العولمة: المفهوم والتحديات
الدكتور هشام محمد احمد الصمادي
مدرس الاقتصاد بجامعة البلقاء التطبيقية – كلية عجلون الجامعية
hisham313@hotmail.com
2008
استهدفت الدراسة توضيح مفهوم العولمة ، وبينت أن العولمة ليس لها تعريف موحد وشامل ، وأنها ظاهرة معقدة وأثرت في دول العالم أجمع ، وللعولمة أثار إيجابية وسلبية على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية . وتطرقت الدراسة الى المرتكزات التي تعتمد عليها العولمة .
كما بينت الدراسة التقارب الثقافي في تعظيم الأرباح ونقل الاستثمار فيما يتعلق بالعنصر البشري بشكل خاص إضافة إلي فوائد ومخاطر العولمة سواء كان ذلك على الدول النامية أو الدول المتقدمة . وأظهرت أيضا أن هناك أثراً للعولمة على الدول العربية بشكل عام والأردن بشكل خاص سواء كان ذلك إيجابيا أو سلبياً .
كما استنتجت الدراسة أن العولمة فرصة أن أحسن التعامل معها ، وهي تحد إن أسيء فهمها أو التعامل معها . وأوصت الدراسة بضرورة التعامل الجدي مع ظاهرة العولمة بما يتناسب مع واقع الدول التي تأثرت بها وخاصة الدول النامية ،وذلك للإستفاده من الفرص التي تنتجها العولمة وتجنب المخاطر أو الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنها كما أوصت بضرورة توعية المجتمع لكيفية التعامل مع ظاهرة العولمة وبما لا يتناقض مع قيمنا وثقافتنا . اضافة الى تأهيل منظمات الأعمال الأردنية في ظل الظروف التي أرزتها العولمة .
المـــقـــدمـــــة :-
أصبحت العولمة هي الشغل الشاغل لمعظم مفكري هذا العصر , فمنهم من أيد العولمة ودافع عنها ومنهم من وقف ضدها وهاجمها بشتى الوسائل والطرق .
وقد وجدت الكثير من التعريفات للعولمة منطلقة من وجهة نظر كاتب هذا التعريف سواء أكان من المؤيدين للعولمة أو المعارضين لها .
ولكن الشيء الذي يجب أخذه بالحسبان أن العولمة ليست سيئة مطلقاً ولا جيده مطلقاً ، إنما هناك إيجابيات وسلبيات لأي نظرية أو مفهوم إنساني .
ومن الملاحظ إن مصطلح العولمة أضحى حديث هذا القرن و يظهر في الخطابات السياسية وفي وسائل الأعلام المختلفة وأصبح حديث هذا العصر الذي أصبحت أهم ملامحه تحجيم دور الدولة وتحويل العالم إلى قرية صغيره بفضل التقدم التكنولوجي والاتصالات. هذا التحول الذي يجب أن لا يطال الهوية القومية والتاريخ والإرث الحضاري والثفاقة المميزة لدول العالم وشعوبه ... وهذا ما يؤرق المعارضين للعولمة حيث يخشى هؤلاء بان تصهر العولمة كل هذه الأمور وتصبح الدولة بلا هوية. مع العلم انه من الممكن أخذ ما هو مفيد من العولمة وما رافقها من تقدم تكنولوجي وفي مجال المعلومات والاتصالات ويجب ترك ما هو ضار من العولمة – كما فعلت اليابان التي أصبحت واحدة من أقوى دول العالم حيث أخذت ماهو مفيد وحافظت على هويتها.
ويمكن القول أن العولمة ظاهرة كبرى مركبة وشديدة التعقيد ، وتتسم بالتناقض والديناميكية وذات تأثير مزدوج : سلبي وإيجابي على أبعاد الحياة الرئيسية اقتصاديا، ثقافيا ،قيمياً ،اجتماعياً ،ترفيهياً ،علمياً ،تكنولوجياً ،تشريعياً وفنياً ، ويبرز فيها البعد الاقتصادي والثقافي أكثر من غيرهما ، بسبب مساسها المباشر بحياة الناس وتأثيرهما الأكبر بوسائل الإعلام والاتصالات . ( رشيد 2000 )
مشكلة الدراسة :-
تكمن مشكلة الدراسة في تحديد كيف تستطيع البلاد العربية ومنها الأردن الاستفادة من العولمة وأخذ ما هو مفيد منها وترك ما هو ضار حتى لا نخسر هويتنا، إرثاً تاريخياً وديننا وفي نفس الوقت مواكبة العالم الغربي اقتصادياً وفكرياً وتكنولوجياً.
