العولمة و الهوية الثقافية
من إعداد:
-فاطمة زرعي.
مـقـدمـــة
حاولنا الإجابة عن عدة أسئلة كان من أهمها: من خلال هذ ا البحث
ما هي العولمة؟ والعولمة الثقافية بالذات؟ وما هي الهوية؟ وما آثار العولمة على الهوية؟ و ماهي الثقافة؟ و الثقافة المسيطرة على العالم الآن؟
كل هذه الأسئلة تمت الإجابة عليها من خلال هذا البحث الذي تكون من اربعة محاوركانت على النحو التالي:
المحور الأول:محور مفاهيمي
المحور الثاني:محور يبين آليات و مظاهر عولمة الثقافة وردود الفعل ازاءها
المحور الثالث:محور علائقي
المحور الرابع و الأخير:خلاصات مع ذكر العراقيل التي واجهتها اثناء إعداد الملف
المحور الأول
مفهوم العولمة
"العولمة كما ينبغي أن تكون" وهو تصور للعولمة التي يتكافأ فيها الشمال مع الجنوب.
الثاني: أسميه "المفهوم المعاصر للعولمة" وهنا أحاول استقراءه من واقع التطبيق الفعلي المعاصر للعولمة.
أ- مفهوم العولمة كما ينبغي أن يكون:
يمكن فهم "العولمة" - على وجه العموم - من الناحية الاصطلاحية بأنها حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله.
فمثلاً عبارة "عولمة تنقية البيئة" تعني جعل البيئة في جميع أنحاء العالم، بيئة نظيفة ومناسبة، لأن تحيا الكائنات الحية فيها حياة صحية. وتعني عبارة "عولمة الاقتصاد" جعل الاقتصاد في جميع أنحاء العالم يتبع النظام نفسه، ويطبق الأساليب ذاتها، ويستخدم آليات بعينها، لصالح جميع الشعوب دون تمايز بينها. وتعني عبارة "عولمة السلام" أن تتعاون جميع الدول لحفظ السلام في العالم، كما تتعاون على قتال المعتدين. وهذا المفهوم يستتبع استفساراً مهما عن إجراءات الأخذ بهذه العولمة. فهل تتبنى مختلف دول العالم هذه "العولمة" اختيارًا، بمعنى أنها تستشار في صياغة أسسها، وتخطيط أساليبها، وتحديد آلياتها، وأنها تتمتع بالحرية المطلقة في قبولها أو رفضها في النهاية؟ إذا كانت إجابة الأسئلة السابقة "نعم" فإن العولمة حين تسود جميع دول العالم، يكون ذلك بناءً على اختيار حر وإرادة مستقلة منها. وتكون العولمة بذلك ظاهرة صحية.
ويمكن تطوير مفهومها ليكون: حركة قامت على اختيار جميع دول العالم اختياراً حراً، لتعميم تطبيق أمر ما عليها جميعاً، دون تمايز بينها.
وحيث إن العلم الحديث والتكنولوجيا المتقدمة هما مطية العولمة، ومع مراعاة التعددية الثقافية والخصوصية الدينية والحضارية للشعوب، وسعياً إلى تحقيق الأمن والرفاه والسلام للجميع، يمكن أن ننتهي إلى تحديد مفهوم "العولمة كما ينبغي أن تكون" على النحو التالي:
توظيف التقدم العلمي التكنولوجي المعاصر، لتحقيق الأمن والسلام العالميين، والسعي لتحقيق الرفاه لجميع دول العالم، وبناء علاقات هذه الدول على أساس التعامل مع التعددية الثقافية، والخصوصية الدينية والحضارية.
.مفهوم الهوية
الهوية هي الذاتية و الخصوصية و هي القيم و المثل و المبادئ التي تشكل الأساس النخاغ للشخصية الفردية أو المجتمع، وهوية الفرد هي عقيدته و لغته و ثقافته و حضارته و تاريخه، وكذلك هوية المجتمع فهي الروح المعنوية و الجوهر الأصيل للكيان الامه . الهوية أيضا هي الوعي بالذات الاجتماعية و الثقافية، وهي ليست ثابتة و إنما تتحول تبعا لتحول الواقع، بل أكثر من ذلك هناك داخل كل هوية هويات متعددة ذوات مستويات مختلفة فهي ليست معطى قبلي، بل إن الإنسان هو الذي يخلقها وفق صيرورة التحول
وإذا كانت الهوية – اصطلاحا- حديثة العهد بالتداول و الاستخدام، لما صارت اليوم مضمونا ذا دلالات عميقة تشمل كل ما يجعل من الفرد و المجتمع شخصية قائمة الذات و على قدر كبير من التميز. و الجدير بالذكر أن مصطلح الهوية لم يكن متداولا في الحياة الثقافية و الفكرية في مطلع هذا القرن فلم تكن الهوية من ألفاظ الثقافية و الفكر و لا من أدبيات العمل السياسي، إنما ترد على أقلام الكتاب ومفكرين و على ألسنة المتحدتين و كانت العبارة التي تدل على هذه المعاني هي الاصالة الوطنية و الشخصية الوطنية بل إن مفهوم نفسه كان ينطوي على هذه المعاني و يعبر عنها أقوى تعبير و أعمق الدلالة.
