ، يجب أن نمكن شبابنا من تعلم اللغات. ففي عالم العولمة لن ينتظر أحد منا أن يترجم كلامه إلى اللغات الأخرى، كما لا ينتظر أيضا أن يترجم كلام الآخرين له.وأخيرا لا يمكن أن ننتظر أن يترجم لنا الآخرون كتبهم ونظرياتهم العلمية . خاصة وأن العملية ستكون مستحيلة إذا عرفنا أن عدد المطبوعات اليوم يبلغ المليون كل يوم تخرج من المطابع. وقد نتساءل مادا سنختار من هدا الكم الهائل ؟ ومن سيختار لنا ما ينفعنا؟ إن هده المؤلفات العلمية في حالة جهلنا للغاتها لا توجد بالنسبة لنا.
خـاتـمة :
في خاتمة هذا البحث ، يمكن أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال : هل بإمكاننا ، بهويتنا ومكوناتنا العربية والإسلامية ، أن ندخل زمن العولمة ؟ أن نصبح ضيوفا عليها في زمن من الأزمنة ، مثل باقي الأمم والشعوب ؟ أم أننا سنبقى على هامشها ، منطوين على أنفسنا ، خائفين ومرعوبين من الآخر ، و قابضين على موروثنا وتراثنا ؟
للإجابة يحسن بنا أن نذكر بما سبق أن قلناه من قبل ، وهو أن العولمة مسلك رسمه الكبار ، ويقوده الكبار . وأننا وكأننا نسبح في نهر . لنا أن نختار بين أن نسبح مع التيار أو أن نسبح ضد هذا التيار . لكن ، عندما يكون التيار قويا وجارفا إلى حد كبير ، سيكون من المثير والخطير ، بل ومن البلادة وقلة العقل، أن نسبح ضد التيار ، وفي حال اختيارنا السباحة ضد التيـار ، فإننا سنبذل مجهـودا لا يقدر، ومن دون فائدة ، وفي الأخير سننتهي بالغرق ، وستنتهي الحياة بالنسبة لنا عند ذلك الحد . أما إذا اخترنا أن نسبح مع التيار ، فلنعمل على المحافظة على هويتنا ، ولنعمل على أن تحافظ العولمة على قيمنا، ولنتذكر أن " العولمة والهوية لا يجب أن تحتضنهما دائرة الصراع ، بل قدرهما التكامل ، فاختلاف الهويات هو أساس العولمة " [22][22]، ولنتذكر كذلك أن العولمة لن يكون لها مستقبل ، كما قال د. المهدي المنجرة ، إذا " كانت جذورها غير إنسانيـة ، وأهدافها غير ساميـة ، وقيمها غير أخلاقيـة " [23][23].
هوامش:
قائمة المراجع :
- بول هيرست – جراهام طومبسون : ما العولمة ؟ عالم المعرفة 273 – سبتمبر 2001.
- مجموعة من الكتاب والمفكرين - الإسلام والغرب –كتاب العربي 49 2002.
- د.المهدي المنجرة – عولمة العولمة –منشورات الزمن – سبتمبر 2000.
- د.طه عبد الرحمن – حوارات من أجل المستقبل – منشورات الزمن – أبريل 2000.
- جودت سعيد وعبدالواحد علواني – الإسلام والغرب والديمقراطية – دار الفكر المعاصر ودار الفكر – 1996.
- د. بنسالم حميش – في معرفة الآخر – منشورات الزمن 2001.
- د. محمد سبيلا – المغرب في مواجهة الحداثة – منشورات الزمن 1999.
- دول المغرب العربي ومواجهة العولمة: التحديات والآفاق – ندوة مراكش 1999.
- عبد الله أحمد أبو راشد –العولمة في النظام العالمي والشرق أوسطية –دار الحوار – سوريا 1999.
- د.عبدالهادي بوطالب – في نقد العولمة :حسناتها وسيئاتها – الاتحاد الأسبوعي 1-7 –2002.
د. عبدالهادي التازي سعود- ثقافتنا والعولمة- سلسلة الدروس الافتتاحية – جامعة الحسن الثاني –2000.
- Les pays du Maghreb Arabe Face à la mondialisation: Defis et Perspectives – Marrakech 1999.
- Dr.Rachid Benmokhtar Benabdellah -Education et Mondialisation –université Mohammed Premier-2002.
[1][1] د.ناريمان عبد القادر –العولمة والتحولات المعاصرة – ضمن كتاب :
دول المغرب العربي ومواجهة العولمة /التحديات والآفاق-ص 18
[2][2] د.ناريمان عبد القادر –العولمة والتحولات المعاصرة – ضمن كتاب : دول المغرب العربي ومواجهة العولمة /التحديات والآفاق-ص 23
[3][3] نقلا عن : د. عبد الهادي بوطالب – في نقد العولمة – الاتحاد الأسبوعي 8-14 نونبر 2002 .
[4][4] نفسه .
[5][5] المصدر السابق .
[6][6] نفسه
[7][7] جورج قرم – الإسلام والغرب –ص 187/188 .
[8][8] المهدي المنجرة – عولمة العولمة – ص 68.
[9][9] نفسه – ص 69.
[10][10] د.سليمان العسكري –الإسلام والغرب –ص 5-6.
[11][11] المهدي المنجرة- عولمة العولمة – ص 106.
[12][12] د. محمد جابر الأنصاري – الإسلام والغرب – ص 219.
[13][13] نفسه – ص 220.
[14][14] المهدي المنجرة – عولمة العولمة – ص 99-100.
[15][15] نفسه – ص 105.
[16][16] د. منح الصلح – العروبة والنظام العالمي الجديد – الإسلام والغرب -ص21.
[17][17] المهدي المنجرة – عولمة العولمة – ص 105.
[18][18] ضمن كتاب : الإسلام والغرب – ص8.
[19][19] د.فؤاد زكريا – الإسلام والغرب – ص 14 .
[20][20] بول هيرست وجراهام طومبسون – ما العولمة – ص 393.
[21][21] نفسه – ص 396-397.
[22][22] د. عبدالباقي الهرماسي – الإسلام والعولمة – ص 91.
[23][23] المهدي المنجرة –عولمة العولمة –ص 61.
التعليقات (0)