أهداف الدراسة :
تهدف الدراسة إلى :
- تعريف مفهوم العولمة
- تحديد المرتكزات الرئيسية التي تعتمد عليها العولمة .
- تحديد المزايا والمخاطر للعولمة على الدول النامية.
- عرض الأردن كنموذج للدول النامية وأثرالعولمه عليها .
أهمية الدراسة :-
تأتي أهمية الدراسة لتوضيح مفهوم العولمة من وجهات نظر مختلفة ، وكذلك تحديد القوى الموثرة التي تعتمد عليها العولمة، مع ذكر مزايا ومخاطر العولمة بحيادية ، وكذلك النظر إلى وضع الدول النامية واثر العولمة عليها بأخذ الأردن كنموذج على ذلك ما يشكل اطاراً مرجعياً يستند عليه الباحثيين والاداريين في أعمالهم .
تعريف العولمة :-
وردة عدة مصطلحات مرادفة للعولمة ومنها :- الكونية والشمولية والأمركة والخصخصة وغيرها من المسميات , ولكن في البداية يجب تعريف العولمة التي اختلف حول مفهومها كل من كتب في هذا المجال.
فمنهم من فرق بعضهم بين العالمية International" " والعولمة " Globalization" وعرف العولمة على أنها : وضع الشيء على مستوى عالمي ، أو تصميم خاص وطني ليصبح عالمي ، أوهي مسعى لإزالة الحدود والموانع مابين الدول للسماح بحرية تبادل بين الأفكار والأموال والسلع دون قيود تفرضها السيادة الوطنية والخصوصية القومية . (ابراس 2006 ).
وقال بعضهم أن العولمة تشير الى علاقات القوى والاقتصاد الذي يمتد عبر العالم بما ينطوي عليه من ضغط للزمان والمكان واعادة تكوين العلاقات الاجتماعية نتيجة تحرير السوق العالمي وظهور طبقة جديدة من السلع الثقافية وتكنولوجيا المعلومات ( سكلر 1996 ).
وعرفها (الكفري –2005) على إنها: إشاعة قيم ومعايير إنسانية تتفق وتطلعات أمم الأرض وشعوبها نحو العدالة والحرية والسلام والاستقرار والتكافؤ في العلاقات الدولية .
والعولمة كمصطلح ومفهوم حديث الظهور منذ نهاية القرن العشرين ، وكان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في نهاية الثمنينات وبداية التسعينات من القرن السابق وحلول الرأسمالية العالمية والتي تمثلها الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية .
أما العولمة كظاهرة وممارسة ليست حديثة وانما لها جذور قديمة وكان ذلك من خلال وجود الشركات المتعددة الجنسيات والتي كانت تهدف إلى إنقاذ وجود الدولة كما في شركة الهند الشرفية وغيرها . وكذلك وجد لها جذور منذ مئات السنين نشرت في مقالة في جريدة الشرق الأوسط في عددها رقم 8280 التاريخ 30 يوليو 2001 بعنوان " خانات حلب مهد العولمة منذ آلاف السنين وجاء فيها " أن احد خانات حلب وهو خان البنادنه شهد عام 1207 م توقيع أول اتفاقية تجارية اقتصادية بين جمهورية البندقية وبين حاكم المدينة ممثل الظاهر غازي أبن القائد صلاح الدين الأيوبي , وكان وفد البندقية برئاسة وبترو مارينياني , وقد بني هذا الخان بموجب شروط معينة فمن تلك الاتفاقية حدد نوع النشاط داخل الخان وعدد الفرق واللغة المستخدمة داخل وخارجه وعدد الموظفين، وكانت بشكل عام تمثل وعياً سابقاً لأوانه في عالم للحفاظ على المصالح الوطنية ضمن سياق الشراكة الاقتصادية مع دول أجنبية .