و يشير لفظ الهوية إلى عدة معان و يعود بنا إلى عدة مجالات من التفكير منها الفلسفة و الميثافزقيا ثم المنطق، و العلوم النفسية و الاجتماعية، كما أن لهذا اللفظ باللغات الأوروبية معاني لا تطابق تمام المطابقة مع ماهو مقصود منه باللغة العربية. و إذا أخدنا لفظ الهوية من حيت اللفظ العربي الذي يقابل اللفظ الأوروبي "Identité " فسيكون المعنى الأساسي الذي يتضمنه هو المطابقة، إذ نعلم أننا عندما نقول شيئين أنهما متماثلان أو متطابقان نستخدم النعت " Identique" فهذا النعت يعني التماهي بين الشيئيين أي تطابق هوتيهما. عندما نستخدم عبارة هوية باللغة العربية نقصد هذا المعنى جزئيا لا كليا، فالهوية تعني المطابقة حقا، غير أن المطابقة فيها لا تكون مع
شيء أخر بل تكون أساسا بين الشيء و ذاته فهوية الشيء هي ما يكون به مطابقا بذاته و يستمر به كذلك في وجوده. هوية الشيء هي ما يكون به الشيء هو ذاته متمايزا عن غيره، وأم ماثله في بعض الخصائص أو اشترك معه فيها. إن ما يشير إليه لفظ هوية هو وحدة الذات عبر التطورات و المظاهر المختلفة، أي أن الهوية هي ما يكون به الشيء أو الشخص مطابق لذاته رغم التغيرات و التطورات، يكون اقرب لفظ فلسفي إلى الهوية بهذا المعنى هو الماهية، فهوية الشيء هي ماهيته أي حقيقته الخاصة به، فماهية الشيء كما يعرفها الجرجاني في كتابه "التعريفات" فيقول " الماهية مثل الهوية هو جواب عن السؤال ما هو ؟" و يتابع الجرجاني تعريفه للماهية قائلا " إنها إدا وصفنا الإنسان مثلا بكونه عاقلا جاعلين من ذلك ماهيته، فان هذا القول من حيث انه مقول في جواب "ماهو" يسمى ماهية و من حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة و من حيث امتيازه عن الغير هوية و من حيث حمل اللوازم له ذاتا " و مفهوم الهوية يحيلنا أيضا إلى تعبير أخر هو الجوهر فهوية الشيء أو الشخص هي ما يشكل جوهر كينونته في مقابل ما يمكن أن نعتبره خصائص عرضية قابلة للتغير و يبدوا بهذا المعنى أننا نعتبر ما يتغير عرضيا بالنسبة للهوية، و يبدوا كذلك أننا عندما نستخدم لفظ الهوية و نسترشد به في تفكيرنا نقصد أن نبحث عن ماهو ثابت، و عن ما نرغب في الحفاظ عليه و عن ما نظن انه يبقى رغم كل مظاهر التغير و التطور.
مفهوم الثقافة
كان الشاعر ت. س. اليوت من اشهر من اهتم بموضوع الثقافة منذ بدايات القرن العشرين ومن أجل إدراك الثقافة وضع إليوت شروطاً ثلاثة إذا ما تحققت ، تم بها تحقيق الثقافة وهي: أولاً: البناء العضوي ، ويرى أنه يساعد على الانتقال الوراثي للثقافة داخل ثقافة ومجتمع معينين. ثانياً: القابيلة للتحليل: ويرى وجوب أن تكون الثقافة (من وجهة النظر الجغرافية) قابلة للتحليل إلى ثقافات محلية (البعد الإقليمي للثقافة). ثالثاً: التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين. ويرى أن هذا الشرط مهم لأنه في الكثير من الثقافات لا يمكن إغفال أو تهميش عامل الدين. وفي هذا السياق أضاف آخرين إلى أن الثقافة سياسة وتربية.
وعندما أقدم بعض علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع على تعريف مفهوم الثقافة البشرية قالوا أنها سلوك تعلمي يكتسبه الأفراد كأعضاء في جماعات تعيش في المجتمع الواحد. في السبعينات من القرن التاسع عشر قدم عدد من علماء الأنثروبولوجيا أكثر من تعريف للثقافة وفي المحصلة أجمعوا على أن الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة ، والمعتقد ، والفن ، والخُلق ، والقانون ، والعادات الاجتماعية وأية إمكانيات اجتماعية أخرى بل وطبائع اكتسبها الإنسان كعضو في مجتمعه." وبعدئذ دأب هؤلاء على تقديم العديد من التحسينات والتباينات على هذا التعريف العام لمعنى الثقافة ، لكن الأهم هو أن الجميع اتفقوا على أن الثقافة هي سلوك تعلمي كثيراً ما يتناقض مع السلوك الموهوب تراثياً.
وانطلاقاً من واقع أن كل مجتمع إنساني يتمتع بمنظومة من السلوك الذي تحكمه معايير قد تختلف نسبياً من مجتمع إلى آخر حتى داخل الثقافة الواحدة (مثال ذلك الثقافة العربية ومن لها من ثقافات فرعية تحكمها عوامل قسرية مثل العوامل الإقليمية والجغرافية وربما ازدواجية اللغة كحالة الجزائر بين أصول بربرية وأخرى عربية) ، كما تحكمها معايير أخرى تؤدي إلى ألوان أخرى من المعرفة مثل (الاستعمار والهجرات والحروب وما إلى ذلكم من الأمور وربما ازدواجية اللغة مرة أخرى لكن هذه المرة نرى الازدواجية بين اللغتين الفرنسية والعربية في بلاد المغرب العربي) فانه يتم تآلف الأفراد مجتمعياً وتثاقفياً. ويتمتع الإنسان بمنظومة هذا السلوك منذ ميلاده بل ويتطور ذلك السلوك وينمو معه طالما ظل يعيش في ذلك المجتمع.
من هنا يمكن القول بأن الثقافة بهذا المفهوم تختلف عن الثقافة بالمفهوم الذي استخدم لوصف شخص مصقول صقلاً عالياً ، وله دراية بالموسيقى ، والأدب ، والفلسفة ، والسياسة ويجيد لغة عالمية إضافة إلى لغة أمه الأصلية ، بل وربما يتضمن أيضاً توجهات ثقافية أُخرى مشتركة مع الحياة المتحضرة من المعرفة بعالم الاتصال الحديث كالإنترنت وقريناته وما شابة ذلك.
تعريف المثاقفة وأهميتها:
في الأصل المثاقفة هي عملية التغيير أو التطور الثقافي الذي يطرأ حين تدخل جماعات من الناس أو شعوب بأكملها تنتمي إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال وتفاعل يترتب عليهما حدوث تغيرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في الجماعات كلها أو بعضها. والمثاقفة، بعكس الغزو الثقافي الذي يتضمن في طياته الرغبة في محوَ الآخر وإلحاقَه وفرضَ التبعية عليه، ومعاملته بنظرة فوقية عدوانية متغطرسة، تقوم على الندّية والاحترام والتسامح والاعتراف بخصوصية الآخر واختلافه، وفي إطارها تتفاعل الجماعات والشعوب وتتواصل بهدف الاغتناء المتبادل. لهذا فهي تفترض الثقة والرغبة في التواصل والتقدم والتطور واكتساب العلم والمعرفة. وإذا كانت الشعوب تسعى سعيا تجاه المثاقفة فهي ترفض أشكال الغزو الثقافي كافة. وقد عبر المهاتما غاندي عن ذلك قائلاً: " إنني أفتح نوافذي للشمس والريح، ولكنني أتحدى أية ريح أن تقتلعني من جذوري".
لهذا فالمثاقفة في هذا المعنى تعد رافداً مهماً تسعى كل أمةٍ من خلاله إلى معرفة الآخر واسثمار ما لديه من قيم ومعطيات إنسانية وحضارية، وإلى تنمية كيانها الثقافي بشكلٍ خلاق وغير مضر بمقومات الهوية القومية وثوابتها.
ومن هذا المنطلق يُعد "حوار الثقافات"، أي المثاقفة، ضرورة حيوية لمختلف لشعوب والحضارات. ونحن حين ننظر إلى مسار الحضارة العربية الإسلامية نتبيّن أنها لم تبلغ أوج ازدهارها إلا عندما نجحت في التفاعل والتثاقف مع بقية الحضارات التي انفتحت عليها. وقد أكد القرآن على أهمية التعارف بين مختلف الشعوب. فنحن نقرأ في سورة "الحجرات": (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). كما أنه من المعلوم أن العرب قد شرعوا منذ حكم خالد بن يزيد بن معاوية في القرن الأول للهجرة في الانفتاح على الثقافات الأخرى وترجموا منها ونقلوا عنها كثيراً من العلوم. وقد قام الخليفة العباسي المأمون بتنظيم حركة الترجمة تلك.
وبالإضافة إلى ذلك، تكتسب المثاقفة أهمية علمية وإنسانية في حياة الفرد، لأنها تنمّي معرفته بالآخر. وقد بيّنا في بحث عن "تدريس اللغات الأجنبية؛ بين ضرورة الانفتاح على الآخر وضرورة ترسيخ قيم الانتماء والهوية" أنّ معرفة الآخر ضرورية ليتعرف الفرد على ذاته مقومات هويته بشكل أفضل وأكمل.
ومن ناحيةٍ أخرى تُعد المثاقفة وسيلة فعالة لتنمية روح الثقة والتسامح بين الأفراد والجماعات، فهي تزيل كثيراً من الأوهام والأمراض والمخاوف. وتساعد أيضاً على خلق تواصل وتفاهم أفضل بين الشعوب، وعلى تفعيل القواسم المشتركة بينها، مما يؤدي إلى إزالة بؤر التوتر والعداوة التي غالباً ما يغذيها التقوقع والانعزال الجهل بالآخر والأحكام المسبقة والسلبية عنه. وكل ذلك يمكن أن يؤدي إلى التقارب بين الحضارات واستبعاد كل ما يمكن أن يؤدي إلى صدامها.