والعولمة هي عملية تاريخية ، كنتيجة لإبداعات الانسان والتطور التكنولوجي ، تمثل زيادة التكامل الاقتصادي بين دول العالم من خلال التجارة وتدفق رؤوس الأموال والقوى العاملة والمعلومات عبر الحدود ، كما أن لها أبعاد ثقافية وسياسية وبيئية ... الخ وتمتد لتشمل العالم أجمع . ( IMF Staff 2002 )
وتجدر الاشارة أن اثر العولمة ليس اقتصاديا فقط وإنما انفتاح بشتى مناحي الحياة اقتصادية سياسية، اجتماعية، فكرية و تكنولوجية وبالتالي فأثارها ليست جزئية وإنما كلية على الفرد والمجتمع و الدولة وتؤثر العولمة على الهوية الوطنية وثقافة الأمة وحضارتها وتاريخها وتحويلها إلى النظام الغربي الرأسمالي أو ما يطلق علية ألان " الأمركة " وبالتالي أن سبب التخوف من العولمة هو أنها تهدد الحدود الوطنية والقوميات وجعله عالمياً دون سيادة كما تجعل العالم سوق مفتوحة , وحرية انتقال الأموال والثقافات والاتصالات والتكنولوجيا دون قيود وتحول العالم إلى قرية صغيرة .
وهذا ما تسعى إلية الدول المتبنية للعولمة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لأنها الأكثر استفادة من ذلك .
ولكون العولمة ليست اقتصادية فقط فإن ذلك يزيد التخوف من تبعاتها لان هذا سيؤدي إلى التأثير في سياسات وكيانات دول قائمة وكذلك حضارات وثقافات ممتدة عبر التاريخ وبذلك تتاح الفرصة للقوي للاستفادة أكثر فالعولمة مثلاً تؤثر على اقتصاديات الول العربية لطبعها ( نامية من العالم الثالث ) , ويؤثر عليها ثقافياً وحضارياً وتهدد هويتنا الثقافية والحضارية والفكرية المستمدة من الدين الإسلامي وكذلك تؤثر على الكيانات السياسية المختلفة بإزالة بعضها ودعم البعض الأخر وإيجاد أنظمة سياسية لم تكن موجودة سابقاً لخدمة الدول الأقوى وذات التأثير الأكبر.
العوامل المؤثرة في العولمة :
يوجد شبه إنفاق بين الباحثين في العولمة على المحركات التي تؤثر عليها مثل
( السيد 2004) : -
- حرية الاستثمار في أي مكان في العالم مع حرية حركة رأس المال الخاص على المستوى العالمي.
- حرية إقامة الصناعة في أي مكان في العالم بغض النظر عن الجنسية أو السياسة القومية لأي دولة .
- عالمية الاتصالات نتيجة تطور تقنيات وصناعة الأقمار الصناعية .
- عالمية المعلومات التي ترتبت على تطور تقنيات وصناعة الكمبيوتر جنبا إلى جنب مع تقنيات وصناعة الأقمار الصناعية .
- عالمية النمط الاستهلاكي وحرية المستهلك في الشراء من المصدر الذي يختاره في العالم .
هذه النقاط هي مرتكزات العولمة الاقتصادية وهي متداخلة فيما بينها لتتيح انتشار العولمة في أي مكان تصل إليه وبالتالي تكون العولمة أمراً واقعاً لا مفر منه وتتلخص آثار النقاط السابقة بما يلي :-
تتمثل بوجود شركات من جنسيات مختلفة في كل دول العالم وبالتالي تكون هناك حرية في انتقال رؤوس الأموال من الدول القوية إلى الدول الأخرى مثال ذلك وجود شركات النفط في دول الخليج وهناك استثمارات كبيرة في الدول النامية لامتلاكها المواد الأولية والأيدي العاملة وكذلك انخفاض أو إلغاء الضرائب على هذه الصناعات مثال ذلك المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن . مما تتيح التوفير في نقل المواد الأولية إلى الدولة صاحبة الاستثمار ناهيك عن انخفلض أجور العاملين في الدول النامية يضاف إلى ذلك ارتفاع الضرائب على المصانع في الدول المتقدمة على العكس من ذلك عدم وجود ضرائب على هذه المصانع في الدول النامية مما يجعل الاستثمار في الدول النامية على قدر كبير من الأهمية .
- أما عالمية الاتصالات فهي أمر واقع في هذه الأيام وموجود في كل دول العالم فانتشار الإنترنت وكذلك الهواتف المحمولة أدت إلى إلغاء كثير من الحواجز بين دول العالم .
- وعالمية المعلومات التي تنتج الوصول إلى أي معلومة في أي مكان في العالم بالوقت والنوعية التي نريد فأي معلومة تصل لنا عبر الانترنت بثواني من أي مكان في العالم أو عن طريق الفاكس أو التلفون .
- أما عالمية النمط الاستهلاكي وهي إمكانية المستهلك بالتسوق على مستوى عالمي وبيسر وسهولة وبخيارات متعددة من أي مكان وفي أي وقت .
أما أبرز سمات الاقتصاد العالمي الحديث فهي :
1- حرية انتقال رأس المال .
2- انتقال البضائع والسلع والخدمات .
3-انتقال الأفراد والأيدي العاملة .
حرية وسهولة انتقال المعلومات والأفكار ، وتكمن أهمية المعلومات من الناحية العملية على اعتبارها تشكل عنصر غير ملموس من عناصر الإنتاج ، وتلعب دورا أساسياً في تسيير الأعمال في المنظمات ، وهذا يشير الى أن الميزة التنافسية الحقيقية غالبا لا تأتي من العناصر الملموسة للإنتاج ، وانما من ذلك العنصر غير الملموس والذي يمكن وصفه بالمعلومات أو تدفق المعلومات . ( Cashmore 1999 )
مخاطر العولمة :-
لكل نظرية بغض النظر عن محتواها إيجابيات وسلبيات وكثر الحديث عن ذلك في مجال العولمة إذ أن هناك من كتب وأوجز في الإيجابيات وهم مؤيدوا العولمة وكذلك هناك من ذكر وبإسهاب عيوبها ومخاطرها وهم المعارضون لها ( المصطفى 2001 ).
ونحن هنا نوجز بعض من إيجابيات وسلبيات العولمة :
أ- المزايا بالنسبة للدول النامية
يمكن الانفتاح المالي للدول النامية من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية للحصول على ما تحتاجه من أموال لسد الفجوة في الموارد المحلية .
- تسمح بحركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستثمار الحافظة المالية بالابتعاد عن القروض المصرفية التجارية وبالتالي الحد من حجم الديون الخارجية .
- تخفيف تكلفة التمويل بسبب المنافسة بين الوكلاء الاقتصاديين .
- تؤدي إجراءات تحرير وتحديث النظام المصرفي والمالي إلى خلق بيئة مشجعة لنشاط القطاع الخاص وإلى الحد من ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج
- تساعد الاستثمارات الأجنبية على تحويل التكنولوجيا وتوجيهها .
وتتيح العولمة المالية للبلدان المصدرة لرؤوس الأموال خلق فرص كبيرة للإستثمار المجدي مع توفير ضمانات لأصحاب الأموال وتنوعها ضد كثير من المخاطر من خلال الآليات التي توفرها الأدوات المالية والتحكم بين الأسواق المختلفة.
وتمكن العولمة في بعدها الاقتصادي من تعزيز التواصل بين كافة المجتمعات البشرية وربطها مع بعضها . ويكمن أيضا من تقاسم المعارف والاكتشافات والتجارب في مختلف المجالات ، و الشعور المتنامي لدى الجميع بضرورة بلوغ مستويات عالية من الأداء وتعزيز الموقف التنافسي للمنظمات. ومن إيجابياتها ثقافياً تعمل على إشاعة الحريات الفردية كحرية التعبير وحرية الفكر وحرية المعتقد . والحريات العامة كحرية التنظيم وحرية الصحافة والنشر وكافة الحريات الثقافية والسياسية وغيرها . فهذه الحريات هي المرتكزات التي تقوم عليها التعددية الفكرية والسياسية وهي قوام الديمقراطية والتعددية وما تنتجه من حرية للصحافة وفصل للسلطة واستقلالية للعدالة وشفافية في تسيير الموارد العامة ، وتداول سلمي للسلطة ضمن مجتمعات آمنة ومستقرة مما يعزز نمو المجتمعات وتقدمها . ( ابراس 2006 )
ب - مخاطر العولمة :-
أثبتت تجارب كثير من الدول النامية مخاطر وآثار عديدة للعولمة وخاصة في دول أمريكا اللاتينية ( البرازيل والمكسيك ) ودول شرق أسيا ومن هذه المخاطر :
- المخاطر الناتجة من التقلبات الفجائية للاستثمارات الأجنبية ( خصوصاً قصيرة الأجل مثل استثمارات الحافظة المالية ) :
- مخاطر النهوض لهجمات المضاربة .