المحور الثاني
مظاهر و آليات عولمة الثقافة
الأولى: بروز النظام الرأسمالي كقوة جبارة، وانفراده بقيادة العالم، لا سيما مع تفكك المنظومة الاشتراكية.. الثانية: قيام ثورة علمية تكنولوجية تكاد تحقق نقلة معرفية وإنتاجية جديدة.. الثالثة: هيمنة الولايات المتحدة على وسائط نقل المعرفة وسعيها لتنميط العالم، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، من أجل إحكام الهيمنة.
وهي ظواهر متداخلة، فانفراد النظام الرأسمالي بقيادة العالم، أتاح الفرصة للحديث عن نموذج واحد مؤهل لقيادة العالم، وتعميم تجربته وثقافته على العالم، ولقيت أطروحات أحادية الجانب مثل نبوءة «فرنسيس فوكوياما» حول نهاية التاريخ «End of History» رواجًا منقطع النظير، عندما كتبها صيف عام 1989م، كذلك انتعش مسلسل النهايات: نهاية الدولة، نهاية الوطنية، نهاية الأيديولوجيا، نهاية التاريخ.
لقد أدى تضافر العوامل السالفة الذكر إلى انطلاق مسلسل العولمة باعتبارها ظاهرة لمرحلة متقدمة من تدويل الإنتاج والمشروعات، والمعلوماتية والتكنولوجيا المتطورة، وفتحت الأسواق مشرعة أمام حركة التبادل التجارية والعلمية(1).
على أن الأمر لم يتوقف عند تدويل العلم والتكنولوجيا، بل إن مشكلات كبرى، كتعاظم النمو السكاني، ومشكلة التلوث البيئي، وانعدام المساواة الاقتصادية، وتباين توزيع الفرص، ومشكلات التخلف والتبعية، حتى هذه يتم تدويلها وعولمتها، ولا تتوقف عند محطة واحدة من العالم، وهو ما عقد من إمكانية التوصل إلى حلول لها، رغم الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقد على مستويات عالمية من أجل إيجاد منهجية موحدة للتعامل مع هذه المشكلات، على وزن مؤتمر القاهرة حول مشكلة السكان، أو مؤتمر كوبنهاجن حول المشكلات الاجتماعية، والتي انتهت بفشل ذريع على أرض الواقع، فلا تزال أعداد العاطلين عن العمل تتضاعف بصورة مرعبة، ومعدلات التضخم في ازدياد، والحروب الأهلية والدولية تستمر، إضافة إلى تضاعف معدلات الجريمة، ونسب التلوث(2).
لقد انتهت محاولات تدويل الحلول بالفشل الذريع، بينما الأزمات دُوِّلت وأصبحت على مستوى عالمي(1).. وقد وجدنا بعض مشكلات الدول الصناعية قد انتقلت إلى بلادنا العربية والإسلامية رغم أنها مشكلات صناعية، ومن المفترض أن نكون في منأى عنها، ولكن المشكلات دولت، وبدأت تعصف بكل الدول المتأثرة برياح العولمة.
أضف إلى ذلك أن العولمة، كظاهرة في حد ذاتها، عملية مؤداها تحطيم قدرات العالم الثالث، خاصة العالم العربي والإسلامي، على النمو والإنتاج، مضيفة إلى فقره فقرًا، وإلى ضعفه ضعفًا، لتتوالد الأزمات في أرض مهدت لذلك. ويدعم هذا الرأي المفكر الفرنسي «جورج لابيكا»(2)الذي لا يرى في العولمة سوى حركة تدعمها الولايات المتحدة و الشركات المتعددة الجنسيات، هدفها سحق مواطني العالم بأسره، وخلق نسخ مكررة واستهلاكية ذات نمط استهلاكي عال يغذي الحركة الرأسمالية الوحشية، وفي الـوقـت نفـسه تسعى الحركة إلى تهميش كل مـن لا يستطيع أن يتماشى مع النظام والخضوع له.
والنتيجة أن عدد المهمشين سوف يزداد بالتدريج وبشكل متسارع، حيث تزيد الرأسمالية من قدرتها على التخلص من أعداد كبيرة من البشر كل عام بإلقائهم في سلة مهملات البطالة. وقد تضمن تقرير التنمية البشرية لعام 1999م(1)والصادر بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أرقامًا تشير إلى الآثار المترتبة على العولمة التي توجهها فلسفة الربح السريع والهيمنة الشاملة، فخمس سكان العالم ممن يعيشون في أعلى البلدان دخلاً يحصلون على 86% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و74% من خطوط الهاتف. أما خمس السكان ممن يعيشون في القاع، في أشد البلدان فقرًا، فإنهم يحصلون على حوالي 1% من كل فئة. وكما يخلص التقرير، فإنه «في عالم العولمة، الذي يتسم بانكماش الزمن وانكماش المكان واختفاء الحدود، تنتشر المساوئ العالمية على نطاق غير مسبوق وبسرعة غير مسبوقة
ردود الفعل ازاءها
من الملاحظ اليوم أن موقف المثقفين والمفكرين العرب تجاه المثاقفة يتسم بالتباين والحذر الشديد. فهم حين يعترفون بأهمية المثاقفة والانفتاح على الآخر وثقافته، يؤكدون في الوقت نفسه على ضرورة التمييز بين مفهوم المثاقفة الذي يعني التفاعل المتكافئ والاحترام المتبادل بين مختلف الثقافات والشعوب وبين مفاهيم أخرى قريبة منه مثل التبعية والغزو والاستلاب الثقافي والعولمة الثقافية والخصوصية الثقافية والغربنة والأمركة. نجد هذا التمييز مثلاً في كتابات المفكر محمد عابد الجابري الذي يكرس جزءاّ كبيراً من كتابه (مسألة الثقافة) لقضايا التبعية الثقافية والاختراق الثقافي. وكذلك المثقف د. علي عقله عرسان الذي يقول في كتابه (المثقف العربي والمتغيرات): "نحن مع المثاقفة التي تقوم على أساس من الثقة والاقتدار بأوسع صيغها وأعمق تلك الصيغ وأشملها، ولا نرى في التقوقع أي خير كما لا نرى خيراً في تبعية من أي نوع، لاسيما التبعية الثقافية. ولذا فإننا نرفض سياسات الانغلاق كما نرفض سياسات الإلحاق والغزو والمحو الثقافي، ونتصدى لها، وندعو إلى وضع الخطط والإمكانيات اللازمة لذلك بدءاً من تحصين الوعي الثقافي القومي على جميع المستويات".
أما الدكتور عبدالله أبو هيف فقد استبعد من دراسته حول (الغزو الثقافي والمفاهيم المتصلة به) مفهوم المثاقفة، وقام برصد مختلف المفاهيم الأخرى التي تدلل على الاتجاه السلبي الذي تسير فيه العلاقات الثقافية القائمة بين الشرق والغرب. فمن بين أبرز المفاهيم التي يقدمها عبد الله أبو هيف في دراسته تلك، بالإضافة إلى الغزو الثقافي: الاستقطاب والتبعية والتغريب والتنميط والتغطية. وينهي أبو هيف دراسته بتوجيه نقد لمفهوم المثاقفة قائلاً: "ولا يزال أمر الغزو الثقافي محيراً لدى الكثيرين؛ إذ لا ترى فئة من الناس أنه غزو، فتختار له تسميات أخرى، وتهون فئة أخرى من شأنه على أن الحديث عنه وعن مخاطره ألعوبة أو وهم، بل إن فئة ثالثة تدعو له سبيلاً للمثاقفة، وهؤلاء يهونون أيضاً من أمر المثاقفة، فلا يجدون فيها تأثير ثقافة غازية قاهرة في ثقافة مغزوة مقهورة، وإنما يعدون المثاقفة تلاقحاً معرفياً وحضارياً يعزز التواصل بين (تراثات) الإنسانية، ويغنيها، ويوردون حججاً لا نهاية لها عن العلاقات الثقافية بين الشعوب، واستكمال شروط النهضة أو التقدم، وهل علينا أن نذكر الخلاف القائم حول الحملة الفرنسية على مصر؛ هل كانت نعمة أم نقمة؟ فهناك من يتباكى على خروج المستعمر من بلاده!"
ودون أن ننكر وجود عدد من المحاذير التي ينبغي التنبه لها عند دعوتنا إلى الاستمرار في التواصل مع الآخر، والتحاور معه، والانفتاح على ثقافته، نرى أنه بإمكاننا تجنب عدد من تلك المخاطر إن نحن استطعنا تفعيل السمات المميزة في ثقافتنا، وإن نقرأ الثقافات الأخرى برؤية نقدية وموضوعية لا تتردد، عند التفاعل معها، في رفض السلبي منها والاستفادة من الايجابي فيها. وقد سبق أن ذكرنا في بحثنا عن "تدريس اللغات الأجنبية؛ بين ضرورة الانفتاح على الآخر وضرورة ترسيخ قيم الانتماء والهوية" أنّ أحد أهم المحاذير التي ينبغي التنبه إليها عند دراسة الانفتاح على ثقافة الآخر يكمن في تحول المقارنة بين ثقافتنا وثقافة الآخر إلى مفاضلة، ويتم الربط بين التطور الصناعي والتكنولوجي وقيم الهوية والتطور الثقافي. فدارس اللغات الغربية يلمس دون شك الضعف الذي تعاني منه الأمة العربية اليوم في كثير من الجوانب. ولولا إدراكه الشديد لقيم انتمائه وهويته يمكن أن نخشى تحول المثاقفة لديه إلى ازدواجية ثقافية تمهد لهيمنة ثقافة الآخر وإزالة الثقافة الوطنية تحت مبرر التحديث والتطور مثلما زعم هنتجتون الذي يرى أنه "يتعيّن على المجتمعات غير الغربية، إذا هي أرادت أن تتحدث، أن تتخلى عن ثقافاتها الخاصة وتتبنى عناصر الثقافة الغربية الجوهرية".