- مخاطر دخول الأموال القذرة (غسيل الأموال ) .
- أضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية والنقدية
سيطرة القوى الكبرى على حركة الاقتصاد العالمي والمصادر الإنتاجية والتبادل المالي والتجارة حتى قيل أن هناك 500 شركة تسيطر على 70 % من حجم التجارة العالمية وان هناك 20% فقط يعيشون في اكتفاء ذاتي في حين 80% يعيشون على التبرعات , وان ما تكسبه الولايات المتحدة من حركة تحرير التجارة لا يقل في المتوسط عن 200 مليار دولار سنوياً. (المنياوي 2002 )
- سيطرت الدول الأكثر تأثيراً في العولمة على نقل التكنولوجيا إلى باقي دول العالم
- إضعاف هيبة الدول النامية وعدم قدرتها على مجاراة التطور في الدول المتقدمة .
- تهديد ثقافات الأمم والشعوب ومحاولة السيطرة على الثقافات الأخرى فهي تدعو إلى تطبيق عصر ما بعد الحداثة وإلقاء دور الدين فقد نادى الفيلسوف دجاك در يدا إلى حل المؤسسات الدينة والتعليمية . ( حمودة 2002 )
إن متطلبات العصر تقتضي من جميع الدول اعادة تحصين نفسها في جميع المجالات لمواجهة التحديات العالمية مع توعية الأفراد ، حيث تعد الموارد البشرية عاملا مهما للمنافسة في القرن الحالي ، وتعد كل من المعرفة والتعليم متطلبات أساسية لتنمية الأفراد والمنظمات (Halsey , and others , 1997 )
العولمة ومنظمات الأعمال الدولية ( عابرة القومية )
تلعب منظمات الأعمال الدولية دورا رئيسا في ظل العولمة ، فبالإضافة الى دورها في تعظيم الأرباح والاحتواء واعادة تدويل الإنتاج ، فإن هذه المنظمات تؤدي دورا تنمويا مفيدا للدول التي تتعامل معها بما فيها الدول النامية وبالبناء على فكرة الفيلسوف الفرنسي بيرجسون المتعلقة بالزمن والإرادة الحرة وعلى ما طورة البرفسور فيرنارد بر ودال والمتعلقة بجدلية الزمن والذي يستدل منه على إمكانية التاثير في صيرورة الزمن ومسارة وانه تشكليا وليس لحظيا او لحظة يحتكم اليها وكما يمكن تلمسة بالواقع وبخاصة فيما يتعلق بتجربة دول شرق آسيا فإنه بالإمكان النظر الى أدوار متعددة لمنظمات الأعمال الدولية ( عابرة القومية ) على النحو التالي ( رشيد ، 2000)
_ انها ناقلة للتكنولوجيا والمهارات .
- يمكن ان تشكل مثالا يحتذي في التقارب الثقافي . إذ يعمل بها أفراد من جنسيات عديدة يضمهم أفراد ينتمون الى الدول النامية
- انها تعمل كأداة نقل للاستثمارات من الدول المتقدمة الى الدول الأمية ، خاصة فيما يتعلق بالعنصر البشري وما يطلق علية عولمة الأعمال .
- انها تجسد التنافس التعاوني ، بدلا من التنافس العدائي في أحيان كثيرة ، من خلال المشاريع المشتركة وانواع الشراكات الأخرى ، التي تقيمها بين بعضها البعض وبينها وبين منظمات الأعمال المحلية في مختلف الدول .
أثر العولمة على الأردن كنموذج من الدول النامية :-
لقد تعاملت الأردن بايجابية مع ظاهرة العولمة وأدى التقدم الهائل في تكنلوجيا المعلومات والاتصالات لا سيما في السنوات القليلة الماضية الى الفوائد من العولمة والانفتاح فأشارت مقالة في جريدة الرأي العدد 13545 بتاريخ 4 تشرين ثاني 2007 لدراسة أجرتها شركة A.T.kearney بالتعاون مع مجلة Foreicn Policy الأمريكية أن الأردن الأول عربياً والتاسع عالمياً في الاستجابة لمتطلبات العولمة والعاشر في جذب الاستثمارات من بين دول العالم التي أجريت عليها الدراسة وعددها 27 دولة لهذا العام .
لقد أدى سعي الأردن لتحرير التجارة الخارجية إلى زيادة الاستثمارات بمعدلات مرتفعة مع تنامي حجم الواردات كنتيجة لانفتاح الأسواق ، خصوصاً منذ عام 1996 ، في الوقت الذي لم يبذل فيه جهد كاف لزيادة الصادرات ، وكانت النتيجة ما يعانيه الاقتصاد الأردني من تزايد العجز في الميزان التجاري ، ففي عام 1998/1999 زادت واردات الأردن بمعدل 23% عن العام السابق ، وانخفضت الصادرات في الفترة نفسها بما يعادل 19% ، فماساهم في عجز ميزان المدفوعات الأردني وبالتالي انخفاض سعر الدينار الأردني . ( السعيد 2003 ) وأكدت أقوى الدراسات انه نتج عن الحالة الاقتصادية ثمرة إعادة الهيكلة وما يتبعها من خصخصة إلى ارتفاع معدل البطالة لإجمالي قوة العمل من 2,3% عام 1960 ليصل إلى 15% عام 1990 . ( هنداوي 2000 )
كما سعى الأردن لتوفير بيئة حاضنة للاستثمارات وعلى كل المستويات استجابة لمتطلبات العصر والتقدم في مجال المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات ، وذلك بإزالة العقبات أمام الاستثمارات بعدة وسائل ، من خلال سن قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .
وتجربة الأردن لا زالت في بداياتها ولكن خطاها كانت سريعة وثابتة ، ويتبين ذلك من خلال الأمور التالية :
- انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية .
- توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات للتجارة الحرة بين الأردن وعدد من الدول والجهات الدولية والاقليمية .
- سن قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .
- وجود إصلاحات اقتصادية في الاقتصاد الأردني في مختلف القطاعات مثل : الاتصالات والسياحة ، والطيران ، وتكنولوجيا ، المعلومات .
- إنشاء مؤسسة تنمية الصادرات والمراكز التجارية الأردنية ، والتي توفر كافة المعلومات عن الاتفاقيات الاقتصادية التي توقعها الأردن مع باقي دول العالم ، من خلال وجود قاعدة بيانات لذلك يمكن الوصول إليها من خلال الإنترنت من أجل توفير المعلومات لرجال الأعمال الأردنيين والمستثمرين من مختلف دول العالم .
- وجود بعض التشريعات رغم قلتها مقارنة مع الدول المتقدمة حول حقوق الملكية الفكرية والتجارة الالكترونية . ولكنه أفضل بكثير من باقي دول العالم الثلث .
- تفعيل دور مؤسسة الاستثمار لترويج الاستثمار في الأردن .
- تقديم التسهيلات والاعفاءات الضريبية لمختلف الصناعات والاستثمارات .
- إعطاء المستثمر غير الأردني الحق بإخراج أمواله من أرباح وعوائد وأجور ومكافأآت خارج الأردن .
- تقديم الحوافز والتسهيلات فيما يخص المشاريع المشتركة وذلك ايمانا بدورها في الصمود بوجه التحديات .
- إشراك القطاع الخاص في اتخاذ القرارات فيما يخص قوانين الاستثمار بالتنسيق والتعاون مع القطاع العام ، وذلك لتلبي متطلبات منظمات الأعمال الأردنية والخصخصة التي فرضته العولمة .
ولا بد من الإشارة الى أنه رغم توفر قوانين استثمار مرنة ، وبيئة خصبة للاستثمار من خلال ما تقدمه الحكومة من تسهيلات الا أن منظمات الأعمال الأردنية لا زالت تواجه تحديات نتيجة للاستثمارات الأجنبية ، التي أصبحت تسيطر على السوق المحلي ، الذي يعد المنفذ الأكبر للمنظمات الأردنية التي تتصف بصغر حجمها وضعف امكاناتها وعجزها عن منافسة المنظمات العالمية والملكيات المتعددة الجنسية للاستثمارات ، وعلى سبيل المثال : شركة زين للاتصالات الخلوية في الأردن تمتلك معظم أسهمها شركة كويتية . وكذلك أكثر من نصف أسهم شركة الاتصالات لمستثمرين فرنسيين . من هنا تبرز التحديات التي تواجهها المنظمات الأردنية .