وأخيراً يمكن أن نشير إلى أن الباحثين في إطار الأدب المقارن الذين يحاولون تطوير المنهجية التي يقوم عليها علمهم قد تصدوا قبل غيرهم لكثير من الإشكاليات التي تفرزها ظاهرة المثاقفة. ففي دراسة قصيرة عن "الأدب المقارن في عصر العولمة" اقترح د. صلاح السروي أن يركز المقارنون على دراسة مفهومي الثقافة الوطنية والهوية الوطنية، ودراسة مفهوم المثاقفة القسرية وآلياتها، ومفهوم المثاقفة الطوعية وبدائلها. أما الأستاذ عزالدين المناصرة فقد حاول الكشف عن الطابع الأيديولوجي والاستعلائي/الاستلابي للمثاقفة بين الشرق والغرب، وذلك في كتابه (المثاقفة والنقد المقارن- بيروت سنة 1995)، والذي يقول فيه: "ظل الغرب في كل هذه المراحل يتثاقف مع الشرق مثاقفة استلابية مع تنوع أشكال هذه المثاقفة. لكن المفهوم الأوروبي للمثاقفة ظل استعلائياً.. ولم تأخذ المثاقفة شرق-غرب سوى شكل واحد هو الإخضاع من طرف والقبول بالخضوع والتلذذ به من الطرف الآخر". وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ المقارن ادوارد سعيد قد تناول الموضوع نفسه منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.
ومن كل ذلك يمكننا أن نلمس أن التركيز على دراسات آليات المثاقفة يمكن أن يساعد المقارنين العرب على الكشف "المبكر" عن كثير من المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها انفتاحنا الضروري والحيوي على الآخر وثقافته، وكذلك فضح الطابع السياسي الذي ينطوي عليه "انفتاح" الغرب على ثقافتنا الشرقية والعناصر الأيديولوجية التي يتضمنها خطابه الاستشراقي.
المحور الثالث
العلاقة بين المفاهيم الثلاثة
طبيعة العلاقة بين العولمة والهوية موسومة بالتضاد . وهو ما يقتضي كما يؤكد عرفاوي هنا إعادة النظر في مواثيق وإعلانات لا تحترم الإنسان وحقوقه كما تدعي . وهذا يثبت أن الهوية تدافع عن الاختلاف والحوارالمتكافىء ،في حين العولمة تغزو العالم الآن بكيفية شمولية . والمطلوب الآن، هو التسلح بفكر نقدي يعيد الاعتبار للخصوصيات الثقافية ، دون منطق الأفضلية أو السقوط تحت إغراءات العولمة التي تشمل كل الميادين . كما تقدم الطالب محمد أمكار بورقة في الموضوع عنونها ب ” العولمة وآلياتها “، وقد تناول فيها المفهوم ومساره التاريخي ، إذ ظهرت العولمة حديثا بعد سيادة القطب الواحد كحلقة من الرأسمالية تنهض على آليات اقتصادية وسياسية وثقافية تتحرك بفعل مؤسسات مالية فاعلة . وبالتالي كانت للعولمة تأثيرات عديدة ، توقف الطالب أمكار على ما يتعلق بما هو ثقافي كتوغل النموذج الغربي في بلدان الجنوب من خلال الأنترنيت الذي تم التعامل معه بشكل سلبي ، وسيادة ثقافة التسطيح والتأثر السريع بالموجات الغنائية.. . كأن الأمر يتعلق باستهلاك ثقافي ، على غرار ما هو اقتصادي . بعد عرض الورقتين الهامتين ، تطرق الحضور المتكون من تلاميذ المؤسسة وضيوف متشكلين من أساتذة في التعليم والمحاماة أقول تعرض التلاميذ أولا إلى جوانب دقيقة في الموضوع ، بحكم اندراج الموضوع ضمن مقررهم كتأثير العولمة على الطفل ، والصراع الذي لم تتحدد ملامحه بين العولمة والهوية ، والتهديد المباشر للهويات إذا لم تستشعر الخطر المحدق . الشيء الذي يقتضي البحث عن الوسائل، لطرح حلول عاجلة عوض التفرج على المشهد…كما أغنى الأساتذة الحاضرون النقاش الدائرمن خلال تأزيم الأسئلة أكثر، وفتحها على آفاق ومرجعيات، فالأستاذ الطيب بوعبيد تطرق بتفصيل في مداخلته لمفهوم أمركة العالم من خلال أفعال مقنعة اتجاه الشعوب ، تمرر من خلالها ثقافة وقيم . وبالتالي تمرير العولمة كما يقول المتدخل بتكلفة أقل . كما تقدم المحامون الحاضرون بتدخلات عميقة أثارت العديد من الأسئلة التي ظلت عالقة ومفتوحة كأي انغلاق وانفتاح يمكن الحديث عنه الآن في ظل العولمة ؟ هل يمكن العودة والإقرار مع الباحث المستقبلي بأن العولمة مظهر من مظاهر الحرب على العالم ؟ ، هذا فضلا عن سيادة ثقافة العنف العالمي التي امتدت للأطفال ولو على ظهور الدمى . ساهم النقاش على أشده وكله ، في تفكيك العناصر المشكلة للعولمة كواقع لا يمكن القفز عنه ؛بل ينبغي فهمه وتفكيكه . والبقية تأتي ، لأن النقاش لم ينته..نظرا لطبيعة الموضوع المتعدد والشائك إلى حد الالتباس
الثقافة المسيطرة على العالم كيف يتم عولمة الثقافة
تسعى العولمة إلى توحيد العالم في منظومة فكرية وقيمية واحدة, تستجيب دون مقاومة لمتطلبات ومصالح السوق العالمية، فهي تسعى لإلغاء الخصوصية وإزالة الفوارق بين الحضارات والأمم، فغاية العولمة تكوين ثقافة عالمية واحدة على نمط الثقافة الأمريكية.