شروط تأهيل منظمات الأعمال الأردنية :
تتطلب ادارة المشاريع المشتركة والاتحادات والائتلافات وغيرها من الانشطة المشتركة وانشطة المنظمات ذاتها في ظل الانفتاح اساليب وانماط ادارية مختلفة ، تتواءم ومقتضيات العصر واهم تلك الشروط :
- ضرورة تبني اسلوب تفكير نسبي ، وتعددي واحتمالي وضرورة التخلي عن اسلوب التفكير المطلق ، والاحادي ، واليقيني الذي يتسم بة اسلوب ممارسة الادارة الاردنية .
- بناء الإمكانيات والموارد ، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الخاص ، من اجل زيادة موارد منظمات الأعمال عن طريق تجميع الأعداد الكبيرة منها ضمن مفهوم منظمات الأعمال القابضة (holding companies) وزيادة حجم رؤوس أموالها كما فعلت الحكومة الأردنية مع القطاع المصرفي .
- توفير المعلومات اللازمة والضرورية ، خاصة تلك المتعلقة بإدارة الموارد البشرية في القطاع الخاص ، من اجل الدراسة والتطوير واتخاذ القرار الملائم
- توليف النظم والتقنيات الإدارية المتطورة ، لك تتواءم مع واقع البيئة الإدارية العربية على أساس من التخطيط والتدرج ، وبالنسبية والتعددية ، وطول النفس والاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نجحت في هذا المضمار مثل دول جنوب شرق آسيا .
- تطوير التشريعات خاصة فيما يتعلق بقوانين العمل في منظمات الأعمال في القطاع الخاص .
- إيجاد آلية تنسيق عامة من أجل توجيه منظمات الأعمال في القطاع الخاص وتوفير المعلومات الأساسية لهذا التنسيق من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة المختصة .
- ضرورة مراعاة العامل الثقافي خاصة فيما يتعلق بإدارة الموارد البشرية والإدارية والتسويقية والإدارة الاستراتيجية والتوجه التنظيمي ضمن المشاريع المشتركة خاصة على المستوى الدولي .
الخلاصة
لا شك أن العولمة ظاهرة متعددة الأوجه ومعقدة للغاية ، ومن الصعب الإحاطة بها من خلال دراسة أو بحث أو مقالة مهما كانت ، وحاولنا في هذا البحث الوقوف على بعض جوانبها التي نأمل من خلالها إعطاء تصورا مرنا،مبسطا ،و كافيا، وبما يحقق أهداف الدراسة
ولا بد لنا من فهم العولمة بشكل منطقي وواقعي حتى لا نقع في متاهات تحد من قدرتنا . مع عدم التهوين بجوانبها المختلفة سلبيةً كانت أم ايجابية . وليس من الضروري أن نندمج أو ننعزل عن النظام العالمي ، فكلا الأمرين ليس عملي وضار اقتصادياً وسياسياً .
والأهم هو كيف نتعامل مع العولمة بشكل ايجابي ، وكيف نستفيد مما تتيحه لنا ونحد من مخاطرها علينا ؟ اذاً ليست القضية أن ننفتح أو لا ننفتح بل هي متى ننفتح؟ وكيف وفي أي مجال ننفتح ؟ ويجب أن يكون ايجابياً وبمعايير ثابتة وذلك للارتقاء ببلادنا مع الحفاظ على استقلالنا الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . ويتم ذلك من خلال توفير مجموعة من التشريعات القادرة على تنظيم العمل في ظل العولمة ، وتوفير كفاءات مدربة ثقافياً واقتصادياً وتكنولوجياً وادارياً . حتى نحافظ على استقلالنا وهويتنا الثقافية والاجتماعية .
ونحن مطالبون ببناء امكانيات مادية وتكنلوجية وبشرية ، حتى نساير ركب الدول المتقدمة والتي تمثل دول العولمة حالياً والأكثر تأثيراً في العولمة.
الاستنتاجات:
- ليس هناك تعريف شامل أو يتمتع بالقبول الجماهيري .
- وجود ايجابيات وسلبيات للعولمة سواء كان ذلك على الدول النامية أو المتقدمة.
- العولمة ليست ظاهرة اقتصادية فقط ، وانما هي ايضاً سياسية واجتماعية وثقافية وتكنلوجية .
- عدم المقدرة لدول العالم العيش منعزلة عن هذه الظاهرة .
- الاردن إحدى الدول التي أثرت بها العولمة ايجابياً اكثر منه سلبياً .
التوصيات :
- ضرورة التعامل مع ظاهرة العولمة وعدم مقاطعتها ولكن بحذر شديد .
- بناء الدولة على نظام المؤسسية لتسهيل التعامل مع ظاهرة العولمة " دولة المؤسسات" .
- تهيئة الفرد في" ادارة المورد البشري " دول العالم النامية ومنها الأردن للتعايش والبقاء في ظل هذه الظروف والمعطيات .
- توفير المعلومات اللازمة والضرورية ، وخاصة المتعلقة بادارة المورد البشري بكافة القطاعات من أجل التطوير .
- المواءمة ما بين التقنيات الادارية وواقع البيئة العربية .
- القبول بالرأي والرأي الأخر – أسلوب التفكير النسبي – لغايات اقبال القطاع الخاص وتشجيعه لأخذ دور في كافة مناحي الحياة .
مراجع البحث
المراجع العربية
1- الكتب
- سكلر ، عدم المساواة في المعلومات : الأزمة الاجتماعية العميقة في أمريكا 1996 . ص 22-48 .
- السعيد مصطفى ، ( الاقتصاد المصري وتحديات الأوضاع الراهنة ) ، القاهرة ، دار الشروق ، 2003 . 35-44 .
- جامعة آل البيت ،( العرب والتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية للعولمة) ، تعقيب عادل رشيد ، 2000 . 56-71 .
2 - الدوريات
- ابراس ابراهيم ، ( مجلة الفسطاط التاريخية ) . كانون الأول ، 2006 .
- السيد الخضري عبدالمنعم علي ، ( مجلة المستقبل الاسلامي ) ، عددها الصادر في 24 / 9 / 2004 .
- ولد سيدي محمد المصطفى ، ( المعرفة ملفات خاصة 1-2 ، تأثير منظمة التجارة الدولية على الاقتصاد العالمي ) ، 2001 .
- المنياوي ، ( نقلاً عن تقرير المجلس القومي للانتاج والشؤون الاقتصادية المصري ) ، عرض في 17 / 3 / 2002 .
- حمودة عبدالعزيز ، ( الثقافة اختيار الثقافة القومية ) ، مجلة الأهرام 15 / 1 / 2002 .
- هنداوي محمد حافظ ، ( دراسة مقارنة لتمويل التعليم الجامعي في مصر وبرطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ) ، مجلة كلية التربية بدمياط ، الجزء الأول ، العدد الرابع والثلاثون ، جامعة المنصورة ، 2000 .
- الكفري مصطفى عبدالله ، جريدة الحوار المتمدن ، العدد 1148 ، 26 /3 / 2005 .
3 – مراجع أخرى :
- مقالة من موقع الدروب ، ( http : // www.eddor.com/modules/news/artical-php?stryid=oo. ) تاريخ 28 / 8 / 2006 .
- قانون تشجيع الاستثمار الأردني رقم ( 67 ) لسنة 2003 .
- جريدة الرأي العدد 13545 بتاريخ 4 تشرين ثاني 2007 .
- جريدة الشرق الأوسط في عددها رقم 8280 التاريخ 30 يوليو 2001
4-المراجع الأجنبية
- Cashmore , Carol , Business information system and strategies , NewYork : Practice Hall , 1999 . p 41-58 .
- Halsey , A . H , & others , Education , Culture , Economy , Society , Oxford : Oxford University Press , 1997 . p 16-27 .
- IMF Staff , Globalization Threator Opportunity , April 12 , 2002 , www . imf org . p71-83 .
مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة السادسة: العدد 39: خريف 2008 - 6th Year: Issue 39 Autumn
التعليقات (0)