يقول وزير الثقافة الفرنسي: “إن الدول التي علمتنا قدراً كبيراً من الحرية، ودعت الشعوب إلى الثورة على الطغيان, لا تملك اليوم منهجاً أخلاقياً سوى الربح, فضلاً عن أنها تحاول أن تفرض ثقافة شاملة واحدة على العالم أجمع, إن هذا هو شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية لا يحتل الأراضي؛ بل يصادر الضمائر ومناهج التفكير وطرق العيش”(1).
هكذا يسعى العالم الغربي إلى إيجاد ثقافة عالمية مسيطرة على الثقافات الأخرى, وذلك من خلال استخدام آليات التقنية المتطورة التي جلبت الاتصال بين الأمم والشعوب, فهي تسعي على تعميم ثقافة استهلاك المنتج الغربي كالكوكاكولا والهامبرجر والبيتزا والجنز والقبعة، والتي من خلالها وخلال التقليد في الملبس والسلوك يجلب معه عادات وتقاليد ومفاهيم بلد المنشأ.
يقول (فوكوياما) في “كتابه نهاية التاريخ”: “الكل سيأكل الهامبرجر وسيرقص الروك, وسيقلد نمط الإنتاج أو الحياة الأمريكية”, هكذا ينظرون إلى ثقافتهم بأنها ثقافة عالمية يجب أن تصبح جزءاً من حياة الناس.
وللأسف فإن القبعة الأمريكية واللباس الغربي أصبح فئام من الشباب المسلم يرتديه, ولا يرى في ذلك أي غرابة أو حياء من الناس فهو يرى أنه جزء من حياته، والتحدث بالإنجليزية أخذت تزاحم العربية وتخنقها في عقر دارها، فتسمعها في تخاطب الناس، وتراها في كتاباتهم وتشاهدها في إعلاناتهم, ويزيد الأمر حزناً افتخار بعض من يتحدث الإنجليزية وزهوه بهذه اللغة الأجنبية, وهذا نوع من المرض القلبي، وعلامة للمحبة والإعجاب بالأجنبي، وخذلان للغته.
ويذكر الدكتور فهد الحارثي ـ تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والذي جاء فيه ـ: “إنه من مانيلا إلى ماناجوا، ومن بيروت إلى بيجين، وفي الشرق وفي الغرب، وفي الشمال وفي الجنوب أصبحت أشكال الزي (الجينز، وتصفيفات الشعر الخاصة، وال تي - شيرت) والموسيقى، والعادات المتعلقة بتناول الطعام، والمواقف الاجتماعية والثقافية، أصبحت كلها تشكل اتجاهات عالمية, وحتى الجرائم -سواء كانت تتصل بالمخدرات، أو الاختلاس، أو الفساد- أصبحت متشابهة في كل مكان, لقد انكمش العالم في أوجه عديدة.
وكما يرى عبد الإله بلقزيز، هي اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات, وهي تعني أن ينشأ في وعي الناس ثقافة، أو قيم ثقافية، لا تقوم صلة بينها وبين النظام الاجتماعي (داخل الكيان القومي), وهي ستحمل منظومات من الأفكار والقيم لم تخرج من رحم التطور الاجتماعي الطبيعي.
وهذا واقع جديد، يحتم على الشعوب المغلوبة التي تعيشه، أن تقرأ العولمة -من حيث هي استراتيجية قمعية إطماعية- في غير ما تبدو عليه في إطارها التنفيذي, إنها في حقيقة هذا الواقع الجديد سيادة مطلقة لثقافة الغالب, وإنها لذلك تكريس صريح وواضح لأفكاره وسلوكياته, بل إنها فرض قسري مستبد حتى لأنماط المعاش اليومي لدى شعوبه وفي داخل مجتمعاته.
فالعولمة هي جنة من جنات الغالب التي ظل سنين طويلة يخطط لها ويحلم ببنائها وتشييدها ومن ثم بالمكوث فيها إلى أبد الآبدين, وهي هكذا بالمقابل نكال على المغلوبين ونقمة على المستضعفين، فهي تدمير لمقوماتهم الخاصة ومسخ لهوياتهم التي ظلت دائما تؤكد، هي من جهتها، حقائق الجغرافيا ومسلمات التاريخ.
إن العولمة هي أفكار القوة وهي نماذجها الثقافية الحضارية وهي لسوء حظنا وحظ أمثالنا، تسير دائما في اتجاه واحد, ولم نر مطلقا أنها سارت في الاتجاهين: الذهاب والإياب، لذا فإن العولمة، بتعبير بسيط آخر، هي أكذوبة القوي على الضعيف، وهي استدراج له إلى ساحات معقدة من ساحات التعايش الممكن، في الوقت الذي يعلم فيه أنه لا يدرك من قوانين تلك الساحات أي شيء”.
فالعولمة قد وجهت سهامها نحن شعوب العالم لتفترسها بثقافتها الصدئة، وتهلكها بنموذجها الثقافي الرديء، وللأسف إن كثيراً من هذه السهام المسمومة قد أصابت كثيراً من أبناء أمتنا, فأردتهم صرعى التغريب وضحايا العولمة، ففقدوا هويتهم وانتمائهم لدينهم وأمتهم.
وأصبحوا أذيال تتعلق بفتات الفكر الغربي المتهالك، فانسلخوا تماماً من ثقافتهم وهويتهم, وارتبطوا ارتباطا مباشراً بثقافة القطب الرأسمالي, سلوكاً وأخلاقاً وجميع أشكال الحياة العامة، أعجبوا بالحضارة الغربية الظاهرية، وتأثروا بالهيمنة الأمريكية حتى أنهم يستحون أن ينتسبون إلى وطنهم.
وهذا تجده في كتاباتهم وأحاديثهم حيث يخجل الواحد منهم أن يستشهد بآية أو حديث؛ بل يعتبر الربط بين الواقع والدين عين التخلف، ويراه أمراً منفراً ومقززاً، ولهذا تجدهم يستشهدون بأقوال علماء غربيين، ويستدلون بنظريات علمية لم يثبت صحتها بعد, ولكنها من نتاج العالم الغربي، ويرى أن هذا هو المرجع المقنع الذي يثق فيه الناس, وهذه اللوثة الفكرية الثقافية أصبحت وللأسف في ازدياد, بسبب هذا الغزو الإعلامي العالمي.
إن الضعف الذي تعيشه أمتنا جعل لدى كثير من الناس قابلية في تقبل كل ما هو غربي, واعتباره هو المعيار والمقياس للصواب والخطأ، هكذا الجسم المريض ـ غالبا ًـ لا يستطيع أن يدفع عن نفسه المرض والجراثيم؛ بل تنسل عليه من كل حدب وصوب, حتى تكاد تقتله إذا لم يتحصن لها بدواء قوي، ومضاد حيوي للجراثيم العقدية والفكرية والأخلاقية والسلوكية.
ودواء هذه الأمة في كتاب ربها: {وننزل من القرآن ما هو شفاء للناس ورحمة} شفاء نكرة فهو يعم جميع أنواع الأمراض المعنوية والحسية.
إن عرض الأفكار المستوردة من الغرب على كتاب الله وتحليلها شرعياً, وإخراج ما يخالف الشريعة وإلغاء ما يخالف عاداتنا وتقاليدنا, وتقبل ما يوافق ديننا وقيمنا هو أنجع السبل, في كيفية التعامل مع الحضارة الغربية.
والضربات التي وجهت إلى المسلمين من الصليبين واليهود، والتطور الصناعي الذي يعيشه الغرب أثر على مفكري أمتنا، مما سبب لكثير منهم الجمود الفكري والتقليد للفكر الغربي, واختفاء الفكر النقدي الرصين, المبني على الأسس الإسلامية الصحيحة, وأصبح بعض منهم يعيشون ردة ثقافية عن مبادئ الأمة وفكرها.
بل إن هناك من يدعو إلى تغريب الأمة, وتجريدها من دينها ولغتها وتقاليدها, ونمط حياتها وإلباسها رداءً غربيا، زاعمين أن العالم سوف يتغرب ثقافياً, وذلك للهيمنة الغربية التي يشهدونها على العالم، ولا شك أن هذا الادعاء فيه إسقاط وتهوين بثقافة الأمة، واعتبار أن الثقافة كالسلع والمنتوجات, التي يطرأ عليها الفناء والتبديل الدائم.
المحور الرابع
نخلص اخيرا الى ان العولمة تفرض نفسها على الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً، فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً، تربوياً وتعليمياً. وهي بذلك من الموضوعات التي تحتاج معالجتها إلى قدر كبير من الفهم لعمقها وجوهرها، والإدراك لبُعدها وغايتها، والوقوف على ما تنطوي عليه السياسات التي تتحكّم فيها وتقودها، وتتحمّس لها وتدعو إليها، وتمهد للتمكين لها، بشتى الطرق وبمختلف الوسائل.ولقد أجمعت الدراسات الحديثة لنظام العولمة الذي أصبح اليوم نظاماً يشكّل ظاهرة كونية، إن صحَّ التعبير، على اعتبار الخطر الأكبر الذي تنطوي عليه العولمة، هو محو الهويات الثقافية للشعوب، وطمس الخصوصيات الحضارية للأمم.
اما بالنسبة للعراقيل التي واجهتها اتناء اعداد الملف هي كالتالي
كانت عراقيل متفاوتة حيث اولا المفاهيم التي عرضت لنا في الملف كانت شاملة و مختلفة وكان صعبا نوعا ما ايجاد مثلا للعولمة مفهوم شافي حيث نجد اختلافات كل من منظوره ولكن حاولت قدر المستطاع الالمام بكل الشروحات و جمعها في وعاء واحد
اما بالنسبة للعراقيل التقنية فحدث لا حرج شخصيا واجهت الكثير منها بحكم ان حاسوبي تعطل فاظطررت لاستعمال حاسوب اخي الذي لا يحتوي على WORDو قد اخد ذلك وقتا كبيرا لكن الأهم هو اني انهيته و الحمد لله و أتمنى ان ينال رضاك
التعليقات (0)